الاختيار النهائي ﻟ «عثمان»
قال الزعيم: أنت الآن بلا اختيار. فما دمتَ قد دخلتَ عالمنا فقد أصبحت واحدًا منا. فإذا رفضتَ الانضمامَ إلينا فقد رفضت حياتك نفسها!
كانت الكلمات واضحة تمامًا، وكان «عثمان» يركِّز انتباهه مع كل كلمة. نظر له الزعيم وقال: هل تفهمني جيدًا؟
ردَّ «عثمان» بسرعة: نعم يا سیدي!
كان الزعيم يقود اليخت في سرعة كبيرة. وكان يصنع به دوائر واسعة، وكأنه يرسم خطة ما. قال بعد لحظة: «توب» يقول إنك ماهر تمامًا، وذكي أيضًا. وأنا في حاجة لرجل من هذا النوع.
سكت لحظة، ثم نظر إلى «عثمان» وسأل: هل تُجيد الرماية؟
فكَّر «عثمان» بسرعة، ثم قال: ليس تمامًا يا سيدي!
ابتسم الزعيم وقال: لا بأس، سوف تنال دروسًا في الرماية حتى تكون بطلًا فيها. فالمهمة التي سوف أسندها إليك والتي تعتبر الاختبار النهائي، تحتاج لبطل في الرماية.
صمت مرة أخرى. ووجَّه اليخت إلى عمق البحر، ثم انطلق في سرعة غير عادية. كان رذاذ الماء يتطاير على وجه «عثمان» فيتذوَّق ملوحة البحر.
قال الزعيم وهو يضحك: إنني مجنون بالسرعة، ولا أحتمل البطء!
نظر ﻟ «عثمان»، وقال: ما رأيك؟
ردَّ «عثمان» بثقة: أعتقد أنَّ كل حالة لها حاجتها من الوقت!
نظر له الزعيم لحظة، ثم انفجر في الضحك طويلًا، وأخيرًا قال: أنت رائع يا «لو». أنت حكيم أيضًا!
ظلَّ اليخت مندفعًا بقوته الصاروخية إلى مسافة بعيدة. ثم فجأة، دار الزعيم دورة واسعة بنفس السرعة. كان «عثمان» يراقب وجهه الذي امتلأ بسعادة غريبة. مرة أخرى، أخذ طريق العودة. لكنَّه أبطأ سرعة اليخت إلى أدنى درجة. ثم نظر إلى «عثمان» وقال: رحلة طيبة!
ابتسم «عثمان» وقال: نعم يا سيدي!
استغرق الزعيم في النظر إلى الأمام دون أن ينظر إلى «عثمان» مرة. كان «عثمان» يفكر: هل هي عصابة «اليد الحديدية»؟ وهل هذا هو الزعيم؟ أم إنَّ الأمور ليست في اتجاهها الصحيح؟!
أجاب بينه وبين نفسه بعد لحظة: حتى لو كانت في اتجاه غير صحيح، فإنَّنا قد اكتشفنا شيئًا جديدًا!
أوقف الزعيم اليخت، وتركه للأمواج الهادئة، ثم اعتدل في جلسته ونظر إلى «عثمان» قائلًا: لن أخبرك بالمهمَّة إلَّا بعد أن تنتهيَ من إجادةِ الرماية.
سكت لحظة، ثم أضاف: سوف تنتقل من فندق «الشاطئ» إلى شقة خاصة بك.
قال «عثمان» بعد لحظة: كما ترى يا سيدي.
ابتسم الرجل ثم قال: إنني أثق بأنك سوف تكون أقرب أعوانی. فقط، ينبغي أن تكون أكثر سرعةً في إجادة الرماية؛ لأن المهمَّة لا تستطيع أن تنتظر طويلًا.
قال «عثمان»: سوف أحاول يا سیدي!
فجأة، أدار الرجل الموتور «اليخت»، ثم انطلق بنفس سرعته الصاروخية، وهو يقول: لعلك تشعر بالجوع الآن!
هزَّ «عثمان» رأسه، بمعنى نعم. واستغرق في الرحلة الغريبة مع الرجل الغريب. وعندما اقترب اليخت من مكانه، أوقف الرجل الموتور، وترك اليخت مستمرًّا بقوة اندفاعه، حتى وقف بجوار اليخت الكبير. وفي رشاقة كان الزعيم يصعد السُّلَّم إلى ظهر اليخت، فتبعه «عثمان». وعندما وصل إلى السطح، كانت هناك مائدة فاخرة احتلَّت المنضدة المستديرة. وفي جانب من السطح، كان يقف «توب» و«بلانش». جلس الجميع إلى الغداء، ولم يكن أحد منهم ينطق بكلمة. لم يأكل الزعيم كثيرًا، ثم انصرف، فأسرع «توب» خلفه، وبقي «عثمان» و«بلانش».
سألت «بلانش»: لعلك استمتعتَ بالرحلة مع والدي!
ابتسم «عثمان» قائلًا: تمامًا … بجوار أنه شخصية رائعة!
قالت: أنت لم تعرفه جيدًا بعد. وعندما تقترب منه أكثر سوف تحبُّه جدًّا.
قال «عثمان»: إنني متأكِّد من ذلك!
كان يأكل في هدوء، وكانت «بلانش» أيضًا، ومع مضغه للقمة كان يفكِّر كيف يستطيع أن يعرف اسم هذا الرجل. فكَّر أن يسألها، لكنَّه تردَّد. قال في نفسه: ربما يكون له اسم آخر داخل العصابة، ومن الممكن أن يعرف من خلال «توب»!
في نفس اللحظة ظهر «توب»، كانت تعلو وجهَه ابتسامةٌ عريضة. اقترب في هدوء، ثم جلس وبدأ يأكل، لكنَّه فجأة توقَّف ونظر إلى «عثمان» قائلًا: الزعيم مُعجَبٌ بك تمامًا يا عزيزي «لو»!
ابتسم «عثمان» وقال: إنَّ ذلك يسعدني تمامًا!
قال «توب»: متى تحضر حاجياتك من الفندق؟
وقبل أن يُجيب «عثمان» أضاف «توب»: أو تحب أن نرسل من يُحضرُها؟
قال «عثمان» في هدوء حتى لا يلفت النظر: أفضِّل أن أحضرها بنفسي. فهناك أشياء لا يستطيع أن يجمعها غيري.
«توب»: إذن، سوف تصحبك سيارة إلى هناك بعد الغداء!
عندما انتهوا من الغداء، صحب «توب» «عثمان» إلى حيث تقف سيارة أخرى. ولم ينسَ «عثمان» أن يودِّع «بلانش»، فهو يعرف أن «بلانش» يمكن أن تكون طريقًا آخر إلى قلب الزعيم …
عند باب السيارة، قال «توب»: «میرو» سوف يصحبك إلى مكان إقامتك الجديد.
عرف «عثمان» أنَّ «میرو» هو نفسه سائق السيارة؛ ولذلك عندما أغلق «عثمان» الباب انطلقت السيارة في سرعة. ألقى نظرةً سريعةً على «ميرو». كان في مثل عمره تقريبًا، هادئ الملامح، يبدو الذكاء في جبهته العريضة، وتبدو عيناه حادَّتَين تمامًا.
قال «عثمان» مبتسمًا: أنت تُجيد القيادة يا عزيزي «ميرو».
ولم يفعل «ميرو» شيئًا سوى أن ابتسم نصف ابتسامة.
سأل «عثمان»: هل تقود السيارة منذ زمن؟
أجاب «ميرو» إجابة قصيرة: ليس كثيرًا.
كان «عثمان» يحاول أن يفتح طريقًا للحديث معه. فمن يدري، قد يكون «ميرو» سبيلًا آخر للعصابة؛ ولذلك قال: اسمي «لو»، من جنوب أفريقيا.
ابتسم «ميرو» وقال: أهلًا بك، عرفت طبعًا اسمي!
أجاب «عثمان»: نعم، ويسعدني أن نكون أصدقاء!
أجاب «ميرو»: أعتقد ذلك.
ثم نظر نظرة سريعة إلى «عثمان» وقال: لكن ذلك يحتاج لبعض الوقت.
ضحك «عثمان» بصوت مرتفع، بينما كان «ميرو» ينحرف بالسيارة انحرافًا حادًّا جعل ضحكة «عثمان» ترتفع أكثر، حتى إنَّ «ميرو» قال: يبدو أنك من هواة القيادة أيضًا.
قال «عثمان» بسرعة، فقد عرف أنه استطاع أن يفتح الباب لعَلاقة بينهما: نعم … وأجيدها تمامًا!
ثم أضاف بسرعة: إذا كانت هناك خطة ما وذهبنا في مهمَّة إلى بلادي، فسوف ترى أشياء تعجبك. نظر له «میرو» وقال: لقد قرأت عن بلادك. وأتمنَّى فعلًا أن أزورها.
قال «عثمان»: إنَّ المسافات عندنا طويلة تمامًا؛ ولذلك فالقيادة السريعة هي الحل الوحيد.
ابتسم «ميرو» ابتسامة واسعة لأول مرة وقال: طرق بلا عقبات. لا إشارات مرور، ولا رجال مرور. قال «عثمان» مبتسمًا: أرجو ألَّا تكون فكرتك عن بلادنا سيئة. فنحن بلد متقدم. قد تكون الحياة صعبة بعض الشيء، لكننا نعيش حياة عصرية تمامًا.
لم يكن «عثمان» يرقب الطريق، كان يهمُّه في هذه اللحظة أن يؤكِّدَ عَلاقةً بينه وبين «میرو»؛ ولذلك فجأة بدأت ملامح مدينة «أنكونا» تظهر.
قال «عثمان»: هل لديك تعليمات بانتظاري واصطحابي إلى المقر الجديد؟
ردَّ «ميرو»: نعم. وهناك تعليمات أخرى، سوف تعرفها بعد أن تستقرَّ في مكانك الجديد. ضحك «عثمان» وقال: إذن، فسوف تكون المسئول عني.
ابتسم «ميرو» وقال: السيد «توب» هو المسئول، وأنا أنفِّذ أوامره فقط.
قال «عثمان»: إذن، فسوف نكون معًا دائمًا.
فجأة، ضحك «ميرو» وهو يقول: لا أظن، فقد لا تراني مرةً أخرى بعد اليوم!
أخفى «عثمان» دهشته، وقال مبتسمًا: سوف أكون حزينًا إذا حدث ذلك، إنني لا أعرف أحدًا هنا، وكان يسعدني أن نصبح أصدقاء، وأن نقضيَ أوقاتنا معًا.
مرة أخرى ضحك «ميرو»، ثم قال: لن تجد وقتًا.
انتظر لحظة، ثم أضاف: من يدري، قد نلتقي مرة أخرى في «باريس» أو «بومباي» أو «القاهرة»!
أبدى «عثمان» دهشةً مصطنعةً، وهو يقول: إلى هذه الدرجة؟
ابتسم «ميرو» وقال: أكثر!
كانت السيارة قد وصلت إلى فندق «الشاطئ»، فقال «میرو»: أرجو ألَّا تتأخر كثيرًا!
ابتسم «عثمان» قائلًا: سوف أكون أمامك حالًا.
أسرع «عثمان» إلى الفندق، وعندما دخل كان «براتي» يقف في الصالة مبتسمًا. ألقى «عثمان» التحية، وانصرف إلى غرفته بسرعة. وعندما أغلق بابها، أسرع إلى جهاز الإرسال، وأرسل رسالة إلى رقم «صفر»، شرح له فيها كلَّ ما حدث. ولم تمضِ دقيقة، حتى كان ردُّ الرسالة الشفرية هو: ««٢–١٨–٤–٥٠–١٤» انتهى …»
وعندما قرأ «عثمان» الرسالة ابتسم وهو يهمس لنفسه: إذن إلى الأمام!