سنة أربع وثمانين وماية وألف/١٧٧٠م
فيها ورد على علي بك الشريف عبد الله من أشراف مكة، وكان من أمره أنه وقع بينه وبين ابن عمه الشريف أحمد أخي الشريف مساعد منازعة في إمارة مكة بعد وفاة الشريف مساعد، فتغلب عليه الشريف أحمد واستقل بالإمارة، وخرج الشريف عبد الله هاربًا وذهب إلى ملك الروم واستنجد به، فكتب مكاتبات لعلي بك بالمعونة والوصية والقيام معه، وحضر إلى مصر بتلك المكاتبات في السنة الماضية، وكان علي بك مشتغلًا بتمهيد القطر المصري ووافق ذلك غرضه الباطنى وهو مطمعه في الاستيلاء على الممالك، فأنزله في مكان وأكرمه ورتب له كفايته، وأقام بمصر حتى تمم أغراضه بالقطر وخلص له قبلي وبحري، وقتل من قتله وأخرج من أخرجه، فالتفت عند ذلك إلى مقاصده البعيدة وأمر بتجهيز الذخاير والإقامات، وعمل البقسماط الكثير حتى ملوا منه المخازن ببولاق ومصر القديمة والقصور البرانية وبيوت الأمراء المنافي الخالية، ثم عبوا ذلك وأرسل مع باقي الاحتياجات واللوازم من الدقيق والسمن والزيت والعسل والسكر والأجبان في البر والبحر، واستكتب أصناف العساكر أتراكًا ومغاربة وشوامًا ومتاولة ودروزًا وحضارمة ويمانية وسودانًا وحبوشًا ودلاة وغير ذلك، وأرسل منهم طوايف في المقدمات والمشاة أنزلوهم من القلزم في المراكب، وصحبتهم الجبخانات والمدافع وآلات الحرب، وخرجت التجريدة في شهر صفر بعد دخول الحجاج في تجمل زايد ومهيا عظيم وسارى عسكرها محمد بك أبو الدهب، وصحبته حسن بك ومصطفى بك وخلافهم.
وفي ثاني وعشرين ربيع الأول وردت الأخبار من الأقطار الحجازية بوقوع حرابة عظيمة بين المصريين، وعرب الينبع وخلافهم من قبايل العربان والأشراف، ووقعت الهزيمة على المذكورين وانتصر عليهم المصريون، وقتل وزير الينبع المتولى من طرف شريف مكة وقتل معه خلايق كثيرة.
وفي تاسع من شهر ربيع الآخر وصل نجاب إلى مصر من الديار الحجازية، وأخبر بدخول محمد بك ومن معه إلى مكة، وانهزام الشريف أحمد وخروجه هاربًا. ونهب المصريون دار الشريف ومن يلوذ به وأخذوا منها أشياء كثيرة من أمتعة وجواهر وأموال لها قدر، وجلس الشريف عبد الله في إمارة مكة، ونزل حسن بك إلى بندر جدة وتولى إمارتها عوضًا عن الباشا الذي تولاها من طرف ملك الروم؛ ووصلت الأخبار والبشائر بذلك وأرسلت إليه الملاقاة بالعقبة وخلافها، فلما ورد الخير بوصوله إلى العقبة خرجت الأمرا إلى بركة الحاج والدار الحمرا لانتظار قدومه، فوصل في أواخر شهر رجب ودخل إلى مصر في ثامنه في موكب عظيم، وأتت إليه العلما والأعيان للسلام وقصدته الشعراء بالقصايد والتهاني.
وفي منتصف رجب المذكور عزل علي بك عبد الرحمن أغا مستحفظان، وقلد عوضه أغا الوالي، وقلد عوض الوالي موسى أغا من أتباعه، وأمر عبد الرحمن أغا بالسفر إلى ناحية غزة وهي أول حركاته إلى جهة الشام، وأمر بقتل سليط شيخ عربان غزة، فلم يزل يتحيل عليه حتى قتله هو وإخوته وأولاده، وكان سليط هذا من العصاة العتاة له سير وأخبار.
وفيه زاد اهتمام علي بك بالتحرك على جهة الشام واستكثر من جميع طوايف العسكر، وعمل البقسماط والبارود والذخاير والمون وآلات الحرب، وأمر بسفر تجريدة وأميرها إسماعيل بك وصحبته علي بك الطنطاوي وعلي بك الحبشي، فبرزوا إلى جهة العادلية وخرجوا بما معهم من طوايف العسكر والمماليك والأحمال والمطابخ والجبخانات والعربات والضوية، وقرب الماء الكثيرة على الجمال، والكرارات والمطابخ والطبول والزمور والنقاقير وغير ذلك، فلما تكامل خروجهم أقاموا بالعادلية أيامًا حتى قضوا لوازمهم وارتحلوا وسافروا إلى جهة الشام.
وفي حادي عشرينه برزت تجريدة أخرى وعليها سليمان بك وعمر كاشف وجملة كثيرة من العساكر، فنزلوا من طريق البحر على دمياط.
وفي عاشر شهر القعدة وردت أخبار من جهة الشام، وأشيع وقوع حرابات بينهم وبين حكام الشام وأولاد العظم.
وفي منتصفه خرجت تجريدة أخرى وسافرت على طريق البر على النسق السابق.
(وفي سابع عشر) طلب علي بك حسن أغا تابع الوكيل والروزنامجي وباش قلفة وإسماعيل أغا الزعيم وآخرين، وصادرهم في نحو أربعماية كيس بعد ما عوقوهم أيامًا. وفي أواخره عمل علي بك دراهم على القرى وقرر على كل بلد ماية ريال وثلاثة ريال حق طريق؛ فضجت الناس من ذلك، وطلب من النصارى والقبط ماية ألف ريال، ومن اليهود أربعين ألفًا وقبضت جميعها في أسرع وقت.
ذكر من مات في هذه السنة (١١٨٤هـ/١٧٧٠م)
مات الشيخ العمدة الفاضل الكامل الأديب الماهر الناظم الناثر الشيخ عبد الله بن سلامة الإدكاوي المصري الشافعي الشهير بالمؤذن، ولد بإدكو وهي قرية قرب رشيد سنة أربع وماية وألف كما أخبر من لفظه، بها حفظ القرآن وورد إلى مصر، فحضر دروس علماء مصر وأدرك الطبقة الأولى، واشتهر بفن الأدب وانضوى إلى فخر الأدباء في عصره السيد علي أفندي برهان زاده نقيب السادة الأشراف، فأنزله عنده في إكرام واحتفل به وكفاه المؤنة من كل وجه، وصار يعاطيه كؤوس الآداب، ويصافيه بمطارحة أشهى من ارتشاف الرضاب، وحج بصحبته بيت الله الحرام، وزار قبر نبيه عليه الصلاة والسلام، وذلك سنة سبع وأربعين وماية وألف، وعاد إلى مصر وأقبل على تحصيل الفنون الأدبية، فنظم ونثر ومهر وبهر، ورحل إلى رشيد وفوة والإسكندرية مرارًا، واجتمع على أعيان كل منها وطارحهم ومدحهم، وفي سنة تسع وثمانين رأيت من نظمه بيتين بخطه في جدار جامع ابن نصر بفوه تاريخ كتابتها سنة خمس وأربعين، وبعد وفاة السيد النقيب تزوج وصار صاحب عيال وتنقلت به الأحوال، وصار يتأسف على ما سلف من عيشة الماضي في ظل ذلك السيد قدس سره، فلجأ إلى أستاذ عصره الشيخ الشبراوي ولازمه واعتنى به وصار لا ينفك عنه ومدحه بغرر قصايده، فحصلت له العناية والإعانة، وواساه بما حصلت به الكفاية والصيانه، وله تصانيف كلها غرر، ونظم نظامه عقود الدرر، فمنها الدرة الفريدة والمنح الربانية في تفسير آيات الحكم العرفانية، والقصيدة اللازردية في مدح خير البرية، ألفها لعلي باشا الحكيم، ومختصر شرح بانت سعاد للسيوطي، والفوايح الجنانية في المدايح الرضوانية، جمع فيها أشعار المادحين للمذكور، ثم أورد في خاتمها ماله من الأمداح فيه نظمًا ونثرًا، وهداية المنهومين في كذب المنجمين، والنزهة الزهية بتضمين الرحبية، نقلها من الفرايض إلى الغزل، وعقود الدرر في أوزان الأبحر الستة عشر، التزم في كل بيت منها الاقتباسات الشريفة، والدر الثمين في محاسن التضمين، وبضاعة الأريب في شعر الغريب، وذيلها بذيل يحكي دمية القصر، وله المقامة التصحيفية والمقامة القمرية في المجون، وله تخميس بانت سعاد وصدرها بخطبة بديعة وجعلها تأليفًا مستقلًّا. وديوانه المشهور على حروف التهجي وغير ذلك. وقد كتب بخطه الفايق كثيرًا من الكتب الكبار ودواوين الأشعار، وكمل عدة أشياء من غرايب الأسفار رأيت من ذلك كثيرًا، وقاعدة خطه بين أهل مصر مشهورة لا تخفى، ورأيت مما كتب كثيرًا، فمن الدواوين: ديوان حسان رضي الله عنه رأيته بخطه وقد أبدع في تنميقه وكتب على حواشيه شرح الألفاظ الغريبة، ونزهة الألباب، الجامع لفنون الآداب، وله مطارحات لطيفة مع شعراء عصره، والواردين على مصر، ولم يزل على حاله حتى صار أوحد زمانه، وفريد عصره وأوانه، ولما توفي الأستاذ الحفني اضمحل حاله، ولعب بلباله، واعترته الأمراض ونضب روض عزه وغاض، وتعلل مدة أيام، حتى وافاه الحمام، في نهار الخميس خامس جمادى الأولى من السنة، وأخرج بصباحه، وصُلي عليه بالأزهر، ودفن بالمجاورين قرب تربة الشيخ الحفني، ومما اخترته من شعره قوله متوسلًا بالنبي ﷺ:
(وله):
وله في آل البيت وفيه اقتباس:
- الأول: أن يكون أول كل كلمة أولًا لأختها (وفيه قوله):
بهي بدا بالوصلبزورته بانت بلابل باله
- الثان: حرف عاطل وحرف منقوط سوى القافية (وفيه قوله):
جميل بديع جل ذاتًا بهيهبه زدت حبًّا فاتك بمجاله
- الثالث: كلمة منقوطة وكلمة عاطلة ويسمى الأخيف (وفيه قوله):
جُنِنْتُ ولوعًا في هواه، شُغفت، كمفُتِنت عساه يُجتنَى لكماله
- الرابع: جميع الكلمات منقوطة (فيه قوله):
شفيق شقيق شنب شفَىبغنج، بجفن شفَّنى بنباله
له فيما لا يستحيل بالانعكاس بانعكاس قولنا لم يَنْعَكِسْ:
وله فيه أيضًا:
وله فيه أيضًا:
وله في وسع الاطلاع، وهو أن الحرف الذي تختم به الكلمة تبتدأ به الكلمة التي بعدها إلى آخر قوله:
(وله في النوع المسمى بالعود):
وله في بناء مسجد الشيخ مطهر بيت تأريخ:
(وله تشطير ذالية ظافر الحداد):
إلى آخرها وله من قصيدة يمدح بها بعض أمراء مصر، ويهنيه بعام أربع وستين فيها تاريخ، كل مصراع منه تاريخ على حدته، ومنقوط المصراعين تاريخ ومهملهما تاريخ، ومنقوط الأول مع مهمل الثاني تاريخ وبالعكس، فالجملة ستة تواريخ في البيت الواحد مطلعها:
«وبيت التاريخ»:
(وله):
وكان في مجلس وفيه أعيان الكتاب من الخطاطين، فطلب منه وصفهم فقال:
(وله مؤرخًا عذار محبوب):
«وله وهو منقول من معنى فارسي»:
(وله أيضًا):
(وله مستعطفًا):
(وله):
(وله في المواعظ):
(وقال لأمر اقتضى):
(وقال في الرد على المنجمين):
وأنشده بعض أدباء الروم تاريخًا بالتركية يخرج منه ستة تواريخ، وزعم أن شعراء العرب لا يحسنون مثل ذلك فعمل تلك الليلة قوله وهو أول ما عمل من هذا النوع:
فكل مصراع تاريخ، ومهمل المصراع الأول مع مهمل الثاني تاريخ، ومنقوط الأول مع منقوط الثاني تاريخ، ومهمل الأول مع منقوط الثاني تاريخ، وعكسه فليعلم.
وله تشطير على لامية ابن الوردي مشهور. وله في الزهديات:
(وله تخميس بيتي الرقمتين):
وقال:
وقال في تضمين المصراع الأخير الفارسي:
وله قصيدة ليس فيها حرف منقوط من أسفل منها:
وله أخرى ليس فيها حرف منقوط من أعلى منها:
وله نظم البحور على ترتيبها في الدوائر بأسمائها:
وله في التضمينات نبذه صغيرة جمعها على حروف المعجم للمرحوم الشيخ محمد سعيد السمان الدمشقي، حين قدم مصر واجتمع به سنة اثنتين وسبعين وماية وألف، منها على حرف الألف:
(وعلى حرف الباء):
(وعلى حرف التاء):
(وعلى حرف الشين):
وقال في تفضيل القديم على الجديد والجديد على القديم:
وقال يمدح الشمس الحفني قدس الله سره:
فلما سمعه الممدوح ووعاه، قال بلفظه المبين: آمين اللهم آمين.
وقال مخمسًا أبيات ابن منجك المشهورة:
وقال مضمنًا وقد بلغ عمره سبعين من السنين:
وله مضمنًا:
وله في المجون مضمنًا:
وقال أيضًا من هذا النوع:
وقال مضمنًا:
وله تقريظ بديع على شرح رسالة اسم الجنس والعلم لسيدنا الشيخ السادات حفظه الله تعالى، والمتن للشيخ العيدروس رحمه الله تعالى: هذا علم علامة علم، فعلم وفهم فهامة فهم ففهم، وجنس خاص من خاص الخواص، ودرة من بحر علم لا من بحر غواص، وأديب أبرز غامض تحف أتحف بها طالبيها، ولبيب كشف النقاب عن وجه جسناء تمنعت عن غير عارفيها، فنزهت طرفي في محاسن ما أبدع وحبست طرف نظري متأملًا بدائع ما أودع، وقلت: عين الله عليه من رئيس أمعن نظره، وأنعم في تنقيح أبحاثها فكرة، وأتقن ضم المتن لشرحه المجيد، حتى صار في الالتئام كعقد در دار بالجيد، كيف لا وهو من نخبة قوم عارفين، ولكل وجهة خير هممهم صارفين، وعن كل شر عازفين:
وله هذه الأبيات الثلاثة أودع في أوايل كل كلمة منها حرفًا من حروف الهجايه:
وقال مؤرخًا وصول العين بالماء الكثير إلى مكة شرفها الله:
وكان الأغا المعين عليها من الدولة يقال له: فيض الله.
وله تشطير بيتي الشقايق لمولانا العارف بالله تعالى الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه الله مسئولًا في ذلك، وكان قد ورد على السائل جملة تشاطير عليهما لأدباء الشام فقال:
وقال أيضًا:
وقال أيضًا:
وقال أيضًا:
وقال أيضًا وفيه توجيه علم المنطق:
وقال أيضًا وفيه توجيه النحو:
وقال في توجيه النجوم:
وقال يخاطب الأستاذ الحفني قدس سره:
وقال متغزلًا:
وكان قد مرض مرضًا أعيا الأطباء ورثى له فيه الأعداء فضلًا عن الأحباء، فلما عوفي قال:
وقال أيضًا:
وقال أيضًا:
وقال أيضًا:
وقال وهو معنى منقول من الفارسية:
وقال مؤرخًا وقد كتب على حنفية للوضوء:
وقال في غرض:
وقال يخطاب الشمس الحفني في يوم عيد:
ولما زوجني المرحوم الوالد في سنة اثنتين وثمانين وماية، وألف كتب إليه مهنيًا ومؤرخًا قوله:
وفي سنة ثلاث وسبعين وماية وألف) لما اختلف خدام المشهد النفيسي وكبيرهم إذ ذاك الشيخ عبد اللطيف في أمر العنز، وذلك أنهم أظهروا عنزًا صغيرة مدره زعموا أن جماعة من الأسرى ببلاد الإفرنج توسلوا بالسيدة نفسية، وأحضروا تلك العنز وعزموا على ذبحها في ليلة يجتمعون فيها يذكرون ويدعون ويتوسلون في خلاصهم ونجاتهم من الأسر، فاطلع عليهم الكافر فزجرهم وسبهم ومنعهم من ذبح العنز، وبات تلك الليلة فرأى رؤيا هالته، فلما أصبح أعتقهم وأطلقهم وأعطاهم دراهم وصرفهم مكرمين، ونزلوا في مركب وحضروا إلى مصر وصحبتهم تلك العنز، وذهبوا إلى المشهد النفسي بتلك العنز، وذكروا في تلك العنز غير ذلك من اختلاقهم وخورهم كقولهم: إنهم في يوم كذا أصبحوا فوجدوها عند المقام أو فوق المنارة وسمعوها تتكلم، أو أن السيدة تكلمت وأوصت عليها، وسمع الشيخ المذكور كلامها من داخل القبر وأبرزها للناس وأجلسها بجانبه، ويقول للناس ما يقوله من الكذب والخرافات التي يستجلب بها الدنيا، وتسامع الناس بذلك فأقبل الرجال والنسا من كل فج لزيارة تلك العنز، وأتوا إليها بالنذور والهدايا، وعرفهم أنها لا تأكل إلا قلب اللوز والفستق وتشرب ماء الورد والسكر المكرر ونحو ذلك، فأتوه بأصناف ذلك بالقناطير، وعمل النساء للعنز القلايد الذهب والأطواق والحلي ونحو ذلك، وافتتنوا بها، وشاع خبرها في بيوت الأمرا وأكابر النسا وأرسلن على قدر مقامهن من النذور والهدايا، وذهبن لزيارتها ومشاهدتها وأزدحمن عليها، فأرسل عبد الرحمان كتخدا إلى الشيخ عبد اللطيف المذكور والتمس منه حضروه إليه بتلك العنز ليتبرك بها هو وحريمه، فركب المذكور بغلته وتلك العنز في حجره ومعه طبول وزمور وبيارق ومشايخ، وحوله الجم الغفير من الناس ودخل بها بيت الأمير المذكور على تلك الصورة، وصعد بها إلى مجلسه وعنده الكثير من الأمرا والأعيان، فزارها وتلمس بها، ثم أمر بإدخالها إلى الحريم ليتبركن بها، وقد كان أوصى الكلارجي قبل حضوره بذبحها وطبخها، فلما أخذوها ليذهبوا بها إلى جهة الحريم، أدخلوها إلى المطبخ وذبحوها وطبخها قيمه وحضر الغذاء وتلك العنز في ضمنه فوضعوها بين أيديهم وأكلوا منها والشيخ عبد اللطيف كذلك صار يأكل منها والكتخدا يقول: «كل يا شيخ عبد اللطيف من هذا الرميس الثمين»، فيأكل منها ويقول: «والله إنه طيب ومستو ونفيس»، وهو لا يعلم إنه عنزه وهم يتغامزون ويضحكون، فلما فرغوا من الأكل وشربوا القهوة وطلب الشيخ العنز، فعرفه الأمير أنها هي التي كان بين يديه في الصحن وأكلها، فبهت، فبكته الأمير ووبخه وأمره بالانصراف، وأن يوضع جلد العنز على عمامته ويذهب به كما جاء بجمعيته وبين يديه الطبول والأشاير، ووكل به من أصله محله على تلك الصورة، فقال في ذلك المترجم:
ورأيت كثيرًا من قصايده في طيارات وأوراق لم تدون، وسمعت كذلك من إنشاداته لنفسه ولغيره لو كنت تيقظت لجمع ذلك لكان ديوانًا كبيرًا ولكن كان ما كان. فما علق بالبال مما أنشده لغيره وفيه تورية:
وله:
وقد خمسها ما بين المصراعين فقال:
ومما أنشده لنفسه وفيه اقتباس:
ولم يزل المترجم حتى تعلل بالأمراض والأسقام، واضمحل منه الجسم واكتوا بالآلام، حتى وافاه الحمام، في يوم الخميس خامس جمادى الأولى من السنة رحمه الله، وابنه العلامة السيد أحمد المعروف بكتيكت مفتي الشافعية بثغر سكندرية، والسيد هلال الكتبر توفيا بعده بسنتين، والشيخ صالح الصحَّاف موجود مع الأحياء أعانه الله على وقته.
ومات الإمام الشيخ الفصيح البارع الفقيه الشيخ/جعفر بن حسن بن عبد الكريم بن رسول الحسيني البرزنجي المدني مفتي الشافعية بها، ولد بالمدينة وأخذه عن والده، والشيخ محمد حيوة السندي وأجازه السيد مصطفى البكري، وكان يقرأ دروس الفقه داخل باب السلام وكان عجيبًا في حسن الإلقاء والتقرير ومعرفة فروع المذهب، تولى الإفتاء والخطابة مدة تزيد على عشرين سنة وكان قوالًا بالحق أمارًا بالمعروف، واجتمع به الشيخ سليمان بن يحيى شيخ المشايخ وذكره في رحلته وأثنى عليه، وله مؤلفات منها: البر العاجل بإجابة الشيخ محمد غافل، والفيض اللطيف بإجابة نائب الشرع الشريف، وفتح الرحمن على أجوبة السيد رمضان وتوفي في شهور هذه السنة قيل: مسمومًا، والله أعلم.
(ومات) الوالي العارف أحد المجاذيب الصادقين الأستاذ الشيخ/أحمد بن حسن النشرتي الشهير بالعريان، كان من أرباب الأحوال والكرامات، ولد في أول القرن وكان أول أمره الصحو ثم غلب عليه السكر فأدركه المحو، وكانت له في بدايته أمور غريبة وكان كل من دخل عليه زايرًا يضربه بالجريد، وكان ملازمًا للحج في كل سنة، ويذهب إلى موالد سيدي أحمد البدوي المعتادة وكان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، وإذا قرأ قارئ بين يديه وغلط يقول له: قف فإنك غلطت. وكان رجلًا جلاليًّا يلبس الخشنة وهي جبة صوف وعمامة صوف حمراء يعتم بها على لبدة من صوف، ويركب بغلة سريعة العدو، وملبسه دايمًا على هذه الصفة شتاءً وصيفًا، وكان شهير الذكر يعتقده الخاصة والعامة، وتأتي الأمراء والأعيان لزيارته والتبرك منه، ويأخذ منهم دراهم كثير ينفقها على الفقرا المجتمعين عليه، وأنشأ مسجده تجاه الزاهد جوار داره وبنى بجواره صهريجًا وعمل لنفسه مدفنًا، وكذلك لأهله وأقاربه وأتباعه، واتحد به شيخنا السيد أحمد العروسي واختص به اختصاصًا زايدًا فكان لا يفارقه سفرًا ولا حضرًا، وزوجة إحدى بناته وهي أم أولاده وبشره بمشيخة الجامع الأزهر والرياسة، فعادت عليه بركته، وتحققت بشارته، وكان مشهورًا بالاستشراف على الخواطر. توفي رحمه الله في منتصف ربيع الأول وصُلي عليه بالأزهر ودفن بقبره الذي أعده لنفسه في مسجده، نفعنا الله به وبعباده الصالحين.
(ومات) الفقيه الصالح الشيخ/علي بن أحمد بن عبد اللطيف البشبيشي الشافعي روى عن أبيه عن البابلي. توفي في غاية ربيع الثاني من السنة.
(ومات) الشيخ المبجل الصالح المفضل الدرويش/أحمد المولوي شيخ المولوية بتكية المظفر، وكان إنسانًا حسنًا لا بأس به مقبلًا على شأنه منجمعًا عن خلطة كثير من الناس إلا بحسب الدواعي، توفي في سابع عشرين ربيع الآخر من السنة ولم يخلف بعده مثله.
(ومات) المقدام الخير الكريم صاحب الهمة العالية والمروة التامة/شمس الدين حمودة شيخ ناحية برمه بالمنوفية، أخذ عن الشيخ الحفني وكان كثير الاعتقاد فيه والإكرام له ولأتباعه وله حب في أهل الخير واعتقاد في أهل الصلاح، ويكرم الوافدين والضيفان، وكان جميل الصورة طويلًا مهيبًا حسن الملبس والمركب، توفي يوم الخميس حادي عشر رجب من السنة، وخلف أولادًا منهم محمد الحفني الذي سماه على اسم الشيخ لمحبته فيه وأحمد شمس الدين.
(ومات) بقية السلف ونتيجة الخلف الشيخ/أحمد سبط الأستاذ الشيخ عبد الوهاب الشعراني، وشيخ السجادة كان إنسانًا حسنًا وقورًا سالكًا منهج الاحتشام والكمال منجمعًا عن خلطة الناس إلا بقدر الحاجة، توفي يوم السبت ثامن صفر من السنة وخلف ولده سيدي عبد الرحمن مراهقًا، تولى بعده على السجادة مع مشاركة قريبه الشيخ أحمد الذي تزوج بوالدته.
ومات الإمام العلامة الفقيه الصالح الناسك صايم الدهر الشيخ/محمد الشوبري الحنفي، تفقه على الشيخ الإسقاطي والشيخ سعودي وبعد وفاة المذكورين لازم الشيخ الوالد وتلقى عنه كثيرًا، وكان إنسانًا حسنًا وجيهًا لا يتداخل فيما لا يعنيه مقبلًا على شأنه، صايم الدهر، ملازمًا لداره بعد حضور درسه، وكان بيته بقنطرة الأمير حسين مطلًّا على الخليج.