خطة «بازوليني»
وصل عميل رقم «صفر» في سيارة «لنكولن» ذات الاثني عشر سلندرًا، وهي أقوى السيارات الأمريكية على الإطلاق … ووصل «جوك» في نفس الوقت، فقال له «أحمد»: «جوك»، عُد إلى مكتبك، وابقَ بجوار التليفون … إن «بازوليني» يعتقد الآن أنه أوقعَ بنا، ومن الأفضل أن تبقى بعيدًا … إنه سيتَّصل بك في الأغلب ليطلب الدولارات … تظاهر بأنك لا تعرف شيئًا وقل له إنك ستدبر المبلغَ، وخذ منه موعدًا لتسليمه النقود … وستكون على اتصالٍ بنا … وأخرجَ «أحمد» جهازًا صغيرًا أعطاه ﻟ «جوك»، وشرح له طريقة استعماله، ثم قفز إلى السيارة بجوار «إلهام»، وانطلقت بهم في ليل نيويورك المخيف …
اتجهت السيارة إلى جُحر الفئران، حيث كان استجواب «عثمان» ما زال مستمرًّا … وسمعت «زبيدة» جهاز اللاسلكي الصغير يرِنُّ في حذائها، وأخرجت الجهاز واستمعت إلى «أحمد» يقول: نحن على بُعد نصف كيلومتر فقط من مكانكم … نراقب حضور «بازوليني» … استعدُّوا.
جلس «أحمد» و«إلهام» وعميل رقم «صفر» في السيارة المطفأة الأنوار داخل غابةٍ صغيرةٍ قُرب المنزل يراقبون … ولم يمضِ وقت طويل حتى ظهرت ثلاثُ سيَّارات مسرعة في اتجاه المنزل … وعندما اقتربت منه، أطفأت الأنوار بضع مرَّات، إشارةً للبوابة التي فُتحت … ولم يُضيِّع «أحمد» ولا «إلهام» وقتًا، فقد طلبا من عميل رقم «صفر» انتظارهما، ثم قفزا من السيارة، واتجها إلى الجزء الجنوبي من السور الضخم الذي يُحيط بالمنزل، وتسلَّقا السور في خِفَّة القرود، وأخذا يزحفان عليه حتى وجدا شجرةً عالية، نظرا إليها، ثم نزلا إلى الأرض.
سار «أحمد» وخلفه «إلهام» بسرعةٍ وبهدوء، خلال الأشجار التي تملأ حديقة المنزل، حتى اقتربا من المبنى، واختار «أحمد» نافذة، ثم أخرج دائرةً صغيرةً من الكاوتشوك ألصقها بالنافذة، ووضع أذنه عليها … كانت جهاز استماعٍ صغيرًا، ولكنه دقيقٌ جدًّا، فقد نقل إليه على الفور الحديث الذي يدور بالغرفة … وعرف على الفور صوت «بازوليني» الذي التقى به قبل ذلك … سمعه وأحسَّ بالرعدة تسري في بدنه … لقد كان زعيمُ العصابة المتوحِّش يرسُم صورةً داميةً لنهاية «زبيدة» و«عثمان» …
قال «بازوليني»: يجب أن نُلقِّن هؤلاء الأولاد درسًا لا ينسونه … لقد هزموني — وأنا أعترف بذلك — في معارك فينسيا … وقد آن أوان الانتقام … وأخذ صوت «بازوليني» الخشن يأخذ طابَع الحِدَّة وهو يصيح: إنني متأكِّد أنهم يُمثِّلون منظَّمةً سِرِّية، لا أعرف أين … وأعتقد أننا مهما حاولنا الضغط عليهم فلن يعترفوا … لهذا يجب … أن يموتوا …
وتحشرج صوت «بازوليني» من فرط الحدَّة والعنف، وقال: وسوف أُعِدُّ لهم قبرًا يليق بهم … هناك سدٌّ من السُّدود الكبيرة يُقام عند حدود الولاية … وهم يعملون فيه ليلَ نهار … ويصبُّون مئات الأطنان من الخرسانة المسلَّحة … وسوف نُلقي بهذا الفتى وهذه الفتاة في قلب الخرسانة وهي طريَّة … وسوف يختفون إلى الأبد في هذه الخرسانة … ولن يُفكِّر مخلوق في مصيرهما، بل حتى ولو عرفوا أنهما فيها … فكيف يمكن إخراج جثَّتَيهما … إنَّ نسفَ هذه الخرسانة مستحيل … إنها تحتاج إلى قنبلة ذرية لنسفها.
وسكت «بازوليني» وهو يلهث … وسمع «أحمد» صوت أحد الرجال يقول: ومتى يتم التنفيذ أيها الزعيم؟ …
بازوليني: الآن … لا وقت نضيعه … وهكذا يعرف «فرانك» و«نانسي» أن هؤلاء الأولاد لا يمكن أن يقفوا أمامي … أنا «باولو فرانكشسكو بازوليني».
وساد الصمت، وأشار «أحمد» إلى «إلهام»، فاقتربت منه، وأخذ يهمس بما سمع … بينما أذنه لا تزال على جهاز الاستماع الصغير … ثم قال «أحمد»: اتصلي ﺑ «زبيدة» … أخبريها بما دار … قولي لها إننا سنبدأ معركةً الآن فورًا، وسمع صوت «بازوليني» مرَّةً أخرى يصيح: «ماك»، «كروجر»، «جرانت»، عليكم بهذا الولد، وسيتبعكم ثلاثةٌ آخرون ومعهم الفتاة.
أخرج «أحمد» قنبلة دخانٍ صغيرة … وكذلك فعلت «إلهام»، ثم ابتعدا عن النافذة بما يكفي، وأطلق «أحمد» دفعةً من مدفعه الرشاش حطَّمت خشب النافذة وزجاجها … ثم ألقى بقنبلة الدخان خلالها … وكذلك فعلت «إلهام» …
وسمعا أصواتًا غاضبةً … وطلقات رَصاصٍ تُدوِّي … ونظر «أحمد» إلى أعلى المنزل حيث تمتدُّ أسلاك الكهرباء التي تُغذِّي المنزل، وأطلق عليها دفعةً أخرى من مدفعه، فساد الظلام، ووضع قناعًا على وجهه، وكذلك فعلت «إلهام» … وقفزا معًا في النافذة المفتوحة.
كان رجال العصابة يسعلون وهم يترنَّحون يمينًا وشمالًا … وفي هذا الوقت كانت «زبيدة» قد أخرجت مجموعةً من الأدوات الصغيرة من فردة حذائها الثانية، وأخذت رغم الظلام تعالج قُفلَ الباب ببراعة … ولم يمضِ سوى ثوانٍ قليلة حتى فتحَته وصاحت: «نانسي» … هيَّا بنا.
ثم قفزتا في ظلام المنزل …
كانت «زبيدة» تُمسك بيد «نانسي» … وكانت «نانسي» تصيح في الظلام: «فرانك» … «فرانك» …
ولكنَّ أحدًا لم يُجب …
ساد الذُّعر المكان … وكان «أحمد» و«إلهام» يطلقان مدفعهما في سقف المكان لزيادة الذعر … وأخذ رجال العصابة الذين أعماهم الدخان يجرون في كلِّ اتجاه … وفتحوا باب المنزل وأخذوا يجرون … وهذا ما كان «أحمد» يتوقَّعه بالضبط. فخرج إلى الساحة التي أمام المنزل. كان يريد اصطياد «بازوليني» … فهو يعرف أهمية أن يقضيَ على الزعيم.
كان عددٌ كبيرٌ قد خرج … إلا أن «بازوليني» لم يخرج مطلقًا …
وقفزت «زبيدة» وفي يدها «نانسي»، ولكن لم يظهر أثر ﻟ «فرانك» … و«عثمان»، وأحسَّ «أحمد» بالقلق … وفجأة، خطرت له فكرة …
صاح ﺑ «زبيدة»: اذهبوا جميعًا إلى الفندق … وانتظروني هناك …
وأسرعت «زبيدة» و«إلهام» و«نانسي» إلى سيارةٍ من السيَّارات الواقفة، وانطلقوا في سواد الليل يُغادرون المكان الذي دبَّ فيه الفزَع … بينما عاد «أحمد» يقتحم المكان مرةً أخرى، وهو يطلق ضوء بطَّاريَّته.
كان هناك بعض المصابين، ولم يكن بينهم «بازوليني» … وفجأةً التفت «أحمد» على حركةٍ مريبةٍ خلفه، وكاد يُطلق الرَّصاص، لولا أن سمع صوت «كاندي»، أحد الرجال الأربعة الذين اتفق معهم، وهو ينظر من خلال بابٍ موارَب.
صاح «أحمد»: «كاندي»، أين «بازوليني»؟ أين «عثمان»؟
خرج «كاندي» من الغرفة وهو بادي الذهول، وقال بصوتٍ خافض: لا أدري ماذا حدث.
أحمد: إنهما لم يخرجا من الباب … إنهما ما زالا هنا، هل معك مسدَّس؟
كاندي: لا.
ناوله «أحمد» مسدَّسًا، وقال: سنُفتِّش المكان …
ومضيا معًا من غرفةٍ إلى غرفة، ولكنَّ أحدًا لم يكن هناك، وفجأةً صاح «كاندي»: كنت أسمع أن في هذا المكان مخزنًا تحت الأرض.
أحمد: أين؟
كاندي: أظنُّ أنه خلفَ أحد أبواب المطبخِ الخلفي.
ومضيا معًا إلى المطبخ … ووجدا بابًا مفتوحًا في نهايته … وأسرع «أحمد» يضيء مصباحًا كهربائيًّا، ويُلقِي بضوئه داخل الباب … وفعلًا وجد سُلَّمًا ينزل إلى أسفل … وأخذ ينزل مسرعًا، وخلفه «كاندي» … كانت المياه تغمر السُّلَّم والدهليز الصغير الذي يمتدُّ بعده … وأخذت الفئران الضخمة تقفز هنا وهناك … وتصوَّر «أحمد» أن «بازوليني» ربَّما سمَّى عصابته بهذا الاسم نسبةً إلى هذه الفئران … ظلَّا يخوضان المياه حتى وصلا إلى نهاية الدهليز، الذي انحرف صاعدًا. وكم كانت المفاجأة أن وجدا الدهليز ينتهي عند سُلَّمٍ آخَر … صعدا ووجدا في نهاية السُّلَّم بابًا، ولاحظا أن هناك ضوءًا خلف الباب … ومرَّةً أخرى أخرج جهاز الاستماع الصغير، وألصقه بالباب، وأخذ يسمع.
كان «بازوليني» يتحدَّث مرَّةً أخرى غاضبًا: ماذا حدث لنا؟ هؤلاء الأولاد يضحكون علينا! إنكم مجموعة من الأوغاد لا فائدة فيكم. لولا أنني استطعت أخذ «فرانك» وهذا الولد الأسمر لنفَّذُوا خُطَّتهم كاملة. إن هناك خوَنة بيننا … وإلا فكيف عرفوا بمكاننا! كيف استطاعوا مفاجأتنا في وقتٍ كنَّا نعتقد فيه أننا انتصرنا؟ هناك خيانة!
لم يردَّ أحد، فعاد «بازوليني» يقول: أين «كاندي» والثلاثة الذين كانوا معه؟
قال أحد الرجال: لعلَّ «كاندي» أُصيب أيها الزعيم … ومعنا من الثلاثة «باسترودس».
صاح «بازوليني»: «باسترودس»، أيها الكلب الحقير … قل لي الحقيقة وإلا سلخت وجهك.
ردَّ «باسترودس» بذِلَّة: إننا لم نرتكب الخيانة أيها الزعيم … إننا …
بازوليني: إنكم خوَنة … وسوف أُثبت لكم ذلك … ولكن ليس الآن موعد الحساب … سوف أرسل لرجالي في الجانب الشرقي للحضور … وسوف نرى من المنتصر في هذه المعركة … سوف أبيدهم … وسوف أدمِّر «فرانك» إذا لم يدفع الدولارات.