سنة خمسة وثمانين وماية وألف/١٧٧١م
فيها أخرج علي بك تجريدة عظيمة وسر عسكرها وأميرها محمد بك أبو الدهب وأيوب بك ورضوان بك، وغيرهم كشاف وأرباب مناصب ومماليكهم وطوايفهم وأتباعهم، وعساكر كثيررة من المغاربة والترك والهنود واليمانية والمتاولة، وخرجوا في تجمل زايد واستعداد عظيم ومهيًا كبير ومعهم الطبول والزمور والذخاير والأحمال والخيام والمطابخ والكرارات والمدافع والجبخانات، ومدافع الزنبلك على الجمال وأجناس العالم ألوفًا مؤلفة، وكذلك أنزلوا الاحتياجات والأثقال وشحنوا بها السفن، وسافرت من طريق دمياط في البحر، فلما وصلوا إلى الديار الشامية، فحاصروا يافا وضيقوا عليها حتى ملكوها بعد أيام كثيرة، ثم توجهوا إلى باقي المدن والقرى وحاربهم النواب والولاة وهزموهم وقتلوهم وفروا من وجوههم، واستولوا على المماليك الشامية إلى حد حلب، ووردت البشاير بذلك فنودي بالزينة فزينت مصر وبولاق ومصر العتيقة زينة عظيمة ثلاث أيام بلياليها، وتفاخروا في ذلك إلى الغاية، وعملت وقدات وأحمال قناديل وشموع بالأسواق وساير الجهات، وعملوا ولايم ومغانى وآلات وطبولًا وشنكًا وحراقات وغير ذلك وذلك، في شهر ربيع أول من السنة وتعاظم علي بيك في نفسه ولم يكتف بذلك، فأرسل إلى محمد بيك يأمره بتقليد الأمراء المناصب والولايات على البلاد التي افتتحوها وملكوها، وأن يستمر في سيره ويتعدى الحدود ويستولي على الممالك إلى حيث شاء، وهو يتابع إليه إرسال الإمدادات واللوازم والاحتياجات، ولا يثنون عنانهم عما يأمرهم به، فعند ذلك جمع محمد بيك أمراءه وخشداشينه الكبار في خلوة، وعرض عليهم الأوامر فضاقت نفوسهم وسئموا الحرب والقتال والغربة، وذلك ما في نفس محمد بيك أيضًا ثم قال لهم: ما تقولون؟ قالوا: وما الذي نقوله والرأي لك فأنت كبيرنا ونحن تحت أمرك وإشارتك ولا نخالفك فيما تأمر به؟» فقال: ربنا يكون رأيي مخالف لأمر أستاذنا: قالوا: ولو مخالفا لأمره، فنحن جميعًا لا نخرج عن أمرك وإشارتك فقال: لا أقول لكم شيئًا حتى نتحالف جميعًا ونتعاهد على الرأي الذي يكون بيننا: ففعلوا ذلك وتعاهدوا وحلفوا على السيف والكتاب، ثم إنه قال لهم: «إن أستاذنا يريد أن تقطعوا أعماركم في الغربة والحرب والأسفار والبعد عن الأوطان، وكلنا فرغنا من شيء فتح علينا غيره فرأيي أن نكون على قلب رجل واحد ونرجع إلى مصر ولا نذهب إلى جهة من الجهات، وقد فرغنا من خدمتنا، وإن كان يريد غير ذلك من الممالك يولي أمراء غيرنا، ويرسلهم إلى ما يريد ونحن يكفينا هذا القدر ونرتاح في بيتونا وعند عيالنا»، فقالوا جميعًا: ونحن على رأيك وأصبحوا راحلين وطالبين إلى مصر، فحضروا في أواخر شهر رجب على خلاف مراد مخدومهم وبقي الأمر على السكوت، ثم إن علي بيك قلد أيوب بيك إمارة جرجا وقضى أشغاله، وسافر إلى الصعيد بطائفته وأتباعه وانقضى شهر شعبان ورمضان وعلي بيك مصمم على رجوع محمد بيك إلى جهة الشام، وذلك مصمم على خلاف ذلك، وبدت بينهما الوحشة الباطنية، فلم كان ليلة رابع شهر شوال بيت علي بك مع على بيك الطنطاوي وخلافه واتفق معهم على غدر محمد بيك فركبوا عليه ليلًا وأحاطوا بداره، ووقفت له العساكر بالأسلحة في الطرق فركب في خاصته وخرج من بينهم، وذهب إلى ناحية البساتين وارتحل إلى الصعيد، فحضر إليه بعض الأمراء أصحاب المناصب وعلى كاشف تابع سليمان أفندي كاشف شرقي أولاد يحيى، وقدموا له ما معهم من الخيال والمال والاحتياجات، ولم يزل في سيره حتى وصل إلى جرجا واجتمع عليه أيوب بيك خشداشه وأظهر له المصافاه والمؤاخاة، وقدم له هدايا وخيولًا وخيامًا فلم يلبث إلا وقد أحضر عيون محمد بيك الذين أرصدهم بالطريق رجلًا، ومعه مكاتبة من علي بك خطابًا لأيوب بيك ويستحثه على عمل الحيلة، وقتل محمد بيك بأي وجه أمكنه ويعده إمارته وبلاده وغير ذلك، فلما قرأ المراسلة وفهم مضمونها أكرم الرجل وقال له: «تذهب إليه بالكتاب واتني بجوابه ولك مزيد الإكرام، فذهب ذلك الساعي واوصل الكتاب إلى أيوب بيك وطلب منه رد الجواب، وأعطاه الجواب وذكر فيه أنه مجتهد في تتميم الغرض ومترقب حصول الفرصة، فحضر به الى محمد بك فعند ذلك استعد محمد بك وتحقق خيانته ونفاقه، فاتفق مع خاصته وأمرائه بالاستعداد والوثوب، وأنه إذا حضر إليه في صبحها أيوب بيك أخذ أرباب المناصب نظراهم وتحفظوا عليهم، فلما حضر في صبحها أيوب بيك جلس معه في خلوة، وأخذ كل من الخازندار والكتخدا والجوخدار والسلحدار نظراهم من جماعة محمد بيك، ثم قال محمد بيك يخاطب أيوب بيك: يا هل ترى نحن مستمرون على الأخوة والمصافاة والصداقة والعهد واليمين الذي تعاقدنا عليه بالشام! قال: نعم وزيادة قال: ومن نكث ذلك وخان اليمين ونقض العهد؟ قال: يقطع لسانه الذي حلف به ويده التي وضعها على المصحف، فعند ذلك قال له: بلغني أنه أتاك كتاب من أستاذنا علي بك، فجحد ذلك فقال: لعل ذلك صحيح وكتبت له الجواب أيضًا، قال: لم يكن ذلك أبدًا، ولو أتاني منه جواب، لأطلعتك عليه ولا يصح أني أكتمه عنك أو أرد له جوابًا فعند ذلك أخرج له الجواب من جيبه، وأحضر إليه ذلك الرسول فسقط في يده، وأخذ يتنصل ببارد العذر، فعند ذلك قال له حينئذ: لا تصح مرافقتك معي وقم فاذهب إلى سيدك وأمر بالقبض عليه وأنزلوه إلى المركب وأحاط بوطاقه وأسبابه، وتفرقت عنه جموعه، فلما صار وحيدًا في قبضته أحضر عبد الرحمن أغا، وكان إذ ذاك بناحية قلبي وانضم إلى محمد بك فقال له: «اذهب إلى أيوب بك واقطع يده ولسانه كما حكم على نفسه بذلك». فأخذ معه المشاعلي وحضر إليه في السفينة وقطعوا يمينه ثم شبكوا في لسانه سنارة وجذبوه ليقطعوه، فتخلص منهم وألقى بنفسه إلى البحر فغرق ومات، وكان قصد محمد بك أن يفعل به ذلك ويرسله على هذه الصورة إلى سيده بمصر، ثم إنهم أخرجوه وغسلوه وكفنوه ودفنوه، فعند ما وقع ذلك أقبلت الأمراء والأفراد المتفرقون بالأقاليم على محمد بك، وتحققوا عند ذلك الخلاف بينه وبين سيده، وقد كانوا منجمعين عن الحضور إليه ويظنون خلاف ذلك. وحضر إليه جميع المنافي وأتباع القاسمية والهوارة الذين شردهم علي بك، وسل نعمتهم فأنعم عليهم وأكرمهم وتلقاهم بالبشاشة والمحبة، واعتذر لهم وواساهم وقلدهم الخدم والمناصب، وهم أيضًا تقيدوا بخدمته وبذلوا جهدهم في طاعته، ووصلت الأخبار بذلك إلى مصر، وحضر إليه كثير من مماليك أيوب بك وأتباعه سوى من انضم منهم والتجأ إلى محمد بك وأتباعه، فعند ذلك نزل بعلي بك من القهر والغيظ المكظوم ما لا يوصف، وشرع في تشهيل تجريدة عظيمة وأميرها وسر عسكرها إسماعيل بك واحتفل بها احتفالًا كثيرًا، وأمر بجمع أصناف العساكر واجتهد في تنجيز أمرها في أسرع وقت، وسافروا برًّا وبحرًا في أواخر ذي القعدة، فلما التقى الجمعان خامر إسماعيل بك وانضم بمن معه من الجموع إلى محمد بك، وصاروا حزبًا واحدًا ورجع الذين لم يميلوا وهم القليل إلى مصر، فعند ذلك اشتد الأمر بعلي ولاحت على دولته لوايح الزوال، وكان يموت من الغيظ والقهر، وقلد سبع صناجق والكل مزلقون وسماهم أهل مصر السبع بنات، وهم مصطفى بك وحسن بك ومراد بك وحمزة بك ويحيى بك وخليل بك كوسة ومصطفى بك أوده باشه، وعمل لهم يرقًا وداقمًا ولوازم وطبلخانات في يومين، وضم إليهم عساكر وطوائف ومماليك وأتباعًا، وبرز بنفسه إلى جهة البساتين وشرع في تشهيل تجريدة أخرى، وأميرها علي بك الطنطاوي وأخرج الجبخانات والمدافع الكثيرة، وأمر بعمل متاريس من البحر إلى جهة الجبل وانقضت السنة.
وأما من مات في هذه السنة ممن له ذكر
(ومات) الإمام الفقيه الصالح الخير الشيخ/علي صالح بن موسى بن أحمد عمارة الشاوري المالكي مفتي فرشوط، قرأ بالأزهر العلوم ولازمه العلامة الشيخ علي العدوي وتفقه عليه، وسمع الحديث من الشيخ أحمد بن مصطفى السكندري وغيره، ورجع إلى فرشوط، فولي افتاء المالكية بها، فسار فيها سيرًا مقتصدًا، ولما ورد عليه الشيخ ابن الطيب راجعًا من الروم تلقى عنه شيئًا من الكتب وأجازه، وكان لشيخ العرب همام بن يوسف في حقه عناية شديدة وصحبة أكيده، وكانت شفاعات العلماء مقبولة عنده، بعنايته؛ ولذلك راج أمره واشتهر ذكره وطار صيته وكان حسن المذاكرة والمحاورة محتشمًا في نفسه، متجملًا في ملابسه وجيهًا معتبرًا في الأعين، وألف شيخنا السيد محمد مرتضى باسمه (نشق الغوالي من المرويات العوالي) وذلك أيام رحلته إلى فرشوط ونزوله عنده، ورفع من شأنه عند شيخ العرب وأكرمه إكرامًا كثيرًا، ولما تغيرت أحوال الصعيد، قدم إلى مصر مع ابن مخدومه، وما زال بها حتى توجه إلى طندتا. كان يعتريه حصر البول فيجلس أيامًا وهو ملازم للفراش فزار وعاد. توفي يوم دخوله إلى بولاق نهار الثلاثاء ثالت عشر شعبان من السنة، وكان يومًا مطيرًا ذا رعد وبرق، فوصل خبره إلى الجامع الأزهر، فخرج إليه الشيخ علي الصعيدي وكثير من العلماء، وتخلف من تخلف لذلك العذر، فجهزوه هناك وكفنوه وأتوابه إلى الأزهر، وأردا الشيخ الصعيدي دفنه في مدفن عبد الرحمن كتخدا، لصعوبة الذهاب به إلى القرافة، ثم دفنوه بالمجاورين بجانب تربة الشيخ الصعيدي التي دفن فيها.
ومات الفقيه الفاضل العلامة الشيخ/علي بن عبد الرحمن بن سليمان بن عيسى بن سليمان الخطيب الجديمي العدوي المالكي الأزهري الشهير بالخرايطي، ولد في أول القرن وقدم الجامع الأزهر، فحضر دروس جماعة من فضلاء العصر ولازم بلديه الشيخ علي الصعيدي ملازمة كلية، ودرس بالأزهر ونفع الطلبة، وكان إنسانًا حسنًا منور الشيبة ذا خلق حسن وتودد وبشاشة ومروة كاملة، وكان له ميل تام في علم الحديث ويتأسف على فوات اشتغاله به، ويحب كلام السلف ويتأمل في معانيه مع سلامة الاعتقاد وكثرة الإخلاص. توفي عشية يوم الأربعاء ثاني المحرم افتتاح سنة خمس وثمانين وماية وألف.
ومات الإمام العلامة الفاضل المحقق الدراك المتفنن الشيخ/محمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن خضر النفرواي المالكي، كان والده من أهل العلم والصلاح والزهد عن جانب عظيم، وعمر كثيرًا حتى جاوز الماية وانحنى ظهره، وتوفي سنة ثمان وسبعين وماية وألف، ربي المترجم في حجر أبيه وحفظ القرآن والمتون وحضر دروس الشيخ سالم النفراوي والشيخ خليل المالكي وغيرهما، وتفقه وحضر المعقول على كثير من الفضلاء ومهر وأنجب ودرس، وكان جيد الحافظة قوي الفهم والغوص على عويصات المسايل ودقايق العلوم، مستحضرًا للمسايل الفقهية والعقلية، ولما بلغ المنتهى في العلوم المشهورة تاقت نفسه للعلوم الحكمية والرياضية، فأحضره والده للشيخ الوالد سنة إحدى وسبعين وماية وألف، والتمس منه مطالعته عليه فأجابه إلى ذلك ورحب به، وكان عمره إذ ذاك نيفًا وعشرين سنة، ولما رأى ما فيه من الذكا والنجابة والقوة الاستعدادية والجد في الطلب، اعتبط به كثيرًا وصرف إليه همته، وأقبل عليه بكليته وأعطاه مفتاح خزانة بالمنزل يضع فيها كتبه ومتاعه، واشترى له حمارًا ورتب له مصروفًا وكسوة ولازمه ليلًا ونهارًا، حتى اشتهر بنسبته إليه، فكان يرسله في مهماته وأسراره إلى أكابر مصر وأعيانها مثل: علي بك وعبد الرحمن كتخدا وغيرهما، فيحسن الخطاب والجواب مع الحشمة وحسن المخاطبة، مع معرفتهم بفضله وعلمه وكانوا يكرمونه، ومدحهم بقصايد لم أعثر على شيء منها للإهمال وطول العهد، فكان لا يذهب إلى داره إلا في النادر ثم يعود في الضحوة الكبرى، فيقيم إلى بعد العصر فيذهب إلى الجامع فيقرأ درسًا في المعقول ثم يعود، وهكذا كان دأبه إلى أن مات! وتلقى عنه فن الميقات والهيئة والهندسة وهداية الحكمة وشرحها لقاضي زاده والجغميني، والمبادي والغايات والمقاصد في أقل زمن مع التحقيق. وحضر عليه المطول والمواقف، والزيلعي في الفقه برواق الجبرت بالأزهر وغير ذلك. كل ذلك بقراءته، وعانى علم الأوفاق وتلقاه عن الشيخ المرحوم حتى أدرك أسراره، وأقبلت عليه روحانيته وأجازه الملوي والجوهري والحفني والعفيفى وغيرهم، ولما نفي علي بك إلى النوسات، أرسل إلى الشيخ الوالد فطلب منه أشياء يرسلها إليه مع المترجم، فأرسله إليه وأقام عنده أيامًا ورجع من غير أن يعلم أحد بذهابه ورجوعه، وكان يكتب الخط الجيد، وجوده على الشيخ أحمد المعروف بأبي العز، وكتب بخطه كثيرًا، وألف حاشية على شرح العصام على السمرقندية وأجوبة عن الأسئلة الخمسة التي أوردها الشيخ أحمد الدمنهوري على علماء العصر، وأعطاها إلى علي بيك وقال له: أعطها للعلما الذين يترددون عليك يجيبوني عنها إن كانوا يزعمون أنهم علما، فأعطاها علي بك للشيخ الوالد وأخبره بمقالة الشيخ الدمنهوري، فقال له: هذه وإن كانت من عويصات المسائل يجيب عنها ولدنا الشيخ محمد النفراوي»، والخمسة الأسئلة المذكورة؟ الأولى: في إبطال الجزء الذي لا يتجزأ، الثاني: في قول «ابن سينا» ذات الله نفس الوجود المطلق ما معناه، الثالث: في قول أبي منصور «الماتريدي» معرفة الله واجبة بالعقل مع أن المجهول من كل وجه يستحيل طلبه، الرابع: في قول «البرجلي»: إن من مات من المسلمين لسنا نتحقق موته على الأسلام، الخامس: في الاستثناء في الكلمة المشرفة هل هو متصل أو منفصل، فأجاب عنها بأجوبة منطوية على مطارح الإنظار دلت على رسوخه وسعة اطلاعه، وغوصه ومعرفته بدقايق كلام أذكيا الحكماء والمتكلمين، وفضلاء الأشعرية والماتريدية، وعانى الرسم فرسم عدة بسايط ومنحرفات وحسب كثيرًا من الأصول والدساتير، وتصدى لتعليم الطلبة الذين كانوا يردون من الآفاق لطلب العلوم الغربية، وكتب شرحًا على متن نور الإيضاح في الفقه الحنفي باسم الأمير عبد الرحمن كتخدا، وله رسالة سماها (الطراز المذهب في بيان معنى المذهب، وهي عبارة عن سؤال ورد من ثغر سكندرية نظمًا، وكان له سليقة جيدة في النثر والنظم، ولما ورد إلى مصر محمد أفندي سعيد قاضيًا في سنة إحدى وثمانين وماية وألف امتدحه بقصيدة بليغة لم أعثر عليها، ومن نظمه ما كتب على باب ضريح السيدة نفيسة بالذهب على الرخام.
وذلك حين جدد بناه الأمير عبد الرحمن كتخدا، ومنه ما كتب على باب القبة:
وله غير ذلك كثير لم يحضرني منه إلا هذان البيتان؛ لكوني حفظتهما وأنا صغير أيام العمارة المذكورة، وكان به حدة طبيعة وهي التي كانت سببًا لموته، وهو أنه حصل بينه وبين الشيخ سليمان البجيرمي منافسة فشكاه إلى الشيخ الدمنهوري وهو إذ ذاك شيخ الجامع، فأرسل إليه فلما حضر عنده في مجلسه بالأزهر، فتحامل عليه فقام، من عنده وقد أثر فيه القهر، ومرض أيامًا وتوفي في شهر جمادى الثانية من السنة، واغتم عليه الشيخ المرحوم غمًّا شديدًا، وتأثر لفراقه وحزن لموته وتوعك أيامًا بسبب ذلك، ومن مآثره هذه الصيغة: اللهم صل على مظهر الجمال، ومنبع الكمال، مهبط الوحي، ومصدر الأمر والنهي، وعلى آله وصحبه وسلم)، وتذكرت له هذين البيتين أيضًا:
ومات الإمام الفقيه العلامة المفتي الشيخ/إبراهيم ابن الشيخ عبد الله الشرقاوي الشافعي تفقه على علماء عصره، وحضر دروس الأشياخ المتقدمين كالملوي والحفني والبراوي، والشيخ أحمد رزه والشيخ عطية الأجهوري، وأنجب في الأصول والفروع الفقيهة، وتصدر ودرس وانقطع للإفادة والإفتاء والقضاء بين المتخاصمين من أهل القرى، وأكثرهم من أهل بلاده، وكان لا يفارق محل درسه بالأزهر من الشروق إلى الغروب، وانفرد بالافتاء مدة طويلة على مذهبه، وقلما يرى فتوى وليس عليها جوابه، ولم يزل هذا دأبه حتى تعلل أيامًا وتوفي ثالت ربيع الثاني من السنة.
ومات أحد أذكيا العصر ونجباء الدهر من جمع متفرقات الفضايل وحاز أنواع الفواضل، الصالح الرحلة الشيخ/علي بن محمد الجزايرلي المعروف بابن الترجمان، ولد بالجزاير سنة ثلاثين وماية وألف. وكان ينتمي إلى الأشراف، وزاحم العلماء بمناكبه في تحصيل أنواع العلوم، وأجازه الشيخ سيدي محمد المنور التلمساني رحمه الله، ودخل الروم مرارًا، وحظى بأرباب الدولة وأتى إلى مصر وابتنى بها دارًا حسنة قرب الأزهر، وكان يخبر عن نفسه أنه لا يستغني عن الجماع في كل يوم؛ فلذلك ما كان يخلو عن إمراة واثنتين حتى في أسفاره، ولما ورد الأمير أحمد أغا أمينًا على دار الضرب بمصر المحروسة الذي صار فيما بعد باشا، كان مختصًّا بصحبته لا يفارقه ليلًا ولا نهارًا، وله عليه إغداقات جميلة، وهو حسن العشرة يعرف في لسانهم قليلًا، وبآخرة توجه إلى دار السلطنة، وكانت إذ ذاك حركة السفر إلى الجهاد وكتب عرضحالًا إلى السلطان مصطفى صورته: «إن من قرأ استغاثة أبي مدين الغوث في صف الجهاد حصلت النصر»، وقدمه إلى السلطان، فاستحسن أن يكون صاحب هذا العرض هو الذي يتوجه بنفسه يقرأ هذه الاستغاثة تبركًا، ففاجأه الأمر من حيث لا يحتسب وأخذ في الحال وكتب مع المجاهدين وتوجه رغمًا عن أنفه ووصل إلى معسكر المسلمين، وصار يقرأ فقدر الله الهزيمة على المسلمين لسوء تدبير أمرا العسكر، فأسر مع من أسر، وذهب به إلى بلاد موسقو وبقي أسيرًا مدة، ولم يغثه أحد بخلاصة منهم، لاشتغال الناس بما هو أهم حتى توفي هناك شهيدًا غريبًا في هذه السنة رحمه الله.
(ومات) الشيخ الصالح العلامة/علي الفيومي المالكي شيخ رواق أهل بلاده؛ حضر دروس الشيخ إبراهيم الفيومي وشيخنا الشيخ علي الصعيدي، ودرس برواقهم وكان سريع الإدراك متين الفهم له في علم الكلام باع طويل، وتزوج ابنة الشيخ أحمد الحماقي الحنفي، وتوفي ثاني شهر رمضان من السنة ودفن بالمجاورين.
(ومات) الشيخ الفاضل الصالح/علي الشيبيني الشافعي نزيل جرجا، قرأ على جماعة من مشايخ عصره، وتكمل في العربية والفقه، وتوجه إلى الصعيد فخالط أولاد همام من الهوارة في بيج القرمون، فأحبوه وسكن عندهم مدة ثم سكن جرجا وكان يتردد أحيانًا إلى مصر وكان كثير الاجتماع بصهرنا على أفندي درويش المكتب، وكان يحكي لي عنه أشياء كثيرة من مآثره من الصلاح والعلم وحسن المعاشرة ومعرفة التجويد ووجوه القراءات، فلما تغيرت أحوال الصعيد أتى المترجم إلى مصر، وكان حسن المذاكرة والمرافقة مع مداومة الذكر وتلاوة القرآن غالبًا، توفي تاسع عشر رمضان في بيت بعض أحبابه بعلة البطن، وصلى عليه الشيخ أحمد بن محمد الراشدي ودُفن بالمجاورين.
ومات العمدة الفاضل اللغوي الماهر المنشئ الأديب الشيخ/عبد الله بن منصور التلباني الشافعي المعروف بكاتب المقاطعة، وهو ابن أخت الشيخ المعمر أحمد بن شعبان الزعبلي، ولد سنة ثمان وتسعين وألف تقريبًا، وأدرك الطبقة الأولى من الشيوخ كالعزيزي والعشماوي والنفراوي، وكانت له معرفة تامة بعلم اللغة والقراءة، واقتنى كتبًا نفيسة في ساير الفنون كان سموحًا بإعارتها لأهلها، وكان يعرف مظنات المسايل في الكتب، وكان الأشياخ يجلونه ويعرفون مقامه، ولما دخل الشيخ ابن الطيب أحبه واغتبط به وبصحبته، وحصل حاشيته على القاموس في مجلدين حافلين استكتابًا، وقرظ على شرح البديعية لعلي بن تاج الدين القلعي ذكر فيه من نوع وسع الاطلاع له.
عبد الله. عند الله. وجيه. وحبه. مجتم. مخيم. بقلوبنا. تعلو بنا. سماته. سما به. عمله. عماله. التواب. الثواب. ولا حرمنا. ولاء حرمنا. الأبهج. الأنهج. مهدى. مهذب. نواله. نوّاله. ماالهم. مألهم. دونه. دونه. بقالب. تعالى. نبية. بنية. فاحلا لنا. اخلالنا. لحبر. حبّر. بفصاحة. قضاحبه. وخير. جبر. أحبابنا. أحيابنا. ثره. بره. ومثال محب. من المحب. من. من. السلام. السلام.
واتفق أن بعض المعترضين في مجلسه قد وضع من هذا الوضع.
عبد الله. عند الله. اوجه. اوّجه. لجمته. لحّ هتّه. نخبة. تحية. ندية. نديه. ينبيه. ببينة. ثابتات. بائيات. حبي. حيث. نصرني. نصيرين. بنيئر ينير. بينر. سير. ذكي. دلت. معاينه. معانيه. علئ. عليّ. رتبة. زينته. حلة. خلة. ودفاني. ودقاني. عيب. عي. غبي يعيب. يعين. حاسد. حاشد. قوله. فوله. ودعه. ودغه. فاتهما. فأتهما. حسن. جنس. المعنى. المعين. بفصاحته. تفض ايحه. بقيت. تفتي. بحق. يحف. بتحف. تتحف. بها نهاء. محب. محب. اذاه. اداة. ادبك. اذيك. آسي. أسى. قلبه. اراحه. ازاحه. فصل. فضل. سيده. شيده. البصير. النصير.
ولم يزل حتى فاجأته المنون في ثالث عشرين شعبان من السنة، وصُلي عليه بالجامع الأزهر، ودفن شرقي مقام سيدي عبد لله المنوفي بالمجاورين رحمه الله.
ومات الأمير الجليل إبراهيم أفندي الهياتم جمليان مطعونًا في نهار الأربع ثالث عشرين المحرم من السنة.