وهذه هي المهمة
كانت رسالة رقم «صفر» الشفرية مشجِّعةً تمامًا، حتى إنَّ «عثمان» حمَلَ حقيبته الصغيرة، وغادر الغرفة، وهو يصفر لحنًا رقيقًا. وعندما رأی «براتي» مرة أخرى في صالة الفندق اقترب منه وهو يقول: يُؤسفني أيها السيد «براتي» أن أغادر فندقك بهذه السرعة، فلم أكن أتصوَّر أنَّني سوف أغادره إلَّا بعد فترة طويلة!
ظهر الأسف على وجه «براتي» وهو يقول: إنني حزين لذلك، وكنت أتمنَّى أيها البطل «لو» أن تكون معي لفترة أطول!
قال «عثمان»: وأنا أيضًا كنت أتمنَّى ذلك، لكنَّها الظروف؛ فقد وجدتُ عملًا أتمنَّى أن أوفَّق فيه!
سأل «براتي»: هل هو قريب؟
ردَّ «عثمان»: ربما، لكن سوف آتي لزيارتك، وثِقْ أنني سوف أقضي كلَّ إجازاتي هنا في فندق «الشاطئ»، وقد يكون معي أصدقاء سوف تحبهم عندما تراهم.
قال «براتي»: ثق أنني سوف أنتظر زيارتك دائمًا، وسوف أظلُّ على شوقٍ لأنْ تقضيَ إجازتك هنا، أنت والأصدقاء.
ودَّع «عثمان» العجوز «براتي»، وكان يشعر بالحزن فعلًا لمغادرته فندق «الشاطئ»، فقد قضى فيه أجمل أيام، بجوار أنَّ العجوز «براتي» رجل طيب … غادر «عثمان» الفندق إلى حيث كان «ميرو» في انتظاره، وعندما جلس في السيارة، وأغلق الباب، قال: إنني آسف أيها الصديق «میرو» فقد تأخرت!
ابتسم «ميرو» وهو يقول: لعلَّك كنت تودِّع العجوز «براتي»!
صمت لحظة، ثم أضاف: إنه أحد رجالنا الطيِّبين.
أخفى «عثمان» دهشته، فلم يكن يظنُّ أبدًا أنَّ «براتي» العجوز يمكن أن يكون من تابعي العصابة.
قال في هدوء: هل الفندق تابع للزعيم؟
مرَّت لحظة قبل أن يقول «میرو»، وكان قد انطلق بالسيارة: إنَّ السيد «كريليوني» يعرف دائمًا ما يجب عمله!
مرة أخرى أخفى «عثمان» دهشته التي يمكن أن تكشفه. لقد عرف اسم زعيم العصابة؛ إنه السيد «كريليوني». ابتسم قائلًا: إنه فعلًا رجل حكيم.
ابتسم «ميرو» وقال: سوف تعرفه أكثر عندما تتعامل معه، إنَّه رقيقٌ كالنسمة، حادٌّ كسكين لامع. نظر «عثمان» إلى الطريق من نافذة السيارة، لكنَّه لم يكنْ يرصد الطريق. كان يُخفي وجهه عن «ميرو» حتى لا تكشفه تعبيراتُه. ولم ينطق «ميرو» بكلمة، فقد ظلَّ صامتًا. في نفس الوقت، كان «عثمان» يردِّد في ذهنه اسم «كريليوني» الزعيم.
وقال في نفسه: إنَّ خطواتي الآن في طريقها الصحيح، وأرجو أن تستمرَّ كذلك!
فجأة كان «ميرو» يقول: استعد؛ فسوف نغادر السيارة حالًا.
نظر له «عثمان» في دهشة، وسأل: لماذا؟
ابتسم «ميرو» وقال: تعليمات!
سأل «عثمان»: متى جاءت هذه التعليمات؟
أجاب «ميرو»: لقد قلتُ لك ونحن في الطريق إلى الفندق إنَّ هناك أشياءَ سوف تعرفها.
ردَّ «عثمان»: هذا صحيح.
أوقف «ميرو» السيارة، ثم ابتسم قائلًا: سوف يأتيك من يقول لك اسم «روكي» فاركب معه السيارة.
فكَّر «عثمان» بسرعة، ثم قال مبتسمًا وهو يغادر السيارة: أرجو أن ألقاك فيما بعد!
ابتسم «ميرو» وقال: وأنا أيضًا.
ثم انطلق بالسيارة. ظلَّ «عثمان» يراقبه حتى اختفى. وقف «عثمان» يرقب الشارع الذي أخذ يزدحم. كان يفكر: ما هذه الحكاية؟ وهل يحتاج الأمر إلى كل هذه السرية؟ لكنَّه لم يستمرَّ في أفكاره. ففجأة، توقَّفت سيارة أمامه. وقال من فيها: «روکي»!
نظر له «عثمان» بسرعة، ثم فتح باب السيارة ودخل. عندما أغلق الباب جاءه صوت «توب» يقول: هل دُهشت؟
نظر «عثمان» خلفه، كان «توب» يجلس مبتسمًا، فردَّ «عثمان»: بعض الدهشة فقط!
كانت السيارة تقطع الطريق بسرعة، وهي تغادر مدينة «أنكونا». بدأ الطريق الصخري يظهر. انحرفت السيارة يمينًا، ثم استمرَّت. فجأة انحرفت يسارًا مرة أخرى. فكَّر «عثمان»: هل هذا هو الطريق الذي سلكه «ميرو» في المرة السابقة؟
فجأة، ظهر عدد من الرجال يقطعون الطريق أمام السيارة، فقال «توب» في فزع: من هؤلاء؟ …
ألقى «عثمان» نظرة سريعة على وجه السائق، لكنَّه كان جامدًا. وقفت السيارة، فتقدَّم أحدهم، وأشار لهم بالنزول. نظر «عثمان» بسرعة إلى «توب» الذي قال في تردُّد: يجب أن نُنفِّذَ ما يطلبه!
قال «عثمان» لنفسه: هل هو اختبار جديد، أو أنَّها مجرَّد خدعة، أو أنَّها حقيقة؟
نزل في هدوء، ولم يكد يغلق الباب حتى كانت ضربة قوية قد أخذت طريقها إليه، جعلته يتراجع بسرعة. في نفس الوقت كان الرجل يتابعه، حتى لا يجد فرصة للتصرُّف، كانت عين «عثمان» ترقب ما يحدث ﻟ «توب» والسائق، حتى يعرف ماذا يمكن أن يفعل …
كان «توب» مُلقًى على الأرض، في نفس الوقت كان السائق قد تكوَّم على نفسه بجوار السيارة. غير أنَّ «عثمان» كان يشكُّ فيما يحدث. مع ذلك أعطى نفسه فرصة، فقد أوقع نفسه على الأرض. وكأنَّ ذلك حدَثَ بتأثير قوة الضربة. كان الرجل يتابعه. فجأة، قفز «عثمان» في حركة سريعة، وكانت قدمه أسرع إلى الرجل، فضربه ضربةً عنيفةً جعلته يصرخ. ولم يتوقَّف «عثمان»، فقد سدَّدَ إليه عدة ضربات متتالية لا تعطيه فرصة للرد، أو التفكير. فجأة، رأى رجلين يقفزان ناحيته. فلم ينتظر، قفز قفزةً أعلى منهما ثم ضربهما ضربة مزدوجة أطاحت بهما معًا. فجأة، وقعت عيناه على وجه «توب»، كان مملوءًا بالدهشة. وبسرعة تأكَّد أنَّها كانت خدعة … وأنَّه اختبار جديد. ولم يستطع أن يكتم ضحكته التي قابلها «توب» بضحكة وهو يقول: إنك يا عزيزي «لو» شخصية مُدهِشة!
نظر «عثمان» إلى الرجال الذين اشتبك معهم، وقال: إنَّني أعتذر!
وفي دقيقة واحدة كان يركب بجوار «توب»، فانطلقت السيارة كالصاروخ. ثم فجأة، انعزل المقعد الخلفي للسيارة، حيث يجلس مع «توب»، فقد ظهر زجاج أسود، فأصبح حاجزًا بينه وبين نصف السيارة الأمامي ونصفها الخلفي، وفجأة أيضًا نزلت ستائر سوداء على نافذتَي السيارة. فأصبح المكان مظلمًا. ثم أضيئت لمبة من جانب السيارة. ابتسم «توب» وقال: إنها سيارة خاصة حتى لا يراك أحد!
سأل «عثمان»: لماذا؟
قال «توب»: إنها أوامر السيد «کريليوني»!
لم يُعلِّق «عثمان»، لكنَّه أخذ يربط الكلمات التي قيلت له من «توب» ثم من «كريليوني»؛ أنها تُوصل إلى معنى واحد، لكنَّه لم يجعله المعنى الأخير، فقد أجَّل تأكيده إلى وقت آخر.
توقَّفت السيارة، فقال «توب»: هيَّا بنا!
نزل «عثمان» فوجد نفسه في مطار صغير، وكانت هناك طائرة صغيرة تقف في أقصى المطار. قال «توب»: سوف تنقُلك الطائرة إلى مكان جديد.
لم يُعلِّق «عثمان» بشيء، فقد أطاع مباشرة، واتجه إلى الطائرة. هناك، كان رجلان في انتظاره ركبا الطائرة التي أدارت محركاتها، ثم أخذت طريقها إلى الفضاء. لم ينطق أحد فيها بكلمة … وحتى «عثمان» لم يتكلم. كان يرقب الأماكن التي يطيرون فوقها، كانت عبارة عن أماكن جبلية … لا يظهر فيها سوى الجبال. مضت نصف ساعة، ثم ظهرت بقعة خضراء بين الجبال. اتجهت إليها الطائرة، وهي تأخذ مسار الهبوط، حتى نزلت في المكان. كانت النباتات تُغطِّي المنطقة كلها، وفي أقصى المكان منزل أنيق من دَوْرين. اقتربت السيارة من الطائرة، فنزل الرجلان … وأمامهما كان ينزل «عثمان». استقبله رجل متوسط القامة … ترتسم ابتسامة هادئة على وجهه.
قال ﻟ «عثمان»: أهلًا بك … إنني «جوبال»، وأعرف أنك السيد «لو».
حيَّاه «عثمان»، وركب السيارة معه، حيث كان يقودها «جوبال» نفسه. وعندما توقَّفت عند المنزل، نزلا … وقال جوبال: سوف تقضي هنا فترة التدريب!
سكت لحظة، ثم قال: منذ الصباح غدًا … سوف يبدأ التدريب.
نام «عثمان» في هذه الليلة جيدًا. كان يشعر أن خطواته تسير في اتجاهها الصحيح. ولم يفكِّر في إرسال أيِّ رسالة إلى الشياطين، أو رقم «صفر»، لأنه يعرف جيدًا أنه مراقَب في كل لحظة.
في نفس الوقت كانت رسالة رقم «صفر» الأخيرة كافيةً ليستمرَّ في مهمته، وبعد أن تناول إفطاره جاءه «جوبال»، وصحبه إلى منطقة نائية في المكان، حيث بدأ التدريب على الرماية.
إنَّ «عثمان» يُجيد الرمايةَ تمامًا، مثله مثل بقية الشياطين، لكنَّه كان يتعمَّد عدم إصابة الهدف في كل مرة مع ذلك، قال له «جوبال» في نهاية فترة التدريب الأولى: لقد حقَّقت نتيجة طيِّبة وبسرعة!
أخفى «عثمان» ابتسامة، فهم لا يعرفون قدرة «عثمان» في الرماية، وبكل الأسلحة. قضى «عثمان» عدة أيام … يمارس الرماية، صباحًا ومساءً وليلًا، حتى يكون مستعدًّا لتنفيذ المهمَّة في أي وقت. وفي اليوم الخامس، حقَّقَ «عثمان» نتائج أذهلت «جوبال»، فقد استطاع أن يُصيبَ كلَّ الأهداف، الثابتة والمتحرِّكة. وفي نهاية اليوم، عندما عاد إلى المنزل، وجد «كريليوني»، ولم تكن مفاجأةً له، فقد كان يتوقَّع وجودَه في أيِّ لحظة وفي الليل.
وفي مكانٍ منعزلٍ تمامًا جلس «كريليونی» و«عثمان»، وقال «كريليونی»: الآن … سوف تبدأ مهمتك. وعليها يتوقَّف انضمامك لنا إلى الأبد. توقَّف عن الكلام لحظة، ثم قال: إنَّ هناك شخصيَّةً هامَّةً نريد أن نتخلَّص منها.
ثم قدَّم له مسدسًا بلا صوت، وقال: وهذه هي الوسيلة!
وكانت مهمَّة أذهلت «عثمان» …