في جُحر الفئران
لم يردَّ أحد من الرجال الأربعة … ومرَّت فترة صمْت، ثم قالت «زبيدة»: عندي اقتراحٌ محدَّد.
التفتَ إليها الجميع، فقالت: يعود الرجال الأربعة إلى «بازوليني» … بعد أن انتصروا علينا …
بدت الدهشة في العيون، فمضت «زبيدة» تقول: سيقولون ﻟ «بازوليني» إنهم استطاعوا بطريقةٍ ما أن يتمكَّنوا منَّا، وقد أسروا اثنين … أنا أو «إلهام» و«أحمد» أو «عثمان» … وبهذا يدخل اثنان منا إلى قلب العصابة كأسيرَين، ويبقى اثنان في الخارج … إن معنا وسائل اتصالٍ يمكن أن نتَّصل بها من الداخل، ولا أظن أن العصابة سوف تفطن إليها …
وعندما نكون في الداخل، سنتمكَّن من معرفة كلِّ شيءٍ عن العصابة … وعن مكان «فرانك»، و«نانسي» … ولا أظن، ونحن الآن ثمانية، يمكن أن يهزمنا «بازوليني» … لقد اصطدمنا بمن هم أقوى من «بازوليني» عشرات المرات … ولن نقف مكتوفي الأيدي أمام زعيم عصابة «فئران نيويورك». وسكتت «زبيدة»، كان اقتراحها جريئًا وعمليًّا …
ولكن أحد الرجال الأربعة اعترض، قائلًا: إنكِ لا تعرفين «بازوليني»، إنه لن يُصدِّق حرفًا من كلامنا … وسوف نتعرَّض لتعذيبٍ رهيبٍ لنعترف …
زبيدة: لا بدَّ لكلِّ عملٍ من ثمن … وإذا كنت تخشى أن تتعرض للتعذيب، فإنني مُعرَّضة للتعذيب والقتل مثلك … ولكن هذه مهمَّتنا … وإلا فليذهب كلٌّ منا للتنزُّه في إحدى الحدائق، أو نعود إلى بلادنا وننسى المسألة.
عاد الصمت من جديد … ثم وقف أحد الرجال وقال: إنني معكم في هذه الخطَّة … إنكم ستُدبِّرون عملًا شريفًا لنا، وهذا ما كنَّا نريده منذ زمنٍ بعيد …
ولم يسَع الرجال الثلاثة الآخرين إلا أن يوافقوا … وجلس الجميع يُدبِّرون تفاصيلَ الخطَّة، ودَورَ كلِّ واحدٍ في العملية … وتمَّ الاتفاق على أن يقوم «عثمان» و«زبيدة» بدَور الأسيرَين … بينما يبقى «أحمد» و«إلهام» للمتابعة والهجوم في الوقت المناسب.
قال أحد الرجال الأربعة: لا تتوقَّعوا نتائجَ سريعةً لهذه العملية … إن المقرَّ الرئيسيَّ لعصابة «فئران نيويورك» لا يعرفه أحد، ولا ندري إذا كان «بازوليني» سيقابلنا أم لا … إنه رجل مراوغ، ولا أحد يعرف ماذا سيفعل …
زبيدة: دعوا العملية لنا … إننا نعرف كيف نتصرَّف مع هذا الوغد.
وسرعان ما قام «أحمد» و«إلهام» بشدِّ وَثاق «عثمان» و«زبيدة» كأسيرَين … ثم ركب الرجال الأربعة سيارتين، في كلِّ واحدةٍ منهما أحدُ الأسيرين … واطمأنَّ «أحمد» على أجهزة الاتصال الدقيقة، كما تسلَّح «عثمان» و«زبيدة» بأسلحةٍ خفيفةٍ من الصعب كشفها، وقبل أن تنطلق السيارتان، اتصل «أحمد» بعميل رقم «صفر»، الذي كان يقف في سيارته قريبًا، وطلب منه متابعة السيارتين، والاتصال به في الفندق بعد ساعة … ثم خرج «أحمد» و«إلهام» بسيارةٍ إلى الفندق، وهناك جلسا بجوار التليفون.
انطلقت السيارتان عائدتَين من الرصيف إلى قلب نيويورك المزدحم، ثم مرَّتا فوق كوبري «مانهاتن»، واتجهتا غربًا … وكانت العصابتان اللتان وُضعتا فوق عينَي «عثمان» و«زبيدة» تمنعانهما من رؤية الطريق، ولكن الرجال الأربعة كانوا يشرحون لهما خطَّ السير … وظلَّت السيارتان تَنْهبان الطرق المختلفة، حتى وصلتا إلى مكانٍ اختفت فيه ضوضاء الشوارع … وقال أحد الرجال: إن هذا هو المقرُّ الذي نلتقي فيه برجال «بازوليني» … واستعدَّا الآن للاستجواب.
انطلقت كشافاتٌ قويَّةٌ كشفت السيارتين، وفرقعت الأسلحة، وصاح شخص: مَن هناك؟
أخرج أحد الرجال رأسه من السيارة وقال: أنا «كاندي»، ومعي بقيَّة الرجال …
وسُمعت أصوات سلاسلَ ضخمة، ثم فُتح البابُ الحديديُّ، ومَرَقت السيارتان … وبعد نحو مائة مترٍ توقَّفتا تمامًا، وصاح «كاندي» بخشونةٍ مُصطَنعة: هيَّا!
ونزل «عثمان» من السيارة الأولى، ونزلت «زبيدة» من السيارة الثانية، وسمعا صوت الرجال يتحدَّثون.
قال «كاندي»: لقد أسرنا اثنَين من الأربعة … وقد هرب الآخران بمنتهى الجبن …
ضحك أحدُ الرجال وقال: سيُسرُّ الزعيم جدًّا بهذا الخبر، إنه يكاد يُجنُّ! فهو لا يُصدِّق أن أربعة أولادٍ يمكن أن يفعلوا هذا بنا …
وجرَّ الرجل «زبيدة» و«عثمان» بخشونةٍ إلى داخل الفيلَّا … ورفع أحد الرجال الأربطةَ فبَهَرَ عيونهما الضوءُ، وقال الرجل: هذا الولد وهذه الفتاة؟! هذا غير معقول!
قال «كاندي»: إنهما يقاتلان كالشياطين.
الرجل: سنرى الآن … سأتصل بالزعيم.
نظر «عثمان» و«زبيدة» حولهما … كانا في صالةٍ واسعة في فيلَّا قديمة، ويقف حولهما ثلاثة من الرجال المسلَّحين بالبنادق سريعة الطلقات … بينما كان الرابع يتحدَّث إلى «بازوليني» تليفونيًّا، وعندما ردَّ عليه صاح الرجل: أخبار طيِّبة أيها الزعيم … لقد استطاع «كاندي» وزملاؤه أن يأسروا اثنَين من هؤلاء الأولاد …
وأنصت الرجل، ثم ضحكَ وهو يقول: بالطبع أيها الزعيم. وسوف يدفع «فرانك» الآن، بعد أن سقط هؤلاء الأوغاد في أيدينا …
وسكت لحظاتٍ وهو يستمع ثم قال: إنهما ولدٌ وفتاة. واستمع قليلًا ثم قال: نستطيع بالطبع المحافظة عليهما حتى الصباح … وسينطلق بعض الرجال خلف الآخرين …
وسكت ثم قال: سنحملهما على الكلام طبعًا …
ووضع السماعة، والتفت إلى «عثمان» و«زبيدة»، وقال: أين الآخرون؟
ردَّ «عثمان»: لا نعرف …
الرجل: لا داعيَ للإنكار … إنك لن تحتمل ما سنفعله بك إذا لم تتحدث … وما دام الزعيم قد طلب أن يعرف أين هما … فيجب أن تتحدَّثا فورًا …
قال أحد الرجال: دعنا نضعهما مع «فرانك» و«نانسي» … ليعرف «فرانك» أن هذه هي النهاية، ويدفع ما هو مطلوب منه … إن ما يهمُّ الزعيم هو الحصول على المبلغ …
واقتيدت «زبيدة» إلى غرفةٍ في نهاية الدهليز، تنزل بضع درجاتٍ عن الأرض. ووجدت أمامها بابًا من الحديد الثقيل، فتحه الرجل ودفع بها إلى الداخل … كانت الغرفةُ مظلمة، لا يُنيرها إلا مصباح صغير جدًّا خافتُ الضوء في السطح … وشاهدت شبحَ شخصٍ مُكوَّم على فراش بجوار الحائط … وسمعت الصوت يقول … مَن؟
عرفت على الفور صوت «نانسي»، وهلَّلت: «نانسي»!
نانسي: «زبيدة»؟!
زبيدة: نعم … كيف حالكِ؟
نانسي: هل أسروكِ أنتِ أيضًا؟ … لقد فقدنا كلَّ أمَل …
لم تردَّ «زبيدة» … فقد كانت تتوقع أن توجد أجهزة تنصُّتٍ أو تسجيلٍ خفيفة، فاقتربت من «نانسي»، واحتضنتها، واستطاعت على الضوء الخفيف أن ترى وجهها النحيل، وجسدها الواهن، فانحنت عليها، وهي تهمس: لا تخشَي شيئًا …
نانسي: كيف؟
زبيدة: إن «ريمون» و«إلهام» في انتظار أيةِ إشارةٍ منَّا لاقتحام المكان … ولكننا لا نريد الإيقاع بالفئران فقط … إننا نريد الإيقاع بالقطِّ أيضًا …
نانسي: تقصدين «بازوليني»؟
زبيدة: نعم.
نانسي: وأين «فرانك»؟ … هل سمعتِ شيئًا عن «فرانك»؟
زبيدة: إنه حيٌّ يُرزق … لا تخافي شيئًا يا «نانسي».
وأمسكت «نانسي» بيد «زبيدة»، وقد أحسَّت بالراحة تغمرها … وأخرجت «زبيدة» من قاع حذائها قلمًا صغيرًا من الصُّلبِ القوي، وفتحت جزءًا فيه، امتدَّ منه «إيريال» صغير، وسرعان ما كان «أحمد» يتلقَّى رسالتها: «من «ز. ك. ش» إلى «أ. ك. ش» … الأخبار طيِّبة، أنا مع «نانسي». تستطيع أن تهاجم الآن. من الأفضل الانتظار حتى يقع الرجل الكبير …»
وردَّ «أحمد» على الفور: «من «أ» إلى «ز»، عظيم … لقد عرفنا مكانكم من «ع». رقم «صفر». إنه تبِعَكم، ويعرف مكانكم.»
وأغلقت «زبيدة» جهازها الثمين، ثم وضعته مكانه في قاع الحذاء، وفي تلك الأثناء كان «عثمان» يجلس أمام الرجال الثلاثة محاولين استجوابه … وبالطبع كان الشيطان الأسمر لم يقل لهما شيئًا ذا قيمة … رغمَ توعُّدهم له بالتعذيب الشديد.
وفي هذه اللحظة أيضًا اتَّصل عميل رقم «صفر» ﺑ «أحمد»، وقال: لقد علمتُ الآن أن «بازوليني» ومجموعةً من رجاله قد اتجهوا إلى مقرِّ الأسرى غرب «مانهاتن» …
أحمد: تعالَ لأخْذنا الآن إلى المكان … يبدو أن المعركة الكاملة مع «فئران نيويورك» قد أوشكت.