النصوص (٣): الرواية الإنجيلية غير الرسمية
(١) إنجيل يعقوب
يُعزى هذا الإنجيل إلى يعقوب المُلقَّب بالبار. وهو أخٌ ليسوع ورد ذكره عند متَّى ومرقس بين إخوة يسوع الأربعة: يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا، وأخوات لم تذكر أسماءهن (راجع متَّى، ١٣: ٥٤–٥٦؛ ومرقس، ٦: ١–٣). وقد تضاربت الأقوال بشأن هؤلاء الإخوة؛ فمن قائلٍ بأنَّهم أولاد يوسف النجار من زواجٍ سابقٍ. ومن قائلٍ بأنهم أشقَّاء يسوع من مريم ويوسف، استنادًا إلى ما ورد عند متَّى من أن يوسف: «فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلَاكُ الرَّبِّ، وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ. * وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ» (متَّى، ١: ٢٤–٢٥). وهذا يعني برأي هؤلاء أنَّ يوسف قد عرفها (أي قاربها) بعد ولادة ابنها البكر وأنجبت له إخوة يسوع وأخوَاته. ومن قَائلٍ بأنهم أولاد أخت مريم، وهؤلاء في عُرف اليهود يحسبون مثل الإخوة.
اهتدى يعقوب إلى المسيحية بعد وفاة يسوع، شأنه في ذلك شأن بقية أفراد الأسرة الذين لم يكونوا راضين عن سلوك يسوع، وجاءوا في إحدى المرَّات للقبض عليه لأنَّهم اعتبروه مُختلًّا (مرقس، ٣: ٢١، قارن مع ٣: ٣١). ولكن بعد اهتدائه صار رئيسًا لكنيسة أورشليم في العصر الرسولي، ثم استُشهد رجمًا بالحجارة على يد اليهود.
يرجع زمن تأليف إنجيل الطفولة المعزو إلى يعقوب أواسط القرن الثاني الميلادي، وأقدم النسخ التي وصلتنا منه هي النسخة السريانية، وهناك نسخٌ أحدث منها باللغات اليونانية والأرمنية والجورجية والسلافية. يعتمد مؤلف هذا النص روايتي متَّى ولوقا للميلاد، ويدمج بينهما في روايةٍ واحدةٍ، ولكنه يُضيف إلى ذلك تفاصيل واقعية عن أصل مريم وميلادها وأسرتها وحياتها السابقة، وتفاصيل أخرى عن ولادة يسوع في مغارة على الطريق إلى بيت لحم.
(١-١) النص١
ورد في رواية تاريخ أسباط إسرائيل خبر يواكيم، الذي كان رجلًا واسع الثراء، وكان يُقدم للرب أضاحي مضاعفة قائلًا: هذا من وفرة مالي أهبه للناس، وهذا لمغفرتي أقدِّمه للرب كفَّارة.
وعندما حلَّ يوم الرب العظيم، جاء بنو إسرائيل ليقدم كلٌّ قربانه إلى الرب، فحال الكاهن راؤبين بين يواكيم وبُغيَتِه قائلًا: «لا يحقُّ لك أنت أن تُقدِّم قربانك قبل الجميع، لأنَّك لم تترك ذريةً في إسرائيل.» اغتمَّ يواكيم وراح يراجع كتاب أسباط إسرائيل الاثني عشر قائلًا: «فَلْأبحث هنا علَّني أجد أحدًا غيري لم يُنجب ذرية في إسرائيل.» فبحث ووجد أنَّ كلَّ الأتقياء من بني إسرائيل قد أنجبوا ذريةً. ثم تذكَّر إبراهيم وكيف وهبه الله في آخر أيامه ابنه إسحاق، فاكتأبت نفسه ولم يعد إلى زوجته، بل توجَّه إلى البرية. وهناك نصب خيمةً ثم صام أربعين ليلة قائلًا: «لن أعود لطلب طعامٍ أو شرابٍ حتى يزورني الرب، وستكون صلاتي هي طعامي وشرابي.»
وفي هذه الأثناء كانت زوجته حنة مغتمَّة الفؤاد، تبكي وتنوح وتضرب على صدرها قائلة: «إني أندب عقمي، فلقد صرت خزيًا في أسباط إسرائيل.» وعندما جاء يوم الرب العظيم قالت لها خادمتها يهوديت: «إلى متى تضنين روحك؟ لقد حلَّ يوم الرب العظيم ولا يجوز لك البكاء بعد. خُذي عصابة الرأس هذه التي وهبتني إيَّاها ربة عملي، لأنَّه لا يحقُّ لي وضعها، لأنَّها تحمل شارة الملوكية وأنا خادمةٌ.» فقالت لها حنة: «إليك عنِّي، لن أفعل ذلك، فلقد أذلَّني الربُّ. لعل شخصًا مشكوكًا بأمره قد وهبك إيَّاها ملاطفةً، فجئت إليَّ لكي أُشاركك في خطيئتك.» فقالت لها يهوديت خادمتها: «ما نفعي لك إذا كنتِ لا تصغين إليَّ؟ لقد أغلق الرب رحمك حتى لا يكون لك ثمرةٌ في إسرائيل.» اكتأبت حنة، ولكنها خلعت عنها ثياب الحِداد وارتدت ثياب زفافها وزيَّنت رأسها، ونحو الساعة التاسعة خرجت لتتنزه في البستان، فشاهدت شجرة غارٍ وجلست تحتها وراحت تُناجي الرب قائلة: «يا إله آبائي باركني واستمع لصلواتي، كما بَاركت سارة ووهبتها إسحاق.»
بعد ذلك حانت منها نظرةٌ نحو الأعلى فرأت عُش عصفور دوري، فأخذت تندب قائلة: «الويل لي، من الذي أنجبني، وأي رحمٍ ولدني؟ لأني صرت لعنة في بني إسرائيل، هزئوا بي وطردوني من الهيكل، الويل لي، من أشبه؟ إني لا أشبه حيوانات البر لأنَّ حيوانات البر لها نسلٌ أمامك يا ربي. الويل لي من أشبه؟ إني لا أشبه الحيوانات العجماء لأنَّ للحيوانات العجماء نسلًا أمامك يا ربي. الويل لي من أشبه؟ إنِّي لا أُشبه حتى هذا الماء لأنَّ الماء يطرح ثمرًا أمامك يا ربي. الويل لي من أشبه؟ إني لا أُشبه حتى هذه الأرض التي تخرج ثمارها في فصولها وتباركك يا ربي.»
عندئذٍ، ظهر لها ملاك الرب وقال: «حنة، حنة، لقد سمع الرب صلاتك، ولسوف تحملين وتلدين، وتلهج ألسنة المعمورة بذكر نسلك.» فقالت حنة: «حي هو الرب. إذا ما أنجبت ذكرًا أو أنثى فسوف أنذره للرب ليخدمه كل أيام حياته.» بعد ذلك جاءها رسولان وقالا لها: «ها هو زوجك يواكيم قادمٌ مع قطعانه، لأنَّ ملاك الرب ظهر له قائلًا: يواكيم، يواكيم، لقد سمع الرب صلاتك. اهبط من هنا لأنَّ زوجتك حنة سوف تحمل.» فهبط يواكيم وأمر الرعاة قائلًا: هاتوني بعشرة خرافٍ سليمة لاشية فيها، وهاتوني باثني عشر عجلًا، ليكونوا للكهنة والشيوخ، ومئة جدي لم تتجاوز أعمارها السنة، ليكونوا لجميع الناس.
ثم إنَّ يواكيم أقبل مع قطعانه، فرأته حنة قادمًا وهي بالباب، فهرعت إليه وتعلَّقت بعنقه قائلةً: «لقد عرفت الآن أنَّ الرب باركني بركةً عظيمةً، وها هي الأرملة لم تعد أرملة، والعاقر سوف تُنجب.» وفي الغد بكَّر يواكيم حاملًا تقدماته وهو يقول في نفسه: «إذا كان الرب راضيًا عنِّي فسوف أرى ذلك في الصفيحة التي يثبتها الكاهن على مقدمة غطاء الرأس.» ثم إن يواكيم قدَّم قربانه وهو ينظر بانتباهٍ شديدٍ إلى صفيحة الكاهن وهو يصعد درج المذبح، ثم قال: «لقد عرفت الآن أنَّ الرب راضٍ عنِّي، وقد غفر لي كل خطاياي.» وبعد ذلك خرج من الهيكل مُبَرَّرًا وذهب إلى بيته.
ولمَّا أكملت حنة شهورها وضعت مولودها في الشهر التاسع. فسألت القابلة: «ماذا أنجبتُ؟» فقالت القابلة: «إنَّها أُنثى.» فقالت حنة: «لقد تعظَّمت روحي في هذا اليوم.» ثم أسلمت نفسها للراحة. ولما تمَّت أيام تطهُّرها طهَّرت حنة نفسها وألقمت الطفلة صدرها، ودعتها بالاسم مريم.
ويومًا فيومٍ كانت الطفلة تكبر وتتقوَّى. ولما بلغت شهرها السادس أوقفتها أمها على الأرض لترى هل تستطيع الوقوف وحدها، فمشت الصغيرة سبع خطواتٍ ثم عادت إلى حضن أمها، فرفعتها حنة قائلةً: «لن تخطو قدماك على هذه الأرض قبل أن أحملك إلى هيكل الرب.» ثم جاءت ببناتٍ عبرانياتٍ عذراوات ليعتنين بها.
وعندما أتمَّت الطفلة عامها الأول، صنع يواكيم وليمةً كبيرةً دعا إليها الكهنة والكتبة والشيوخ وجمعًا من بني إسرائيل، وقدَّم الطفلة إلى الكهنة فباركوها قائلين: «يا إله آبائنا بارك هذه الطفلة وارفع اسمها عاليًا في كلِّ الأجيال.» وردد الجميع من ورائهم قائلين: «فليكن مثلما تقولون. آمين.» وبعد ذلك حملها يواكيم إلى رؤساء الكهنة فباركوها قائلين: «يا رب الأعالي، انظر إلى هذه الطفلة وباركها بركةً أبديةً.» بعد ذلك عادت حنة بالطفلة إلى مقدسها في الغرفة وأرضعتها. ثم أنشدت حنة ترنيمة للرب قائلة: «إنِّي أُسبح الرب الإله لأنَّه زارني ودفع عنِّي شماتة أعدائي، ووهبني ثمرة بِرِّه مضاعفًا. من لي بمن يُخبر بني راؤبين أن حنة تلقم صدرها. اسمعوا يا أسباط إسرائيل الاثني عشر، إنَّ حنة ترضع من صدرها.» ثم تركت الطفلة لتستريح في مقدسها وعادت لتخدم ضيوفها. وعندما انتهت الوليمة انصرفوا وهم يمجِّدون إله إسرائيل.
مرَّت الشهور وأكملت الطفلة عامها الثاني. فقال يواكيم: «لنأخذها إلى الهيكل ونفي بنذرنا حتى لا يُطالبنا به الرب فتغدو تقدمتنا غير مقبولةٍ.» فقالت له حنة: «لننتظر انقضاء عامها الثالث حتى لا تفتقد الطفلة أبويها.» فقال يواكيم: «فلننتظر.» وعندما أكملت الطفلة عامها الثالث قال يواكيم: «ادعي لي فتيات عبرانيات عذراوات، ولتحمل كل واحدةٍ بيدها مصباحًا مُتقدًا، حتى لا تلتفت الطفلة إلى الوراء وينصرف قلبها عن هيكل الرب.» فتم له ما أراد وساروا حتى أتوا هيكل الرب. وهناك تلقَّاها الكاهن وقبَّلها قائلًا: «لقد عظَّم الرب اسمك في كل الأجيال، ومن خلالك سيُظهر خَلاصه لبني إسرائيل.» ثم أجلسها على الدرجة الثالثة للمذبح. وأسبغ الرب عليها نعمته فراحت تقفز على رجليها. وأحبها كل آل إسرائيل.
وعاد أبواها من الهيكل متعجبين وممجِّدين الرب، لأنَّ الطفلة لم تلتفت إلى الوراء. أما مريم فقد بقيت في هيكل الرب مثل حمامة تتلقَّى الطعام كل يوم من يدي ملاك.
ولما أتمت عامها الثاني عشر، اجتمع الكهنة يتشاورون بشأنها قائلين: «ها قد بلغت مريم الثانية عشرة من عمرها، فما عسانا فاعلين بها حتى لا تدنِّس مقدس الرب؟» ثم توجهوا بالقول إلى الكاهن الأعلى زكريا: «إنك أنت من يرعى مذبح الرب. فهلَّا دخلتَ وصلَّيت من أجلها، ولسوف نفعل كل ما يُوحيه الرب إليك.» فوضع الكاهن الأعلى عليه رداءه ذي الجلاجل الاثني عشر، ودخل إلى قدس الأقداس، فصلَّى من أجلها. فظهر له ملاك الرب وقال له: «زكريا، زكريا، اذهب وادع إليك جميع الرجال الأرامل، وليجلب كل واحدٍ معه عصًا، فمن ظهرت آية الرب على عصاه يأخذ مريم زوجة له.» فانطلق المنادون ينادون في جميع أرجاء اليهودية. وقرع بوق الرب، واجتمع إليه كل الرجال.
راحت مريم تغزل غزلها الأرجواني. وعندما حملت الجرَّة وخرجت لتأتي بالماء من النبع، سمعت صوتًا يقول لها: «السلام عليك أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك. مباركةٌ أنت بين النساء.» فتلفتت يمنةً ويسرةً لتعرف مصدر الصوت، ولكنها لم ترَ أحدًا. فخافت وهرعت إلى البيت. فوضعت جرتها وجلست على كرسيها وسحبت إليها خيط الغزل. ولكن ملاك الرب ظهر أمامها قائلًا: «لا تخافي يا مريم، فقد نلت نعمةً عند رب الكل، ولسوف تحبلين بكلمته.» فلما سمعت هذا القول راحت تحدث نفسها قائلةً: «هل سأحمل حقًّا من الإله الحي وأنجب كما تُنجب كل النساء؟» فقال لها الملاك: «ليس هكذا يا مريم، لأنَّ قوة الرب سوف تُظللك، ولهذا فإن ذلك القدوس المولود منك يُدعى ابن العلي، وسوف تسمينه يسوع، لأنه سوف يخلِّص شعبه من خطاياهم.» فقالت مريم: «أنا أمَة الرب، ليكن لي مثلما تقول.»
ثم إن مريم أنهت غزل الأرجوان وجاءت بغزلها إلى الكاهن الأعلى، فباركها قائلًا: «لقد تعظَّم اسمك، ولسوف تكونين مباركةً بين كل أجيال الأرض.» ففرحت مريم وذهبت إلى قريبتها أليصابات وطرقت الباب. لما سمعت أليصابات الطرق وضعت من يدها الغزل القرمزي وخفت إلى الباب تفتحه. فلما رأت مريم باركتها قائلة: «ما هذا الذي أُعطيَ لي حتى تأتي أمُّ ربي إليَّ؟ لأنَّ الجنين الذي في بطني ارتكض وباركك.» أما مريم التي نسيت الأسرار التي كشفها لها الملاك المجنَّح جبرائيل، فنظرت إلى السماء قائلةً: «من أنا حتى تُباركني كل أجيال الأرض؟» ثم أقامت مريم عند أليصابات مدة ثلاثة أشهر. وفي هذه الأثناء كان بطنها يكبر يومًا فيومًا، فخافت وعادت إلى بيتها، وأخفت نفسها عن بني إسرائيل. وكانت في سن السادسة عشرة عندما تحققت هذه الأسرار.
ثم دخلت شهرها السادس وعاد يوسف من أشغاله، فلما دخل البيت رأى أنَّها حُبلى، فلطم وجهه وسقط على بساط الأرض وبكى بحرقةٍ قائلًا: «بأي وجه أنظر إلى الرب إلهي، وأي صلاةٍ أرفعها من أجل هذه الفتاة؟ لقد أتيت بها من هيكل الرب عذراء وعجزتُ عن صونها. من الذي أوقع بي ومن الذي فعل هذا الشر ببيتي ودنَّس العذراء؟ ألم يقع لي ما وقع لآدم من قبل عندما كان يُسبِّح الرب عندما جاءت الحية ووجدت حواء وحيدة فأغوتها؟ نعم هذا ما حدث لي.» ثم نهض عن البساط ودعا مريم قائلًا: «أنت يا من كنت في رعاية الرب، لماذا فعلت هذا ونسيت الرب إلهك؟ لماذا دنَّست روحك يا من ترعرعت في قدس القداس تتلقين الطعام من يد الملاك؟» بكت مريم قائلة: «إني طاهرةٌ ولم أعرف رجلًا.» قال لها يوسف: «فمن أين إذن ثمرة بطنك هذه؟» فقالت مريم: «حيٌّ هو الرب، لا أعرف من أين.»
فخاف يوسف وابتعد عنها وراح يفكر فيما عساه فاعلٌ بها، وقال مُحدِّثًا نفسه: «إذا أخفيتُ خطيئتها كنت مذنبًا بحق شريعة الرب، وإذا فضحتها أمام بني إسرائيل أخشى أن يكون ما في بطنها من بذرة ملاك وأكون بذلك قد هدرت دمًا بريئًا، فماذا عساني أفعل؟ هل أصرفها من البيت سرًّا؟ ثم حلَّ الليل، فظهر ليوسف ملاكٌ في الحلم وقال له: «لا تخف من الفتاة لأنَّ الذي بداخلها هو من الروح القدس. سوف تلد صبيًّا وتدعو اسمه يسوع، لأنه يخلِّص شعبه من خطاياهم.» فاستيقظ يوسف وراح يُمجِّد إله إسرائيل الذي أنعَم عليه هذه النعمة، ثم احتفظ بمريم ورعاها.
مضى الرسل وتحققوا من صدق قول حنانيا، وجلبوا معهم يوسف ومريم إلى مكان القضاء. قال الكاهن لمريم: «لماذا دنستِ روحك ونسيتِ الرب إلهك، أنت يا من نشأتِ في قدس الأقداس تتلقين الطعام من يد ملاك، وكنت تستمعين إلى التراتيل وترقصين أمام الرب، لماذا أقدمتِ على هذا العمل؟» فبكت مريم بحرقةٍ قائلة: «حيٌّ هو الرب إلهي، إنِّي نقيةٌ أمامه ولم أعرف رجلًا.» فالتفت الكاهن إلى يوسف قائلًا: «لماذا فعلت هذا يا يوسف؟» فقال يوسف: «حيٌّ هو الرب إلهي، إني نقيٌّ فيما يتعلق بها.» فقال له الكاهن: «لا تتقدم بإفادةٍ كاذبةٍ، بل قل الحق. لقد تزوجتها سرقةً ولم تخبر بني إسرائيل ولم تخفض رأسك أمام الرب ليبارك لك في نسلك.» بقي يوسف صامتًا، قال له الكاهن: «أعِدِ الفتاة التي أخذتها من الهيكل.» فبكى يوسف بكاءً شديدًا. عند ذلك قال لهما الكاهن: «سوف أعطيكما لتشربا من ماء امتحان الرب، وستريان خطيئتكما باديةً أمام أعينكما.» ثم أخذ الماء وسقى يوسف، وأرسله إلى البرية، فعاد سالمًا. ثم أعطى الفتاة لتشرب وأرسلها إلى البرية فعادت سالمةً. فتعجَّب كل الشعب لأنه لم يظهر فيهما إثمٌ. عند ذلك قال الكاهن: «إذا لم يُظهر الرب خطيئتكما فأنا أيضًا لا أُدينكما.» ثم أطلقهما. فأخذ يوسف مريم ومضى إلى البيت وهو يمجِّد الرب فرحًا.
قالت له القابلة: «هل تقول لي الحق.» فقال لها: «تعالي فانظري.» فمشت القابلة معه حتى وصلا إلى المغارة، فنظرا وإذا غمامةٌ مُضيئة تظللها. فقالت القابلة: «لقد تعظَّمت روحي في هذا اليوم لأني رأيت سرًّا.» ثم تراجعت الغيمة وظهر من داخل المغارة ضوءٌ باهرٌ لم يحتملا النظر إليه، ثم انحسر النور وظهر المولود أمامها، فتحرك وأخذ صدر أمه مريم.
نَدت عن القابلة صيحةٌ عاليةٌ (بعد أن اقتربت من مريم وفحصتها)، وقالت: «هذا يومٌ عظيمٌ لديَّ لأني رأيت رؤيةً عجيبةً.» ثم خرجت القابلة فلقيت سالومي فقالت لها: «سالومي، أريد أن أروي لك أمرًا عجيبًا. لقد وضعت عذراء مولودها دون أن تفقد عذريتها.» قالت لها سالومي: «لن أُصدق ذلك حتى أفحصها بنفسي.» فدخلت القابلة وقالت لمريم: «استعدِّي لأن جدالًا حاميًا سوف يدور حولك.» ثم أجلستها في الوضعية المناسبة وقامت سالومي بفحص عذريتها، ثم أطلقت صرخةً عاليةً وقالت: «ويلي لقلة إيماني. لقد جربت الإله الحي وها يدي سقطت في النار (شُلَّت).» ثم ركعت على ركبتيها أمام الرب ودعت: «يا إله آبائي تذكر بأنني من نسل إبراهيم وإسحاق ويعقوب، لا تجعلني مثلًا لبني إسرائيل بل اشفني من أجل الفقراء، لأنك تعلم يا إلهي بأني شفيت الكثيرين باسمك ولم أتلقَّ أجري إلا منك.» ظهر لها ملاك الرب وقال لها: «قرِّبي يدك ناحية الصبي واحمليه فيكون في ذلك خلاصٌ لك وغبطة.» فاقتربت سالومي وحملت الصبي قائلة: «سوف أسجد له، فلقد ولد ملكٌ عظيم في إسرائيل.» وللتو شفيت وخرجت من المغارة مبررَة. وسمعت صوتًا يقول لها: «سالومي، لا تخبري أحدًا بالعجائب التي رأيت قبل أن يدخل الصبي إلى أورشليم.»
واستعدَّ يوسف للانطلاق إلى اليهودية. وكان في بيت لحم ضجةٌ لأنَّ حكماء جاءوا إليها قائلين: «أين المولود ملك اليهود؟ لأننا رأينا نجمه في الشرق فجئنا لكي نسجد له.» فلما سمع هيرود الملك ذلك اضطرب وبعث برسله إلى الحكماء؛ كما دعا جميع رؤساء الكهنة وامتحنهم قائلًا: «ما الذي كُتب عن المسيح أين يولد؟» قالوا له: «في بيت لحم اليهودية، هذا هو المكتوب.» فأطلقهم، ثم دعا الحكماء وامتحنهم قائلًا: «ما هي الإشارة التي رأيتموها فيما يخصُّ المولود الملك؟» فأجابوه: «رأينا نجمًا كبيرًا يسطع بين النجوم ويكسف نورها حتى تعثَّرت رؤيتها، علمنا أنَّه ولد ملكٌ لإسرائيل فجئنا لكي نسجد له.» قال لهم هيرود: «اذهبوا وفتِّشوا عنه فإذا وجدتموه أخبروني لكي آتي أنا وأسجد له أيضًا.» فانطلق الحكماء، وكان النجم الذي رأوه في المشرق يتحرك أمامهم حتى وصلوا إلى المغارة فوقف النجم فوقها، فرأوا الصبي مع أمه مريم وقدَّموا له هدايا من أكياسهم ذهبًا ولبانًا ومرًّا. ثم إن الملاك حذَّرهم من العودة إلى اليهودية، فاتخذوا إلى ديارهم طريقًا آخر.
ولما رأى هيرود أنَّ الحكماء سخروا منه غضب غضبًا شديدًا، وأرسل من عنده فرقةً من القَتَلة وأمرهم بذبح كل الصبيان من سنتين فما دون، وعندما سمعت مريم بمذبحة الأطفال خافت وأخذت الصبي فقمطته ووضعته في المعلف. ولما سمعت أليصابات أنهم يبحثون عن يوحنا أخذته وصعدت به إلى مناطق المرتفعات، وبحثت حلوها عن مكان تخفيه فلم تجد، فتأوَّهت وصاحت: «يا جبل الإله خُذْ إليك الأم ووليدها.» فانشقَّ الجبل واحتواهما، وكان هناك نورٌ يُضيء لهما وملاكٌ يعمل على حراستهما. في هذه الأثناء كان هيرود يبحث عن يوحنا، فأرسل رسله إلى زكريا يسألونه عن المكان الذي أخفى فيه ولده، قال لهم: «أنا كاهنٌ أخدم الرب في الهيكل طوال الوقت ولا أعرف أين هو ابني.» فعاد الرسل بهذا الكلام إلى هيرود الذي اهتاج وقال: «إنَّ ابنه سيغدو ملكًا على إسرائيل.» ثم أمرهم بالعودة إلى زكريا لينقلوا له قوله: «تكلَّمْ بالصدق، أين هو ابنك، لأنك تعلم أنَّ دمك بين يدي.» قال لهم زكريا أن يبلغوا هيرود قوله: «إذا سفكت دمي فأنا شهيد الرب وهو الذي سيتقبل دمي، لأنك تسفك دمًا بريئًا عند هيكل الرب.»
وأنا يعقوب الذي كتب هذا التاريخ في أورشليم إبَّان الاضطرابات التي أعقبت موت هيرود، عندما انسحبتُ ولجأتُ إلى البرية حتى هدأت الأحوال في أورشليم، أُمجِّد الرب الذي وهبني النعمة والحكمة لأُتمَّ هذا التاريخ. ولتحلَّ النعمة على أولئك الذين يخشون مولانا يسوع المسيح. له المجد إلى نهاية الدهر، آمين.
(٢) إنجيل متَّى المنحول في أصل مريم وطفولة المخلص
وصلتنا ترجمةٌ لاتينيةٌ واحدةٌ لهذا النص عن اليونانية. وهي تعود بتاريخها إلى القرن الثامن الميلادي، أما الأصل فلم يستطع الأخصائيون تحديد زمنه بدقةٍ، ولكنه كُتب بالتأكيد بعد القرن الثاني الميلادي، نظرًا لاعتماده في قسمه الأول على إنجيل يعقوب، وهو القسم المتعلِّق بأصل مريم وميلاد يسوع، والرحلة إلى مصر. ولسوف أُقدِّم فيما يلي ملخصًا لهذا القسم لتفادي التكرار، مع التركيز على العناصر التي لم تردْ في إنجيل يعقوب، ولا سيما فيما يتعلق بمعجزات يسوع الطفل أثناء الرحلة إلى مصر.
(٢-١) ملخص النص٩
-
(١)
في تلك الأيام كان رجلٌ في أورشليم اسمه يواكيم من قبيلة يهوذا. كان يواكيم يعتني بقطعانه الوافرة العدد، ويقدم قُربانًا مضاعفًا للرب من وفرة ثروته، لهذا فقد بارك الرب في حاله وزاده. وقد تزوج من امرأةٍ من قبيلة يهوذا أيضًا اسمها حنة، وسكن معها لمدة عشرين عامًا دون أن يُرزق منها بأولادٍ.
-
(٢)
الكاهن راؤبين يرفض قربان يواكيم لأنه لم يُنجبْ ذريةً، يمضي يواكيم بقطعانه إلى الجبال. وخلال خمسة أشهر لم تتلق منه حنة أي خبرٍ، فراحت تشكو أمرها إلى الرب. ترى عش عصفور فتندب عقمها، وتنذر للرب أنها إذا حبلت فسوف تكرِّس مولودها لخدمة الرب في الهيكل. عند ذلك يظهر لها ملاك ويبشِّرها بميلاد طفلةٍ لها.
-
(٣)
يظهر الملاك أيضًا ليواكيم في البرية ويبشِّره بميلاد طفلةٍ له، ويتنبَّأ لها بمستقبلٍ مجيدٍ ثم يأمره بالعودة إلى زوجته. يرجع يواكيم بقطعانه ويقضي في الطريق ثلاثة عشر يومًا. يظهر الملاك لحنة مرة أخرى ويأمرها أن تستقبل زوجها عند بوابة الهيكل. يواكيم وحنة يلتقيان.
-
(٤)
حنة تحبل، وبعد تسعة أشهر تضع مولودة وتسمِّيها مريم. تؤخذ الطفلة إلى الهيكل بعد إتمامها عامها الثالث وفاءً للنذر، وهناك يستقبلها الكاهن عند البوابة، تصعد مريم خمس عشرة درجة.
-
(٥)
حنة ترفع صلاة شكرٍ طويلةٍ لله.
-
(٦)
وصفٌ مسهبٌ لجمال مريم وعفَّتها وتقواها، وكيف كانت تتلقَّى الطعام في كل يومٍ من يد ملاك.
-
(٧)
يعرض الكاهن أبيثار على مريم الزواج من ابنه، ولكنها تعتذر قائلةً إنها قد نذرت للرب عفَّةً دائمةً.
-
(٨)
مريم تبلغ سن الرابعة عشرة، والكهنة يعقدون اجتماعًا للبحث بشأن مستقبلها. الكاهن الأعلى يدعو كل الرجال غير المتزوجين إلى الاجتماع في الهيكل، ومع كل واحدٍ منهم عصا. الكاهن يتحدث إليهم قائلًا إنه منذ أيام سليمان كان هناك فتيات نبيلات عذراوات ينذرن إلى الهيكل، ثم يتزوجن عند بلوغهن السن المناسبة، ولكن الفتاة مريم قد نذرت للرب عذريةً دائمةً، وعلينا أن نعيِّن لها رجلًا يكفلها ويعتني بها.
يقدم الرجال عِصِيَّهم للكاهن. الآية تظهر على عصا يوسف، الذي يُعارض في البدء لأنه متقدمٌ في السن وعنده أولاد، ولكنه يذعن أخيرًا مشترطًا أن تصاحبها إلى بيته خمس عذارى أخريات للإقامة عنده معها. فيجري اختيار كل من رفقة وصفورة وسوسنة وأبيجة وزاهيل. يجري توزيع الغزل على هؤلاء الفتيات من أجل صنع حجاب الهيكل، ويكون اللون الأرجواني من نصيب مريم. يوسف يمضي في رحلة عملٍ طويلةٍ.
-
(٩)
مريم تخرج لجلب الماء من النبع، وهناك يظهر لها الملاك ويبشِّرها بالحمل. وبعد ثلاثة أيام تظهر لها حمامةٌ وهي تحيك الأرجوان بأصابعها وتكرر البشارة.
-
(١٠)
بعد تسعة أشهر يرجع يوسف من كفرناحوم حيث كان مشغولًا بحرفته كنجارٍ، ليجد مريم حاملًا، فيبكي وينتحب. العذراوات يدافعن عن مريم ويبرئنها ولكنه لا يصدقهن.
-
(١١)
يظهر الملاك ليوسف ويعلن له براءة مريم، فيطلب يوسف عفوها.
-
(١٢)
تنتشر الإشاعات حول حمل مريم، فيستدعي الكهنة يوسف ومريم، ويخضعونهما لاختبار ماء الرب وتظهر براءتهما، فيطلب الجميع عفو مريم ويشيعونها إلى البيت مُعززة.
-
(١٣)
تتوجه العائلة إلى بيت لحم من أجل الإحصاء، ومريم تلد في المغارة وفق التفاصيل الواردة في إنجيل يعقوب. مع حذف مشهد سكون الطبيعة لحظة الميلاد، وإضافة مشهد تقديس الرعاة الوارد عند (لوقا، ٢: ٨–١٨).
-
(١٤)
في اليوم الثالث تترك مريم المغارة وتذهب إلى اصطبل، حيث تُضجع يسوع في معلف. ثور وحمار يتقدمان إلى المعلف ويتعبَّدان ليسوع. تبقى العائلة في الاصطبل مدة ثلاثة أيام.
-
(١٥)
في اليوم السادس تصل العائلة إلى بيت لحم للاحتفال بالسبت وختان الطفل. تقديم يسوع إلى الهيكل وفق ما هو واردٌ عند (لوقا، ٢).
-
(١٦)
قصة الحكماء المجوس والنجم وما جرى لهم مع الملك هيرود.
-
(١٧)
مذبحة الأطفال، دون التعرض لبحث هيرود عن الطفل يوحنا ومقتل أبيه زكريا.
إلى هنا ينتهي اعتماد منحول متَّى على إنجيل يعقوب الذي أفاد منه بكثير من الحرية، وتبدأ قصة السفر إلى مصر وما تخلَّلها من معجزات يسوع الطفل وهو ما زال في السنة الثانية من عمره.
-
(١٨)
في الطريق إلى مصر تصل العائلة المؤلفة من يوسف ومريم ويسوع وأولاد يوسف الآخرين إلى مغارة، حيث أرادوا التوقف والاستراحة. ولكن تنانين تخرج من المغارة، فينزل يسوع عن حضن أمه فيقف أمام التنانين التي تسجد له ويأمرها بألا تؤذي أحدًا.
-
(١٩)
أُسودٌ وفهود تأتي أيضًا وتسجد أمام يسوع، ثم ترافقهم لتدلهم على الطريق؛ وأثناء ذلك تنضم إليهم ذئابٌ كاسرةٌ تواكبهم.
-
(٢٠)
مريم ترى شجرة نخيل وتحب أن تستريح تحتها. وعندما تتكئ في ظلها ترفع عينيها وترى ثمرها، فتقول ليوسف إنها تشتهي لو تذوَّق من رُطبها. يوسف يتذرَّع بارتفاع الشجرة ويقول إن ما يشغل باله حقًّا هو قلة الماء لديهم. يسوع الجالس في حضن أمه يأمر الشجرة أن تُدني رُطبها من أمه، فتنحني الشجرة حتى تصل أقدام مريم فتقطف منها وتأكل، ثم يأمر يسوع النخلة أن ترتفع فتفعل ذلك. وبعد ذلك يأمرها أن تفتح مجرى للماء المخزون عند جذورها فيتدفق من تحتها نبعٌ صافٍ يشربون منه ويسقون حيواناتهم. يسوع يعِد النخلة بأن يزرع أحدٌ أغصانها في الجنة، وملاكٌ يهبط من السماء فيأخذ الغصن ويطير به.
-
(٢١)
يشتدُّ الحر على الركب فيُقصِّر يسوع المسافة، وما تلبث حتى تظهر أمامهم أرض مصر ومدنها. تصل العائلة إلى مدينة هيرموبوليس وتدخل إلى معبدها الذي يحتوي على ٣٦٥ صنمًا، فتسقط الأصنام على وجوهها وتتحطم.
-
(٢٢)
يأتي حاكم المدينة بعد أن سمع بما حصل في المعبد، وعندما يرى الأصنام ساقطةً يسجد أمام يسوع، ويؤمن أهل المدينة بالرب من خلال يسوع.
إلى هنا وينتهي القسم الأول من هذا النص. أما القسم الثاني فيقصُّ عن معجزات يسوع بعد العودة إلى الوطن. والمؤلف هنا يعتمد بشكلٍ رئيسٍ على إنجيل الطفولة المعزو إلى توما، لذلك فإننا سوف نُتابع هذه المرحلة من حياة يسوع في ذلك الإنجيل.
(٣) إنجيل توما الإسرائيلي
(٣-١) النص اليوناني B
أنا توما الإسرائيلي رأيت الحاجة ماسةً لتعريف إخواننا في الأمم الوثنية بالأعمال الجليلة التي قام بها ربنا يسوع المسيح بعد أن وُلد في الجسد وأتى إلى مدينة الناصرة عندما كان في سن الخامسة.
في أحد الأيام وبعد هطول المطر خرج يسوع من البيت حيث كانت أمه، لكي يلعب في المكان الذي يجري فيه الماء على الأرض، فصنع بركًا صغيرة وجرَّ إليها الماء، ثم قال: «أريد أن يصفو هذا الماء ويغدو رقراقًا.» وفي الحال تحققت رغبته، وفي هذه الأثناء مرَّ به الصبي ابن حنانيا الكاتب وبيده عودٌ من شجر الصفصاف، فخرَّب بعوده البرك وبدَّد الماء. فالتفت إليه يسوع وقال: «أيها الشرير المتمرد، بماذا آذتك هذه البرك حتى أفرغتها؟ إنك لن تكمل طريقك حتى تجفَّ وتزوي مثل هذا العود الذي في يدك.» وعندما مضى الصبي في طريقه سقط ميتًا. فلما رأى الأطفال الحاضرون ما حدث مضوا وأخبروا أبا الطفل بموته، فأسرع الوالد إلى المكان حيث رأى ابنه ميتًا، فتوجَّه إلى يوسف يتهمه.
أما يسوع فقد جبل من الطين اثنى عشر عصفورًا، وكان ذلك في يوم السبت. فجاء أحد الأطفال إلى يوسف وقال له: «إنَّ ابنك يلعب عند مجرى الماء، وقد صنع من الطين عصافير، وهذا لا يحِلُّ في يوم السبت.» فجاء يوسف إلى حيث كان يسوع وقال له: «لماذا تفعل مثل هذه الأمور وتدنِّس السبت؟» ولكن يسوع لم يُجبه بل التفت إلى العصافير وقال لها: «هيَّا طيري، واذكريني في حياتك.» فطارت العصافير وحلَّقت في الجو، أما يوسف فقد وقف مذهولًا بما رأى.
وبعد عدة أيامٍ كان يسوع مارًّا في وسط البلدة عندما رماه أحد الأولاد بحجرٍ أصابه في كتفه، فالتفت إليه يسوع وقال: «لن تكمل طريقك.» فسقط الولد لتوه ميتًا، فدهش الحاضرون وقالوا: «ما هذا الولد الذي تتحقق كل كلمة يقولها؟» ثم مضوا إلى يوسف قائلين: «إنك لن تستطيع الإقامة بيننا إلا إذا علَّمت ابنك أن يبارك لا أن يلعن، لأنه يتسبب في موت أبنائنا وكل ما يقوله يتحقق.» وعندما جاء يسوع إلى البيت أمسك يوسف بأذنه وقرصها، فنظر إليه يسوع نظرةً حادةً وقال له: «هذا يكفي.»
في اليوم التالي أخذه يوسف من يده وقاده إلى المعلم زكا وقال له: «أيها المعلم، خُذْ هذا الصبي وعلِّمه القراءة والكتابة.» فقال له المعلم: «اتركه لي، وأنا كفيلٌ بذلك؛ وسأعلِّمه أيضًا أن يُبارك الناس لا أن يلعنهم.» لما سمع يسوع ذلك ضحك، وقال: «إنكم تتحدثون عمَّا تعرفون، ولكن عندي من العلم ما يفوق بكثيرٍ علمكم؛ لأنني قبل العالم وأعرف متى وُلد آباء آبائكم، وأعرف عدد سنوات حياتكم.» فذهل الحاضرون لما سمعوا، ولكن يسوع تابع قائلًا: «هل تعجبون مما قلت؟ الحق أقول لكم أيضًا بأني أعرف متى خُلق العالم. إنكم الآن لا تصدقونني، ولكن متى ترون صليبي تعرفون أني أقول الحق.» فدهشوا لما سمعوه منه.
وعندما كتب زكا الأحرف العبرية قال ليسوع: «ألف» فردَّد يسوع بعده الحرف. ثم قال المعلم ثانية: «ألف» فردد بعده أيضًا. ثم قال للمرة الثالثة: «ألف»، فقال له يسوع: «أنت لا تعرف الألف فكيف يُمكنك أن تعلم الباء؟» ثم انطلق من تلقاء ذاته ينطق الحروف الأبجدية الاثنين والعشرين، ثم قال له: «إليك أيُّها المعلم سر الحرف الأول؛ انظر إلى عدد الإشارات والخطوط التي تؤلِّفه، وكيف تفترق وتتآلف، وما يعنيه ذلك.» لما سمع منه زكا هذا الكلام عن حرفٍ واحد دهش ولم يُحر جوابًا، ثم التفت إلى يوسف قائلًا: «حقًّا، إنَّ هذا الطفل ليس من مواليد هذا العالم. خُذه بعيدًا عني.»
بعد هذه الأمور كان يسوع يلعب مع الأولاد على سطح بيتٍ مؤلفٍ من طابقين، عندما دفع أحدهم رفيقه فسقط من الأعلى إلى الأرض ومات. لما رأى الصبية ذلك هربوا جميعًا وبقي يسوع وحده واقفًا على السطح. ولما عرف والدا الصبي بما حدث لابنهما جاءا يندبان، وشاهدا جثة ولدهما على الأرض ويسوع واقفٌ في الأعلى، فاعتقدا أن يسوع هو الذي دفعه وراحا يشتمانه. لما رأى يسوع ذلك قفز من أعلى السطح ووقف عند رأس الميت وقال له: «زينو، أحقًّا أنا الذي دفعك؟ قُمْ وأخبرنا.» فقام الصبي وسجد ليسوع قائلًا: «أنت لم تدفعني ولكني كنت ميتًا فأحييتني.»
وبعد ذلك بأيامٍ قليلةٍ، كان أحد الجيران يقطع الحطب عندما أصابت الفأس أخمص قدمه وراح ينزف بشدةٍ حتى شارف على الموت، فهرع إليه جمعٌ غفيرٌ وجاء يسوع بينهم، فأمسك بالقدم المصابة فشُفيت في الحال، ثم قال للرجل: «انهضْ وتابع قطع حطبك.» فقام وسجد له وشكره وتابع عمله، وكل الحاضرين تعجَّبوا وقدموا له الشكر.
وعندما كان في سن الثامنة من عمره، طلب أحد الأقرباء من يوسف أن يصنع له سريرًا، لأنَّ يوسف كان نجَّارًا، فمضى إلى الحقل؛ ليجمع أخشابًا ورافقه يسوع. فاقتطع يوسف عارضتين وشذبهما بالفأس (لتصيرا متساويتين في الطول) ثم وضعهما على الأرض متوازيتين وقاسهما، فوجد إحداهما أطول من الأخرى، فاغتاظ وراح يبحث عن عارضةٍ أخرى، ولكن يسوع الذي كان يراقب ما يجري قال له: «اقبضْ بقوةٍ على العارضة القصيرة.» فتعجَّب يوسف ولكنه فعل ذلك، عندها قبض يسوع على طرف العارضة وشدَّه إليه فطالت الخشبة حتى ساوت نظيرتها، ثم قال ليوسف: «لا تغتظْ، بل تابع عملك بسلامٍ.» وعندما رأى يوسف ذلك تعجب وقال في نفسه: «كم أنا محظوظٌ لأنَّ الله وهبني مثل هذا الغلام.» وعندما عاد إلى المدينة أخبر مريم بكل ما جرى، فلما سمعت أعمال ولدها العجيبة ابتهجت وباركته، مع الآب والروح القدس من الآن وإلى أبد الدهر. آمين.»
(٤) إنجيل الطفولة العربي
نقرأ في الفقرة الأولى من الإنجيل: ورد في كتاب الكاهن الأعلى يوسف، الذي عاش في زمان يسوع المسيح، والذي يدعوه البعض قيافًا، أنَّ يسوع الذي تكلَّم في المهد وقال لأمه مريم: أنا الذي وَلَدْتِه، أنا يسوع ابن الله، الكلمةُ، على ما بشَّركِ به الملاك جبرائيل، ولقد أرسلني أبي من أجل خلاص العالم.
كما نقرأ في الفقرة السادسة والثلاثين: عندما أتمَّ يسوع عامه السابع، كان يلعب في أحد الأيام مع صبيةٍ آخرين من عمره، وكانوا يصنعون — على سبيل التسلية — صور حيواناتٍ متنوعةٍ من الطين؛ ذئابًا، وحميرًا، وطيورًا … وقد صنع يسوع صور طيورٍ وعصافير دوري، وكان يأمرها بالطيران فتطير ثم يأمرها بالتوقف فتتوقف. وحين كان يُقدم لها شرابًا وطعامًا كانت تأكل وتشرب. وعندما عاد الأولاد إلى بيوتهم رووا لأهاليهم ما رأوا من أفعال يسوع، فقالوا لهم: ابتعدوا من الآن فصاعدًا عن صحبته واللعب معه لأنه ساحرٌ.