ذكر من مات في هذه الأعوام من أكابر العلماء وأعاظم الأمراء
مات الشيخ الإمام الفقيه المحدث الشريف السيد/محمد بن محمد البليدى المالكي الأشعري الأندلسي المغربي، حضر دروس الشيخ شمس الدين محمد بن قاسم البقري المقري الشافعي في سنة عشر وماية وألف، ثم على أشياخ الوقت كالشيخ العزيزي والملوي والنفراوي، وتمهر ثم لازم الفقه والحديث بالمشهد الحسيني، فراج أمره واشتهر ذكره وعظمت حلقته وحسن اعتقاد الناس فيه وانكبوا على تقبيل يده وزيارته وخصوصًا تجار المغاربة لعلة الجنسية، فهادوه وواسوه واشتروا له بيتًا بالعطفة المعروفة بدرب الشيشيني، وقسطوا ثمنه على أنفسهم ودفعوه من مالهم، فلم يزل مقبلًا على شأنه ملازمًا على طريقته مواظبًا على إملاء الحديث كصحيح البخارى ومسلم والموطأ والشفاء والشماتل، حتى توفي ليلة التاسع والعشرين من رمضان سنة ست وسبعين وماية وألف.
ومات الأستاذ المعظم ذو المناقب العلية والسجايا المرضية بقية السلف السيد مجد الدين/ محمد أبو هادي بن وفا، ولد سنة إحدى وخمسين وماية وألف، ومات والده وهو طفل فنشأ يتيمًا وخلف عمه في المشيخة والتكلم، وأقبل على العلم والمطالعة والأذكار والأوراد، وولى نقابة الأشراف بمصر في هذه الأثناء فساس فيها أحسن سياسة، وجمع له بين طرفي الرياسة، وكان أبيض وسيمًا ذا مهابة لا يهاب في الله، أمارًا بالمعروف فاعلًا للخير، توفي يوم الخميس خامس ربيع الأول سنة ست وسبعين وصُلي عليه بالأزهر في مشهد عظيم حضره الأكابر والأصاغر، وحمل على الأعناق ودفن بزاويتهم بالقرب من عمه رضي الله عنه وتخلف بعده السيد شهاب الدين أحمد أبو الأمداد.
ومات أيضًا في هذا الشهر والسنة الصدر الأعظم المغفور له محمد باشا المعروف يراغب، وكان معدودًا من أفاضل العلماء وأكابر الحكماء جامعًا للرياستين، حاويًا للفضيلتين، وله تآليف وأبحاث في المعقول والمنقول، والفروع والأصول، وهو الذي حضر إلى مصر واليًا في سنة تسع وخمسين وماية وألف، ووقع له ما وقع مع الخشاب والدمايطة كما تقدم، ورجع إلى الديار الرومية وتولى الصدارة، ثم توفي إلى رحمة الله تعالى في رابع عشرين شهر رمضان سنة ست وسبعين وماية وألف، وكان نقش خاتمه هذا البيت:
وألف رسالة في العروض غريبة شرحها الشيخ أبو الحسن القلعى المغربي، وله ثلاثة دواوين: تركي وفارسي وعربي، وكان له ذوق صحيح وفهم رجيح يكرم العلماء والوافدين ويباحث أهل العلم بمبتكراته، ومن كلامه في مواجب مصر:
وله في أحد مماليك أمراء مصر، وأجاد:
وسفينة الراغب المشهورة وما جمع فيها من المسائل والأبحاث والإيرادات الغربية، كبحث الاسم والمسمى والمقولات العشرة والعقول العشرة والحضرات الخمس والمعاد الجسماني وجابرقا وجابرصا وغير ذلك.
ومات الشيخ المجذوب/على الهواري، كان من أرباب الأحوال الصادقين، والأولياء المستغرقين، وأصله من الصعيد وكان يركب الخيول ويروضها ويجيد ركوبها؛ ولذلك لقب بالهواري، ثم أقلع من ذلك وانجذب مرة واحدة، وكان للناس فيه اعتقاد حسن، وحكى عنه الكشف غير واحد، ويدور في الأسواق والناس يتبركون به، مات شهيدًا بالرميلة، أصابته رصاصة من يد رومي فلتة في سنة ست وسبعين وماية وألف، وصلوا عليه بالأزهر وازدحم الناس على جنازته رحمه الله.
ومات الشيخ المسند/عمر بن أحمد بن عقيل الحسيني المكي الشافعي الشهير بالسقاف ابن أخت حافظ الحجاز عبد الله بن سالم البصري، والسقاف لقب جده الأكبر عبد الرحمن من آل باعلوي، ولد بمكة سنة اثنتين وماية وألف، وروى عن خاله المذكور وعن الشيخين العجمي والنخلي والشيخ تاج الدين المفتي وحسين بن عبد الرحمن الخطيب ومحمد عقيلة وإدريس بن أحمد اليماني والشيخ عيد وعبد الوهاب الطنتدائي ومصطفى بن فتح الله الحنفي، وسمع الأولية عاليًا عن الشهاب أحمد البناء بعناية خاله سنة عشر وماية وألف، ومهر وأنجب واشتهر صيته وسمع منه كبار الشيوخ وأجازهم كالشيخ الوالد والشيخ أحمد الجوهري، وعندي إجازته للوالد بخطه، وكذلك أجاز عبد الله بن سالم البصري والشيخ محمد عقيلة ومحمد عقيلة ومحمد حياة السندي وذلك بمكة سنة ثلاث وخمسين، وبه تخرج شيخنا السيد محمد مرتضى في غالب مروياته، وسمعت منه أنه اجتمع به بالمدينة المنورة عند باب الرحمة أحد أبواب الحرم الشريف، وسمع منه وأجازه إجازة عامة، وذلك في سنة ثلاث وستين وماية وألف، ولازمه بمكة سنة أربع وستين وماية وألف، وسمع منه أوائل الكتب الستة وأباح له كتب خاله يراجع فيها ما يحتاج إليه، وسمع من لفظه المسلسل بالعيد بالحرم المكي في صحبة سلالة الصالحين الشيخ عبد الرحمن المشرع وأجازهما، توفي في سنة أربع وسبعين وماية وألف.
ومات العمدة العلامة المفوه النبيه الفقيه الشيخ/محمد العدوي الحنفي، تفقه على كل من الإسقاطي والسيد علي الضرير والشيخ الزيادي وغيرهم، وحضر في المعقول على أشياخ الوقت كالملوي والعماوي وتصدر للإفادة والإقراء، وكان ذا شكيمة وشجاعة نفس وقوة جنان ومكارم أخلاق، توفي في ثالت الحجة سنة خمس وسبعين وماية وألف.
ومات الإمام العلامة الفقيه المتقن الشيخ/محمد بن عبد الوهاب الدلجي الحنفي، وهو ابن خال الوالد، اشتغل بالعلوم والفقه على أشياخ الوقت ودرس وأفتى واقتنى كتبًا نفيسة في الفقه وجميعها بخط حسن، وقابلها وصححها وكتب عليها بخطه الحسن، وكانت جميع كتبه الفقهية وغيرها في غاية الجودة والصحة ويضرب بها المثل ويعتمد عليها إلى الآن، وكان ملازمًا للإفادة والإفتاء والتدريس والنفع على حالة حسنة ودماثة أخلاق وحسن عشرة، ولم يزل حتى توفي في شهر رجب سنة سبع وسبعين وماية وألف.
ومات الفقيه الصالح الخيِّر الدين/حسن بن سلامة الطيبي المالكي نزيل ثغر رشيد، تفقه على شيخه محمد بن عبد الله الزهيري وبه تخرج، وأجازه محمد بن عثمان الصافي البرلسي في طريقة البراهمة، وسيدي أحمد بن قاسم البوني حين ورد ثغر رشيد في الحديث، ودرس بجامع زغلول وأفتى، ودرسه أكبر الدروس، وكان لديه فوايد كثيرة، توفي سنة ست وسبعين وماية وألف.
ومات المفتي الفاضل النبيه زين الدين أبو المعالي/حسن بن على بن على بن منصور بن عامر بن ذياب شمه الفوي الأصل المكي، ينتهى نسبه إلى الولي الكامل سيدي محمد بن زين النحراوي، ومن أمه إلى سيدي إبراهيم البسيوني، ولد بمكة سنة اثنتين وأربعين وماية وألف، وبها نشأ وأخذ العلم عن الشيخ عطا بن أحمد المصري والشيخ أحمد الأشبولي وغيرهما من الواردين بالحرمين، وأتى إلى مصر فحضر دروس الشيخ الحفني وله انتسب، وأجازه في الطريقة البرهامية بلدية الشيخ منصور هدية، وألف وأجاد وكان فصيحًا بليغًا ذكيًّا حاد الذهن جيد القريحة له سعة اطلاع في العلوم الغربية، ونظم رائق مع سرعة الارتجال، وقد جمع كلامه في ديوان، هو على فضله عنوان، ومن مؤلفاته شرح صيغة القطب سيدي إبراهيم الدسوقي، جمع فيه شيئًا كثيرًا من الفوائد، وارتحل إلى الروم ثم عاد إلى مصر وألف كتابًا في مناقب أستاذه الحفني، وله حاشية على شرح شيخ الإسلام على البردة، وحاشية على شرحه على الجزرية، ورسالة في خصوص رواية السوسي عن يحيى اليزيدي عن أبي عمرو ثم نظمها وكتبها، وكتاب الحقايق والإشارات إلى ترقي المقامات، والحلل السندسية على أسرار الدائرة الشاذلية وكشف الرموز الخفية بشرح الهمزية، ووسع الاطلاع على مختصر أبي شجاع، وهو كتاب حافل يبلغ أربعة مجلدات، ومسرة العينين بشرح حزب أبي العينين، وقصة المولد النبوي، ونظم الأزهرية في النحو، وعمل منظومة في تاريخ مصر سماها بالحجج القاهره، وغير ذلك رسايل ومنظومات كثيرة ومناسك الحج كبيرة، وسكن في الآخر بولاق وبها توفي ليلة الجمعة رابع عشرين رمضان سنة ست وسبعين وماية وألف.
ومات الشيخ الإمام الفقيه المحقق الشيخ/خليل بن محمد المغربي الأصل المالكي المصري، أتى والده من المغرب فتدير مصر وولد المترجم بها، نشأ على عفة وصلاح وأقبل على تحصيل المعارف والعلوم، فأدرك منها المروم، وحضر دروس الشيخ الملوي والسيد البليدي وغيرهما من فضلاء الوقت إلى أن استكمل هلال معارفه وأبدر وفاق أقرانه في التحقيقات واشتهر، وكان حسن الإلقاء للعلوم حسن التقرير والتحرير حاد القريحة جيد الذهن إمامًا في المعقولات وحلالًا للمشكلات، وولى خزانة كتب المؤيد مدة فأصلح ما فسد منها ورم ما تشعث، وانتفح به جماعة كثيرون من أهل عصرنا، وله مؤلفات منها شرح المقولات العشر مفيد جدًّا، توفي يوم الخميس خامس عشرين المحرم سنة سبع وسبعين وماية وألف بالري وهو منصرف من الحج.
ومات السيد الأديب الشاعر المفنن/عمر بن علي الفتوشي التونسي ويعرف بابن الوكيل، ورد مصر في سنة أربع وخمسين، فسمع الصحيح على الشيخ الحفني وأجازه في ثاني المحرم منها، ثم توجه إلى الإسكندرية وتديرها مدة، ثم ورد في أثناء أربع وسبعين، وكان ينشد كثيرًا من المقاطيع لنفسه ولغيره، وألف رسالة في الصلاة على النبي ﷺ، مزج صيغها بالورد الأعلى للشيخ الأكبر، وتولى نيابة القضاء بالكاملية، وكان إنسانًا حسنًا لطيف المحاورة كثير التودد والمراعاة، بشوش الملتقى مقبلًا على شأنه، توفي في ثاني ذي الحجة سنة خمس وسبعين وماية وألف.
ومات الأستاذ الذاكر الشيخ/محفوظ الفوي تلميذ سيدي محمد بن يوسف عن ورم في رجليه في غرة جمادى الثانية سنة ثمان وسبعين وماية وألف، ودفن يومه قريبًا من مشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها.
ومات العالم الفقيه المحدث الأصولي الشيخ/محمد بن يوسف بن عيسى الدنجيهي الشافعي بدمياط في سادس شعبان سنة ثمان وسبعين وماية وألف.
ومات الجناب المكرم الصالح المنفصل عن مشيخة الحرم النبوي/عبد الرحمن أغا في ثامن شوال سنة تسع وسبعين وماية وألف، ودفن بجوار المشهد النفيسي.
ومات الجناب المكرم محب الفقراء والمساكين الأمير إبراهيم أوده باشه غانم فجأة، في ثامن جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وماية وألف، ودفن بمقبرتهم عند السادة المالكية.
ومات أيضًا العمدة الشيخ/عبد الفتاح المرحومي بالأزبكية في تاسع شوال سنة ثمان وسبعين وماية وألف.
ومات الأجل المكرم الحاج/حسن فخر الدين النابلسي عن سن عالية، وكان من أرباب الأموال رابع عشرين جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين وماية وألف.
ومات الأمير الأجل المحترم صاحب الخيرات والمحبب إلى الصالحات/على بن عبد الله مولى بشير أغا دار السعادة، ولي وكالة دار السعادة فباشر فيها بحشمة وافرة وشهامة باهرة، وفيه يقول الشيخ عبد الله الإدكاوي:
وكان منزله مورد الوافدين من الآفاق، مظهر التجليات الأشراق، مع ميله إلى الفنون الغريبة، وكماله في البدايع العجيبة، من حسن الخط وجودة الرمي وإتقان الفروسية، ومدحته الشعراء وأحبته العلماء، وألقت إليه الرياسة قيادها، فأصلح ما وهن من أركانها وأزال فسادها، ولقد عزل عن منصبه ولم يأفل بدر كماله، واستمر ناموس حشمته باقيًا على حاله، واقتنى كتبًا نفيسة وكان سموحا بإعارتها، وكان عنده من جملتها البرهان القاطع للتبريزي في اللغة الفارسية على هيئة القاموس، وسفينة الراغب وهي مجموعة جامعة للفوايد الغريبة، ومنها كشف الظنون في أسماء الكتب والفنون لمصطفى خليفة وهو كتاب عجيب، توفي يوم الإثنين ثامن عشر شهر صفر سنة ستة وسبعين وماية وألف، وصُلي عليه بسبيل المؤمنين ودفن بالقرافة بالقرب من الإمام الشافعي، ولم يخلف بعده مثله في المروءة والكرم رحمه الله تعالى، وقد رثاه الشعراء بمراث كثيرة.
ومات الإمام العلامة والمدقق الفهامة الشيخ يوسف شقيق الأستاذ شمس الدين الحفني، أخذ العلم عن مشايخ عصره مشاركًا لأخيه، وتلقى عن أخيه ولازمه ودرس وأفاد وأفتى وألف ونظم الشعر الفايق الرايق، وله ديوان شعر مشهور، وكتب حاشية عظيمة على الأشموني وهي مشهورة يتنافس فيها الفضلاء، وحاشية على مختصر السعد وعلى شرح الخزرجية لشيخ الإسلام، وحاشية على جمع الجوامع لم تكمل، وحاشية على الناصر وابن قاسم، وشرح شرح الأزهرية لمؤلفها، وشرح على شرح السعد لعقايد النسفي، وحاشية الخيالي عليه وعلى مُلا حنفي في آداب البحث وغير ذلك، وله مقامتان وقصايد طنانة مذكورة في المدايح الرضوانية وغيرها، توفي في شهر صفر سنة ثمان وسبعين وماية وألف.
ومات الإمام الفصيح المفرد الأديب الماهر الناظم الناثر الشيخ علي بن أبي الخير بن علي المرحومي الشافعي خطيب جامع الحبشلي، ومن آثاره تشطير الأبيات الثلاثة للشيخ علي جبريل في مدح الأمير رضوان كتخدا الجلفي وهي:
وهو ممن كتب على بديعية علي بن تاج القلعي، ومن كلامه يخاطب به الشيخ العيدروس:
توفي ليلة الجمعة سادس ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وماية وألف.
ومات الإمام العلامة السيد/إبراهيم بن محمد أبي السعود بن على بن على الحسيني الحنفي، ولد بمصر وقرأ الكثير على والده وبه تخرج في الفنون ومهر في الفقه وأنجب، وغاص في معرفة فروع المذهب، وكانت فتاويه في حياة والده مسددة معروفة، ويده الطولى في حل الإشكالات العقيمة مذكورة موصوفه، رحل في صحبة والده إلى المنصورة فمدحها القاضي عبد الله بن مرعي المكي، وأثنى عليهما بما هو مثبت في ترجمته، ولو عاش المترجم لتم به جمال المذهب. توفي يوم ألاحد سابع عشر جمادى الآخرة سنة تسع وسبعين وماية وألف.
ومات الفقيه الزاهد الورع العالم المسلك الشيخ/محمد بن عيسى بن يوسف الدمياطي الشافعي، أخذ المعقول عن السيد علي الضرير والشيخ العزيزي والشيخ إبراهيم الفيومي، والفقه أيضًا عنهما وعن الشيخ العياشي والشيخ الملوي والحفني وطبقتهم، واجتمع بالسيد مصطفى البكري وأخذ عنه طريقة الخلوتية ولقنه الأسماء بشروطها، وألف حاشية على المنهج ونسبها لشيخه السيد مصطفى العزيزي، وله حاشية على الأخضري في المنطق وحاشية على السنوسية وغير ذلك. توفي في ثامن رمضان سنة ثمان وسبعين وماية وألف، وكانت جنازته حافلة وصُلي عليه بالأزهر ودفن ببستان المجاورين، وبنوا على قبره سقيفة يجتمع تحتها تلامذته في صبح يوم الجمعة يقرءون عنده القرآان، ويذكرون واستمروا على ذلك مدة سنين.
ومات الإمام العلامة الناسك الشيخ/أحمد بن محمد السحيمي الشافعي نزيل قلعة الجبل، حضر دروس الأشياخ ولازم الشيخ عيسى البراوي وبه انتفع، وتصدر للتدريس بجامع سيدي ساريه وأحيا الله به تلك البقعة، وانتفع به الناس جيلًا بعد جيل وعمر بالقرب من منزله زاوية وحفر ساقية بذل عليها بعض الأمراء بإشارته مالًا حفيلًا فنبع الماء وعد ذلك من كراماته، فإنهم كانوا قبل ذلك يتعبون من قلة الماء كثيرًا، وشغل الناس بالذكر والعلم والمراقبة، وصنف التصانيف المفيدة في علم التوحيد والفقه مقبولة بين أيدى الناس، منها حاشية على الشيخ عبد السلام على الجوهرة وجعله متنًا وشرحه مزجًا وهي غاية في بابها، وله حال مع الله وتؤثر عنه كرامات اعتنى بعض أصحابه بجمعها، واشتهر بينهم أنه كان يعرف الاسم الأعظم، وبالجملة فلم يكن في عصره من يدانيه في الصلاح والخير وحسن السلوك على قدم السلف، توفي في ثامن شعبان سنة ثمان وسبعين وماية وألف ودفن بباب الوزير.
ومات الإمام العلامة شمس الدين أبو عبد الله/محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن علي بن الأستاذ أبي السعود الجارحي الشافعي، ويقال له: السعودي نسبة إلى جده المذكور، حضر دروس الشيخ مصطفى العزيزي وغيره من فضلاء الوقت. وكان إمامًا محققًا له باع في العلوم، وكان مسكنه في باب الحديد أحد أبواب مصر، وحضر السيد البليدي في تفسير البيضاوي، وكان الشيخ يعتمده في أكثر ما يقول ويعترف بفضله ويحسن الثناء عليه، توفي في شعبان سنة تسع وسبعين وماية وألف.
ومات السيد الأجل المتحرم فخر أعيان الأشراف المعتبرين السيد/محمد بن حسين الحسيني العادلي الدمرداشي، ولد بمصر قبل القرن بقليل وأدرك الشيوخ وتمول وأثرى وصار له صيت وجاه، وكان بيته بالأزبكية ويرد عليه العلماء والفضلاء، وكان وحيدًا في شأنه وكلمته مقبولة عند الأمراء والأكابر، ولما تولى الشيخ أبو هادي الوفاتي رحمه الله تعالى كان يتردد إلى مجلسه كثيرًا. توفي سنة ثمان وسبعين وماية وألف.
ومات الشيخ الفاضل الناسك الكاتب الماهر البليغ/سليمان بن عبد الله الرومي الأصل المصري، مولى المرحوم علي بك الدمياطي، جود الخط على حسن أفندي الضيائي وأنجب وتميز فيه وأجيز، وكتب بخطه الفايق كثيرًا من الرسايل والأحزاب والأوراد، وكانت له خلوة بالمدرسة السليمانية لاجتماع الأحباب، وكان حسن المذاكرة لطيف الشمايل حلو المفاكهة يحفظ كثيرًا من الأناشيد والمناسبات، توفي سنة تسع وسبعين وماية وألف.
ومات السيد العالم الأديب الماهر الناظم الناثر/محمد بن رضوان السيوطي الشهير بابن الصلاحي، ولد بأسيوط على رأس الأربعين ونشأ هناك وأمه شريفة من بيت شهير هناك، ولما ترعرع ورد مصر وحصل العلوم وحضر دروس الشيخ محمد الحفني ولازمه، وانتسب إليه فلاحظته أنواره ولبسته أسراره، ومال إلى فن الأدب فأخذ منه بالحظ الأوفر، وخطه في غاية الجودة والصحة، وكتب نسخة من القاموس وهي في غاية الحسن والإتقان والضبط، وله شعر عذب يغوص فيه على غرايب المعاني، وربما يبتكر ما لم يسبق إليه، وقد أجازه الشيخ الحفني بما نصه: «نحمدك يا عليم يا فتاح، يا ذا المن بالعلم والصلاح، ونصلي ونسلم على أقوى سند، وعلى آله وصحبه معادن الفضل والمدد، أما بعد فإن المولى العلامة الرحلة الفهامة الحاذق الأديب، واللوذعي الأريب، مولانا الشيخ محمد الصلاحي السيوطي قد حاز من التحلي بقرايد المسايل العلية أوفر نصيب، بفهم ثاقب وإدراك مصيب، فكان أهلًا للانتظام في سلك الأعلام، باجازته كما هو سنن أئمة الإسلام، فأجزته بما تضمنته هذه الوريقات من العلوم العقلية والنقلية المتلقاة عن الأثبات، وبساير ما تجوز لي روايته، أو تثبت لديَّ درايته، موصيًا له بتقوى الله التي هي أقوى سبيل النجاة، وألا ينساني من صالح دعواته، في أويقات توجهاته، نفعه الله ونفع به، ونظمه في عقد أهل قربه، وأفضل الصلاة والسلام، على أكمل رسل السلام، وعلى آله أئمة الهدى، وصحبه نجوم الاقتدا». كتبه محمد بن سالم الحفناوي الشافعي ثامن جمادى الثانية سنة ثمان وسبعين وماية وألف. وللمترجم مقامة بديعة متضمنة مدح رسول الله ﷺ، وذيلها بقصيدة سماها الدرة البحرية، والقلادة النحرية، وهي طويلة تزيذ على الثمانين بيتًا ومن غرر أشعاره قوله:
وقد شطرها الشيخ قاسم الأديب بما هو في ترجمته. وله أيضًا:
قلت: ومطلع هذه القصيدة مأخوذ من مطلع قصيدة خمرية للشريف أحمد بن مسعود الحسني أحد أشراف مكة وهي: «حث قبل الصباح نجب الكئوس» إلا أنه قدم وأخر.
ومن غرر قصايده قوله:
وله أيضًا:
وله أيضًا:
وله أيضًا:
وله أيضًا:
وله أيضًا:
وله يخاطب بعض إخوانه:
وله أيضًا:
وله أيضًا:
ووجدت بخطه ما نصه وقلت اختراعًا لهذا المعنى ولا أعلم أني سبقت إليه:
وله أيضًا في الاكتفاء وقد أحسن:
وله أيضًا:
وله أيضًا:
وله أيضًا:
وكتب إلى بعض الإخوان وقد أهدى إليه منديلًا:
وله أيضًا:
وله أيضًا:
وله مطرزًا باسم أحمد:
وله أيضًا في ألثغ:
وله أيضًا:
وله أيضًا:
وله أيضًا:
وله أيضًا هذه القصيدة الغراء:
وله أيضًا:
وله:
وله:
وله:
وله أيضًا وقد أبدع:
وله أيضًا:
وله:
وله:
وله:
وله:
وله أيضًا وقد أحسن فيه:
ومن غرر قصائده ما مدح به شيخه الشمس الحفني قدس سره وقد أجاد:
(وله أيضًا):
(وله أيضًا):
(وله أيضًا):
(وله أيضًا):
وقال مشطرًا:
وله:
(وقال ارتجالا في مجلس أنس حفَّت به الأحباب من ذوي الألباب):
ثم أنشد في المجلس ارتجالًا:
ثم أنشد عند التهيؤ للقيام من ذلك المجلس:
وله أيضًا:
وله:
(وله أيضًا):
(وله):
ومن غرر قصائده التي أبدع فيها وأجاد وأشار فيها بالمدح لشيخه الشمس الحفني قدس الله سره وهي هذه:
(وله):
(وله):
(وله):
(وله):
وكتب إلى صاحبنا السيد حسن البدري العوضي قوله:
وكتب إلى أعجوبة زمانه قاسم الأديب ما نصه:
(فأعاده الجواب وقال):
ومن غرر قصايده ما مدح به رسول الله ﷺ والتزم الألف في أول كل كلمة وهي:
وله أيضًا:
وله أيضًا:
وله في مليح بعين:
(وله) قد اتخذ صاحبه الأديب حسين بن أحمد المكي مسطرة عدة سطورها ست عشر سطرًا، فكتب عليها:
وله:
وله:
وله ارتجالًا وهو في مجلس إخوان:
فأنشد بعض من في المجلس:
(وله) مهنئًا بشهر رمضان وأرسله إلى صاحبه السيد حسن البدري:
وكتب إليه أيضًا:
وكتب إليه أيضًا وقد أرسله بجواب:
وكتب إليه أيضًا:
وله أيضًا:
(وله تشطير بيت ذكر في أول كتاب المواهب):
فقال:
ولما وقف عليه السيد العيدروس كتب:
(وله وقد كتب على ظهر سفينة):
وله أيضًا:
وله أيضًا:
(وله مخاطبًا صاحبه حسين بن أحمد المكي):
(فأعاد الجواب ما نصه):
وللمترجم كلام كثير وصوته جهير، وفيما نقلته كفاية، توجه بآخر أمره إلى بلده، وبه توفي سنة ثمانين وماية وألف، رحمه الله.
ومات الإمام الصوفي العارف الناسك الشيخ محمد سعيد بن أبي بكر بن عبد الرحيم بن مهنا الحسيني البغدادي، وله بمحلة أبي النجيب من بغداد، وبها نشأ وأخذ عن الشيخ عبد العزيز بن أحمد الرحبي وحسن بن مصطفى القادري في آخرين، وحج وقطن المدينة مدة وأجازه الشيخ محمد حيوه السندي والشيخ حسن الكوراني، ورد مصر سنة إحدى وسبعين وماية وألف، فنزل بقصر الشوك قرب المشهد الحسيني وكان له في كلام القوم عرفان إلى الغاية يورده على طريقة غريبة، بحيث يرسخ في ذهن السامع ويلتذ به، وكان يذهب لزيارته الأجلاء من الأشياخ مثل شيخنا السيد علي المقدسي والسيد محمد مرتضى والشيخ العفيفي، وبالجملة فكان من أعاجيب دهره وكان الشيخ العفيفي ينوه بشأنه ويقول في حقه: «إنه من رجال الحضرة وإنه ممن يرى النبي ﷺ عيانًا» وتوجه إلى الديار الرومية ثم عاد إلى المدينة، ثم ورد أيضًا إلى مصر بعد ذلك ونزل قرب الجامع الأزهر، ثم توجه إلى الديار الرومية وقطن بها، وظهرت له هناك الكرامات وطار صيته وعلت كلمته، وصار له أتباع ومريدون ولم يزل هناك على حالة حسنة حتى وافاه الأجل المحتوم في أواخر الثمانين، وخلف ولده من بعده، رحمه الله تعالى وسامحه.
ومات الفقيه الصالح العلامة الفرضي الحيسوبي الشيخ/أحمد بن أحمد السنبلاوي الشافعي الأزهري الشهير برزة، كان إمامًا عالمًا مواظبًا على تدريس الفقه والمعقول بالجامع الأزهر وكان يحترف بيع الكتب وله حانوت بسوق الكتبيين مع الصلاح والورع والديانة، ملازمًا على قراءة ابن قاسم بالأزهر كل يوم بعد الظهر، أخذ عن الأشياخ المتقدمين وانتفع به الطلبة وكان إنسانًا حسنًا بهي الشكل عظيم اللحية منور الشيبة معتنيًا بشأنه مقبلًا على ربه. توفي سنة ثمانين وماية وألف.
ومات الأجل المكرم الفاضل النبيه النجيب الفقيه/حسن أفندي ابن حسن الضيائى المصري المجود المكتب، ولد كما وجد بخطه سنة اثنتين وتسعين وألف في منتصف جمادى الثانية، واشتغل بالعلم على أعيان عصره، واشتغل بالخط وجوده على مشايخ هذا الفن في طريقتي الحمدية وابن الصايغ أما الطريقة الحمدية فعلى سليمان الشاكري والجزايري وصالح الحمامي، وأما طريقة ابن الصايغ فعلى الشيخ محمد بن عبد المعطي السملاوي، فالشاكري والحمامي جودًا على عمر أفندي … وهو على درويش علي، وهو على خالد أفندي، وهو على درويش محمد شيخ المشايخ حمد الله بن بير علي المعروف بابن الشيخ الأماسي، وأما السملاوي فجود على محمد بن محمد بن عمار، وهو على والده، وهو على يحيى المرصفي، وهو على إسماعيل المكتب، وهو على محمد الوسيمي، وهو على أبي الفضل الأعرج، وهو على ابن الصايغ بسنده، وكان شيخًا مهيبًا بهي الشكل منور الشيبة شديد الانجماع عن الناس، وله معرفة في علم الموسيقا والأوزان والعروض، وكان يعاشر الشيخ محمد الطائي كثيرًا ويذاكره في العلوم والمعارف، ويكتب غالب تقاريره على ما يكتبه بيده من الرسايل والمرقعات، وقد أجاز في الخط لأناس كثيرًا ويجتمع في مجالس الكتبة مع صرامة وشهامة وعزة نفس، واتفق يومًا أنه طلب إلى مجلسهم في يوم جمعهم لإجازة، فامتنع عن الحضور وعز ذلك على الجمهور، فقال الشيخ عبد الله الإدكاوي وكان إذ ذاك حاضرًا في جملتهم:
(ثم قال بضده في المجلس):
توفي في منتصف ذي الحجة سنة ثمانين وماية وألف.
ومات الإمام العالم العلامة أحد العلماء الأذكياء وأفراد الدهر البحاث في المعضلات، الفتاح للمقفلات، الشيخ/عبد الكريم بن علي المسيري الشافعي المعروف بالزيات لملازمته شيخه سليمان الزيات، حضر دروس فضلاء الوقت، وانضوى إلى الشيخ سليمان الزيات ولازمه حتى صار معيدًا لدروسه، ومهر وأنجب وتضلع في الفنون ودرس وأملى وكان أوحد زمانه في المعقولات، ولازم آخرًا دروس الشيخ الحفني وتلقن منه العهد، ثم أرسله الشيخ إلى بلاد الصعيد؛ لأنه جاه كتاب من أحد مشايخ الهوارة ممن يعتقد في الشيخ بأن يرسل إليهم أحد تلامذته ينفع الناس بالناحية، فكان هو المعين لهذا المهم فألبسه وأجازه، ولما وصل إلى ساحل بهجورة تلقته الناس بالقبول التام، وعُيّن له منزل واسع وحشم وخدم، وأقطعوا له جانبًا من الأرض ليزرعها فقطن بالبهجورة، واعتنى به أميرها شيخ العرب إسماعيل بن عبد الله، فدرَّس وأفتى وقطع العهود، وأقام مجلس الذكر وراج أمره وراش جناحه ونفع وشفع وأثرى جدًّا وتملك عقارات ومواشي وعبيدًا وزروعات، ثم تقلبت الأحوال بالصعيد وأوذي المترجم وأخذ ما بيده من الأراضي وزحزحت حاله، فأتى إلى مصر فلم يجد من يعينه لوفاة شيخه، ثم عاد ولم يحصل على طائل، وما زال بالبهجورة حتى مات في أواخر سنة إحدى وثمانين وماية وألف.
ومات الإمام العلامة المتقن المعمر مسند الوقت وشيخ الشيوخ الشيخ/أحمد بن عبد الفتاح بن يوسف بن عمر المجيرى الملوي الشافعي الأزهري، ولد كما أخبر من لفظه في فجر يوم الخميس ثاني شهر رمضان سنة ثمان وثمانين وألف، وأمه آمنة بنت عامر بن حسن بن حسن بن علي بن سيف الدين بن سليمان بن صالح بن القطب علي المغراوي الحسنى، اعتنى من صغره بالعلوم عناية كبيرة وأخذ عن الكبار من أولي الإسناد، وألحق الأحفاد بالأجداد، فمن شيوخه الشهاب أحمد بن الفقيه والشيخ منصور المنوفي والشيخ عبد الرءوف البشبيشي والشيخ محمد بن منصور الإطفيحي والشهاب الخليفي والشيخ عيد النمرسي والشيخ عبد الوهاب الطندتاوي وأبو العز محمد بن العجمي والشيخ عبد ربه الديوي والشيخ رضوان الطوخي، والشيخ عبد الجواد المحلي وخاله أبو جابر علي بن عامر الإيتاوي. وأبو الفيض علي بن إبراهيم البوتيجي وأبو الأنس محمد بن عبد الرحمن المليجي هؤلاء من الشافعية، ومن المالكية محمد بن عبد الرحمن بن أحمد الورزازي والشيخ محمد الزرقاني والشيخ عمر بن عبد السلام التطاوني والشيخ أحمد الهشتوكي والشيخ محمد بن عبد الله السجلماسي والشيخ أحمد النفراوي والشيخ عبد الله الكنكسي وابن أبي ذكري وسليمان الحصيني والشبرخيتي، ومن الحنفية السيد علي بن علي الحسني الضرير الشهير باسكندر. ورحل إلى الحرمين سنة اثنتين وعشرين وماية وألف فسمع على البصري والنخلي الأولية وأوايل الكتب الستة وأجازاه الشيخ محمد طاهر الكوراني، وأجازه الشيخ إدريس اليماني وملأ الياسي الكوراني ودخل تحت إجازة الشيخ ابراهيم الكوراني في العموم، وعاد إلى مصر وهو إمام وقته المشار إليه في حل المشكلات المعوَّل عليه في المعقولات والمنقولات، اقرأ المنهج مرارًا وكذا غالب الكتب، وانتفع به الناس طبقة بعد طبقة وجيلًا بعد جيل، وكان تحريره أقوى من تقريره. وله رضي الله عنه مؤلفات كثيرة منها شرحان على متن السلم كبير وصغير، وشرحان كذلك على السمرقندية، وشرح على الياسمينية، وشرح الآجرومية ونظم النسب وشرحها، وشرح عقيدة الغمري وعقود الدرر على شرح ديباجة المختصر، أتمه بالمشهد الحسيني سنة ثلاث وعشرين ونظم الموجهات وشرحها وتعريب رسالة ملأ عصام في المجاز، ومجموع صيغ صلوات على النبي ﷺ، ومؤلفاته مشهورة مقبولة متداولة بأيدي الطلبة ويدرسها الأشياخ، وتعلل مدة وانقطع لذلك في منزله وهو ملقى على الفراش ومع ذلك يقرأ عليه في كل يوم في أوقات مختلقة أنواع العلوم، وترد عليه الناس من الآفاق ويقرءون عليه، ويستجيزونه فيجيزهم ويملي عليهم ويفيدهم، ومنهم من يأتيه للزيارة والتبرك وطلب الدعاء فيمدهم بأنفاسه ويدعو لهم، وكان ممتع الحواس. وأقام على هذه الحالة نحو الثلاثين سنة حتى توفي في منتصف شهر ربيع الأول سنة إحدى وثمانين وماية وألف ومن نظمه رضي الله عنه:
وأخبرني شيخنا الشيخ محمد المالكي المعروف بابن الست أنه تولى القطبانية سنة قبل موته، ودفن بالمشهد الحسيني في موضع أعد له، ورثاه الشيخ عبد الله الإدكاوي بقصيدة بيت تاريخها:
ومات الشيخ الامام الصالح/عبد الحي بن الحسن بن زين العابدين الحسيني البهنسي المالكي نزيل بولاق، ولد بالبهنسا سنة ثلاث وثمانين وألف، وقدم إلى مصر فأخذ عن الشيخ خليل اللقاني والشيخ محمد النشرتي والشيخ محمد الرزقاني والشيخ محمد الإطفيحي والشيخ محمد الغمري والشيخ عبد الله الكنكسي والشيخ محمد بن يوسف والشيخ محمد الخرشي، وحج سنة ثلاث وعشرة وماية وألف فأخذ عن البصري والنخلي وأجازه السيد محمد التهامي بالطريقة الشاذلية، والسيد محمد بن علي العلوي في مصر الأحمدية، والشيخ محمد شويخ في الشناوية، وحضر دروس المحدث الشيخ علي الطولوني ودرس بالجامع الخطيري ببولاق وأفاد الطلبة وكان شيخًا بهيًّا معمرًا منور الشيبة منجمعًا عن الناس زاهدًا قانعًا بالكفاف. توفي ليلة الإثنين حادي عشري شعبان سنة إحدى وثمانين وماية وألف بمنزله ببولاق وصُلي عليه بالجامع الكبير في مشهد حافل، وحمل على الأعناق إلى مدافن الخلفا قرب مشهد السيدة نفيسة، فدفن بها رحمه الله.
ومات الشيخ إمام السنة ومقتدي الأمة/عبد الخالق بن أبي بكر بن الزين بن الصديق بن الزين بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن أبي القاسم النمري الأشعري المزجاجي الزبيدي الحنفي من بيت العلم والتصوف، جده الأعلى محمد بن محمد بن أبي القاسم صاحب الشيخ إسماعيل الجبرتي قطب اليمن وحفيده عبد الرحمن بن محمد خليفة جده في التسليك والتربية، وهو الذي تديَّر زبيد بأهله وعياله وكان قبل بالمزجاجة وهي قرية أسفل زبيد خربت الآن، ولد المترجم سنة ألف وماية بزبيد وحفظ القرآن وبعض المتون، ولما ترعرع أخذ عن الإمام المسند الشيخ علاء الدين المزجاجي والسيد يحيى بن عمر الأهدل والمسند عبد الفتاح بن إسماعيل الخاص والشيخ علي المرحومي نزيل مخا، وأجازه من مكة الشيخ حسن العجمي بعناية والده وبعناية قريبه الشيخ علي بن علي المزجاجي نزيل مكة، ووفد إلى الحرمين فأخذ بمكة عن الشيخ محمد عقيلة، روى عنه الكتب الستة وحمل عنه المسلسلات بشرطها وألبسه وحكمه، وحضر على الشيخ عبد الكريم اللاهوري في الفقه والأصول وكان يحثه على قراءة الأخسكيتي ويقول: «لا يستغني عنه طالب»، وحضر دروس الشيخ عبد المنعم بن تاج الدين القلعي ومحمد بن حسن العجمي ومحمد سعيد التنبكتي، وبالمدينة عن الشيخ محمد طاهر الكردي سمع منه أوايل الكتب الستة والشيخ محمد حياة السندي لازمه في سماع الكتب الستة، وعاد إلى زبيد فأقبل على التدريس والإفادة، وسمع عليه شيخنا السيد محمد مرتصى الصحيحين وسنن النسائي كله بقراءته عليه في عين الرضا موضع بالنخل خارج زبيد كان يمكث فيه أيام خراف النخل، والكنز والمنار كلاهما للنسفي ومسلسلات شيخه ابن عقلية وهي خمسة وأربعون مسلسلًا، وسمع عليه أيضًا المسلسل بيوم العيد ولازم درسه العامة والخاصة، وألبسه الخرقة ونقبه وحكمه بعد أن صحبه وتأدب به، وبه تخرج شيخنا المذكور كذا ذكر في ترجمته قال. وفي آخر توجه حياته إلى الحرمين، فمات بمكة في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وماية وألف.
ومات الشيخ الإمام الثبت العلامة الفقيه المحدث الشيخ/عمر بن علي بن يحيى بن مصطفى الطحلاوي المالكي الأزهري، تفقه على الشيخ سالم النفراوي وحضر دروس الشيخ منصور المنوفي والشهاب ابن الفقيه والشيخ محمد الصغير الورزازي والشيخ أحمد الملوي والشبراوي والبليدي، وسمع الحديث عن الشهابين أحمد البابلي والشيخ أحمد العماوي وأبي الحسن علي بن أحمد الحريشي الفاسي، وتمهر في الفنون ودرس بالجامع الأزهر وبالمشهد الحسيني واشتهر أمره وطار صيته وأشير إليه بالتقدم في العلوم، وتوجه إلى دار السلطنة في مهم اقتضى لأمراء مصر فقوبل بالإجابة، وألقى هناك دروسًا في الحديث في آيا صوفية، وتلقى عنه أكابر العلماء هناك في ذلك الوقت وصرف معززًا مقضيًا حوايجه، وذلك في سنة سبع وأربعين وماية وألف، ولما تتم عثمان كتخدا القازدغلي بناء مسجده بالأزبكية في تلك السنة تعين المترجم للتدريس فيه وذلك قبل سفره إلى الديار الرومية، وكان مشهورًا في حسن التقرير وعذوبة البيان وجودة الإلقاء، وأقرأ الموطأ وغيره بالمشهد الحسيني، وأفاد وأجاز الأشياخ، وكان يطلع في كل يوم جمعة إلى المرحوم حمزة باشا مرة، فيسمع عليه الحديق وكان للناس فيه اعتقاد حسن وعليه هيبة ووقار وسكون ولكلامه وقع في القلوب. توفي ليلة الخميس حادي عشر صفر سنة إحدى وثمانين وماية وألف، وصُلي عليه بصباحه في الأزهر في مشهد حافل ودفن بالمجاورين، رحمه الله.
ومات الوجيه الصالح الشيخ/عبد الوهاب بن زين الدين بن عبد الوهاب بن نور الدين بن بايزيد بن أحمد بن القطب شمس الدين بن أبي المفاخر محمد بن داود الشربيني الشافعي، وهو أحد الإخوة الثلاثة وهو أكبرهم، تولى النظر والمشيخة بمقام جده بعد أبيه فسار فيها سيرًا مليحًا وأحيا المآثر بعدما اندرست وعمر الزاوية، وأكرم الوافدين وأقام حلقة الذكر كل يوم وليلة بالمسجد، ويغدق على المنشدين، وورد مصر مرارًا منها صحبة والده، ومنها بعد وفاته وألف باسمه شيخنا السيد مرتضى رسالة في الطريقة الأوسية سماها (عقيلة الأتراب في سند الطريقة والأحزاب)، وفي آخره أتى إلى مصر لمقتضٍ، ومرض نحو ثلاثة أيام. وتوفي ليلة الأحد غرة ذي القعدة سنة إحدى وثمانين وماية وألف، وغسل وكفن وذهبوا به إلى بلده فدفنوه عند أسلافه.
ومات الشيخ الإمام العلامة الهمام أوحد أهل زمانه علمًا وعمل، ومن أدرك ما لم تدركه الأول المشهود له بالكمال والتحقيق، والمجمع على تقدمه في كل فريق شمس الملة والدين/محمد بن سالم الحفناوي الشافعي الخلوتي وهو شريف حسيني من جهة أم أبيه وهي السيدة ترك ابنة السيد سالم بن محمد بن علي بن عبد الكريم ابن السيد برطع المدفون ببركة الحاج، وينتهي نسبه إلى الإمام الحسين رضي الله عنه، وكان والده مستوفيًا عند بعض الأمراء بمصر، وكان على غاية من العفاف ولد على رأس الماية ببلده حفنا بالقصر قرية من أعمال بلبيس وبها نشأ، والنسبة إليها حفناوي وحفني وحفنوي، وغلبت عليه النسبة حتى صار لا يذكر إلا بها، وقرأ بها القرآن إلى سورة الشعراء، ثم حجزه أبوه بإشارة الشيخ عبد الرءوف البشبيشي وعمره أربع عشرة سنة بالقاهرة فكمل حفظ القرآن ثم اشتغل بحفظ المتون، فحفظ ألفيه ابن مالك والسلم والجوهرة والرحبية وأبا شجاع وغير ذلك، وأخذ العلم عن علماء عصره، واجتهد ولازم دروسهم حتى تمهر وأقرأ ودرَّس وأفاد في حياة أشياخه وأجازوه بالإفتاء والتدريس فأقرأ الكتب الدقيقة كالأشموني وجمع الجوامع والمهج ومختصر السعد وغير ذلك من كتب الفقه والمنطق والأصول والحديث والكلام عام اثنتين وعشرين، وأشياخه الذين أخذ عنهم وتخرج عليهم الشيخ أحمد الخليفي والشيخ محمد الديربي والشيخ عبد الرءوف البشبيشي والشيخ أحمد الملوي والشيخ محمد السجاعى والشيخ يوسف الملوي والشيخ عبده الديوي والشيخ محمد الصغير، ومن أجل شيوخه الذين تخرج بالسند عنهم الشيخ محمد البديري الدمياطي الشهير بابن الميت، أخذ عنه التفسير والحديث والمسندات والمسلسلات والإحياء للامام الغزالي، وصحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داود وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه والموطأ، ومسند الشافعي والمعجم الكبير للطبراني والمعجم الأوسط والصغير له أيضًا وصحيح ابن حبان والمستدرك للنيسابوري والحلية للحافظ أبي نعيم وغير ذلك، وشهد له معاصروه بالتقدم في العلوم، وحين جلس للإفادة لازمه جل طلبة العلم ومن بهم يسمو المعقول والمنقول وكان إذ ذاك في شدة من ضيق العيش والنفقة، فاشترى دواة وأقلامًا وأوراقًا واشتغل بنسخ الكتب فشق عليه ذلك خوفًا من انقطاعه عن العلم، فبينما هو في بعض الدروس إذ جاءه رجل وانتظره حتى فرغ من الدرس فقال له: «يا سيدي أريد أن أكلمك كلمتين»، وأشار إلى مكان قريب فسار معه حتى انتهيا إلى المدرسة العينية فدخلالها ثم جلسا، فأخرج الرجل محرمة ملآنةً بالدراهم وقال له: «يا سيدي فلان يسلم عليك وقد بعث لك معي بهذه الدراهم ويريد أن يحظى بقبولها»، فأخذها منه وفتحها وملا كفه من الدراهم وأراد إعطاءها لحاملها، فامتنع وحلف لا يأخذ منها شيئًا ثم فارقه ذلك الرجل، وذهب الشيخ إلى البيت وكسر الأقلام والدواة، فأقبلت عليه الدنيا من حينئذ، وكان يتردد إلى زاوية سيدي شاهين الخلوتي بسفح الجبل ويمكث فيها الليالي متحنثًا، وأقبل على العلم وعقد الدروس وختم الختوم بحضرة جمع العلماء، وأقرأ المنهاج مرات وكتب عليه، وكذلك جمع الجوامع والأشموني ومختصر السعد وحاشية حفيده عليه كتب عليها وقرأها غير مرة، وكان الشيخ العلامة مصطفى العزيزي إذا رفع إليه سؤال يرسله إليه، واشتغل بعلم العروض حتى برع فيه وعانى النظم والنثر وتخرج عليه غالب أهل عصره وطبقته، ومن دونهم كأخيه العلامة الشيخ يوسف والشيخ إسماعيل الغنيمي صاحب التآليف البديعة والتحريرات الرفيعة، المتوفى سنة إحدى وستين وشيخ الشيوخ الشيخ علي العدوي والشيخ محمد الغيلاني والشيخ محمد الزهار نزيل المحلة الكبرى وغيرهم، كما هو في تراجم المذكورين منهم، وكان على مجالسه هيبة ووقار ولا يسأله أحد لمهابته وجلالته، ولم يعان التأليف لاشتغاله بالإلقاء والإقراء، فمن تآليفه المشهورة حاشية على شرح رسالة العضد للسعد وعلى الشنشوري في الفرايض وعلى شرح الهمزية لابن حجر وعلى مختصر السعد وعلى شرح السمرقندي للياسمينية في الجبر والمقابلة، وله تصانيف أخرى مشهورة، وكان كريم الطبع جدًّا وليس للدنيا عنده قدر ولا قيمة، جميل السجايا مهيب الشكل عظيم اللحية أبيضها كأن على وجهه قنديلًا من النور، وكان كريم العين على إحداهما نقطة وأكثر الناس لا يعلمون ذلك لجلالته ومهابته، وكان في الحلم على جانب عظيم، ومن مكارم أخلاقه إصغاؤه لكلام كل متكلم، ولو من الخزعبلات مع انبساطه إليه وإظهار المحبة ولو أطال عليه، ومن رآه مدعيًا شيئًا سلم له في دعواه، ومن مكارم أخلاقه أنه لو سأل إنسانًا أعز حاجة عليه أعطاها له كاينة ما كانت، ويجد لذلك أنسًا وانشراحًا، ولا يعلق أمله بشيء من الدنيا، وله صدقات وصلات خفية وظاهرة، وكان راتب بيته من الخبز في كل يوم نحو الإردب والطاحون دايمة الدوران، وكذلك دق البن وشربات السكر ولا ينقطع ورود الواردين ليلًا ونهارًا، ويجتمع على مائدته الأربعون والخمسون والستون، ويصرف على بيوت أتباعه والمنتسبين اليه، وشاع ذكرع في أقطار الأرض، وأقبل عليه الوافدون بالطول والعرض، وهادته الملوك، وقصده الأمير والصعلوك، فكل من طلب شيئًا من أمور الدنيا أو الآخرة وجده، وكان رزقه فيضًا إلهيًّا، وذكر الشيخ حسن شمه في كتابه الذي ألفه في نسب الأستاذ ومناقبه قال: «كنت مع الشيخ يومًا في منتزه فجلست في ناحية أكتب في المقامة التي وضعتها في مدحه المسماة (بفيض المغني بمدح الحفني)، وجعلتها مشتملة على سائر الفنون الشعرية التي هي النسب والموشح والدوبيت والزجل، وكان وكان والقوما والحماق والمواليا بأنواعه الثلاثة القرقيا والبليق والمكفر، وعلى نبذة من الموشحات والمحسنات البديعية كالمعطلات والحية والرقطاء ووسع الاطلاع، وحسن الصنيع والمشجر والجناس واللغز والمعمي والمصحف والقلب ونوعي الاقتباس، وكنت إذ ذاك في فن المواليا فعملت مواليًا قرقيًّا وهو:
فقال لي: أنت فيم تكتب؟ فأخبرته وأنشدته المواليا فضحك وقال لي ممازحًا: أنا لا أحبه بالزيت الحار وإنما أحبه بالسمن وأنشد:
قال: وقد شرحت هذا المواليا بلسان القوم شرحًا لطيفًا، ثم قال لي: أحدتك حدوته بالزيت ملتوته حلفت ما اكلها حتى يجي التاجر والتاجر فوق السطوح، والسطوح عاوز سلم والسلم عند النجار والنجار عاوز مسمار، والمسمار عند الحداد والحداد عاوز بيضه والبيضة في بطن الفرخة، والفرخة عاوزة قمحه والقمحه في الأجران والأجران عاوزه الدراس تدرى ما معنى هذه؟ قلت: لا أعلم إلا ما علمتني (فقال: أحدتك حدوته بالزيت ملتوتة) يعني: السر الإلهي والسلاف الأحمدي الأواهي الممزوج براح القرب والتقريب المدار من يد الحبيب (حلفت ما آكلها) أي: أتناولها فإن المقصد لا يتم بلا وسيلة والسالك قبل كل شيء يحصل دليله (حتى يجي التاجر) أي: المسلك العامر، والمراد به المرشد الكامل والمربي الواصل (والتاجر فوق السطوح) يتلقى معارج الروح لا يذهب ولا يروح بل إليه يراح وبه تنتعش الأرواح (والسطوح عاوز سلم) يتوصل به إليه. حيث إن المدار عليه إذ لا يمكن صعود بلا معراج، ولو أمكن لفعل بالأولى صاحب المعراج (والسلم عند النجار) أي: له صاحب مخصوص لإقامته ومركب يركبه من آلته هو النجار، وهو الأستاذ الكامل المسلك الواصل (والنجار عاوز مسمار) يثبت به سلم القرب والوصول كي يوصل لمنازل الحصول (والمسمار عند الحداد) صانعه المخصوص به، المقيم ببحبوح سربة (والحداد عاوز بيضة) إذ لا يكون شيء بلا شيء، والغالي لا يفرط فيه حي، ومن عمل عملًا وأتم أمره استحق على عمله الأجرة (والبيضة في بطن الفرخة)، فمن أرادها فلينصب فخه فإنها مخبوءة في صدفها ومنفردة عن صنفها (والفرخة عاوزه قمحة)؛ كي تتنفس بها فتنفخ نفخة لتلقي ما في جوفها، وذلك من ذعرتها وخوفها (والقمحة في الأجران)؛ لأنها ظرفها والعنان (والأجران عاوزة الدراس) ودراسها ليس إلا الجد والاجتهاد لمن أراد أن يرتع في رياض الإسعاد، فكل هذه درجات للسالك يصعدها، ومسافة لسيره يقطعها، وثم خواص طويت لهم السبل كلها، ونالوا كل ما راموا من مشتهى، انتهى، فانظر رحمك الله هذا المزح الذي هو حقيقة الجد.
(ومما سمع من إنشاده في الدياجي موشح الدلنجاوي):
(ثم أنشد مواليًا):
(وكرره ثم أنشد):
(وأنشد أيضًا):
(ثم أنشد):
(قال) الشيخ حسن: قلت له: ما أبلغ بيت السبعينية:
(فقال) لي: أبلغ منه قوله:
(وقال): وسمعته كثيرًا ما ينشد في الدياجي:
(قال) وسمعته مرة ينشد:
(وأنشد مرة أيضًا):
(وقال) لي مرة: كان عندنا شاعر يدعي النظم ومعرفته، فطارحني فيه يومًا فقلت له: أكتب ما حضرني ونظمت بيتين وهما:
(وقال): فأذعن الشاعر بفضله وعجب من قوة استحضاره. ودخل الشيخ المنوفي على الشيخ الخليفي وهو جالس عنده متشفعًا في جماعة متجاهرين بالمعاصي، وكان الشيخ الخليفي قد طردهم وغضب عليهم، فسأله المنوفي في الرضا عنهم فقال له: «إذا كنت أرضى عنهم فإن الله لا يرضى كما قال في كتابه العزيز»، فقال الأستاذ الحفني قد حضرني بيتان فقيل له: ما هما؟ فقال:
وقال من بحر الهزج:
وقد شطر هذه الأبيات مولانا السيد البكري الصديقي وخمسها وشطرها غير واحد غيره، وقال عام رحلته إلى بيت المقدس لزيارة السيد الصديقي مادحًا جنابه بقصيدة من بحر المجتث:
وكان لاشتغاله بالالقاء والإقراء للعلم لا يعاني النظم كثيرًا، وله مواليًا من المكفر، المواليا على ثلاثة أقسام قرقيا وبليق ومكفر، فالقرقيا ما اشتمل على الهزل، والبليق ما اشتمل على الغزل، والمكفر بكسر الفاء ما اشتمل على المواعظ، (فمن ذلك قوله):
وقوله:
وقوله:
وله من البليق:
(ومن) مراسلاته لبعض تلامذته: أما بعد إهداء سلام بسر الحب نام تام للحبيب الصفي، ومن بالعهد وفي، السري الأسعد، أحمدنا الأحمد جملّنا الله وإياه بلباس التقوى، وثبتنا وإياه على التمسك بسبب الوصول الأقوى، فقد وصلت الرسايل، المنبثة بحفظ الوسايل، المشعرة بالصفا، والقيام على قدم الوفا، والذي به نوصيك، وبسره الخفي نوافيك، أن تدوم منتبهًا لتحرك النفس، في كل حركة ونفس، خصوصًا عند إقبال العباد، وطلبهم الفايدة والإرشاد، فإنها ولو للمعمرين بالمرصاد، فلا ينبغي ان يغمد عنها سيف الجهاد، ومن زاد عليك إقباله، وتوجهت إليك بالصدق آماله، فاصرف قلبك إليه، وعول في التربية عليه، ومن عنك بهواه صد، بعد أخذك عليه وثيق العهد، فدعه ولا تشغل به البال، وأنشده قول أستاذنا لمن عن طريقنا قد مال:
ومن أردت زجره للتربية وإرشاده، فليكن ذلك عند الانفراد إذ هو أرجى لإسعاده، ولا تزجر بضرب ولا نهر بين الناس: فإن ذلك ربما أوقع المريد في الباس، ولا تلتفت لمن أعرض، ولا لمن يصحبك بإحسان، والأدب واللطف محمودان، والغلطة والحقد موبقان، فاطرح القال والقيل، واصفح الصفح الجميل، ولك ولكل من أخذ عنك أو أحبك منا ومن أهل سلسلة طريقنا ما سرك، فأبشر إن عملت بما أشرنا بكل خير، ومزيد الفتح والمسير في السير، وللشيخ رضي الله عنه مناقب ومكاشفات وكرامات وبشارات وخوارق عادات يطول شرحها، ذكرها الشيخ حسن المكي المعروف بشمه في كتابه الذي جمعه في خصوص الأستاذ، وكذلك العلامة الشيخ محمد الدمنهوري المعروف بالهلباوي له مؤلف في مناقب الشيخ ومدايحه وغير ذلك.