نجيب محفوظ في معجم عالمي
وما يهمُّنا في هذا المعجم الجديد — إلى جانب ذلك التناول الفريد — هو المواد العربية والإسلامية والأفريقية العديدة التي تضمنها، والتي تدخل المعاجم ودوائر المعارف لأول مرة، وعلى رأس هذه المواد المدخل الخاص بنجيب محفوظ. ورغم أن المعلومات المندرجة تحت المدخل هي المعلومات الأساسية فقط، ولا تمتد إلى أية تفاصيل، فهي كافية لمن يريد معرفة نبذة عامة عن حياة الكاتب، وما هي أهم أعماله واتجاهاته الأدبية، بل تذهب إلى حدِّ ذكرِ واقعةِ الاعتداء الغاشم الذي تعرَّض له كاتبنا الكبير عام ١٩٩٤. وقد اتسع المعجم لأسماء عدد آخر من الأدباء العرب المعاصرين، وكلُّهم من المصريين باستثناء جبران خليل جبران، وهم طه حسين، ويحيى حقي، ويوسف إدريس، ونوال السعداوي.
أما العلماء والمفكرون والرحَّالة الأقدمون فيقدم منهم المعجم: البيروني، والفارابي، والغزالي، وابن الهيثم، وابن بطوطة، وابن خلدون، وابن رشد، وابن سينا، بأسمائهم العربية وليس بالأسماء التي عُرفوا بها في اللغات الأوروبية. ومن موضوعات الدين الإسلامي يقدم مُدخلات عن القرآن الكريم والحديث الشريف والإسلام والشريعة ورمضان والحج والإمام والجامع وعيدَي الفطر والأضحى. ومن الأسرات الحاكمة العربية والإسلامية هناك الأمويون والعباسيون والمرابطون والغزنويُّون والعثمانيون، وثمة مدخلات عن أهل السنة والشيعة والصوفية. وفي التراث الأدبي يقتصر على ذكر ليلى والمجنون وألف ليلة وليلة ورباعيات الخيام، كما أن ثمة مدخلًا أيضًا لأم كلثوم.
ويقدم المعجم، على نفس النحو، مدخلات أساسية عن المظاهر الثقافية والتراث في أفريقيا وآسيا، وخاصة الصين واليابان، ولكن تبقى الموضوعات العربية والإسلامية بارزة في مجموعها على غيرها من الموضوعات غير الغربية.
وطبعًا تُثير الاختيارات التي قام بها الأستاذان المصنِّفان تساؤلاتٍ عديدة، فلماذا اختارَا هذه الشخصية وليست تلك؟ ومن ناحيتنا، لا بد أن تُثارَ أسئلة؛ مثل: أين أحمد شوقي وبشارة الخوري وتوفيق الحكيم ولطيفة الزيات؟ ولماذا أم كلثوم دون عبد الوهاب؟ وأين ابن النفيس أو الإشارة إليه في مدخل وليام هارفي؟ وما إلى ذلك من أسئلة.
والرد على هذه التساؤلات قد يستبين في الطريقة التي اعتمد عليها الأستاذان في تصنيف معجمهما، والتي أورداها في مقدمة قصيرة له. فهما قد عهدَا إلى عدد من الخبراء الأكاديميِّين في جامعاتِ كثيرِ من البلدان أن يقترحوا حوالي خمسين مدخلًا ثقافيًّا هامًّا في المجال الذي تخصصوا فيه. وقامَا بعد ذلك بالموازنة بين اقتراحاتهم، وخرجَا لكل مجال بقائمة تحتوي على الموضوعات التي تكررت أكثر من غيرها في إجابات الخبراء، ثم قام فريق من الباحثين المساعدين بجمع معلومات عن تلك الموضوعات من المراجع المتخصصة في مكتبات الجامعات في أمريكا، وتمَّ عرضُ المكتوب على متخصصين في كل باب لمراجعته، كما يذكر الأستاذان أنهما تلقَّيا مساهماتٍ معينةً من أساتذة من القارات الخمس تطوعوا بالمساعدة في هذا المشروع، بل وبكتابة المدخلات الخاصة بموضوعاتهم. ومن القائمة التي أوردها الأستاذان يشكران فيها كلَّ مَن عاونهم في هذا العمل، نلاحظ بدهشة ندرة الأسماء العربية، التي اقتصرت على اسمين أو ثلاثة، غير معروفين لدينا، وقد يفسِّر هذا بعض الهنات التي شابَت المعلومات عن الأدباء المصريين (على سبيل المثال) كالقول بأن طه حسين كان كفيفَ البصر منذ مولده، وإدراج رواية الأرض ضمن أعمال يوسف إدريس. وقد كتبت للأستاذَين بهذه الملاحظات لتداركها في أية طبعات مستقبلة للمعجم.
ويتضح من طبيعة العمل ذاته أن ضيق المساحة والحجم الذي تقرر أن يصدر المعجم به قد حالَا بينه وبين أن يكون أكثرَ تمثيلًا مما هو عليه، ومكان ذلك هو المعاجم المفصلة أو دوائر المعارف. والمعجم على ذلك كما يقول صاحباه: «مجرد دعوة للقرَّاء إلى بدء عملية فهم تلك الثقافات التي لا يكاد المتعلمون في الغرب يعرفون عنها شيئًا.»