قطط وفئران
فكَّر «أحمد» لحظات … إنه و«كاندي» فقط لا يستطيعان مهاجمة «بازوليني» الآن … إن ما يهمُّه أولًا هو إنقاذ «عثمان» و«فرانك» … فإذا كان «بازوليني» سيُنفِّذ خُطَّته الجهنَّمية في إلقاء «عثمان» في الأسمنت المسلح، فيجب أن تكون مهمَّته الأولى هي إنقاذ «عثمان».
التفت «أحمد» إلى «كاندي» قائلًا: «كاندي» … إنني لا أريد أن أُعرِّضك للمشاكل … ولكن هل أنت على استعدادٍ للاستمرار معنا؟
ردَّ «كاندي»: بالطبع أيها الصديق … لقد أعطيتك كلمة …
أحمد: إن زميلنا «عثمان» في أيديهم الآن … وأخشى أن يُنفِّذ «بازوليني» خطَّةً كان يتحدَّث عنها، وتقضي بإلقاء «عثمان» في الأسمنت المسلَّح لأحد السدود التي تُنفَّذ عند حدود الولاية …
كاندي: إنني أعرف مكان هذا السد.
أحمد: عظيم … سأستمع مرَّةً أخرى … ونضع خُطَّتنا …
وضع «أحمد» جهاز الاستماع مرَّةً أخرى على زجاج الباب، وأخذ يسمع، ولكنَّ الصمت كان يلفُّ المكان، فقال ﻟ «كاندي»: إنهم غادروا المبني … هيَّا بنا …
دفع «أحمد» الباب ودخل … لم يكن هناك أحدٌ بالدَّاخل … ولكنَّه سمع صوتًا يتحدَّث … اتجه إلى مكان الصوت … شاهد شخصًا مسلَّحًا يقف أمام باب غرفةٍ موارَبة، يتحدَّث إلى شخصٍ في الداخل، كان الرجل يقول: لا تخف … إنني لن أقتلك …
وسمع «أحمد» صوتًا في الداخل عرَف فيه على الفور صوت صديقه «فرانك»، وكان يقول: إنني لا أخاف، ولكنَّ زوجتي …
وقبل أن يكمل جملته، كان «أحمد» ينقضُّ على الرجل المسلَّح، فيديره دورةً كاملة، ثم يُطلق ذراعه في قذيفة تصيب وجهه، فيسقط على الأرض … وقفز «أحمد» ودخل الغرفة وهو يقول: «نانسي» في خير.
كان «فرانك» مُلقًى على الأرض، وقد شُدَّت يداه وقدماه … وبدا شاحبًا وضعيفًا، وأسرع «أحمد» إليه، وفكَّ وَثاقه، وهو يقول: سيأخذك أحد أصدقائنا إلى الفندق، وسألحق بك بعد قليل …
فرانك: إلى أين تذهب؟
أحمد: إن «بازوليني» ينوي إلقاء «عثمان» في أسمنت أحدِ السُّدود، في محاولةٍ للانتقام منَّا … سأذهب لإنقاذه …
فرانك: سآتي معك.
أحمد: لا …
فرانك: لا يمكن أن أتركك وحدك.
أحمد: إذَن هيَّا بنا، فالوقت ضيِّق …
وخرج الرجال الثلاثة من المنزل … كانت هناك سيَّارة «أحمد» التي حضر بها مع «إلهام»، فأسرعوا إليها، وجلس «كاندي» إلى عجلة القيادة، وانطلقت السيارة في شوارع نيويورك الواسعة، وكانت الساعة قد بلغت الثالثة صباحًا … أطلق «كاندي» العِنان للسيارة … فقد كان «بازوليني» ومن معه يسبقونهم ببضع دقائق … وكانت تباشير الفجر قد بدأت تلمع في الأفق.
وقال «كاندي»: سنصل في الوقت المناسب …
أحمد: كيف عرفت؟
كاندي: لأن العمل في الخرسانة لن يبدأ قبل ساعة … إن لي أخًا يعمل هناك …
وواصلت السيارة سرعتها … بينما كان «أحمد» يروي ﻟ «فرانك» ما حدث … وكان «فرانك» يُربِّت على كتفه قائلًا: كنت واثقًا أنك ستأتي لنجدتي … إن هذا الخنزير «بازوليني» كاد يُحطِّمني.
أحمد: إننا أصدقاء … وما قيمة الصديق إذا لم يتدخَّل في وقت الشِّدة؟!
مضت ساعة … وبدأ «أحمد» يحسُّ بالقلق … وقال ﻟ «كاندي»: هل ما زال المكان بعيدًا؟
كاندي: عشر دقائقَ أخرى …
وبدأت السيارة تقترب من مكان السد … وسمعوا جميعًا صوت الماكينات الضَّخمة وهي تهدر من بعيد، وارتفعت السيارة فوق أحد التلال … وعلى ضوء الفجر شاهدوا سيارتين كان واضحًا أنهما تابعتان للعصابة … وكانت السيارتان تقفان بجوار المولِّد الكهربائي الضخم. ومن الواضح أن رجال العصابة ينتظرون بَدء إلقاء الخرسانة …
اختار «أحمد» بندقيَّةً ذات منظارٍ دقيق، وضعها على كتفه، ومن خلال المنظار استطاع أن يشاهد السيَّارتين ومن فيهما … ولاحظ أن حركةَ تَنَقل تتم بين السيارتين … وشاهد «عثمان» وهو يُنقلُ من السيارة الثانية، بينما «بازوليني» ينزل يركب السيارة الأولى … وفكَّر أن يُطلق عليه النار وهو واثقٌ من إصابته … ولكنه خشيَ على «عثمان».
فكَّر «أحمد» لحظات، ثم حمل بندقيَّته على كتفه، وأعطى لكلٍّ من «فرانك»، و«كاندي» بندقيَّةً مماثلة، ثم أخذوا ينزلون التلَّ في هدوء، كانت الأشجار والظُّلمة التي ما زالت سائدةً كافيتَين لحمايتهما من الأنظار. وبعد نحو خمس دقائق، كانوا على تلٍّ آخر قريبٍ من العصابة … وأحصى «أحمد» عددهم، كانوا خمسةً … وتأكَّد أنه يستطيع التغلب عليهم من بعيد بواسطة البنادق … ولكن ما كان يشغل باله هو سلامة «عثمان»، وفجأة ارتفع دويٌّ كالطُّبُول … كانت الخرسانة قد بدأت تتدفق من الآلات الضخمة، تصبُّ في جسم السد … وتخيَّل «أحمد» المصير المخيف الذي يُعِدُّه «بازوليني» ﻟ «عثمان» … واقشعرَّ شعره، وشاهد ثلاثة رجالٍ يُحيطون ﺑ «عثمان»؛ اثنين حوله، وواحدًا خلفه، وهم يقودونه معصوب العينين إلى حافة السد، حيث كانت الخرسانة تتدفَّق كمياه النهر …
وأشار «أحمد» إلى «كاندي» و«فرانك» بالبقاء بجوار السيارتين، وقال: سأذهب أنا لإنقاذ «عثمان»، فإذا حاول هؤلاء الأوغاد الهرب، فأطلقوا عليهم النار … إننا لا نقتل أحدًا … أريد إصاباتٍ تعوقهم من الهرب فقط، ولكن لا نقتلهم …
وقفز وحيدًا، وسار حتى أصبح بجوار السدِّ تمامًا … وأصبح يسير خلف الرجال الثلاثة محتميًا بقِطَعِ الأخشاب الضخمة التي كانت ملقاةً هنا وهناك …
وعندما أصبح على مسافةٍ كافية، أخرج كاتمًا للصوت، وضعه على البندقية، ثم ارتكز على ركبتيه، ووضع البندقية في كتفه، وأطلق طلقةً واحدةً أصابت الرجل الذي كان يسير في الخلف، فسقط وهو يعوي … والتفت الآخران … وانطلقت رَصاصتان، أصابت كلُّ واحدةٍ رجلًا … وسقطا، وأسرع «أحمد» إلى «عثمان» … الذي كان يحاول فكَّ يدَيه …
وصاح «أحمد»: «عثمان»! …
ردَّ «عثمان»: «أحمد»! أين أنت؟!
أحمد: بجوارك …
ثم قفز إلى صديقه، ففكَّ وَثاقه … كان الرجالُ الثلاثةُ مُمدَّدين على الأرضِ يتأوَّهون من إصابتهم … وتحرَّك «عثمان» فأخذ مسدَّسًا من واحدٍ منهم … وفي هذه اللحظة سمعا صوت طلقات رَصاص، وقال «أحمد»: إنهما «كاندي» و«فرانك» … يطلقان الرَّصاص على «بازوليني» … وفئرانه …
وانطلق الصديقان جريًا إلى ساحة المعركة … كان الرَّصاص كثيرًا يتناثر من الجانبين … وفجأةً انطلقت إحدى السيارتين، ودارت دورةً واسعة، ثم غاصت في ظلام التلال واختفت عن الأنظار … وسكت صوت إطلاق الرَّصاص … وبدا ثلاثةٌ من رجال «بازوليني» واقفين وقد رفعوا أذرعتهم …
وتقدَّم «أحمد» و«عثمان» من الثلاثة … وصاح «أحمد»: أين «بازوليني»؟
ردَّ أحد الرجال مرتعدًا: لقد هرب …
أحمد: إلى أين؟
الرجل: لا أدري يا سيِّدي …
طلب «أحمد» من «كاندي» و«فرانك» و«عثمان» تقييد الرجال الثلاثة في داخل سيارتهم … ثم ركب سيارته مع زملائه الثلاثة، وانطلقوا عائدين إلى الفندق.
كانت فرحة «نانسي» بلقاء «فرانك» لا تُقدَّر … كانا يبكيان، بينما وقف الشياطين الأربعة يبتسمون في تعاطفٍ ومودَّة، وقال «فرانك»: إنني لا أعرف كيف أشكركم أيها الأصدقاء … لقد أنقذتم حياتي أنا و«نانسي» …
أحمد: إن مهمَّتنا لم تنتهِ بعد … ولن تنتهيَ إلا بالقضاء على «بازوليني»، سنبقى معكم حتى نصطاد جميع «فئران نيويورك»، وعلى رأسهم الجُرَذ الأكبر «بازوليني» …