نقطة التَّماس
لم تمضِ سوى دقائق قليلة عندما دقَّ جرسُ التليفون، ولم تكد «إلهام» ترفع السمَّاعة حتى سمعَت صوتًا خشنًا قاسيًا يصيح: من أنت؟
ردَّت «إلهام» بهدوء: أليس من الأدب أن تقول من أنت أولًا؟ … إنك أنت الذي تطلب!
صاح الرجل: أعطِني رجلًا أكلِّمه.
إلهام: إنني زميلة من المجموعة التي تريد التحدُّث إليها … وتستطيع أن تقول ما تريد.
الرجل: سأدقُّ عِظامكم … سأجعلكم أمثولةً لكلِّ من تُحدِّثه نفسه أن يقف في طريقي … إنكم لا تعرفون من أنا …
إلهام: إننا نعرف من أنت …
وتَجمَّع الشياطين حول «إلهام»، ومضت تقول: لقد سبق أن تعرَّفنا من قبل، وجعلناك أنت ورجالَك تهربون كالفئران … ولهذا سمَّيتم أنفسكم «فئران نيويورك»، والفئران أفضل منكم بكثير.
صمَت الرجل لحظات … كان واضحًا أنَّه غاضب حتى إنه لا يستطيع الكلام … ثم انفجر: إني لا أذكر شخصًا وقف أمامي … لقد حطَّمت كلَّ من حاول أن يقاومني …
إلهام: إن ذاكرتك ضعيفة يا سيِّدي … حاوِل فقط أن تتذكر، ثم دعني أقل لك إنه ليس من البطولة أن تتعرض لرجلٍ مسالم هو وزوجته، وتبتزَّ أموالهما بأعوانك من السفلة والرعاع، ولو كنت زعيمًا حقيقيًّا كما تدَّعي لخرجت بنفسك لنرى ماذا تستطيع أن تفعل.
صاح الرجل كأنه سينفجر: سأجعل رجالي يُحطِّمون عظامكم. إن من تسمُّونهم فئرانًا هم أقوى رجالٍ في أمريكا.
إلهام: إذا كان ذلك حقًّا … فهم الآن موضوعون كالأسماك الباردة في الثلاجات، وسوف نتركهم حتى يتجمَّدوا.
الرجل: رجالي أنا؟!
إلهام: نعم … أربعة من البلطجية … وقد أخذوا علقةً يستحقِّونها.
صمت الرجل لحظاتٍ ثم قال: إنني أريد أن أتأكَّد.
قالت «إلهام» ﻟ «أحمد»: إنه يريد الحديث إلى أحد رجاله.
أسرع «عثمان» إلى إحدى الثلاجات الأربعة … وأخرج الرجل الذي كان قد بدأ يحسُّ بالبرد … وقال له: تعالَ كلِّم زعيمك.
أخذ الرجل يسير متردِّدًا وقد تأثَّر بالبرودة … ورفع سماعة التليفون وقال: أنا «جو» أيها الزعيم.
وصمت قليلًا، وأخذ لون وجهه يتغيَّر … ثم قال: ماذا نفعل يا زعيمي؟ إن هؤلاء الأولاد كأنهم شياطين …
وابتسم الشياطين الأربعة، فقد صدَق الرجل فيما قال … وعاد الرجل يستمع لحظاتٍ ثم قال: إنني في ثلاجة أيُّها الزعيم، وسوف نتجمَّد بردًا … من الواضح أنهم لن يتردَّدوا في تركنا نموت …
واستمع لحظاتٍ أخرى، ثم ناول السماعة إلى «عثمان»، واستمع «عثمان» على الطرَف الآخر إلى صوت الرجل الذي قال بهدوء: اسمع أيها الشاب … إنني أريد أن أصل معكم إلى اتفاق …
عثمان: إننا على استعداد.
الرجل: ماذا تريدون بالضبط؟
عثمان: نريد الإفراج عن «فرانك» و«نانسي» فورًا، وعدم التعرُّض لهما.
لم يكد الرجل يسمع «فرانك» و«نانسي» حتى صاح كالمجنون: ما لكم أنتم وهذين الشخصين؟
عثمان: إنهما صديقان لنا.
الرجل: صديقان؟! إن بيني وبين «فرانك» هذا ثأرًا … لن أتركه إلا إذا دفع الثمن …
عثمان: أؤكد لك أنه لن يدفع … وإذا لم تُفرِج عنه، فستكون البداية تثليج رجالك الأربعة حتى الموت … بعدها سوف نطاردك …
صاح الرجل: هل تُهدِّدني؟ … أنت تطاردني؟ … أنتم؟
عثمان: نعم … نحن … والآن، هل نصل إلى اتفاق؟
الرجل: لا اتفاق على إطلاق سراح «فرانك» و«نانسي» قبل دفع ثلاثة ملايين. لقد كانوا خمسة، ولكني خفَّفت المبلغ رأفةً بهما …
عثمان: لن يدفعا مِلِّيمًا واحدًا.
الرجل: إنك مُتصلِّب الرأي جدًّا أيها الشابُّ … كن على حذَر … وإلا …
عثمان: ماذا بعد إلا هذه؟!
سكت الرجل لحظات، ثم قال: سوف أتَّصِل بكم بعد قليل …
رفع «عثمان» السماعة، وروى بسرعة ما جرى بينه وبين الرجل … وكان ذلك واضحًا لبقيَّة الشياطين …
أعادوا الرجل إلى الثلاجة … وكان «أحمد» مستغرقًا في صمتٍ عميق … وسألته «إلهام»: ماذا هناك يا «أحمد»؟
أحمد: أظن أن الرجل يُدبِّر شيئًا ما. إن هؤلاء الأوغاد لا يمكن أن يستسلموا بسهولة.
إلهام: من الواضح أن الضغط عليه بواسطة القبض على أعوانه لن يجدي …
أحمد: كنت أعرف ذلك من البداية … فهؤلاء الأربعة أوغاد لا قيمة لهم … ولا يمكن استبدالهم ﺑ «فرانك» و«نانسي» …
زبيدة: إذن ما هي خطتك؟
أحمد: لقد بدأ نجاح خطتي، إنني فقط كنت أبحث عن نقطة التَّماس مع العصابة … كنت أريد أن أصطدم بهم مباشرة، وليس عن طريق «جوك» … فإن …
ولكن «أحمد» لم يُكمل جملته، وقفز فجأةً … ووقف بقيَّة الشياطين في نفس الوقت … لقد سمعوا صوت سيَّاراتٍ تقترب، وعرَفوا أن استنتاج «أحمد» صحيح … وأن «بازوليني» يُدبِّر شيئًا … وتوقَّفت السيارات أمام المخزن تمامًا، وسمِعوا صوت السيارات وهي تُفتح وتُغلق، وصوت أقدامٍ تقترب …
أشار «أحمد» للشياطين، فتفرَّقوا جميعًا، وسمعوا دقًّا على الباب … وكان الباب يُفتح بواسطة مفتاحٍ كهربائيٍّ على مكتب الصالة الكبيرة … ضغط «أحمد» المفتاح، وفتح الباب … وكانت مفاجأةً … دخل «جوك» يترنَّح، وقد رُبطَت يداه خلف ظهره، وبدا مصابًا في أكثر من موضع، ووقف رجلان خلفه يمسكان بالمدافع الرشاشة … وصاح واحد منهم: إن صديقكم ستصيبه رَصاصة في رأسه إذا لم تُسلِّموا الأولاد الأربعة …
وقف «جوك» مكانه ينظر إلى الصالة الفارغة … فقد اختفى الشياطين الأربعة في الأركان المظلمة … وفجأةً انطلقت «بطَّةُ» «عثمان» … هذه الكُرَة المطَّاطية الرائعة التي تطير بسرعة البرق، وتصيب الرأس تمامًا، ويسقط من يُصاب بها في إغماءة طويلة …
أطلق «عثمان» بطَّته التي لا تفارقه، وأصاب أحد الرجلين في جانب رأسه، فسقط كما يسقط الجِوال الفارغ … وعندما التفت زميله إليه، كان «أحمد» ينقضُّ من جوار الحائط عليه، ثم يسقط أرضًا بسرعة، ويتدحرج معه إلى داخل المخزن في الجانب المظلم منه … بينما اندفع «عثمان»، فحمل «جوك» كما يُحمَل الطفل، وأسرع به جانبًا.
وسمعوا صوت أقدامٍ أخرى تقترب … ثم انطلقت أفواه المدافع الرشاشة ترشُّ صالة المخزن بالرَّصاص، ولكن الصالة كانت خالية … وفي الظلام وقفت «إلهام» و«زبيدة»، كلٌّ منهما تحمل مسدَّسًا عيار ٤٥، وأخذت الرَّصاصات تنطلق بدقَّةٍ بالغة … وحسب اتفاق الشياطين الأربعة، فقد كانت هذه الرَّصاصات تصيب أيدي أعضاء العصابة وأرجلهم فقط … لم يكن الشياطين من هواة القتل … إنهم فقط يحاولون تعجيز أعدائهم …
ومرَّت دقائق، والرَّصاص ينطلق كالخيوط، في خطٍّ مستقيم، ليصيب رجال العصابة الذين أسرعوا بالفرار، بعد أن ألقَوا بأسلحتهم، ودارت المحرِّكات مرَّةً أخرى، وانطلقت السيارات عائدةً … وفي هذا الوقت كانت أصوات سجناء الثلاجات ترتفع … لقد ظنُّوا أن زملاءهم قد سيطروا على الموقف … ولكنَّهم في النهاية اكتشفوا أنهم اندحروا، وفرُّوا هاربين.
وصاح أحدهم: أخرجوني من هذا الجحيم المثلَّج، إنني على استعدادٍ للكلام …
وأسرع الشياطين الأربعة، وأخرجوا الرجل وهو يرتعد، كأنه قد اتصل بمولِّدٍ كهربائيٍّ … وأسرعوا به إلى غرفةٍ دافئة، ولفُّوه بالبطاطين … وبدأ الرجل يقول: هذه أول مرَّةٍ يُعاملني أعدائي بهذه الرحمة.
عثمان: نحن لسنا أعداءك … إن زعيمك هو الذي جعلك عدوًّا لنا، فنحن لا نريد بك شرًّا.
الرجل: المشكلة هي أنه رجلٌ رهيب … إنه ينتقم بسرعةٍ وبشدَّة … وأنا أخشى على حياتي.
عثمان: إن زعيمك قويٌّ بكم … فإذا تخلَّيتم عنه، فسوف يُصبح أضعف من كتكوت … وها أنتم ترون أننا أربعة، وقد هزمناه في معركتين …
الرجل: ومن يحميني منه؟
عثمان: نحن نحميك … ثم إنه إذا وقع في قبضة البوليس، فلن يستطيع شيئًا بعد ذلك …
وكان صياح الرجال الثلاثة الآخرين يُدوِّي وهم يطلبون إخراجهم من الثلاجة … وسرعان ما أخرجهم الشياطين، وبدأت الاعترافات …
قال الرجل الذي خرج أولًا: إننا لسنا إلا مجرَّد أفرادٍ صغارٍ من هذه العصابة الجهنَّمية.
إننا جميعًا من الملاكمين السابقين … لم يعُدْ في إمكاننا أن نلاكم على الحَلْبة؛ ولهذا فنحن نعمل من أجل أكلِ العيش …
عثمان: إن هناك ألف طريقةٍ للحياة الشريفة … فلماذا الشرُّ والإجرام؟
سكت الرجال الأربعة …
وقال «جوك» الذي وقف يفرك يديه: إنني على استعدادٍ لتعيينكم في محلَّات «فانسي» بمرتباتٍ مجزية، وستكون مهمَّتكم حماية الزبائن من المشاغبين، بدلًا من عملكم مع العصابة … إنني أرجو أصدقائي أن يوافقوا على هذا الاقتراح …
أحمد: إنني موافق، وأعتقد أن زملائي موافقون أيضًا … إن ما يهمُّنا الآن هو تخليص «نانسي» و«فرانك» من أيدي العصابة، فما هي اقتراحات الزملاء الجدد؟