صديق في ورطة
امتدَّ الانتظار فترةَ ساعةٍ كاملة … وأحسَّ «أحمد» بالقلقِ والتوتر، واتَّجه إلى التليفون مرةً أخرى، وأدارَ رقمَ «فرانك»، ودقَّ الجرسُ على الجانبِ الآخَر من المحيط في نيويورك، ولكنَّ أحدًا لم يردَّ … انتظر «أحمد» نحو دقيقتين دون ردٍّ من الجانبِ الآخر … وأدركَ أن «نانسي» قد خرجت، أو حدثَ لها مكروه.
مضت ساعتان تقريبًا، وتناولوا طعامَ العشاء، وقال «أحمد»: من الأفضل أن ننام، فمع فارقِ التوقيت، سوف نصلُ نيويورك على بدايةِ الليل مرَّة أخرى.
وبعد دقائقَ قليلة، كان الشياطين الأربعة قد استسلموا للنوم، فقد كان ضمن تمارينهم في المقرِّ السريِّ كيف ينامون في أيِّ وقتٍ يحتاجون فيه إلى النوم، والقدرة على اليقظة لفتراتِ طويلة … هكذا هي حياة المغامر.
ومضت الرحلةُ هادئة، ولم يستيقظ الشياطين إلا على صوتِ المضيفة وهي تعلن أنهم يُحلِّقون فوق مطار «كيندي» الدولي في نيويورك، وتطلب من ركابِ الطائرة ربْط الأحزمة، والامتناع عن التدخين، وبعد ربع ساعةٍ تقريبًا من هذا التنبيه، كانت الطائرة الجبَّارة تجري على أرض المطار، بعد رحلةٍ استمرَّت تسعَ ساعاتٍ دون توقُّف.
ولمَّا وصلوا إلى المطار أسرع «أحمد» إلى التليفون، واتصل ﺑ «نانسي» ولكنها لم تردَّ، وقام الشياطين بتسلُّم حقائبهم، ثم اندفعوا خارج المطار إلى شوارع مدينة نيويورك الصاخبةِ في أول الليل، وقد استيقظت حواسُّ المغامرة والقتال فيهم … وكان «أحمد» يشعر أنها مغامرته الشخصية، فهناك صديق في ورطة … صديق ساعده في وقت الحاجة … واستقلُّوا تاكسيًا إلى فندق «هيلتون» في «الروكفلر سنتر»، قلب مدينة نيويورك … واستغرقت الرحلة من المطار إلى الفندق الضخم ساعةً كاملة …
وكانت «إلهام» تنظر من نافذة السيارة قائلةً: من المدهش أننا مررنا بعشرات المغامرات، وسافرنا إلى أقاصي الأرض، ولم نأتِ مرَّةً واحدةً إلى نيويورك!
أحمد: ها قد جئنا أخيرًا.
عثمان: إننا في قلب الحضارة الحديثة للعالم، بكلِّ ما تحلمه كلمة الحضارة من تكنولوجيا وتقدُّم، وبقدرِ ما تحمل من تقدُّم، وتحمل من شر.
وصلوا إلى الفندق الكبير الذي يقف بأسلوب بنائه الحديث، مثل علبة سجائر ضخمة ارتفاعها خمسون طابَقًا، وبجواره عشراتٌ من ناطحات السحاب، بينها «الأمبيرستيت» التي ظلَّت نحو خمسين عامًا أعلى عمارة في العالم.
وقفوا في طابور انتظارِ تسجيل أسمائهم في الفندق، والحياة تتدفق هادرةً حولهم. وبمجرَّد أن انتهوا من تسجيل أسمائهم، حملوا حقائبهم واتجهوا إلى المصاعد … وكانت غرفهم في الطابق ٤٤ من الفندق الضخم.
نزل «أحمد» و«عثمان» معًا، و«زبيدة» و«إلهام» معًا … وأسرع «أحمد» إلى التليفون مرةً ثالثة، ولكن لا رد من «نانسي» … وبعد أن ارتاحوا قليلًا عقدوا اجتماعًا …
قال «أحمد»: من الواضح أن ثمَّةَ شيئًا حدث ﻟ «نانسي» … إنها لا تردُّ على التليفون …
زبيدة: أليست لدينا معلومات أخرى تُمكِّننا من الاتصال بها؟ …
أحمد: ليس إلا رقم التليفون الذي لا يرد …
إلهام: إننا نستطيع عن طريقِ الرقم أن نعرف العنوان، ونذهب إلى هناك. لنتصل بالسنترال، وسوف يدلُّنا …
أحمد: هذه فكرة ممتازة.
إلهام: إنها مسألة عاديَّة في هذه البلاد … كما في أوروبا.
ولم يكد «أحمد» يتحرَّك ناحية التليفون، حتى دقَّ الجرس … وقال «أحمد»: إن «نانسي» تعرف أننا سننزل في الهيلتون … لعلها هي.
أسرع يرفع السماعة … وسمع صوتًا خشنًا يقول: أنت «ريمون»؟
أحمد: نعم … إنني هو …
رجل: إنني من طرف «نانسي» …
أحمد: أين هي؟
الرجل: لا أعرف … لقد اتصلت بي في المساء، وقالت لي إنك ستصل إلى نيويورك ليلًا.
فإذا اتصلتُ أنا بها ولم أجدها، أقوم بالاتصال بك.
أحمد: هل أنت قريب من المكان؟
الرجل: إني أتحدث من صالة الاستقبال في الفندق …
أحمد: اصعد فورًا من فضلك.
نظر الشياطين بعضهم إلى بعض … كانوا جميعًا قد فكَّروا في نفس الشيء، أن «نانسي» قد حدث لها مكروه مثلما حدث ﻟ «فرانك»، وأن مهمَّتهم صعبة، بل أكثر صعوبةً مما تصوَّروا.
وبعد دقائق من الصمت، سمعوا جرس الباب، وأسرع «عثمان» يفتح، ودخل شابٌّ قصير القامة أحمر الشعر، يبدو على قدرٍ كبير من الطيبة، وقال مُقدِّمًا نفسه: اسمي «جون ماكموري» … وأصدقائي يسمونني «جوك» …
أحمد: أهلًا … «جوك»!
جوك: إنني أعمل مع مستر «فرانك» وزوجته اللذين يملكان سلسلةً من المطاعم الصغيرة تدعى «فانسي»، وهي كلمة مكوَّنة من اسمَي «فرانك» و«نانسي» …
وبلع «جوك» ريقه ثم مضى يقول: وقد نجحَت هذه السلسلة من المطاعم نجاحًا عظيمًا حتى أصبح «فرانك» و«نانسي» في عِداد الأغنياء … وقد سافرا في رحلة إلى إيطاليا، وقد بلغا قمَّة النجاح.
أحمد: لقد التقينا بهما هناك …
جوك: وبعد أن عادا من إيطاليا بدأت المتاعب … فقد لاحظنا قيام بعض البلطجية بالهجوم على هذه المطاعم، وافتعال مشاجراتٍ وخناقات، ثم تكسير المطعم، مما أدَّى إلى فرار الزبائن … ورغم أننا شكونا إلى بوليس نيويورك، فإن هؤلاء البلطجية كانوا يظهرون ويختفون كالأشباح.
أحمد: وماذا فعل البوليس؟
جوك: استطاع القبضَ على عدد منهم … ولكنهم كانوا من المهارةِ بحيث لم يمكن إثباتُ أيِّ شيء عليهم أكثر من توقيع بعض الغرامات عليهم، أو حبسهم بضعة أيام ثم الإفراج عنهم.
أحمد: وماذا بعد ذلك؟
جوك: إنني أعمل في سكرتارية مستر «فرانك»، وذات يومٍ تلقَّيت مكالمةً من شخصٍ يطلب الحديث إلى مستر «فرانك»، وعندما طلبت منه أن يخبرني باسمه ذكر لي اسم «بازوليني».
تغيَّر وجه «أحمد» بسرعة … وقال «جوك»: شيء مدهش! لقد تغيَّر لون وجهك عندما سمعتَ الاسم، وهذا ما حدث بالضبط للمستر «فرانك» …
أحمد: وبعد؟
جوك: أخبرت مستر «فرانك»، وسمعته يتحدث بعصبيةٍ شديدة مع هذا الرجل … وكان واضحًا أن «بازوليني» هذا يهدد مستر «فرانك» …
وصمت «جوك» لحظات، ثم قال: ووضع مستر «فرانك» السماعة، وبدا عليه الغضب الشديد، ثم قال لي إنَّ «بازوليني» هذا من زعماء العصابات، وإنه مُدبِّر كلِّ الحوادث التي وقعت في المطاعم التي يملكها مستر «فرانك»، وإنه يطلب منه مبلغ خمسة ملايين دولار مقابل وقف الاعتداءات على المطاعم، وطبعًا فإن مستر «فرانك» رفض لسببين: أولهما أنه لا يقبل هذا الابتزاز، والثاني — وهو الأهم — أنه لم يكن يملك هذا المبلغ بعد أن أصبحت سمعة المطاعم سيِّئةً نتيجةَ ما يحدث فيها من اعتداءات … وبدأنا نخسر بشكلٍ لا مثيل له.
وصمت «جوك» … وأخذ الشياطين يُفكِّرون أن كل هذا حدث لأن «فرانك» ساعدهم ضد «بازوليني» في مغامرة «مخالب القط الأسود» في فينسيا، ولقد أصبح لزامًا عليهم أن يقفوا بجانب «فرانك» في محنته … ولكن المهم من أين يبدءون؟ خاصَّةً وقد اختفى «فرانك»، ثم اختفت «نانسي» …
قال «أحمد»: وماذا بعد؟
جوك: بدا مستر «فرانك» مهمومًا وعصبيًّا طَوال الأسابيع الماضية، ومنذ خمسة أيَّام خرج ذات ليلةٍ من الشركة ولم يذهب إلى البيت، وأبلغنا البوليس، ولكنَّ أحدًا لم يعثر عليه … وعندما حكيت للبوليس عن موضوع «بازوليني»، قالوا إنهم لا يعرفون أحدًا بهذا الاسم من المسجلين عندهم في سجلَّات المجرمين.
أحمد: بالطبع، إنه ينتحل اسمًا آخر دخل به الولايات المتحدة …
جوك: وقد تولَّيت العمل بعد تغيُّب مستر «فرانك» … وأخذت أنا والسيدة «نانسي» نحاول إصلاح الحال … ولكن المسألة كانت أكبر من إمكانيَّاتنا … وأمس مساء، تلقَّت مسز «نانسي» مكالمةً تليفونيةً أثارت اضطرابها، وفهمت أنها ذاهبة لمقابلة مستر «فرانك» في مكان ما … ولكنها لم تعُدْ أيضًا، بعدما أوصتني أن أتصل بكم …