بداية الصدام
ناقش الشياطين الأربعة خُطَّة الغد بناءً على معلومات «جوك» و«بلاك» … ثم فتحوا الجيوبَ السريَّةَ في حقائبهم، وأخرجوا أسلحتهم الصغيرة، ووضعوها في ملابسهم العادية، وفي الحادية عشرة ليلًا، استسلموا للنوم العميق.
استيقظوا في صباح اليوم التالي على تليفون من «جوك» … تحدث إلى «أحمد» قائلًا: لقد أرسلتُ فرقةَ نظافةٍ لإعداد فرع «مانهاتن» … سيكون المحل جاهزًا قرب المساء.
أحمد: عظيم … سنكون هناك في السادسة …
جوك: هل تريدون أن أرسل لكم بعض رجالي؟
أحمد: شكرًا … كلُّ ما نريده ثياب مناسبة للعمل.
جوك: إن الملابس جاهزة في المحل … وأظن أن عندنا مقاساتكم …
أحمد: إذا اتصل بك «بازوليني» أو «فرانك» أو «نانسي»، فأرجو أن تتصل بي للأهمية …
جوك: طبعًا … طبعًا … إنني أدعو لكم بالتوفيق.
وخرج الشياطين الأربعة واستأجروا سيارتين من طراز «موستانج» القوية … وطافوا مرَّةً أخرى بفرع «مانهاتن»، ثم قضَوا بعض الوقت في زيارةٍ سريعة لتمثال الحرية، وركبوا القارب الضخم إليه، وتناولوا وجبةً خفيفة من «الهامبورجر»، ثم عادوا إلى الفندق … وتحدَّث «أحمد» إلى «بلاك» الذي قال إنه ليست هناك معلومات جديدة …
ناموا جيِّدًا بعد الظهيرة، وفي الخامسة كانوا يركبون السيارتين، وتوجَّهوا على الفور إلى «مانهاتن»، وأوقفوا السيارتين ثم دخلوا المحل … كان قد تغيَّر إلى حدٍّ بعيد، وعاد إليه النظام والنظافة، ولم يكن فيه إلا شابٌّ «زنجيٌّ» صغير السن يقف في الباب … وعندما رآهم قال مبتسمًا: إنكم شجعان …
أحمد: لماذا؟
الزنجي الصغير: إن أحدًا لم يقبل العمل في هذا الفرع …
أحمد: وأنت شجاعٌ أيضًا … فقد قبلت العمل.
الزنجي الصغير: إنني أُدعى «مالكوم»، فما هو اسمك؟
أحمد: اسمي «ريمون» …
مالكوم: هل أُعلِّق لافتة أن المحل مفتوح؟
أحمد: فورًا …
دخل الشياطين الأربعة إلى الغرفة الخلفية، حيث ارتدَوا ثياب العمال … وقابلهم الطباخ وكان زنجيًّا أيضًا، عجوزًا مرِحًا … أُعجبَت به «إلهام» كثيرًا عندما قال لها: إنكِ فتاة فاتنة … فلماذا تعملين في هذا المكان؟
إلهام: أكل العيش …
ضحك الزنجيُّ العجوزُ وقال: ولماذا لا تأكلين شوكولاتة؟
إلهام: ثمنها غالٍ.
الزنجي: هل تعرفون ما يحدث هنا؟
إلهام: نعم …
هزَّ الزنجي رأسه الأشيب وهو يقول: سأختبئ عندما يبدأ القتال …
إلهام: من الأفضل أن تتفرج …
وخرج الشياطين الأربعة، وانتشروا بين الموائد والكراسي الثابتة … ومضت نصف ساعةٍ ثم دخل شابٌّ ومعه فتاة. كان واضحًا أنهما متعبان وقادمان من سفرٍ بعيد …
ذهبت إليهما «زبيدة»، فطلبا ساندويتشات وكوكاكولا. جاءت «زبيدة» بالطلبات، بينما جلست «إلهام» خلف آلة النقود، ووقف «أحمد» بجوار الباب، و«عثمان» وسط المحل. تبادل الزَّبون الحديث مع «زبيدة»، وقال إنه قادم من ولايةٍ بعيدة مع زوجته، وإنهما أول مرَّة يحضران إلى نيويورك.
وبعد دقائق أخرى، دخلَت سيدةٌ ومعها طفلها، ثم رجلٌ شديد الأناقة … وابتسم «عثمان»، فهؤلاء جميعًا لا يعلمون ما سيحدث بعد قليل … ولكن الوقت مضى دون أن يحدث شيء، واقتربت الساعة من العاشرة، وعدد الزبائن يتزايد … وخرج الطباخ العجوز ينظر إلى الصالة، وقد بدت في عينيه الدهشة … ولكنها دهشةٌ لم تطُل، فقد ظهر رجلان في مدخل المحل، تبعهما ثالث، ثم رابع … وأشار أحدهم إلى «زبيدة»، فذهبت إليه … فقال بلهجةٍ وقحة: ماذا تبيعون هنا؟
ردت «زبيدة»: كل ما تطلب يا سيدي …
الرجل: هل عندكم ساندويتشات من لحم الفيل؟
هزَّ «أحمد» رأسه إلى «زبيدة»، وهي إشارة تعني: تحرَّشي به … فردَّت على الفور: إذا أخذنا قطعةً منك، فمن الممكن أن تكون ساندويتش لحم الفيل …
احمرَّ وجه الرجل، وضرب المنضدة بيده، وصاح: أنتِ …
وقبل أن يُكمل جملته، كان «عثمان» قد انقضَّ عليه، ولوى ذراعه إلى الخلف بشدةٍ جعلته يصيح … وتدخَّل زميل له، ووجَّه لكمةً قويَّةً إلى وجه «عثمان»، ولكن ذراعه لم تصل إلى هدفها؛ لأن «أحمد» كان قد قفز وشدَّ ذراعه إلى الخلف، ثم أداره، وضربه ضربةً قويَّةً أوقعته على وجهه … وسرعان ما بدأ القتال …
أسرع الزبائن بالفرار من المكان، وأشار «أحمد» إلى «مالكوم» الذي كان يتفرَّج مذهولًا … أشار إليه أن يُغلق الباب، وبدأ الشياطين ينصبون السيرك للرجال الأربعة … فهم يقفزون، ويضربون … ويصيبون في كلِّ مرَّة. وفجأة، أخرج أحد الرجال مُدْية، وهاجم «أحمد» الذي أخذ يتقهقر إلى الخلف … وكان الزنجيُّ العجوزُ يُطلُّ من خلف حاجز المطبخ يراقب ما يحدث … وبسرعةٍ ودون أن يتوقَّع «أحمد»، أسرع مالكوم الصغير يقفز، ثم يرفع طبقًا ثقيلًا ويهوي به على ذراع الرجل الذي صرخ متألِّمًا … وفي لحظة، كان «أحمد» قد طار في الهواء، وضربه ضربةً طرحَته أرضًا بلا حَراك، وبعد أقلِّ من ساعة، كان الرجال الأربعة ينطرحون أرضًا وهم في حالةٍ يُرثى لها … وأسرع «أحمد» إلى التليفون واتصل ﺑ «بلاك».
أحمد: «بلاك» … هل لك عَلاقةٌ بالبوليس هنا؟
بلاك: طبعًا … عَلاقة قويَّة …
أحمد: أرسل بعض رجال البوليس إلى «مانهاتن» … شركة فانسي، لقد أوقعنا بأربعةٍ منهم.
بلاك: سوف يُفرج عنهم القاضي بكفالة …
أحمد: ولو احتفظنا بهم … ماذا سيكون موقف البوليس؟
بلاك: إنني أستطيع أن أغطِّي موقفكم … ماذا تريد بالضبط؟
أحمد: أريد أن أساوم عليهم …
بلاك: ما هي القصة بالضبط؟
أحمد: ليس هناك وقت … هل عندك مكان يُمكن نقلهم إليه؟
بلاك: بالطبع، عندي مخزنٌ على رصيف نيويورك … رقم ١١٣.
أحمد: انتظرنا هناك.
قام الشياطين الأربعة بشدِّ وَثاق الرجال، وطلبوا من «مالكوم» أن يقف ويراقب، وسرعان ما تمَّ نقلُ الرجالِ الأربعة إلى السيارتين … وانطلقتا بالشياطين.
كان الظلام دامسًا على رصيف نيويورك، ولكن الشياطين استطاعوا أن يصلوا إلى المخزن رقم ١١٣، وكانت الرياح تهبُّ بشدَّة، وتخترق جدران المخزن الخشبيِّ بما يُشبه عويل الذئاب … وعلى ضوء السيارتين، شاهدوا شخصًا يقِف وقد وضع يديه في جيوبه، ورفع ياقة معطفه، ويلبس نظارات سوداء … ولولا أن الشياطين متأكِّدون أن رقم «صفر» بعيد عنهم بآلاف الأميال، لقالوا إنه رقم «صفر».
انفتحت أبواب المخزن، ودخلت السيارات … وكانت مفاجأة … ففي داخل الكشك الخشبي الطويل، كان ثمَّة مخزن آخَر متينُ البنيان، ساطعُ الضوء، يُغطِّي جُدرانَه الرخام …
وفي دقائقَ قليلة، تمَّ نقلُ الرجال الأربعة إلى داخل المخزن، ثم وُضِع كلٌّ منهم في غرفةٍ مستقلَّة … وتبيَّن الشياطين على الفور أنها ثلاجات مستقلَّة …
وبعد لحظات، دقَّ جرس المخزن، وسمعوا «بلاك» يتحدَّث: إنني أتحدَّث إليكم من سيارتي … ثم أملاهم الرقم، وقال: إنني أتجوَّل حول الرصيف، إذا احتجتم لي فإنني أستطيع أن أصل إليكم في دقائق.
وجلست «إلهام» و«زبيدة» في الحراسة خارج الغُرَف … بينما فكَّ «أحمد» و«عثمان» وَثاق أحد الرجال الذي بدأ يُفيق من غيبوبته … ونظر حوله في دهشة وقال: أين أنا؟
عثمان: أنت في مكانٍ أمينٍ جدًّا …
الرجل: ومن أنت؟
عثمان: لعلَّك تذكرني. إنك حاولت أن تضربني.
الرجل: ما هي الحكاية بالضبط؟
عثمان: نحن الذين نريد أن نعرف.
فزِع الرجل قليلًا، ثم قام واقفًا يفرك عينيه … وألقى عليه «عثمان» ببعض الماء البارد … وفجأة، ثار الرجل وهجم على «عثمان» قائلًا: ماذا تفعل أيها الولد التافه؟
زاغ «عثمان» من الرجل، ثم دفعه بقوَّة، فارتطم بالحائط، واستدار وقد بدت الدهشة في عينيه.
وقال «عثمان»: اسمع … أمامك دقيقة واحدة لتقول لي من أنت ومع من تعمل …
ردَّ الرجل بسرعة: لا دقيقة ولا ساعة، لن أقول شيئًا.
عثمان: عظيم …
خرج «عثمان» و«أحمد» وأغلقا الباب خلفهما، ثم أدارا الثلاجة التي ارتفع صوت مُحرِّكها في الليل … وقال «أحمد»: لنُدِرْ الثلَّاجات كلَّها …
ودوَّت المحرِّكات، وجلس الشياطين الأربعة هادئين، ثم قام «أحمد» بالاتصال ﺑ «جوك» الذي ما كاد يسمع صوته حتى صاح: ماذا فعلتم برجال «بازوليني»؟ …
ردَّ «أحمد»: لا شيء … إنهم رجالٌ لم يتهذَّبوا كفاية، وسوف نُعلِّمهم الأدب …
جوك: إنهم قلبوا الدنيا عليهم … وقد اتصل بي، وهدَّدني بقتل «فرانك» إذا لم يعد رجالُه.
أحمد: دعه يتَّصِل بنا … وهذا هو رقم التليفون.