معنى حكم القيمة وتحقيقه
وقد ناقشنا في الفصل السابق أغراض هذا النوع من التقدير. وعلينا الآن أن تختبر حكم القيمة ذاته، فحتى التأكيد التلقائي البسيط، مثل: «هذا بديع!» يثير أسئلة خطيرة بالنسبة إلى التحليل الفلسفي. ولو استطعنا أن نجيب عن هذه الأسئلة، لأمكننا إيضاح اعتقاداتنا بشأن تقدير الفن، وعندئذٍ يتسنى لنا أن نجعل أحكامنا المحددة أدق وأصوب.
أول الأسئلة، بالطبع، هو السؤال عن معنى حكم القيمة، ولنبدأ بأن نوضح أن المشكلة لا تنصب على معنى الأوصاف التقويمية المحددة، مثل «جميل» و«قبيح» و«جليل» … إلخ؛ فهذه ألفاظ سبق أن نوقشت الفروق بينها (في الفصل الحادي عشر) وإنما المشكلة هي: أيًّا كانت الصفة التقويمية التي نستخدمها فما الذي نؤكده بالضبط في حكم القيمة؟ وإذا كنا، بكل بساطة، نعزو قيمة إلى العمل، فلماذا يقول الناس في كثير من الأحيان إن شيئًا معينًا «جميل في نظري»؟ هل تعد قيمته صفة للعمل، شأنها شأن أية صفة أخرى، كالحجم مثلًا؟ إذا كان ذلك صحيحًا، فلم هذه الإشارة إلى المشاهد، إن كان الحكم منصبًّا على العمل؟ وهل نذهب إلى حد الموافقة على الرأي الذي يشيع كثيرًا بين الناس العاديين، والذي أصبحت صيغته، بعد أن اصطبغ بصبغة فيها شيء من العمق: «إن الجمال إنما هو في عين الناظر»؟
ما هي بالضبط العلاقة بين القيمة الجمالية، وبين العمل، وبين الشخص المدرك؟ هذه مسألة إن لم تظهر أمامنا بوضوح، فإننا لا نكون — بمعنى الكلمة — عارفين بما نتكلم عنه عندما تصدر أحكام قيمة.
إننا ننطق بالحكم وكأنه حقيقة. فنحن نقول: «العمل يتصف بكذا …»، وكأننا نصف حقيقة عن الأشياء، وكما رأينا في الفصل السابق، فإن الأحكام تستخدم أدوات للإقناع الاجتماعي لحث الآخرين على أن يشاركونا تفضيلاتنا، وربما لحملهم على تغيير تفضيلاتهم. غير أن حكمنا لا يمكن أن يجد إقرارًا من الآخرين إلا إذا كان من الممكن إثبات صحته، أي إذا أمكن تحقيقه، على أن التحقيق يتوقف على المعنى؛ فطريقة اختبارنا لصحة الحكم، والأدلة التي نبحث عنها، والأسباب التي نقدمها تأييدًا له — كل هذا يتوقف على ما نعنيه بالحكم؛ فإن كان الحكم ينصب على العمل، وعلى العمل وحده، فعندئذٍ نبحث عن التحقيق في العمل، وإن كان ينصب على الشخص المدرك، فعندئذٍ ينبغي أن نلتمس الأدلة في مجال آخر مختلف كل الاختلاف.
ومع ذلك فهناك سؤال آخر أهم حتى من السؤال السابق؛ فهل من الممكن القيام بأي تحقيق بالنسبة إلى حكم القيمة؟ إن الحكم، من الوجهة اللفظية، هو بطبيعة الحال جملة إخبارية، ولكن هل هو من نوع «كندا شمال الولايات المتحدة» أو من نوع «مجموع زوايا المثلث يساوي قائمتَين»؟ وهل يمكن إثباته بأدلة تجريبية، كالحكم الأول؟ إن حكم القيمة هو هذا فحسب، أعني حكمًا عن قيمة، فهل يمكن البرهنة على وجود القيم عن طريق الوقائع؟ لنعد بذاكرتنا إلى ذلك الادعاء الذي نجده في كثير من الأحيان لدى المعلنين عن الأفلام السينمائية: «إن إنتاج الفيلم تكلف أربعة ملايين دولار.» فهل يترتب على ذلك أن الفيلم جيد؟ إن هناك حالات كثيرة في تاريخ السينما تدل على أن الأمر ليس كذلك، فأي نوع من الأدلة إذن يمكنه تأييد حكم القيمة؟
حيثما يكون هناك دليل واقعي، كما في القضية الخاصة بكندا، أو استدلال، كما في القضية المتعلقة بالمثلثات، فإنا نتوقع اتفاقًا، ونحصل عليه؛ فكل من يعنيهم الأمر يقبلون القضية. أما في حالة الفن فإن الاختلاف أمر شائع (لم تتنازع كثيرًا مع صديقك حول مزايا رواية أو فيلم سينمائي أو قطعة موسيقية؟) بل إن من الناس من يأخذون الاختلاف قضية مسلمًا بها، إلى حد أنَّهم يَعدُّون «الاتفاق» حيثما يكون الكلام منصبًّا على الفن أمرًا لا معنى له على الإطلاق؛ ذلك لأنه لا يمكن أن يكون هناك «التقاء بين الأذهان» إلا عندما يمكن تقديم أسباب مؤيدة لوجهات النظر المختلفة؛ فالأسباب توضح صحة بعض الآراء، وبطلان بعضها الآخر. أما في تقدير الفن، فلا نجد شيئًا سوى الآراء الشخصية، ولا يمكن تقديم أسباب، بل لا حاجة إلى تقديم أسباب؛ فرأي كل شخص هو في حدوده الخاصة، نهائي حاسم، لا يقبل المناقشة.
وهذا يؤدي بنا إلى المشكلة الكبرى التالية في هذا الفصل، وأعني بها معنى «الذوق السليم» «والذوق الرديء»؛ فنحن في حديثنا المعتاد، إذا ما سمعنا حكمًا عن شيء ما نتساءل: «حكم من هذا؟» ويكون هذا السؤال تعبيرًا عن الشك في هذا الحكم، ولهذا السؤال، بالنسبة إلى تقدير الفنان، أهمية خاصة؛ ذلك لأن معظم الناس يرفضون أن يصدقوا أن رأي أي شخص في الفن مساوٍ لرأي أي شخص آخر، وعلى ذلك، فعندما يصدر شخص حكمًا جماليًّا، فإنهم يريدون أن يعرفوا بأية سلطة يتكلم، إن كانت هناك سلطة على الإطلاق … ولكنك ترى مدى الأسئلة التي يثيرها هذا الاعتقاد: فما معنى «الذوق السليم»؟ وهل هناك أي تمييز يمكن قبوله بين «الذوق السليم» وبين «الذوق الرديء»؟ ويرتبط بهذين سؤال آخر: هل هناك أي معنًى للكلام عن «تحسين» الذوق أو «تربيته»؟
وهكذا فإنك ما إن تبدأ في التفكير بطريقة نقدية في الحكم الذي يبدو وقعه بسيطًا: «س قيم من الوجهة الجمالية»، حتى تجد نفسك قد وقعت في مجموعة كاملة من المشكلات: فما الذي يعنيه الحكم؟ وكيف يمكن تحقيقه، إن كان ذلك ممكنًا؟ وكيف يمكن التغلب على الخلافات في القيم، إن كان ذلك ممكنًا؟ وهل بعض الأحكام أقوى سلطة من بعضها الآخر؟
هذه أسئلة يُحتَمل أن تكون قد طرأت على ذهنك من قبل، بصورة أو بأخرى، ومن الجائز أنك لم تفكر فيها على مثل هذا النحو الشامل، والأرجح أنك كنت طرفًا في خلاف حول عمل فني بعينه، ولكنك لو تتبعت ما يجره هذا الخلاف وراءه، لأدى بك ذلك إلى إثارة تلك الأسئلة التي ذكرناها الآن، وسوف يوضح هذا الفصل كيف يمكن الإجابة عن هذه الأسئلة، بطريقة منهجية ونقدية، عن طريق وضع النظريات بعضها في مقابل البعض.
والنظريات التي سندرسها هي: النظرية الموضوعية، والنظرية الذاتية، والنسبية الموضوعية.
(١) النظرية الموضوعية
لاحظنا أن حكم القيمة يتحدث عن العمل الفني وحده. فهو لا ينطوي على إشارة إلى المشاهد، أو على أي شيء آخر ماعدا العمل. وهو يعزو القيمة إلى العمل وكأن الجمال شيء «موجود هناك» في بعض الأشياء، وليس في بعضها الآخر.
وبعبارة أخرى، فنحن إذا سلمنا بتعريف «القيمة الجمالية» بوصفها صفة موضوعية أو مطلقة، فليس من الممكن المجادلة حول التعريف في ذاته وبذاته؛ فهو ككل تعريف آخر، لا يعدو أن يكون نقطة بداية. ولا بد أن نرى ما يترتب عليه في النظرية الموضوعية بأسرها. فما الذي ينطوي عليه هذا التعريف بالنسبة إلى أساليب تحقيق حكم القيمة، ومعنى «الذوق السليم»، وإمكان تسوية الخلافات المتعلقة بالفن؟ هنا يبدأ ظهور المشكلات الحقيقية؛ ففي استطاعتنا اختبار النظرية من حيث اتساقها المنطقي، ومن حيث الأدلة التجريبية التي يفترض أنها تؤيدها، وفي إمكاننا أن نختبر في ضوئها عملية التقدير والنقد، كما كانت هذه العملية تمارَس تاريخيًّا، لنرى إن كانت النظرية تجعل لهذه العملية معنى، وتقدم أساسًا سليمًا للنقد.
أما النزاع بين «صورة العذراء والبالوعة» فهو نزاع أجوف (ولكن، كم من المرات دخلت في منازعات كهذه؟) وما إن يختفي هذا النزاع من الطريق، حتى تبدأ المشكلات الحقيقية.
وإذن، فلأعرض الآن الأفكار الرئيسية التي تقول بها النظرية الموضوعية وهذه الأفكار إنما هي نتائج مترتبة على النظرة الموضوعية إلى «القيمة الجمالية»: (١) حكم القيمة يمكن تحقيق صحته أو بطلانه، ويكون الحكم صحيحًا عندما تكون الصفة التي يعزوها إلى العمل موجودة بالفعل في العمل. (٢) وعلى ذلك فعندما يختلف شخصان حول قيمة عمل معين، فلا بد أن يكون أحدهما فقط هو المصيب، أما المخطئ فهو ذلك الذي يعزو إلى العمل صفة لا يملكها هذا العمل بالفعل. (٣) «الذوق السليم» قدرة على إدراك صفة القيمة الجمالية، عندما تكون موجودة في موضوع ما، أما «الذوق الفاسد» فهو سمة من لا يملك هذه القدرة. (٤) وعلى ذلك، فبعض الأحكام الجمالية لها سلطة موثوق منها، وبعضها الآخر ليس له مثل هذه السلطة.
•••
على أن هناك حقيقة معينة تذكر على الدوام من أجل تفنيد النظرية الموضوعية، ولعلك تستطيع أن تخمن ما هي، هذه الحقيقة هي أن الناس لا يتفقون على جودة الأعمال الفنية أو رداءتها. فلو كان الجمال «هناك» في الموضوع، فلماذا لا نجده جميعًا فيه؟ ولو أمكن تحقيق أحكام القيمة بطريقة حاسمة، فكيف ظل الناس متمسكين بأحكام مضادة؟ الواقع أننا لا نختلف على شيء بقدر ما نختلف على الفن.
ويظن الكثيرون أن هذه الحجة كفيلة بتفنيد النظرية الموضوعية بطريقة سريعة حاسمة، ولكن الحقيقة — كما سيثبت التحليل التالي — أن وقائع الاتفاق والاختلاف معقدة إلى حد بعيد، والأهم من ذلك أن ما تثبته هذه الوقائع، في صف النظرية الموضوعية أو ضدها، ليس واضحًا بصورة مباشرة.
•••
هذه الأسئلة تؤدي إلى تحويل مناقشتنا في اتجاه جديد؛ فقد ابتعدنا الآن عن المسائل الواقعية المتعلقة بتاريخ الذوق، وانتقلنا إلى مشكلات تحليلية؛ فما معنى «الاتفاق» و«الاختلاف»؟ إننا إذا لم ندرك معناهما بوضوح، فمن العبث الاستشهاد بوقائع تاريخية؛ ذلك لأننا لن نعرف عندئذٍ ما الذي تثبته هذه الوقائع المتعلقة بالاتفاق والاختلاف، وبالتالي فلن نعرف شيئًا عن تأثيرها في صحة النظرية الموضوعية أو بطلانها.
•••
وإذن، فمتى يختلف حكمان تقويميان كلٌّ عن الآخر؟ المفروض أن هذا الاختلاف يحدث عندما يقول شخص: «العمل الفني س جيد» ويقول الآخر «العمل الفني س رديء»، ولكنا لاحظنا منذ قليل أن العمل يمكن تفسيره، وبالتالي فهمه جماليًّا، على أنحاء شتى، ومن ثَم فإنه يقدر على أسس متباينة، وإنه ليبدو أن موضوع كل من الحكمين هو نفسه «العمل الفني س». غير أن هذه العبارة تدل على موضوعات جمالية شديدة التباين، وإذن فهل الحكمان مختلفان حقًّا؟
فلنتأمل حالة أخرى أشد وضوحًا حتى من هذه، يكون الاختلاف فيها لفظيًّا بحتًا. فلنفرض أن «أ» يستخدم عبارة «س عمل جيد» بمعنى «أنا أميل إليه» وأن «ب» يستخدم عبارة «س عمل رديء» بمعنى «أنا لا أميل إليه». فهل هناك تناقض بينهما؟ من الواضح أن كِلا القولين يمكن أن يكون صحيحًا.
وعلى ذلك فإن التعبيرَين اللغويَّين «س جيد» و«س رديء» لا ينبئاننا وحدهما إن كان ثمة خلاف حقيقي، وعلينا أن نتجاوز نطاق ألفاظ الحكم لكي نرى ما الذي تشير إليه عبارة «العمل الفني»، وما هو الادعاء الذي يقال بشأنه، ولنلاحظ أن هذا يصدق أيضًا عندما تبدو الأحكام متفقة فيما بينها، أي عندما يقول كل من «أ» و«ب»: «س جيد». فإذا كانا قد فسَّرا العمل بطريقتين مختلفتين كل الاختلاف، أو إذا كان «أ» يكتفي بوصف «ما يميل إليه» على حين أن «ب» يقدم تقديرًا له مبرراته، فعندئذٍ لا يكونان متفقَين بحق.
ومن هنا فإن مجرد كون عصرَين تاريخيَّين مختلفَين يصفان عملًا فنيًّا بأنه «جيد»، لا يدل في ذاته على شيء، وما لم تختبر أحكامهما بطريقة أدق، فإن هذه الواقعة لا يمكن اتخاذها دليلًا يؤيد النظرية الموضوعية. كذلك فإن مجرد كون فترة معينة تسمي العمل «جيدًا»، على حين أن فترة أخرى تسميه «رديئًا»، لا يثبت في ذاته الكثير، ولا يمكن اتخاذ هذه الواقعة، دون مزيد من التحليل، دليلًا ضد النظرية الموضوعية.
•••
والآن، لنفرض أن صاحب النظرية الموضوعية يود أن يتخذ من وقائع الاتفاق التاريخي دليلًا مؤيدًا لنظريته؛ فلا بد له في هذه الحالة أن يثبت أن الاتفاق حقيقي. وعليه بالتالي أن يثبت أن النقاد في الفترات المختلفة يتحدثون عن نفس الصفة الموضوعية للقيمة الجمالية، ولكن خصوم الموضوعية يشكون في قدرته على أن يفعل ذلك. فهم يستخدمون وقائع تاريخ الذوق في غير صالح القائل بالنظرية الموضوعية.
والطريقة التي يعرضون بها حجتهم هي كما يأتي: إذا كانت توجد في «هاملت» أو «الموناليزا» كل هذه القيم «المختلفة»، فهل يحق لنا القول إن هناك أية صفة واحدة للقيمة؟ ألا يتعيَّن على مفهوم «القيمة الجمالية» أن يكون واسعًا، فضفاضًا، شاملًا لكل شيء، لكي يتسع لجميع القيم التي تجدها العصور المختلفة في العمل؟ بل ألا تصبح «القيمة الجمالية» عندئذٍ مجرد اسم يطلق على واقعة كون العصور المختلفة تجد متعة جمالية في العمل؟ ولكن إذا كان الأمر كذلك، فلا بد أن يتخلى صاحب النظرية الموضوعية عن نظريته، ذلك أولًا لأن «القيمة الجمالية» لن تعود دالة على صفة معينة محددة «في» العمل. وثانيًا فإن وجود القيمة الجمالية يتوقف عندئذٍ على وقائع التجربة الجمالية، مع أن هذه بعينها هي ما أراد صاحب النظرية إنكاره في البداية.
على أننا لا نستطيع أن نتحكم بمدى قوة هذه الحجة ما لم نستمع إلى دفاع النظرية الموضوعية. فماذا تكون صفة القيمة الجمالية عند هذه النظرية الموضوعية؟ إن كل ما أنبأتنا به النظرية حتى الآن هو أن القيمة «موضوعية» أو «مطلقة»، وهذه سمة تتميز بها القيمة الجمالية، ولكنها ليست وصفًا للطبيعة المحددة لهذه السمة ذاتها، وما لم تقدم إلينا النظرية الموضوعية مثل هذا الوصف، فإن الإهابة بالحكم التاريخي لن تثبت كثيرًا، أو لن تثبت شيئًا. وإذن فعلينا أن ننتظر حتى القسم التالي، الذي تعرض فيه النظرية بالتفصيل.
إنه لا يؤدي إلى ذلك بالضرورة؛ ذلك لأنه لا زال من الممكن تمامًا أن يكون أحد النقاد المتعارضين قد عجز عن إدراك سمة القيمة التي توجد هناك في العمل، والقضية «لا توجد قيمة جمالية في س» ليست مما يترتب منطقيًّا على القضية «أ لا يجد قيمة جمالية في س»، فهذه الحجة، التي يستخدمها صاحب النظرية الموضوعية لإنقاذ نظريته هي، من حيث المنطق، سليمة تمامًا.
ومع ذلك فإن حجة صاحب النظرية الموضوعية سلاح ذو حدين؛ ذلك لأنه يقول بالفعل إن الوقائع التجريبية — أي الأحكام الفعلية التي أصدرها الناس ويصدرونها عن الفن — لا تضعف من نظريته، ولكن إذا لم تكن النظرية تضعفها وقائع الاختلاف، فلا يمكن بالمثل أن تقويها وقائع الاتفاق، وإذا كانت النظرية الموضوعية تهيب بالأدلة التجريبية على أي نحو، فعليها أن تقبل جميع الأدلة، سواء منها الإيجابية (الاتفاق) والسلبية (الاختلاف). ولا يمكن أن تقتصر نظرية تجريبية أصيلة على الأدلة الإيجابية وحدها، وتحاول استبعاد الأدلة السلبية من تفسيرها.
ولكن، إذا لم تكن الأدلة التاريخية قيمة، فما السبب الذي يدفعنا إلى الاعتقاد بأن هناك أية سمة موضوعية للقيمة في الفن؟ وما السبيل إلى معرفة ما إذا كانت موجودة؟ هنا أيضًا ينبغي ألا نتسرع فنستنتج أن النظرية الموضوعية قد «فندت»، بل إن من واجبنا أن نطلب مرة أخرى إلى صاحب النظرية الموضوعية أن يزيد نظريته هذه إيضاحًا.
خلاصة القول إن صحة النظرية الموضوعية أو بطلانها لا يمكن أن تقرره وقائع تاريخ الذوق؛ ذلك لأن اختبار هذه الوقائع يعود بنا دائمًا إلى السؤال الأساسي الحقيقي: «ما هي سمة القيمة الجمالية، وكيف يتسنى لنا أن نعرفها؟» إن وقائع الاختلاف في الحكم قد تجعلنا نفترض عدم وجود سمة موضوعية في القيمة الجمالية على الإطلاق، أو نشك في أنها موجودة، ولكن هذا لا يمكن أن يزيد عن مجرد الشك، ما لم ندرس إجابات صاحب النظرية الموضوعية على أسئلتنا.
كثيرًا ما يحدث في الفلسفة أن يقضي المرء وقتًا طويلًا يفحص الأدلة، ويوضح معالم الحجج، لا لشيء إلا لكي يبين في نهاية الأمر أنها لا تؤدي إلى البت في السؤال الأصلي. وقد كان علينا أن نفعل ذلك بالنسبة إلى الاتفاق والاختلاف؛ لأن الناس كثيرًا ما يظنون أنها هي التي يتوقف عليها مصير النزعة الموضوعية، وقد حاولت أن أبين أن هذه الوقائع، إذا ما اختُبرَت، اتضح أنها معقدة مختلطة، وأنها ليست حاسمة، لا إيجابًا ولا سلبًا؛ فالمعايير الحيوية للنظرية الموضوعية هي: (١) هل يمكنها أن تصف بوضوح سمة القيمة الجمالية، بحيث (٢) تستطيع أن تنبئنا متي تُدرك هذه السمة بطريقة صحيحة؟
لقد كانت هناك، خلال التاريخ الطويل للنظرية الموضوعية، عدة آراء متباينة في سمة القيمة الجمالية؛ هذه الآراء أو النظريات تنقسم أساسًا إلى نوعين: (١) النظريات التي تنكر إمكان تعريف «القيمة الجمالية»، (٢) والنظريات التي ترى أن «القيمة الجمالية» يمكن تعريفها، والتي تحدد هذه القيمة بأنها سمة معينة قابلة لأن توصف، من سمات العمل ذاته، وهي عادةً سمة شكلية.
(١-أ) القيمة الجمالية موضوعية. والموضوعات التي تتصف بها تستلفت انتباهنا إليها؛ وعندما تفعل ذلك، نجد في الموضوع قيمة. أما عن تعريف «القيمة الجمالية» فهذا ما لا يمكن القيام به. فعندما نصادفها نعرفها جيدًا، ومع ذلك فإننا لا نستطيع أن «نعبر عنها بالكلمات»؛ ذلك لأن القيمة الجمالية ليست كأي شيء آخر في العالم، ومن هنا فإنها تتحدى الوصف من خلال التصورات؛ فهي شيء إما أن يدرك ككل وإما ألا يدرك على الإطلاق. ومن هنا فإن من غير الممكن تحليلها.
مثل هذه الصفة، إذا كان لا بد أن تُعرف على الإطلاق، لا يمكن أن تعرف إلا بالحدس. وهذا لفظ يشيع استخدامه، سواء داخل ميدان الفلسفة وخارجه، كما هي الحال مثلًا في كلامنا عن «قوة الحدس عند المرأة»، وهو يدل على الإدراك المباشر، كما في الإدراك الحسي لطعم أو رائحة. وعندما يدرك المتصوف الله بالحدس، فإنه يصف تجربته بعبارات حسية — ومن هذا القبيل عبارة مزامير داود: «تذوق وانظر أن الرب خير»، وعلى ذلك فإن موضوع الحدس لا يعرف بالاستدلال، فعندما يستدل العالم أو ضابط الشرطة على أنه إذا كان الأمر كذا وكذا، فمن المحتمل أن يكون السبب حادثًا معينًا لا يستطيع ملاحظته، فإنه يكون قد وصل إلى استنتاجه هذا عن طريق الاستدلال. أما عندما تدرك المرأة المحبة أو المراهن في سباق الخيل شيئًا «بالحدس»، كأن تدرك الأولى أن الرجل يحبها حقًّا، أو يدرك الثاني أن حصانًا معينًا سيفوز في السباق الرابع، فعندئذٍ لا يمكنهما، على خلاف العالم أو رجل الشرطة، أن يقدما أسبابًا لاعتقادهما، وكثيرًا ما يقولان إنهما «يحسان به» فحسب، وإن كانا في أحيان كثيرة سيقولان أيضًا إنهما «يعرفان ذلك جيدًا». وأخيرًا فالحدس عادةً يَزعُم لنفسه اليقين؛ فهو ينطوي في ذاته على شعور باليقين يستبعد إمكان أن يكون مضللًا، ولو اتخذنا من التجربة الحسية، مرة أخرى، أنموذجًا، لوجدنا أنني عندما أشم رائحة معينة لا يمكن أن أخطئ في طبيعتها. قد أستخدم في وصفها ألفاظًا غير دقيقة؛ بل قد لا أعرف ما هي الكلمات التي أستخدمها؛ وقد أكون على خطأ في الاعتقاد بأن الرائحة تأتي من مكان معين لا من مكان آخر، ومع ذلك فإن الرائحة لها نفس الطابع الذي أشعر بأنه لها، ولو قلت إن إحساسي «غير صحيح» لكان قولك هذا ممتنعًا.
إن هدف الموضوعيين الحدسيين هو وصف طريقة شعورنا بالتجربة الجمالية؛ فقيمة العمل شيء يدرك مباشرة؛ ونحن لا نستدل عليه أو نستنتجه، وعندما ندرك سمة القيمة، لا يمكننا أن نشك في وجودها.
وفضلًا عن ذلك فإن الموضوعيِّين الحدسيِّين يهدفون إلى إرساء التقدير النقدي على أساس معرفي متين؛ فحكم القيمة الإيجابي يكون صحيحًا إذا كان العمل يتصف فعلًا بسمة القيمة؛ والحكم السلبي يكون صحيحًا إذا لم يكن يتصف بها، وفي استطاعتنا أن نعرف بطريقة حاسمة إن كان الحكم صحيحًا أم باطلًا عن طريق معاينة العمل، ومن هنا فإنه إذا اختلف شخصان، كان أحدهما على خطأ، إما لأنه لا يدرك بالحدس تلك السمة الموجودة في العمل، وإما لأن السمة التي يظن أنه يدركها ليست موجودة بالفعل في العمل ذاته. أما الشخص ذو «الذوق السليم» فهو ذلك الذي توافرت له القدرة على إدراك سمة القيمة الجمالية.
•••
فإذا انتقلنا إلى نقد المذهب الحدسي، كان أول سؤال نطرحه هو ذلك الذي كان يوجه دائمًا إلى الحدسيين في أي ميدان من ميادين التجربة، سواءٌ منها التجربة الجمالية والأخلاقية والدينية وتجربة الحب أو أية تجربة أخرى، ألا وهو: «ماذا يحدث لو تضاربت الحدوس فيما بينها؟» لنفرض أن «أ» و«ب» يعتقدان معًا أن الجمال سمة فريدة، لا تُعرف، ولنفرض أنهما معًا يدركان العمل الفني «س» إدراكًا جماليًّا، غير أن «أ» يحكم بأن «س جميل» و«ب» يحكم بأن «س قبيح»، فكيف يمكن حل هذا الخلاف؟ إن المذهب الحدسي، حسب تعريفه ذاته، لا يسمح بتقديم أية أسباب دفاعًا عن أي من الحكمين؛ فالمفروض أن الحدس يدعم نفسه بنفسه، وليس ثمة محكمة استئناف وراءه، ومن هنا فإن المذهب الحدسي يقف حائلًا في وجه كل عملية المناقشة، والالتجاء إلى الأدلة، وهي العملية التي نحاول بها تسوية الخلافات حول القيمة.
قد يرد الحدسي بأن الحكم الذي يصدره الشخص ذو «الذوق السليم» هو الحكم الصحيح، ولكن من الواضح أن في هذا مصادرة على المطلوب؛ ذلك لأن «الذوق السليم» يعرف بأنه «القدرة على إدراك الجمال»، والمشكلة موضوع البحث هي بعينها مشكلة وجود هذا الجمال أو عدم وجوده. فلا يمكننا أن نحدد إن كان «أ» أو «ب» هو صاحب «الذوق السليم» إلا إذا عرفنا إن كان العمل يتصف بالجمال أو لا يتصف به، وما لم تستطع النظرية أن تقدم إلينا معايير مستقلة تتيح لنا التعرف على «الذوق السليم»، فإن كل مشكلة «الذوق السليم» و«الذوق الرديء» تصل إلى طريق مسدود، شأنها شأن مشكلة الأحكام المتضاربة.
هذه هي المفارقة القديمة للمذهب الحدسي: فهذا المذهب يبدأ بوصفه نوعًا متطرفًا من النظرية الموضوعية، ولكنه يتحول إلى «نظرية ذاتية»، فليس ثمة سبيل إلى تحديد صحة حكم القيمة، ومن هنا فإن من المستحيل أن نقرر إن كان أحد الأحكام «أرفع» من الآخر أو «أقوى سلطة» منه.
وقد يقول «أ»، بطبيعة الحال، إن «ب» مصاب «بعمى القيم»، ولكن «ب» قد يرد عندئذٍ بأن «أ» «يتخيل أشياء غير موجودة» وبعد ذلك يزداد هبوط مستوى الأوصاف التي يوجهها كلٌّ من الطرفين إلى الآخر بالتدريج، فتصبح أوصافًا مثل: «عديم الإحساس»، و«سوقي» … إلخ، ونظرًا إلى عدم وجود أدلة أو استدلالات، فمن الممكن أن ينتهي الخلاف إلى شتائم، وإن لم تكن الشتائم قادرة بالطبع على تسوية أي خلاف. والواقع أن المذهب الحدسي يتعرض لهذه النتيجة نظرًا إلى ما يدعيه الحدسي من يقين؛ فالشخص المقتنع بصحة موقفه على نحو لا يتطرق إليه الشك، لن يحتمل الخلاف بسهولة، ولهذا السبب فإن المذهب الحدسي، في جميع المجالات، أدى في كثير من الأحيان إلى مذهب السلطة، أي إلى فرض قرارات شخص معين أو نظام معين عن طريق قمع كل معارضة، فللفن «طغاته» أيضًا، سواء أكان أولئك الطغاة نقادًا من الأفراد أم «أكاديميات».
هذه النزعة الحدسية سرعان ما تؤدي بنا إلى طريق مسدود؛ فالنظرية تحاول الاحتفاظ بالاعتقادات الشائعة في موقفنا المعتاد، وهي الاعتقادات القائلة إن الأحكام الجمالية إما صحيحة وإما باطلة، وإن بعض الناس يتحدثون في الفن بسلطة أعظم من تلك التي يتحدث بها غيرهم، ومع ذلك فإنها سرعان ما تؤدي إلى ظهور أنواع شتى من اللامعقولية، والأسوأ من هذا كله أنها لا تقدم أساسًا للتحليل النقدي. وبذلك لا يكون ثمة سبيل إلى كشف قيمة العمل لأولئك الذين لم يدركوها بعد.
ولكن حتى لو كانت الانتقادات السابقة صحيحة، فلنلاحظ أنها لا تؤدي، في ناحية معينة، إلى تفنيد النظرية؛ فقد يظل من الصحيح أن القيمة الجمالية سمة موضوعية، لا يمكن إرجاعها إلى غيرها، وقد يكون لبعض الناس القدرة على إدراكها، على حين أن هذه القدرة لا تتوافر لغيرهم، ولكن إذا صيغت النظرية على هذا النحو، على أنها مجرد إمكان، فسوف تكون نظرية مختلفة تمامًا، ويكون حقها في أن يؤخذ بها أضعف بكثير؛ فأي شيء ممكن، ما عدا ما هو متناقض مع ذاته منطقيًّا، وما إن تقتصر على القول إن المذهب الحدسي قد يكون صحيحًا، حتى تكون قد أبعدت النظرية عن متناول يد الأدلة المؤيدة أو المعارضة لها.
وإذن فالقول إن النظرية الموضوعية الحدسية لم «تفند»، إنما هو ملجأ يائس أخير، فهذا أمر يسلم به ناقد النظرية، ولكن ذلك لن يحول بينه وبين الوصول إلى النتيجة التي يقول بها، ألا وهي أنه ليس ثمة سبب يدعونا إلى الاعتقاد بأن النظرية صحيحة.
•••
(١-ب) كانت النظرية السابقة تتحرك في دائرة ضيقة؛ فهي تقول إن الجمال ليس إلا الجمال، وإن لم نكن نستطيع أن نقول ما هو هذا الجمال. فإما أن يتعرف عليه المدرك وإما ألا يتعرف، ولا مجال هنا لإبداء أسباب.
وفي خلال تاريخ هذه النظرية، كانت السمات التي تصاحب الجمال تعد عادة سمات شكلية من نوع ما، وهكذا كان الفن يقدر على أساس «قواعد» «للتكوين» في التصوير، وعلى أساس «التناسب» في النحت والعمارة، و«الوحدة» في الموسيقى.
•••
هذه النظرية أفضل قطعًا من النظرية الموضوعية الحدسية، وذلك للأسباب التي قدمها فيفاس، ولقد قبلها كثير من النقاد طوال تاريخ الفن حتى لو كان ذلك في بعض الأحيان قبولًا لاشعوريًّا، ومع ذلك فإنها تواجه صعوبات خاصة بها.
إن السؤال الأول هو، بطبيعة الحال: «أية سمات هي التي تصاحب الجمال؟» هناك نوعان من الإجابة عن هذا السؤال.
النوع الأول هو تعريف هذه السمات بدقة وتحدد شديدين، وهكذا وضعت في تاريخ العمارة «قوانين» للتناسب، تحدد بدقة رياضية النسب «الصحيحة» بين مختلف الأجزاء في تشريح الجسم البشري. هذه النسب هي السمات المصاحبة للجمال في النحت، ولا بد أن تتجسد هذه السمات في الشكل المنحوت لكي يكون جميلًا، ومن هنا فإن جودة التمثال أو رداءته يمكن التيقن منها على نحو حاسم.
غير أن هناك أعراضًا واضحة على هذه الطريقة في التفكير. فلنفرض أن مثالًا خرق قوانين التناسب، لا عن عجز أو جهل، بل بتعمد تام، ولنفرض أنه حقق بذلك نسبًا شكلية وتأثيرًا تعبيريًّا متميزًا، يتسمان بأنهما ممتعان جماليًّا؛ فإذا حكمنا على عمله على أساس القوانين الدقيقة، فلا بد عندئذٍ من أن نحمل عليه. والأدهى من ذلك أن من يتأملون التمثال متخذين من هذه القوانين معايير للإدراك سيكونون عاجزين عن تقدير قيمة العمل.
ولكن كيف تم التوصل إلى هذه القوانين أصلًا؟ إنها لم تنشأ من مجرد معرفة تشريح جسم الإنسان؛ فهذا لم يكن كافيًا في ذاته لتحديد ما هو جيد وما هو رديء في التصوير الفني للجسم، بل لقد استمدت هذه القوانين من دراسة أعمال نحتية معينة، استخلصت منها النسب التي تبين أنها تبعث متعة جمالية، واتخذت نسبًا «صحيحة» أو «مثالية»، ومع ذلك فقد كانت هذه أعمالًا أبدعها فنانون معينون، يعملون في فترات معينة من التاريخ، وعندما تظهر حركات جديدة في الفن، وتتغير أهداف الفن، ستتغير أساليب النحات ووسائله الفنية بدورها، ولا تعود القوانين القديمة كافية بوصفها معايير للقيمة، بل تعجز عن أن تفسر كيف يمكننا أن نستمتع جماليًّا بالنحت الجديد.
إن المدافعين عن النظام القديم يمكنهم بالطبع أن يدَّعوا أن النحت الجديد ليس «جميلًا حقيقة»، ولكن شهادة التجربة الجمالية أهم من التمسك بالنزعة التقليدية وهذا ما يسلم به أنصار النظرية الموضوعية ضمنًا؛ إذ إن القوانين القديمة يتم التخلي عنها بمضي الوقت؛ فالنسب القديمة ليست موجودة في كل الأعمال الفنية الجيدة.
إن من غير المحتمل على الإطلاق أن يكون في وسعنا الاهتداء إلى أية مجموعة من السمات المحددة التي توجد على الدوام مصاحبة للجمال؛ فالأعمال الفنية أعقد وأكثر تنوعًا من أن تسمح بذلك، بل إننا نستطيع، إذا تأملنا تاريخ الذوق، والعدد الهائل من التقاليد والأساليب الفنية، أن نقول بأن من المستحيل، من وجهة النظر العملية، الاهتداء إلى أية خصائص كهذه.
لذلك يقدِّم كثير من أصحاب النظرية الموضوعية إجابة من نوع آخر عن السؤال: «ما هي السمات التي تصاحب الجمال دائمًا؟» فبدلًا من أن يذكروا سمات معينة، يجيبون بعبارات عامة مجردة، فيقولون مثلًا إن كل الأعمال التي تتسم «بالوحدة العضوية» جميلة، وأن هذه الأعمال وحدها هي الجميلة، على أن الوحدة العضوية، كما رأينا من قبل، ليست سمة محددة، كالنسب الرياضية بين أجزاء العمل، وإنما هي أشبه بنوع من السمات له أمثلة محددة، ومن الممكن أن تتحقق الوحدة العضوية بعدة طرق متباينة، وفي أعمال مختلفة كل الاختلاف.
وهكذا نستطيع أن نواصل استخدام الأمثلة السابقة قائلين إن من الممكن وجود قوانين متعددة للتناسب؛ فالقوانين القديمة تسري على الفترات والأساليب التي استمدت هذه القوانين منها أصلًا، وبعد ذلك، عندما يظهر أسلوب جديد في النحت يصور الجسم بنسب مختلفة، يمكن أن تظهر قوانين جديدة، والعامل الدائم، وهو الوحدة العضوية، يقتضي أن تكون جميع أجزاء العمل، أيًّا كانت النسب المستخدمة، مؤدية بالضرورة إلى زيادة قيمة الكل، فإذا كانت النسب التشريحية الجديدة تفي بهذا الشرط، فعندئذٍ يمكن إثبات أن العمل جيد.
هذه النظرية تظل نوعًا من النزعة الموضوعية؛ ذلك لأن النسب الجديدة قائمة في العمل ذاته، مثلما كانت النسب القديمة تقوم في الأعمال السابقة. ومن الواضح أن هذه النظرية أكثر تحررًا وأقرب إلى الطابع العملي من النظرية السابقة، فمن الممكن تطبيقها، والإفادة منها، في النقد العملي، بل إنها قد استخدمت على نطاق واسع في تاريخ النقد الفني، وعندئذٍ نجد أن الناقد لا يحاول أن ينبئنا ما هو الجمال، فتلك مسألة ميئوس منها، وإنما يستطيع أن يطبق قواعد عامة تفسر سبب جمال العمل. ونظرًا إلى أن هذه القواعد عامة بالفعل، فإن الناقد يستطيع احترام الفوارق بين الأعمال المنفردة؛ فهو لا يشترط أن يكون العمل مصوغًا في قوالب محددة من قبل كما تشترط النظرية السابقة.
ومع ذلك فقد كان هناك سؤال رئيسي كامن من وراء مناقشتنا لنظرية «السمات المصاحبة» بأسرها، وها قد آن أوان إثارة هذا السؤال؛ «فالسمات المصاحبة» ليست هي ذاتها الجمال، والتناسب التشريحي في النحت ليس هو نفسه الجمال في النحت، كذلك فإن «الوحدة العضوية» لا تعني ما تعنيه «القيمة الجمالية». وكل ما تقوله النظرية هو أن «السمات المصاحبة» ليست إلا علامات على القيمة الجمالية. أما القيمة ذاتها، فلا تقبل التعريف أو التحليل.
غير أننا لا نستطيع أن نقول إن «أ» يصاحب «ب» دائمًا إلا إذا كان في استطاعتنا التعرف على «ب» حيثما وجد، ولكن لو كان الجمال هو «الجمال فحسب»، كما تقول النظرية، فكيف نستطيع أن نعرفه؟ إن هذا لا يكون إلا بالحدس، وعندئذٍ نقع مرة أخرى ضحية كل الصعوبات الواضحة التي يقع فيها المذهب الحدسي، فإذا كان «م» يجد العمل الفني «س» ذا قيمة في تجربته الجمالية، و«ن» لا يجده ذا قيمة، فعندئذٍ لن يفيد القول إن العمل يتصف بسمات معينة أو لا يتصف بها؛ ذلك لأننا لن نستطيع، حتمًا، أن نتأكد إن كانت هذه السمات مصاحبة للجمال أم لا، ما دمنا غير متأكدين إن كان العمل يتصف بالجمال أم لا.
وهنا أيضًا نجد أن المشكلة الرئيسية ليست هي واقعة الخلاف في التقدير فحسب، بل إن المشكلة الحقيقية هي ما إذا كنا نعرف أن القيمة موجودة في العمل، وكيف نعرف ذلك، فلو أمكن أن نبين بطريقة حاسمة أن العمل يتصف بالقيمة الجمالية، لما كان من المهم أن يوجد أشخاص كثيرون يصدرون حكمًا سلبيًّا عليه، إذ سيكون من الممكن إثبات بطلان أحكامهم.
إن نظرية «السمات المصاحبة» تحاول إثبات وجود الجمال، الذي لا تستطيع النظرية الحدسية الخالصة إلا أن تشير إليه فحسب، ولكن بقدر ما تكون نظرية «السمات المصاحبة» ذاتها مرتكزة على الحدس، فلا يمكن أن تحرز نجاحًا، وإنما هي تستطيع أن تنجح لو استطاعت أن تثبت وجود علاقة منطقية دقيقة بين «السمات المصاحبة» وبين «الجمال فحسب»، وعندئذٍ يكون عليها أن تثبت على نحو قاطع أن «العمل «س» جميل»، وتثبت بعد ذلك أن هذا الحكم لا يصدق إلا إذا كان «العمل س يتصف بالسمات «ك»، «ل»، «م»». أما إذا لم تستطع النظرية إثبات القضية الأولى، فلا جدوى عندئذٍ من القضية الثانية.
•••
عند هذه النقطة، قد يرى بعض القراء أن نظرية «السمات المصاحبة» ينبغي أن تتبرأ، بساطة، من علاقتها العائلية بالمذهب الحدسي، فلماذا تتحمل أعباء غوامض الحدس والمآزق التي يؤدي إليها؟ ولكنا لو تخلينا عن الحدس، فكيف نعرف أي الأعمال هي الجميلة؟ وإلى أي الأعمال نتطلع، لكي نجد السمات التي «تتوقف» عليها القيمة؟ إنها بالطبع تلك التي تمنح المشاهد متعة جمالية، فبدلا من الإهابة بسمة «معجزة» هي «الجمال فحسب»، كما يسميها فيفاس، فلنلجأ إلى الدليل التجريبي المتعلق بما يحبه الناس وما لا يحبونه في التجربة الجمالية.
وما إن تفعل ذلك، حتى يتعين عليك أن تواجه حقيقة واقعة، هي أن هناك تقويمات كثيرة مختلفة «لنفس» العمل الفني، وقد تبين لنا ذلك من قبل في حالة «هاملت» و«موناليزا»، وإذن فستكون هناك عدة تفسيرات متباينة للأحكام التي نصدرها عن العمل، ولن يكون هناك تفسير واحد، وواحد فقط، هو الصحيح، وحكم واحد، وواحد فقط، هو الصائب، وهو ما تؤكده النظرية الموضوعية في أشد صورها تطرفًا.
وبطبيعة الحال فليس المهم فعلًا هو «الاسم» الذي نطلقه على هذه النظرية الجديدة؛ فقد نسميها «موضوعية معدلة» (وإن كنا قد رأينا لتونا أن الفكرة الأساسية في النظرية الموضوعية، وهي نظرتها غير العلائقية إلى القيمة، قد تم التخلي عنها): وقد نسميها «نظرية نسبية»، ما دامت مشابهة للنظرية المسماة بهذا الاسم، والتي سندرسها فيما بعد، أو قد نطلق عليها أي اسم نشاء؛ فليس المهم هو الاسم وإن كان من الواجب أن نلاحظ مع ذلك أن الأسماء التي تعطى لنظريات يدور حولها خلاف، كثيرًا ما تصبح مشحونة بالانفعال؛ فصفتا «النسبي» «والمطلق» «ليستا لفظين محايدين انفعاليًّا، وإنما هما يستخدمان في كثير من الأحيان وكأنهما ألقاب وصفية.» والمهم فعلًا هو أن تدرك لماذا يحدث في كثير من الأحيان أن يتخلى المفكر عن النظرية الموضوعية المتطرفة في سبيل نظرية كهذه.
•••
فلأقدم إذن موجزًا مختصرًا لتحليلنا.
إن النظرية الموضوعية تبدأ بجعل التقدير الجمالي بسيط واضح المعالم؛ فالقيمة الجمالية تعرف بالحدس، وبالتالي فهي تعرف بطريقة معصومة من الخطأ؛ ومن الممكن أن نثبت على نحو حاسم إن كان حكم القيمة صحيحًا أم باطلًا، ونظرية «السمات المصاحبة» تحاول أن تجعل التقدير أكثر من مجرد «إما أنك تراه وإما أنك لا تراه». وهي تحاول التخلص من الذاتية الحدسية التي تدعو إلى اليأس، فهي تبحث عن أساس موضوعي للنقد في السمات الفنية التي يمكن ملاحظتها ومناقشتها بصورة مشتركة بين الناس، ومع ذلك فإن هذه النظرية تخفق بقدر ما تظل تفترض مقدمة وجود إدراك حدسي للجمال، ولذا نراها تنتقل إلى الميل أو النفور الجمالي، متخذة منه نقطة بداية لها، ولكنها عندئذٍ تتصور القيمة بطريقة علائقية، ولا يكاد يمكن وصفها بعد هذا كله بأنها نظرية موضوعية.
فلنوجز الموجز إذن، ونقول: إننا بدأنا بالرأي الشائع بين الناس، وهو أن أحكام القيمة تتعلق بالجمال الذي هو في الموضوع، وأنها مما يمكن إثبات صحته أو بطلانه، كما أن من الممكن إثبات أن أحكام بعض الناس أفضل من أحكام بعضهم الآخر، ولكن عندما نحاول تبرير هذه الاعتقادات، تصادفنا اعتراضات خطيرة، وربما اعتراضات قاضية عليها. وهكذا يبدو أننا مرغمون على الانتقال إلى القطب المضاد، بحيث نجعل مقر القيمة الجمالية الآن في التجربة التي نحس بها، ولكن هذا يؤدي إلى جعل التقدير أصعب بكثير؛ إذ إن هناك عددًا كبيرًا من التفسيرات والأحكام، وما لم يكن في استطاعتنا إثبات أن بعض هذه التفسيرات والأحكام «أصدق» أو «أصح» من بعضها الآخر، فقد نضطر إلى التخلي كلية عن اعتقاداتنا المرتكزة على الموقف الطبيعي.
هذا هو «ديالكتيك» نظرية التقدير الجمالي، أي حركة الأفكار فيها. ففي خلال محاولتنا تعليل شواهد معينة، تظهر في أفكارنا أخطاء (مثل غموض «الحدس») أو نخفق في تعليل شواهد أخرى (مثل انهيار قوانين النحت التقليدي). وإذن فلا بد أن تستمر الحركة الديالكتيكية؛ فهي أشبه بجدل يدور بين نظريات متعارضة وما زالت أمامنا نظريات أخرى ينبغي مناقشتها ولو شاء الطالب أن يفهم ما الذي نفعله عندما نحكم على عمل فني، لكان عليه أن يحاول فهم كل من هذه النظريات. وعليه هو وحده أن يقرر بنفسه، في نهاية هذا الفصل، ما هي النظرية التي سيقبلها ويجعل منها نظريته الخاصة، ولكن لن يكون له حق اختيار أية نظرية إلا إذا استطاع تقدير نواحي القوة والضعف في النظريات جميعًا.
•••
(٢) وهناك صيغة أخرى للنظرية الموضوعية. هذه الصيغة تذهب، على خلاف النظريتين «أ» و«ب»، إلى أن «القيمة الجمالية»، يمكن تعريفها؛ ففي استطاعتنا أن نقول عن الجمال أكثر من مجرد أنك «ستعرفه عندما تراه»، بل إننا نستطيع أن نحدده ما هو الجمال، فلما كان قابلًا لأن يلاحظ بطريقة مشتركة بين الناس، فإنا لسنا مضطرين إلى استخدام الحدس، بل إن الحكم «س جميل» يمكن إثبات صحته إذا كانت «س» تتصف بصفة الجمال. ومن هنا فإن من الممكن البت في الخلافات التي تدور حول الفن.
فإذا صحت هذه النظرية، كانت تقدم أكثر الأسس الممكنة موضوعية للتقدير الجمالي. وقد أشرت منذ قليل إلى أن نظريات التقدير تتأرجح ما بين القطب «الموضوعي»، أي سمات العمل الفني، والقطب «الذاتي»، أي الاستجابات الجمالية للجمهور، والنظرية التي نحن بصددها الآن تقترب كثيرًا من القطب الموضوعي. وهكذا فهي تتجنب الخوض في الوقائع المعقدة المتعلقة بالاستجابة الجمالية، أي تفاوتها من شخص لآخر، و«ذاتيتها» … إلخ. فلما كان في استطاعتنا أن نعرف القيمة الجمالية، وبالتالي أن نصفها، في وسع أي شخص أن يتعرف عليها.
وأوضح طريقة لتجنب الاستجابة الجمالية هي أن الجمال يمكن أن يعرف دون أن تكون هناك تجربة جمالية على الإطلاق؛ فإدراك الجمال لا يقتضي موقفًا إدراكيًّا غير عادي، كما أننا لسنا مضطرين إلى أن نشعر باللذة أو السورة الانفعالية، بل إن القيمة الجمالية يمكن أن تُدرَك بالاختبار المنزه للعمل فحسب. ومن الممكن أن تعرف هذه القيمة بنفس الطريقة التي نعرف بها أن هذه التفاحة تفاحة جيدة … في نوعها؛ فلسنا مضطرين عندئذٍ إلى أن نحب التفاحة أو نرغب في أكلها. ومع ذلك ففي استطاعتنا أن نتفق جميعًا على معايير التفاحة الجيدة — كنعومة الملمس، والتماسك … إلخ — ونستطيع بالتالي أن نتفق على جودة هذه التفاحة أو رداءتها. وهكذا تصبح النظرية التعريفية نوع من «تقدير الدرجات».
•••
هذه هي الموضوعية الكاملة في التقدير، ومع ذلك فكلما انتقلت نظرية إلى طرف ديالكتيكي، واجهت تحديًا من الطرف الآخر. فلنفرض أننا نختبر بالفعل بناء العمل ونعطيه درجات معينة، فما شأن ذلك مما يحسه الناس فعلًا في التجربة الجمالية؟
هل يمكن أن يحرز عمل معين درجات عالية، حسب معايير التقدير، ويكون مع ذلك مملًّا أو سقيمًا؟ من المؤكد أن هذا ممكن منطقيًّا؛ ذلك لأن «الجمال»، تبعًا لهذه النظرية، لا يشير إلى صفات العمل عندما يدرك جماليًّا، بل إن التباين التام بين ارتفاع درجات عمل ما، وبين أهميته الجمالية، هو أكثر من مجرد إمكان منطقي؛ إذ إنه أمر كثير الحدوث في تاريخ النقد، فعندما يصبح لأسلوب فني معين تراث قديم العهد، فإن سماته المميزة تصبح أساسًا لتعريف الجمال، وتنتج أعمالًا فنية كثيرة تحاول محاكاة هذه النماذج، ولكن نظرًا إلى أن هذه الأعمال كانت محاكية تفتقر إلى الأصالة، فقد كانت مملة لا حياة فيها. فهي لا تثير اهتمامًا جماليًّا، ولا حتى لدى واضعي الدرجات، غير أن واضعي الدرجات كانوا يتجاهلون ذلك، ما دامت القيمة الجمالية في نظرهم لا شأن لها بالتجربة الجمالية.
على أن من المؤكد أن عدم اتفاق الدرجات العالية مع الأهمية الجمالية في كل الأحوال لا يؤدي إلى تفنيد النظرية رقم ٢ التي نحن بصددها الآن؛ فسيظل في استطاعة القائلين بهذه النظرية أن يؤكدوا أن الجمال «هناك» في العمل على نحو يمكن التعرف عليه، مهما كان إحساس الناس، ولكن هذه الحجة، كما رأينا من قبل، تعريفية فحسب، وما هي إلا طريقة أخرى لقولنا إن «الجمال» قد عُرِف دون أية إشارة إلى التجربة الجمالية، ولكن من ينتقد النظرية (٢) لا يريد أن يسمع تكرارًا للتعريف؛ ذلك لأن ما يتحداه إنما هو فائدة هذا التعريف ذاته، إذ ما فائدة الكلام عن جمال الموضوع، في نظره، إن لم يكن هذا الكلام ينطوي على تفسير لما يحس به الناس في التجربة الجمالية، ويؤدي بنا إلى جعل الآخرين يستمتعون بما لم يستمتعوا به من قبل؟ إن الجمال، تبعًا للنظرية التعريفية، شيء موضوعي بارد، يمكن معرفته آليًّا، وليس هذا هو ما يهمنا عندما نُقدِّر الفن وننقده.
•••
والواقع أن جود، حين يدلي بهذه الاعترافات، إنما يبدي من الأمانة قدرة يفوق ما يبديه كثير من الأنصار التقليديين للنظرية الموضوعية، الذين لم يواجه بعضهم مشكلة كيفية معرفتنا الجمال، وحاول بعضهم الآخر المراوغة منها، ومع ذلك فإن أمانة جود ذاتها هي التي تؤدي إلى خسارته للجولة، فلن يفيد المرء في شيء أن يقول إن الجمال إما أنه هناك أو ليس هناك، وأن حكمًا معينًا هو بالتالي أصح من حكم آخر، ما لم تكن هناك طرق واضحة للمفاضلة بينهما بصورة واعية، وما لم يكن في استطاعة النظرية التمييز بين المعرفة الصحيحة للجمال وبين الخطأ والخداع، فلن تصلح أساسًا للتقدير والنقد. ويشبه جود جمال العمل بحرارة غرفة، لأن وجود كل منهما لا يتأثر بالتخمينات التي يصدرها الناس بشأنها، ولكن من الواضح بالطبع أن التشبيه غير سليم. فنحن نستطيع أن نعرف أي التخمينات عن الحرارة هو الصحيح؛ إذ إن لدينا مقاييس للحرارة، ولكن جود نفسه يعترف بأننا لا نملك مقاييس كهذه لتحديد القيمة الجمالية.
فإذا ما وضعنا نظرية جود إلى جانب نظرية «إعطاء الدرجات»، ظهرت هذه المفارقة المؤسفة: إن ما نستطيع معرفته، أي السمات الشكلية والموضوعية تمامًا للعمل لا يتعين أن تكون لها أية صلة بما نحن مهتمون به، أي بالتجربة الجمالية والتقدير المبني عليها؛ وما لا نستطيع أن نعرفه هو ما يهمنا إلى أقصى حد، ألا وهو العلاقة بين الجمال الموضوعي والاستمتاع الإستطيقي، وإذن فليس أمامنا إلا التقدير الآلي للدرجات — وهو شيء لا جدوى منه — أو أن نقول إن الجمال يبعث فينا بالفعل متعة إستطيقية، ولكنا لا نستطيع أبدًا أن نتأكد من أن الجمال موجود بالفعل في العمل، ومن ثم فإنا لا نملك سبيلًا إلى معرفة أي المدركين هم الذين يستجيبون بالفعل للجمال وأيهم لا يستجيبون له.
•••
كانت المهمة التي قمنا بها حتى الآن هي الكشف عن المضامين التي تنطوي عليها النظرية التعريفية؛ أي أن البدء بتعريف «للقيمة الجمالية» يستتبع نتائج معينة عملنا على الكشف عنها. غير أن هناك نقد أهم للنظرية، هو تحدي نفس محاولة تقديم تعريف «للجمال»، فهل يمكننا أن نعرف القيمة الجمالية بأية سمة معينة أو مجموعة من السمات، كما تحاول النظرية التعريفية أن تفعل؟
هناك من الأسباب ما يدعو إلى الاعتقاد بأننا لا نستطيع الإتيان بمثل هذا التعريف.
ذلك أولًا لأن الأعمال الفنية مختلفة بعضها عن البعض أشد الاختلاف. أضف إلى ذلك تباين الوسائط الفنية والبناءات الشكلية التي يمكن إيجادها داخلها، ثم تأمل التفاوت الهائل بين الأساليب والمناهج في تاريخ الفن، فهل يحق لنا أن نتوقع الاهتداء إلى أية خصائص مشتركة بين جميع الموضوعات ذات القيمة الجمالية، وبينها وحدها؟ ليس هذا بالأمر المحتمل. وإن عجز التعريفات التقليدية عن أن تلقى أكثر من قبول جزئي، وانهيارها في كثير من الأحيان، لهو قرينة قوية على عدم إمكان نجاح أي تعريف.
وما لم يقصُر صاحب النظرية التعريفية القيمة الجمالية على مجال محدد للفن، فلا مفر له من أن يحاول أن يأخذ في اعتباره التباين الهائل بين الأعمال الفنية، لذلك فإنه سيضطر إلى تعريف «القيمة الجمالية» من خلال فكرة معينة شديدة التجريد، كالوحدة، أو «الانسجام»، ولكن «الوحدة» أو «الانسجام» أقرب إلى أن تكون مرادفًا للقيمة منها إلى أن تكون تعريفًا لها، وهي لا تنبئنا ما هو الجمال، ولا تحدد السمات التي تؤلفه، وإنما هي لفظ يعبر عن تقدير إيجابي، شأنه شأن القول إن العمل «جيد».
على أن هناك شيئًا آخر في المعنى الشائع «الجمال» لا يستطيع أي تعريف موضوعي صرف أن يقدم تفسيرًا له؛ فكثيرًا ما يستخدم لفظ «الجميل»، مثلما يستخدم لفظ «السار» أو «المدهش»، للإشارة إلى استجابة المشاهد. وفي هذه الحالة لا يكون مثل لفظ «تماثلي» أو «قصيدة لبتراركه»، وهي تعبيرات لا تدل على الاستجابة التي نشعر بها بل إن بعض الفلاسفة يذهبون إلى أن الشيء الوحيد الذي تشترك فيه الموضوعات الجميلة هو أن الناس يشعرون بالبهجة أو الاستمتاع عندما يدركونها. وعند هذه النقطة يتم التخلي تمامًا عن المفهوم الموضوعي للقيمة.
•••
فهل ينبغي إذن أن نتخلى عن هذه المعتقدات تمامًا؟ إن هذا بعينه هو ما تقترحه النظرية الرئيسية التالية.
(٢) النظرية الذاتية
•••
وهذه الفكرة هي محور النظرية الذاتية؛ فعندما نقول إن موضوعًا معينًا له قيمة جمالية، فإننا نصف مشاعرنا، ونحن لا نشير عندئذٍ إلى سمات موضوعية، كما هي الحال في مختلف صيغ النظرية الموضوعية، ومن هنا فإن دوكاس يستطيع ببساطة أن يتخلص من المشكلات المعقدة التي تقع فيها النظرية الموضوعية؛ فهو ليس مضطرًّا إلى أن يقرر إن كان «الجمال»، الذي يدل على سمة موضوعية، قابلًا للتعريف، أو إلى أن يحدد أي السمات هي التي تكون الجمال، إن كان الجمال قابلًا للتعريف؛ فمشكلة الطريقة التي يمكننا أن نعرف بها إن كان حكم القيمة صادقًا، يمكن أن تُحل بسهولة:
وإذن، فأنا إما أن أشعر بالاستمتاع وإما ألا أشعر به، والحكم يصف مشاعري، وأنا وحدي الذي أعرف ما هي هذه المشاعر، ومن هنا فإنني «الحكم النهائي المعصوم من الخطأ».
وقد يسلم القارئ بهذه الحقيقة التي هي على أية حال حقيقة واضحة — القائلة إن الأحكام تتباين من شخص إلى آخر، بل تتباين في الشخص الواحد خلال أوقات مختلفة. ومع ذلك، فلو كان لديك أبسط ميل إلى النظرية الموضوعية، فقد ترغب في الوقوف موقف المعارضة من دوكاس، وقد تقول إنه على الرغم من تأكيد الناس لأحكام مختلفة، فإن السؤال الحقيقي يظل قائمًا: «ولكن هل العمل جميل بحق؟»
ولكن، أليس بعض الناس أكثر حساسية وأقدر على التذوق الجمالي من بعضهم الآخر؟ يجيب دوكاس عن هذا السؤال بقوله:
•••
ومع ذلك فإذا لم يكن من الممكن تفنيد النظرية بالمعنى السابق، فسيظل من الممكن نقدها. فلنسلم بأن دوكاس متسق مع ذاته منطقيًّا. غير أن نظرية التقدير الجمالي ليست نسقًا شكليًّا استنباطيًّا، كالنسق الرياضي، بل إن الاتساق المنطقي ليس هو المعيار الوحيد … فالمقصود من أية نظرية في التقدير أن تفسر أوجه النشاط التي نقوم بها باسم الحكم والنقد، وهي مسئولة عن تفسير وقائع تجربتنا، وهدفي هو أن أبين أن النظرية الذاتية تبالغ في أهمية بعض الوقائع وتتجاهل أهمية بعضها الآخر، أي إن النظرية منحازة إلى جانب واحد، وأنها أضيق مما ينبغي.
•••
فلنبدأ بالاعتراف بأن المدرك هو «الحَكم النهائي المعصوم من الخطأ» في مسألة ما إذا كان قد شعر بمتعة (وإن كان هناك فلاسفة يرغبون في تحدي الرأي الذي يمثله دوكاس حتى في هذه النقطة، إذ يتساءلون: هل نحن دائمًا واثقون من أننا أحسسنا بمتعة؟ ألا يجوز أن التجربة الجمالية مزيج من المشاعر بلغ من الخفاء والتعقيد حدًّا لا نستطيع معه أن نكون على ثقة تامة من أننا «استمتعنا به حقًّا»؟ غير أن أمامنا مشكلات أضخم وأهم، وعلى ذلك فسوف نكتفي بترك هذه المشكلة جانبًا). فليست لديَّ فرصة لتحدي «عصمة» هذا الحكم من الخطأ، وليس ذلك راجعًا إلى أننا لا نستطيع أن نفعل ذلك؛ إذ إن المدرك هو وحده الذي يعلم ماذا كانت مشاعره، وإنما هو يرجع إلى أن مشاعره ليست أهم ما نريد التوصل إليه عندما نقدر الفن؛ فوصفه لمشاعره، على النحو الذي يقدمه إلينا، ليس إلا «واقعة مجردة»، فحسب. وما لم يكن صديقًا حميمًا لنا، فإنا لا نهتم كثيرًا بكونه أحس بمتعة أو بعدم المتعة.
إن وصف المشاهد لهذه المشاعر التي تكون جزءًا من حياته الخاصة ليس إلا نقطة بداية. ونحن نود أن نتجاوز نقطة البداية هذه، فلماذا شعر بالاستمتاع أو عدم الاستمتاع؟
وبعد ذلك نود أن نصل إلى وقائع كهذه الواقعة. أورد رتشاردز في كتابه «النقد العلمي»، الذي اقتبست منه من قبل، استجابات عدد من الطلاب لقصيدة تبدأ بالبيتين:
ومن الملاحَظ أن كلًّا من هؤلاء الطلاب كان يشعر باستمتاع أو بعدم استمتاع، ولكن هذه حقيقة ليست لها أهمية كبيرة، والمهم في الأمر هو: هل قراءتهم توفي ما في القصيدة حقه؟ وهل تجربتهم علامة يعتمد عليها، بالنسبة إلى قيمة القصيدة؟ وهل نحن على استعداد لقبول تقديراتهم؟
وها هو ذا مثل آخر لقصيدة تبدأ فقرتها الأولى بالأبيات:
ولم يكن السبب الذي أشرت فيه إلى هؤلاء الطلاب هو أن أشعر أنا وتشعر أنت بالتعالي نحو أولئك الذين يقرءون القصائد بمثل هذه الطريقة السيئة، فلا جدال في أننا جميعًا قد ارتكبنا، وقتًا ما، خطأ قراءة سيئة كانت تساوي هذه في طيشها على الأقل. بل إن ما أوردته هو أن آتي بالدليل الذي يصل منه رتشاردز إلى استنتاجه القائل إن بعض الأحكام «أقل إلزامًا» من غيرها، وأبين أن في استطاعتنا تقديم أسباب لقولنا هذا. والواقع أن لفظ «ملزم» الذي استخدمه رتشاردز هو بعينه الذي استخدمه دوكاس عندما أنكر أن أي حكم يمكن أن يكون أكثر «إلزامًا» من أي حكم آخر، ولو عممنا استنتاج رتشاردز بحيث يمتد إلى تقدير جميع الفنون، لوصلنا إلى رأي مضاد لرأي دوكاس.
وليست هذه إلا بعض الطرق التي يمكن أن يخطئ بها القارئ؛ فقد يُقبل على العمل «بطريقة غير متعاطفة» لأنه «ملكي مخلص» أو لأي سبب من الأسباب العديدة الأخرى، وقد تكون معرفته بالعمل أقل وثوقًا من أن تسمح له بفهم «مقصده العام»، وقد يكون البناء الشكلي أعقد أو أعمق من أن يسمح له بفهمه، وقد لا تتوافر له المعرفة اللازمة لفهم الرمزية التي ينطوي عليها العمل.
في كل هذه الحالات نستطيع أن نثبت أنه أخطأ، وكيف أنه أخطأ. ونحن في هذه الحالة لا نحمل على إدراكه للعمل بدافع الجمود في الرأي أو الحذلقة، بل إننا ندلل على موقفنا بالتنبيه إلى سمات موضوعية للعمل يمكن أن يلاحظها الجميع، وقد لا يزيد هذا التدليل عن أن يكون مجرد إشارة إلى أن لفظ «ملك» ليس مكتوبًا بحرف كبير في الإنجليزية، وإلى أن القصيدة تتحدث عن «ملك قلوبنا جميعًا» لا عن «ملك إنجلترا»، ولكنا رأينا أن القراءة الكاملة للقصيدة يمكن أن تتوقف على أمور بسيطة كهذه، وبطبيعة الحال فإن تحليل العمل ينبغي بالطبع أن يكون أعقد وأكثر تفصيلًا بكثير. وعلى أية حال ففي استطاعتنا أن نثبت أن بعض التفسيرات التي تقدم لعمل فني معين مشوهة، أو لا ترتبط بالعمل أو قصيرة النظر، وعندئذٍ لا تكون أحكام القيم المبنية على هذه التجارب أحكامًا يُعتَد بها فيما يتعلق بجودة العمل أو رداءته.
ومن الملاحظ أن أية تجربة يمر بها الإنسان لا بد أن تكون لها أسباب، فمهما كانت سذاجة التجربة الجمالية وسطحيتها، فإن من الممكن تفسيرها سببيًّا، أي تقديم أسباب مثل سوء القراءة، والافتقار إلى المعرفة الوثيقة بالموضوع وانشغال المرء بذاته … إلخ؛ «فالسبب» مقولة واسعة مختلطة. أما «المبررات» فهي أكثر تحدُّدًا بكثير، وبالمثل نجد في الأخلاق أن هناك أسبابًا لجميع الأفعال، ولكنا لا نجد مبررات إلا لتلك التي يوجد ما يبررها أخلاقيًّا. فنحن نسأل الشخص الذي ارتكب عملًا يتسم بالقسوة بلا داعٍ: «لم فعلت ذلك»؟ فيجيب «لأني غاضب». هذا هو سبب سلوكه، ولكنا في هذه الحالة نرد عليه قائلين وليس في هذا ما يبرر سلوكك على هذا النحو.
فلنتأمل حالة القارئ الذي يسيء فهم كلمات القصيدة، وبالتالي ينظر إلى القضية على أنها تقول شيئًا يختلف تمامًا عما تقوله بالفعل، ثم يشعر بعدم استمتاع جمالي. هذا القارئ يحاول الدفاع عن حكمه بالقول إن للقصيدة سمات كذا وكذا، وهي السمات التي يعزوها إليها خطأً، والتي تؤدي إلى عدم استمتاعه، ولكنه عندئذٍ لا يصف إلا أسباب حكمه السلبي؛ إذ إن الإشارة إلى هذه السمات ليست مبررًا للحكم السلبي، لأن هذه السمات ليست سمات أصيلة في العمل، إن القائم بالحكم يصف في هذه الحالة ذلك الشيء الذي لا يميل إليه، كما يقول دوكاس، وهو يذكر لنا سبب التجربة التي مر بها، ولكنه لا يبرر حكمه على العمل.
إن بداية كل شيء ونهايته، في نظر دوكاس، هي ما يشعر به كل شخص، ولكن هذا غير كافٍ، كما يقول سانتيانا:
وتكون الأحكام مفتقرة إلى «الملاءمة»، عندما يكون العمل قد أسيء تفسيره، أو يكون المدرك غير متعاطف جماليًّا. ولا تكتسب هذه الأحكام «ملاءمة» إلا عندما يستطيع من يصدرها أن يثبت أنه قد أدرك ما هو موجود في العمل بحق، واستجاب له.
«كلما توسعت في قراءة جويس اضطررت إلى الاعتراف بعبقريته. إني لا أستطيع أبدًا أن أتذوقه، بل إني لأتصور أنه ليس عليَّ أن أحاول ذلك أبدًا. غير أني عندما أقرؤه أزداد تواضعًا.»
وأود الآن أن أصوغ هذا النقد الموجه إلى دوكاس على النحو الآتي: من حقائق التقدير الجمالي أننا نستطيع أن نقول — ونقول بالفعل — «س عمل جيد، ولكني لا أميل إليه»، ويكون لقولنا هذا معنًى، بل إني أود أن أضيف إلى ذلك أن من سمات الناقد الجيد أنه يستطيع أن يقول ذلك؛ إذ إنه يدرك عندئذٍ التمييز بين الشعور التلقائي والحكم المرتكز على مبررات. أما في نظرية دوكاس فنحن لا نستطيع أن نقول ذلك بطريقة لها معناها، ما دام القول إن «س عمل جيد» لا يعني أكثر ولا أقل من «أني أحبه».
ومع ذلك، فإن دوكاس يظل يدافع عن الشخص غير المتخصص، فيقول:
ولكن، ما الذي تثبته هذه «الشتائم»؟ إن دوكاس ذاته يعترف بتلك الحقيقة التي لا سبيل إلى الشك فيها، وهي أن بعض المدركين أكثر وعيًا من بعضهم الآخر وإذن فبعض الآراء التي تقال عن قيمة العمل الفني أفضل من بعضها الآخر، وهذا ما يمكن إثباته بتحليل السمات الموضوعية للعمل، وعلى الرغم من هذا كله، فإن الرجل غير المتخصص يظل يتمسك بآرائه المحدودة الأفق، التي لا ترتكز على فهم عميق، ويوجه إلى الشخص الحساس «شتائم»، فما الذي يثبته هذا سوى أن «المسألة فوضى»، كما يقول التعبير الشائع؟
(٣) النسبية الموضوعية
لقد انتقلت حركة الديالكتيك بين القطبين الموضوعي والذاتي للتقدير.
فإذا ما سرت إلى آخر الشوط نحو القطب الموضوعي، وحاولت أن تحكم على العمل «في ذاته»، كنت تتجاهل التجربة الجمالية تمامًا. وفي استطاعتك عندئذٍ، بتطبيق معايير معينة للقيمة، أن تصدر أحكامًا «صحيحة» عن العمل، ولكن هذا لا يعدو أن يكون «إعطاء للدرجات» بطريقة آلية. وكثيرًا ما يكون أمرًا واهي الصلة بما يشعر به الناس فعلًا خلال التأمل الجمالي. أما إذا أهاب صاحب النظرية الموضوعية بالتجربة لتأييد الحكم، فإنه عندئذٍ يرى أن هناك حدسًا واحدًا بالعمل هو وحده «الصحيح»، أو ينتهي به الأمر، مثل جود، إلى موقف الشك.
وكما رأينا من قبل، فإن هذا الرأي يواجه صعوبات نظرية كبيرة. ومن هنا فإن الخطوة التالية في الحركة الديالكتيكية هي الانتقال إلى القطب السلبي؛ فكل شيء يتوقف على ما يشعر به الناس فعلًا خلال التجربة الجمالية، بل إن هذا هو كل ما في التقدير — أعني كونه وصفًا لما نميل إليه أو لا نميل إليه. غير أن جميع أحكام القيم تبعًا للنظرية الذاتية لها نفس الوزن، ولا يستطيع المرء تقديم مبررات تؤيد حكمًا ما، أما «الذوق السليم» فإنه يصبح مجرد تفضيل ذاتي أو حذلقة اجتماعية.
وقد ترى، بعد أن تدرس النظرية النسبية، أن هذه النظرية تنجو من هذا المصير، ولكن حتى لو كان الأمر كذلك، فإن أية نظرية تحاول التوسط بين الأضداد الفلسفية المتطرفة تتعرض لخطر ألا تصبح «موقفًا متميزًا». وكثيرًا ما تكون مثل هذه النظرية غير مستقرة في تركيبها الباطن؛ فهي تبدو متأرجحة بين طرف وآخر، وتتحرك إلى أحد القطبين عندما تحاول مواجهة صعوبة من نوع ما، ثم تتحرك إلى القطب الآخر عندما تحاول مواجهة مشكلة من نوع آخر، والواقع أنك، أثناء قراءتك هذا الجزء، قد تجد نفسك تقول مرة: «أليست النسبية هي ذاتها النظرية الموضوعية تحت اسم آخر؟» على حين تقول مرة أخرى «أليست هذه نوعًا غير ظاهر من النظرية الذاتية؟»
وفضلًا عن ذلك فإن النسبية، شأنها شأن معظم المواقف الفلسفية الوسطى، أعقد من النظريات الأسبق منها؛ فهي تحاول أن تكون أكثر تحررًا وشمولًا من النظريتين الموضوعية والذاتية معًا، وهما النظريتان اللتان تعدهما أضيق مما ينبغي؛ فالنظريتان الأخريان «تسلكان الطريق السهل». وهما تفرطان في تبسيط التقدير، إذ تجعله النظرية الموضوعية مجرد «إعطاء للدرجات» أو حدس، على حين أن النظرية الذاتية تجعله مجرد ما يشعر به أي شخص، أما النسبية فلديها جهاز معقد من المفاهيم. ويذهب صاحب هذه النظرية إلى أننا نحتاج إلى كل هذه المفاهيم، لكي نوفي وقائع التقدير والنقد حقها.
•••
تبدأ النسبية الموضوعية من حيث تبدأ النظرية الموضوعية، أي بالاعتقاد السائد في موقفنا الطبيعي، بأن حكم القيمة يشير إلى الموضوع، لا إلى المتحدث، ولكن النسبي يعتقد، كصاحب النظرية الذاتية، أن القيمة ليست «مطلقة» أبدًا، أي أنه يؤمن بارتباطها بالتجربة البشرية، وإذن، فعلى الرغم من أننا نعزو القيمة إلى العمل فإننا لا نستطيع اختبار الحكم عن طريق الاختبار الموضوعي للعمل فحسب، وإذن فالنسبي يهيب بالاستجابة الجمالية، أي أنه يتساءل: هل يحب الناس بالفعل ذلك العمل الذي يقال عنه إنه «جيد»؟ ولكنه يود أن يتخلص من «فوضى» النزعة الذاتية، فهو يريد أن يتمكن من إثبات أن بعض التجارب أهم من بعضها الآخر في الحكم على العمل، وأن هناك فارقًا حقيقيًّا بين «الذوق السليم» و«الذوق الرديء».
وفي هذا الصدد، تكون النظرية النسبية قريبة من النظرية الموضوعية، فهناك موضوع ثابت له سمات دائمة، وهذه السمات يمكن اختبارها ومعرفتها على نحو مشترك بين الناس، وعلى ذلك فإن لنا الحق في أن نقول عن الطلاب الذين تحدث عنهم رتشاردز في كتابه «النقد العملي» أنهم «أساءوا تفسير» «العمل» أو «أساءوا فهمه».
ومع ذلك فإن الدليل الوحيد على أن العمل ينطوي على إمكان القيمة هو أنه يحدث بالفعل متعة يشعر بها شخص ما في تجربته الجمالية، أو على حد تعبير ليويس، فإن الدليل الوحيد على «القيمة الكامنة» هو «القيمة الباطنة»، ولكن لنفرض أن نفس العمل يحدث استجابات مختلفة في أناس مختلفين، وهو أمر صحيح قطعًا، فهل تتصف تجربة كل مدرك بنفس الأهمية في قدرتها على تحديد قيمة العمل؟ إذا كان العمل «س» يُحدث لذة في «أ»، ولكنه لا يُحدث لذة في «ب»، فهل هو يتصف «بقيمة كامنة»؟ وما الدليل — إنْ كان ثمة دليل — على أن العمل لديه «إمكان» توليد قيمة؟ وما الذي يمنعنا من أن ننتهي إلى أنه «لا مشاحة في الأذواق»؟
- (١) هناك أولًا الوصف الشخصي الذي يصف به المتحدث مشاعره خلال التجربة الجمالية، مثل: لقد أحببت هذا … ذلك بالطبع هو الحكم الذي يحتل موقعًا مركزيًّا في نظرية دوكاس، وهو يرى، مثل دوكاس، أن المتحدث لا يمكن أن يكون مخطئًا في إصداره لحكمه (ما لم يخطئ في استخدام الألفاظ التي يصف بها مشاعره).٧٦ ولكن على حين أن دوكاس يقصر تقديره على هذا الوصف للمشاعر، فإن ليويس ينبهنا إلى:
- (٢) نوع آخر من الحكم، هو «أهم أنواع التقدير وأكثرها شيوعًا».٧٧ ذلك هو الحكم الذي يعزو قيمة إلى الموضوع؛ فهو لا يقول «أنا أحب هذا.» بل يقول «إنه جميل.» ولما كان الجمال قدرة على إثارة تجربة القيمة الباطنة، فإن هذا الحكم يقوم بتنبؤ تجريبي؛ فهو يتنبأ بأنه إذا أدرك مشاهدون آخرون العمل إدراكًا جماليًّا، فعندئذٍ سيشعرون بمتعة جمالية، هذا التنبؤ، شأنه شأن أي تنبؤ تجريبي آخر، يمكن أن يتضح أنه خطأ، ومن هنا فإنه، على خلاف الوصف الشخصي (رقم ١)، ليس معصومًا من الخطأ. ويطلق ليويس على هذا الحكم اسم «غير المنتهي non-terminating»٧٨ ما دام لا يوجد حد لعدد التجارب التي يمكن أن تحققه؛ فمن الممكن أن تؤيده شواهد هائلة العدد، كما هي الحال عندما يتحقق التنبؤ في تجربة عدد كبير من المشاهدين، ولكن الحكم لا يصل أبدًا إلى اليقين، فسيظل من الممكن دائمًا أن تكذبه شواهد أخرى.
وهنا يفترق طريقَا النظرية النسبية والنظرية الموضوعية؛ فمعظم القائلين بالنظرية الموضوعية (ولكن ليس كلهم، بدليل ما يقوله فيفاس مثلًا) يذهبون إلى أن حكم القيمة يقيني؛ فحقيقته يمكن أن تعرف على نوع قاطع بالحدس أو «إعطاء الدرجات». أما إذا لم يكن صاحب النظرية الموضوعية يؤمن بالإمكان الوصول إلى اليقين، فإنه يتشبث به بوصفه مثلًا أعلى. أما ليويس فيجعل عملية اختبار الحكم عملية مفتوحة الطرف على الدوام؛ فاليقين ليس ممكنًا نظريًّا ولا عمليًّا، والحكم الجمالي، شأنه شأن كل معرفة تجريبية، لا يزيد عن كونه احتماليًّا فحسب.
•••
وعلى حين أن ليويس يقلل من أهمية هذه الحقيقة الهامة في مجال النقد الفني، فإن هيل يؤكدها، وهو يحاول أن يفسح لها مكانًا في نظرية النسبية.
غير أن هيل، على خلاف أنصار النظرية الذاتية، لا يرى أن جميع الأحكام متساوية في صحتها؛ فهو، مثل ليويس، لا يعتقد أن مجرد الميل أو عدم الميل كافٍ للتقدير، بل لا بد أن يضاف إلى ذلك تحليل متعمق للعمل وتفكير فيه، وهناك أفراد معينون هم وحدهم الذين يمكنهم أن يصدروا أحكامًا موثوقة منها عن العمل الفني.
•••
إن النظرية النسبية تحاول الخروج من الطريق المسدود الذي تنتهي إليه النظرية الموضوعية، والتخلص من «فوضى» النظرية الذاتية. فالقائل بهذه النظرية يؤمن بأن نظريته مستقرة متوازنة، تربط بين القيمة والتقدير وبين ما يمر بتجربة الناس الفعلية في لحظاتهم الجمالية، ومع ذلك فإنها تحاول الاحتفاظ بالاعتقاد السائد في الموقف الطبيعي، وهو أن بعض من يصدرون الأحكام يتحدثون بسلطة أعظم من سلطة البعض الآخر.
وتظهر قوة النظرية النسبية بوضوح في معالجتها للاختلاف حول القيم؛ ذلك لأنها لا تحاول أن تتجاهل أو تخفي تلك الحقيقة المعروفة، القائلة إن الأشخاص المختلفين والأعمار المختلفة تكون لهم أحكام متباينة على العمل الواحد، بل إن القائل بالنظرية النسبية «يقبل» هذه الحقيقة، كما يقول هيل، غير أنه يحاول أن يجعل الاختلاف أمرًا معقولًا ومفهومًا؛ فالتعريف الأساسي «للقيمة الجمالية» يؤكد أهمية المشاهد، ولما كانت هناك فوارق في التدريب، والتكوين الثقافي، وما إلى ذلك، بين مختلف المشاهدين، فلا بد أن يقدموا للعمل الواحد تفسيرات مختلفة، فهم «يهيئون» أنفسهم للاستجابة بطرق متباينة، وهكذا ينصبُّ الاهتمام في العمل على مواضع مختلفة، وتكون للرموز معانٍ مختلفة، تبعًا لنوع التفسير، وقد لا يكون للعمل أي معنًى رمزي على الإطلاق في بعض التفسيرات، وهكذا دواليك.
وإذن فهناك قدر كبير مما يبدو «اختلافًا» ليس في حقيقة الأمر اختلافًا على الإطلاق؛ فكثيرًا ما تتباين التفسيرات إلى حد أن الأحكام التي تصدر تكون منصبة على أعمال مختلفة بالمعنى الصحيح، أو قد يوجه الانتباه إلى جوانب مختلفة في العمل؛ فالنظرية النسبية تدفعنا دائمًا إلى تجاوز التصريح اللفظي البحت «س جميل» أو «س ليس جميلًا»، بل إن من واجب الناقد أن يعمل دائمًا على إيضاح تفسيره للعمل، وبالتالي معاييره في التقدير.
ويكون التفسير مشروعًا عندما يكون منصبًّا على ما ينتمي حقيقة إلى العمل، ومن الواجب أن يكون محكم الترابط، وألا يتجاهل السمات البارزة للعمل: كما يجب أن يكون متعاطفًا مع الغرض الجمالي للعمل. ولو استطاع الهاوي غير المدرب أن يعبر عن موقفه من العمل بالكلمات — وهو ما لا يستطيع أن يفعله دائمًا — لأدركنا لماذا لا تكون لحكمه سلطة؛ إذ يتضح أن قدرًا كبيرًا مما ينطوي عليه. العمل «يفوته»، وأنه أخفق في الوصول إلى دلالته الجمالية. وهكذا فإن الضحالة الانفعالية، والافتقار إلى المعرفة الوثيقة بالعمل، والجهل — كل هذه العوامل قد تؤدي بالهاوي إلى إصدار حكم يختلف عن حكم الشخص المدرب الحساس. غير أن الحكمين لا «يختلفان» إلا لفظيًّا، لأنهما «يريان»، أشياء مختلفة، وبالتالي يحكمان على أشياء مختلفة.
فعندما يكون الخلاف بين شخص ناقص المعلومات، مفتقرًا إلى القدرة على التمييز، وبين شخص خبير عميق الإدراك، يكون من الممكن إثبات أن الأول يصدر «بالفعل» أحكامًا من مرتبة أدنى. ولو كان أمينًا، لوجد لزامًا عليه أن يقول في كثير من الأحيان: «عجبًا! إني لم أرَ ذلك.» أو «إني في حاجة إلى وقت أطول لأعرف المزيد عن العمل». وهذه هي الطريقة التي تبدأ بها «تربية الذوق». أما عندما يقوم الخلاف بين شخصين تتشابه تجربتهما ودقة إحساسهما … إلخ، في عمومها، فإن تسوية الخلاف تصبح أمرًا أكثر تعقيدًا، فلا بد أولًا من إثبات أنهما يفسران العمل ويحكمان عليه بنفس الطريقة؛ فحتى في هذه الحالة، قد يكون الخلاف في حقيقته أقل مما يبدو لأول وهلة، وهنا أيضًا ينبغي الالتجاء إلى الشواهد التجريبية، فهل لاحظ «أ» هذا العنصر التفصيلي الذي يحدث فارقًا في الدلالة التعبيرية للعمل؟ وهل رأى «ب» كيف أن صورة معينة تتكرر هنا؟ إن تحليل العمل مهمة طويلة وشاقة. والأعمال الفنية شديدة الثراء والتعقيد. ولا شك أننا نخطئ لو اعتقدنا أن ثمة طريقًا سهلًا إلى البت في النزاع. غير أن هناك بالفعل سمات موضوعية في العمل، هي التي ينبغي الإهابة بها. ففي استطاعة «أ» أن يجعل «ب» «يرى ما لم يكن قد رآه من قبل»، كما أن في استطاعة «ب» أن يقوم بالأمر نفسه بالنسبة إلى «أ». وعلى هذا النحو يمكن أن يتلاقيا في أحكامهما، فمن الحقائق الواضحة بالنسبة إلى تجربتنا أن مواقفنا وأحكامنا يمكن أن تتغير بدراسة ما ينطوي عليه العمل.
ولكن ماذا نقول عن نوع «الاختلاف» الذي يقدم فيه «أ» و«ب» تفسيرات مختلفة للعمل؟ في هذه الحالة بدورها يمكن تضييق الشقة بين الاثنين. ففي بعض الحالات على الأقل يمكن الجمع بين التفسيرين في «قراءة» واحدة مترابطة للعمل، وعندئذٍ يكون هذا التفسير الجديد أكثر ثراء من التفسيرين الأصليين، ويكون مرتكزًا على عناصر أكثر في العمل نفسه، وهكذا فإن تذوق «موسيقى» قصيدة قد يزداد عمقًا عن طريق تذوق «حقيقة» القصيدة. أو قد يكون من الممكن «تطعيم» القيم التشكيلية للوحة معينة بقيم الموضوع الذي تصوره.
على أن ذلك لا يكون ممكنًا في كثير من الأحيان؛ فقد يختلف تفسيران أو أكثر، كل عن الآخر، إلى حد يستحيل معه الجمع بينهما في تجربة واحدة؛ فكل تفسير يقتضي «استعدادًا» إدراكيًّا معينًا نحو العمل، وهو يوجه الانتباه إلى بعض السمات في العمل، لا إلى بعضها الآخر؛ وهو يجد في العمل «روحًا» أو نغمة معينة. وفي كل هذه النواحي. قد يكون التفسيران متعارضَين مثل هذه التفسيرات تطالب المشاهد بأمور مختلفة كل الاختلاف، وتكشف عن قيم متباينة تمامًا في العمل.
والناقد الجيد هو ذلك الذي يوضح تفسيره، وبالتالي الأسباب التي تجعله يقدر العمل على النحو الذي يقدره عليه، ومع ذلك فإنه يحرص أيضًا على احترام التفسيرات الأخرى إذا كانت مبنية على معرفة، وإحساس مرهف، وكانت موحدة، وهذا يظهر أوضح ما يكون في النقد الموسيقي؛ إذ إن الناقد في هذه الحالة يحكم عادة على طرق معينة في أداء أعمال فنية، وعلى ذلك فهو يصادف كثرة من «القراءات»، وعليه أن يعترف بأن كلًّا من هذه القراءات قد يكون صحيحًا «على طريقته الخاصة»، وهكذا نجد ناقدًا موسيقيًّا معاصرًا مشهورًا يقول عن أداء عازف للبيانو:
وهكذا فإن النسبية الموضوعية تضيق، على أنحاء شتى، شقة الاختلاف حول القيم، وتبين كيف يمكن التغلب عليه. ومع ذلك فقد يظل هناك خلاف جذري في بعض الأحيان، بعد أن يكون التحليل النقدي وتقديم المبررات قد فعلا كل ما يمكنهما فعله، فقد يكون «أ» و«ب» متفقين على تفسير واحد للعمل، وقد تكون لهما نفس درجة المعرفة الوثيقة به … إلخ … إلخ، ومع ذلك يظل بينهما خلاف، إذ يقول «أ»: «ولكن ألا ترى كذا وكذا في العمل؟» فيرد «ب» قائلًا: «أجل، إني أراه، ولكني ما زلت لا أحبه» (وقد يقول هذه العبارة الأخيرة آسفًا، أو عن اقتناع).
والأرجح أن هذا النوع من الاختلاف أندر حدوثًا بكثير مما نعتقد؛ ففي أغلب الأحيان يتخذ الاختلاف تلك الصور التي ناقشناها الآن — أي أن يختلف الشخصان اللذان يصدران الحكم في رفاهة الحس ومقدار معرفة العمل، بحيث تكون لأحدهما معرفة تاريخية تفوق معرفة الآخر، أو يستخدمان تفسيرين مختلفين … إلخ، ومع هذا كله، فهناك فروق أساسية في المزاج والشخصية بين البشر، ولا بد أن يؤدي هذا أحيانًا إلى اختلافات لا يمكن التغلب عليها. فإذا كان «ب» «ما زال غير مبالٍ إليه»، ففي استطاعته أن يحترم حكم «أ» لأنه مبني على حقائق في العمل، ولأنه يستخدم معايير صحيحة في التقدير … إلخ، وكثيرًا ما يفهم «ب» تلك العوامل الداخلية التي يتصف بها، والتي تحول بينه وبين الاستمتاع بالعمل، فربما كانت لديه «نقطة ضعف» معينة، أو كان يتصف بعجز انفعالي، فإذا كان يعرف نفسه جيدًا، فسوف يعرف ذلك العجز، وإذا كان أمينًا، فسوف يعترف به؛ وإذا كان معقولًا، فسوف يقر بصحة حكم القيمة الذي لا يعبر عن مشاعره الخاصة، وإن كان يقدر قيمة العمل الفني بالفعل تقديرًا واعيًا له مبرراته القوية.
وإذن فليس مما له نتائج هدامة بالنسبة إلى التقدير الفني أن يكون الناس المختلفون متجاوبين مع أعمال فنية مختلفة، فليس هذا بالأمر الذي يؤدي بنا إلى فوضى في النقد؛ ذلك لأن قيمة العمل، في نظر النسبية الموضوعية، لا يتذوقها سوى أولئك الذين توافرت لهم الصفات اللازمة للإدراك، فلو كان «أ» لديه الصفات اللازمة لتذوق العمل «س»، و«ب» لديه الصفات اللازمة لتذوق «ص»، فإن هذا لا يؤدي إلى إثارة مشكلة نظرية خطيرة؛ ذلك لأن كلًّا من «أ» و«ب» يقدم تفسيرات سليمة للعمل الفني، وكل منهما يقدم مبررات لتقديره، ولا تثار المشكلة إلا إذا اعتقدنا أن علينا أن نقرر إن كان «أ» و«ب» هو «الصحيح». أما في نظرية النسبية الموضوعية فإن هذه، كما رأينا من قبل، مشكلة زائفة.
•••
طوال هذه المناقشة للاختلاف في الأحكام النقدية، كنت أطبق نظرية النسبية الموضوعية، وفي رأيي أن هذه النظرية تعالج وقائع الاختلاف على نحو أفضل مما تستطيع أن تعالجها به النظرية الموضوعية أو النظرية الذاتية؛ فهي تضع الاختلاف على أساس موضوعي، وتبين كيف يمكن التغلب على الاختلاف حيث يكون ذلك ممكنًا، وهي تبعث روحًا من التسامح والتواضع في النقد الفني، وهو مجال كان في أكثر الأحيان يفتقر إلى هاتين الفضيلتين.
ولكنني كنت طوال هذه المناقشة أفترض مقدَّمًا المفاهيم الأساسية للنظرية النسبية، فقد سلَّمت بتعريف المفكر النسبي «للقيمة الجمالية»، وبما يترتب عليه من نتائج، أعني تقديم المبررات، ومعنى «الناقد المؤهل أو الجدير بالاشتغال بالنقد»، غير أن مهمتنا الآن هي وضع هذه المفاهيم الأساسية بعينها موضع الاختبار؛ فخصوم النسبية يرون أن في هذه المفاهيم نقاط ضعف منطقية خطيرة، وهم يرون أن هذه المفاهيم، بمجرد أن تتحلل بطريقة نقدية، يتضح أنها غامضة أو تتضمن مصادرة على المطلوب، وعلى ذلك فإن النظرية أقل تماسكًا بكثير مما تبدو عليه الأول وهلة.
كذلك فإن تحليلنا للنسبية سيتضمن تلخيصًا للمشكلات الرئيسية في هذا الفصل وسيبين نقاط الخلاف الأساسية بين النظريات الثلاث التي درسناها.
•••
ولكن ما الذي يعنيه ليويس سوى أن الموضوع سبب تجربة معينة؟ وما الذي نضيفه بقولنا إن الموضوع لديه «القدرة» على أن يفعل ذلك؟ إن صاحب النظرية النسبية عندما يقول ذلك، يبدو كما لو كان يصف سمة ثابتة في العمل، ولكنه في الواقع إنما يصف مرحلة معينة في تاريخ العمل، أي يقول إن شخصًا ما، في وقت معين، كانت له إزاءه تجربة معينة. إن النسبيِّين يميلون إلى تشبيه عبارة «هذا العمل جميل» بعبارة «هذا الخبز مغذٍّ»، ولكن هبْ أن رغيف الخبز قد استخدم في ضرب شخص على رأسه، أو في تثبيت بضعة أوراق تخشى عليها من أن تتطاير، فهل تقول عندئذٍ إن الخبز لديه «القدرة» على أن يكون سلاحًا أو ثقلًا يمنع الورق من التطاير؟ إن هذا ليبدو غريبًا كل الغرابة، وبالمثل فإنه إذا كان العمل الذي يشير إليه ليويس هو بالفعل «عمل فني مشوَّه»، فهل نود عندئذٍ أن نقول إن لديه «القدرة» على خلق القيمة؟ إن معنى «القدرة» يصبح عندئذٍ من الاتساع والشمول بحيث يبدو أنه لم يعد لها أي معنى على الإطلاق.
إن صاحب النظرية النسبية يود، على ما يبدو، أن يجمع بين النقيضَين، فهو يود أن يتحدث عن «سمة في الموضوع»، ولكنه يود مع ذلك أن يتخذ من الاستجابة الجمالية دليلًا — هو الدليل الوحيد الممكن — على أن السمة موجودة، غير أن هناك عدة استجابات ممكنة، ولو كان كلٌّ منها دليلًا على السمة لتعيَّن عندئذٍ أن تُعزَى إلى الموضوع سمات من شتى الأنواع، وهكذا فإن من العسير أن ندرك كيف يظل في وسعنا الكلام عن «السمة»، أو حتى عن أية سمة على الإطلاق.
بل إن نفس العمل يمكن أن يثير استجابات متعارضة تمامًا؛ فقد يجلب السرور لشخص ما، والاشمئزاز لشخص آخر، فلو عزونا إليه عندئذٍ «القدرة» على إحداث هذين الأمرين معًا، ألا نكون قد عزونا سمات متناقضة إلى العمل؟ فلنتأمل مرة أخرى تلك الجملة التي اقتبسناها لتونا من ليويس. إن العمل الذي يتحدث عنه «عمل فني مشوَّه». ومع ذلك، فلأن شخصًا ما قد استمتع به، فإن «له من القيمة الأصيلة بنفس هذا المقدار». «فكيف يمكن أن يكون العمل الفني «مشوهًا» و«له قيمة أصيلة» في آنٍ واحد؟»
وهكذا فإن مفهوم «القدرة» يقع في إشكالات. وعند هذه النقطة، يأتي عرض لمساعدة صاحب النظرية النسبية من مصدر غير متوقع. فصاحِبَا النظريتَين الموضوعية والذاتية معًا يبديان استعدادهما لمساعدته! إذ يقول كل منهما شيئًا واحدًا لصاحب النظرية النسبية: «سأدلك على مخرج من الصعوبات التي تواجهها. إن كل ما عليك أن تفعله، بالطبع، هو أن تتخلى عن نظريتك وتنحاز إلى صفي.» فصاحب النظرية الموضوعية يحث القائل بالنسبية على أن يكف عن الكلام عن «القدرة»، ويتحدث، بدلًا من ذلك، عن سمات موضوعية حقًّا، أي سمات لا تُعرَّف على أساس الاستجابة الذاتية، وصاحب النظرية الذاتية يحث القائل بالنسبية على أن يكف عن خداع نفسه بالكلام عن «القدرة»، ويعترف بأن عبارة «س جميل» لا تعني أكثر من أني «أحسست بلذة أثناء تطلعي إلى س»، عندئذٍ لن يكون ثمة إشكال حول العمل الذي أشار إليه ليويس.
وبعبارة أخرى، فإن القائل بالنسبية يُطلَب إليه التخلي عن موقفه الوسط، وأن ينتقل إما إلى القطب الموضوعي وإما إلى القطب الذاتي.
•••
(٢) لا جدال في أن القائل بالنسبية سوف يشكر خصميه على عَرضهما الكريم، ولكنه سيرفض الدعوة إلى الانتحار؛ فهو يرى أن نقاده قد أساءوا فهم معنى «القدرة».
وهنا نجد أن صاحبَي النظريتَين الموضوعية والذاتية، اللذين كانا يقفان موقفًا وديًّا منذ برهة، يعودان إلى الهجوم؛ إذ إن القائل بالنسبية يحاول إنقاذ نظريته، على حين أنهما يتحديان دفاعه.
فصاحب النظرية الموضوعية ينكر أننا نقوم بتنبؤ عندما نؤكد حكم القيمة. فحين نقول «س جميل.» فهل نكون عندئذٍ متطلعين قدمًا إلى ما سيشعر به الناس الآخرون؟ كلا بالتأكيد، وإنما نحن نقول إننا وجدنا القيمة متجسدة في الموضوع. فضلًا عن ذلك، فما هو بالضبط ذلك التنبؤ الذي يتحدث عنه القائل بالنسبية؟ إن ليويس يتحدث عن «قدرة العمل بالنسبة إلى التجربة بوجه عام»؛ فكم من الناس، طوال أي فترة من الزمان، يلزمون لاختبار الحكم؟ إن ليويس نفسه يصف الحكم بأنه «غير منتهٍ»، لأن حالات التحقيق الممكنة لا حد لها، فمتى يمكن القول إن الحكم قد تحقق، أو لم يتحقق، إن كان مثل هذا القول ممكنًا على الإطلاق؟
من هذا ينتهي صاحب النظرية الموضوعية إلى أن النظرية النسبية لا تقدم تحليلًا أمينًا لما نعنيه عندما نصدر حكم القيمة، كما أن التنبؤ الذي يتحدث عنه يبلغ حدًّا من الاتساع والافتقار إلى التحدد يستحيل معه الإفادة منه بشيء.
•••
أما صاحب النظرية الذاتية فإنه سيتخذ من هذه الفقرة ذخيرة في هجومه؛ فالنسبية تحاول أن تقدم «مبررات»، ولكن «المبرر» الوحيد الذي يمكن تقديمه، آخر الأمر، إلى الشخص المعترض هو «أن الناس الآخرين يحبون هذا العمل». وهنا نتساءل مرة أخرى: «أليس هذا إحصاء للرءوس؟» لقد حاول المفكر النسبي أن يلجأ إلى الجانب الموضوعي من العلاقة الجمالية لكي ينقذ نفسه. ومع ذلك فقد اتضح أن ما يسميه النسبي «موضوعيًّا»، لا يعدو أن يكون تعميمًا لعدد كبير من الاستجابات «الذاتية». ولو لم يحدث أن عددًا كبيرًا من الناس يستمتعون «بالسمات القابلة للملاحظة» في اللوحة، لما استطاع التحليل النقدي، أو أي شيء غيره، أن يثبت شيئًا، وهو على أية حال، لا يثبت شيئًا لأولئك الذين تكون لديهم استجابات مغايرة.
عند هذه النقطة يصرح صاحب النظرية الذاتية بمسألة كان الشك فيها يعتمل في نفسه طوال الوقت؛ فهو يقول لصاحب النظرية النسبية: «لقد أخذت أزداد تأكدًا من أننا، أنت وأنا، ينبغي ألا نختلف على الإطلاق؛ ذلك لأن ما تقوله حقيقة لا يختلف في شيء عما كنت أقوله. أليست نظريتك ذاتية فحسب؟ إنك لو انتزعت منها كل الكلمات الرنانة عن «القدرة أو الإمكان» و«التنبوء» و«المبادئ»، لما كنت تقول شيئًا سوى أن الناس يحبون ما يحبون، وأن القيمة الجمالية إنما تكون حيث تجدها. إنَّا نستطيع أن نتعاون معًا ضد النظرية الموضوعية. فنحن معًا متفقان على الرأي الأساسي القائل إن «القيمة الجمالية» ينبغي أن تعرَّف في صلتها بما يشعر به الناس بالفعل. فلماذا تخفي هذا الاتفاق وراء ستار من الغموض بإقحام عوامل «موضوعية» في التقدير (وهي عوامل يتضح آخر الأمر أنها «ذاتية» إلى حد بعيد؟) ولم لا تعترف بأن عبارة «س جميل» تعني «أني أشعر بمتعة جمالية إزاء س»؟ عندئذٍ تستطيع التخلص من المشكلة المعقدة المتعلقة بتحقيق الحكم. ولن يكون عليك أن تلجأ إلى تجارب عدد غير محدد من الناس في فترة لا نهاية لها من الزمان؛ ذلك لأن الشخص الذي يصدر الحكم هو الذي يحقق هذا الحكم، ويحققه على نحو حاسم».
•••
(٥) ولو كان صاحب النظرية النسبية شخصًا ضعيف المراس لامتثل لهذا الاقتراح وانضم إلى معسكر النظرية الذاتية. غير أن معظم النسبيين لا يفعلون ذلك؛ فهم يردون على صاحب النظرية الذاتية قائلين: إننا فعلًا نتفق، كما تقول، في قضية أساسية، وهذا هو ما يفرِّق بيننا معًا وبين صاحب النظرية الموضوعية، ومع ذلك فإن بقية نظريتك غير مقبولة في نظري على الإطلاق؛ فأنت تعتقد أن حكم القيمة لا يعدو أن يكون وصفًا لمشاعر شخصية، وعلى ذلك فإن أي حكم يتساوى مع أي حكم آخر، ويفقد «الذوق السليم» معناه، ولكن من الواضح أن هذا لا يحل الإشكال، فنحن في الواقع لا نضع جميع الأحكام على قدم المساواة عندما نقدر عملًا فنيًّا؛ إذ إن بعض الناس ليسوا مؤهلين للحكم، إما لجهلهم بالعمل، وإما لقلة درايتهم به، وإما لافتقارهم إلى التمييز اللازم لإدراك دقائقه. وهناك أشخاص آخرون لديهم صفات الناقد الجيد التي عدَّدها هيل، وحديثهم عن الفن حديث ثقة. ونحن جميعًا نعرف من هم هؤلاء الناس، ونتعلم منهم، وإذن «فالذوق السليم» تعبير له معناه، وإنه لمن الممتنع أن يعتقد المرء أن عبارة «لا مشاحة في الأذواق» هي الكلمة الأخيرة في مجال الذوق، فلست مستعدًّا للاعتراف بأن الشخص الذي يحب رواية بوليسية ثمنها قرشان، ولا شيء غيرها، يتساوى مع ذلك الذي يقرأ شيكسبير بفهم ويستجيب له من أعماق مشاعره.
«لقد اتهمتني عدة مرات بأني أقوم بعملية «إحصاء للرءوس». ولكن ليويس يثبت بوضوح أن النظرية النسبية ليست مضطرة إلى اتخاذ موقف «إحصاء الرءوس»، وذلك إذ يقول:
تلك حجة قوية، بل ربما كانت أقوى حجة يستطيع صاحب النظرية النسبية أن يقدمها، ولكن ها هو ذا الرد على هذه الحجة، كما يقول به جود:
•••
ومع ذلك، فلنعطِ الكلمة الأخيرة لصاحب النظرية النسبية، وعندئذٍ يمكنك أن تقرر إن كان قادرًا على التخلص بنجاح من نقد جود.
على أننا نستطيع بالطبع أن ننتهي إلى أن ناقدًا مثل جونسون قد وقع في خطأ، ويكون حكمنا هذا مبنيًّا على تحليلات نقاد آخرين، ولكن لا توجد هنا أيضًا حلقة مفرغة. فكيف يستطيع البشر أن يكتسبوا معلومات عن القيمة الجمالية إلا عن طريق الاستفادة من جميع الآراء المستنيرة التي تُستمد من التجارب والتحليلات الجمالية؟ إن أحدًا لا يملك احتكار الحقيقة، كما أن أحدًا لا يستطيع التنبؤ بطريقة معصومة من الخطأ. فمعرفتنا بالفن والنقاد، شأنها شأن أية معرفة أخرى، تتطور ببطء وبالتدريج. وهي تتألف من تحليلات موضوعية للعمل، ومن التفسيرات والأحكام التي يصدرها عنه نقاد مختلفون، ومن الاستجابات الجمالية للبشر خلال فترة طويلة من الزمان. فليس في العملية شيء يتم بسرعة وببساطة (كما يتصور الموضوعيون والذاتيون). ومن هذا الرصيد الذي يجمع الحقيقة، والرأي الاجتهادي، والشعور، يظهر حكم على العمل يقوم على أساس متين. وفي الوقت ذاته، وعلى النحو نفسه، نستطيع أن نتعرف على «الخبير»؛ إذ إن ما يقوله الناقد دفاعًا عن تقديره يكشف عن قدراته، ويبين أنه شخص يتسع نطاق عواطفه اتساعًا كبيرًا، ويتميز بمعرفة واسعة، وخبرة في الفنون … إلخ.
وعندما يتمكن ناقد من أن يجعلنا نرى ما لم نكن نراه من قبل في العمل الفني، فعندئذٍ يكون لدينا الدليل على موضوعية إدراكه وحساسيته. غير أنَّ أضمنَ برهان على أن «الذوق السليم، ليس فقط ما يتصادف أننا نحبه هو أننا كثيرًا ما تعجب بتحليل الناقد، وحكمه المرتكز على مبررات قوية، وقدراته على التذوق الجمالي، حتى عندما لا نكون مبالين إلى نفس الأعمال التي يميل إليها».
هل وجدت الرد الذي يدلي به صاحب النظرية النسبية مقنعًا؟ ربما كان فيه تجنب لحجة جود، وربما كانت فيه مصادرة على المطلوب، ومن الواضح أن الجدل (الديالكتيك) بين صاحب النظرية النسبية وخصومه يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، وهو بالفعل قد استمر إلى ما لا نهاية؛ فمشكلات التقدير والذوق كانت، وما زالت تناقش على الدوام طوال عهود الفكر الغربي.
ولكنا نستطيع أن نتوقف عند هذا الحد؛ فقد اتضحت للقارئ الآن المشكلات الرئيسية في نظرية التقدير، والواقع أن التفكير في هذا المجال معقد ومتشابك، وهناك قدر من الصحة في كل من النظريات الرئيسية الثلاث، وهذا يؤدي بالقارئ إلى أن يدرك أن مشكلات هذا الفصل لا يمكن حلها بتعجل أو بطريقة مبسطة، وكل من يحاول «حلها» بسهولة، أو بصيغة تبدو مبسطة، يثبت بذلك أنه لم يفهم هذه المشكلات فهمًا حقيقيًّا على الإطلاق.
المراجع
هيل: اتجاهات جديدة في علم الجمال والنقد الفني. الجزء الثاني.
ريدر: مرجع حديث في علم الجمال، ص٤٨٠–٥٠٣.
فيفاس وكريجر: مشكلات علم الجمال، ص٤٣٠–٤٧٩.
فيتس: مشكلات في علم الجمال، ص٦٨٣–٦٩٦.
دوكاس: فلسفة الفن، الفصلان ١٤، ١٥.
جوتشوك: الفن والنظام الاجتماعي، الفصل الثامن.
هيل، برنارد: «النزعة المطلقة عند ف. ر. ليفيس» ٢٤٩–٢٥٥.
هيوم، ديفد: «في معيار الذوق».
هنجر لاند، هلموت: «الإدراك، والتفسير والتقدير (مقال).
لي: «الإدراك والقيمة الجمالية» الفصلان الخامس والسادس.
ليويس: «تحليل المعرفة والتقويم». الفصول ١٢–١٥.
بيير، ستيفن: العمل الفني.
سانتيانا، جورج: العقل في الفن. الفصل العاشر.
فيفاس، إليزيو: «الأساس الموضوعي للنقد» في كتاب «الخلق والكشف» ص١٩١–٢٠٦.
أسئلة
-
(١)
لماذا تؤكد النظرية الموضوعية السمات الشكلية، سواء في تعريف «القيمة الجمالية» وفي «نظرية السمات المصاحبة»؟ هل السمات الشكلية أكثر ثباتًا وأقل تنوعًا من العناصر الأخرى للعمل الفني؟
-
(٢)
كيف تظن أن مفكرًا مثل دوكاس يرد على الانتقادات التي وجهت إلى نظريته في هذا الفصل؟ وما مدى قوة هذه الانتقادات في رأيك؟
-
(٣)
هل تعد بعض الصفات، مثل «جذاب» و«سار»، أقل موضوعية في معناها من صفة «جميل»؟ … ناقش.
حلل كلًّا من العبارات الآتية، بأن تبين إلى أي مدى تنطوي على سمات موضوعية، وإلى أي مدى تعبر عن استجابات شخصية:
«هذا مربع» «الموقف يبعث على الرجاء». «هذا أحمر» «الموقف متوتر» «هذا السلوك غير عادل» «هذا جميل» -
(٤)
كثيرًا ما يكون الميل أو الرضاء سببًا لحكم قيمة جمال، فهل من الممكن أن تكون عبارة «أنا أحب هذا» مبررًا للحكم على أي نحو؟ وإن كان الأمر كذلك، ففي أي الظروف؟
-
(٥)
«النظرية النسبية» قد سميت، بالتأكيد، شكلًا متنكرًا من أشكال النزعة الذاتية، غير أن التهمة لا أساس لها.» (هيل: مبررات الناقد The Critic’s Reasons) ناقش هذه العبارة.
-
(٦)
««عندما» يقول المرء إنه يعجب برينوار Renoir نظرًا إلى سلاسة خطوطه، فإن المرء يعتقد أنه أوضح سبب الإعجاب برينوار، ولكن هب أن الخط السلس يبعث الضيق في نفس شخص ما؟» (بوس: مرشد للنقاد Boas: A Primer for Critics، ص١٤٦.) ما هي، في نظرك، أهمية هذا السؤال بالنسبة إلى التقدير والنقد؟
-
(٧)
أي نظريات التقدير التي نوقشت في هذا الفصل تبدو لك أصح من غيرها؟ أم أنك تعتقد أن هناك نظرية أخرى أصح من هذه؟ دافع عن إجابتك.
-
(٨)
«ليس الذوق السليم شيئًا متعلقًا بما يحبه المرء أو كيف يحبه.» ناقش.
-
(٩)
ابحث في الصحف أو المجلات عن نقدين لفيلم أو كتاب أو معرض تصوير واحد، أو لمسرحية أو حفلة موسيقية واحدة، ثم قارن بينهما من حيث المسائل الآتية: (١) ما الأسباب التي تقدم تدعيمًا لحكم القيمة؟ (٢) هل يختلف النقدان فيما بينهما؟ وإن كان الأمر كذلك، فبأي معنى من معاني «الاختلاف»؟ (٣) هل يعد حكم أحد الناقدين موثوقًا منه أكثر من حكم الناقد الآخر؟
-
(١٠)
لماذا نستطيع، بوجه عام، أن «نتفق على ألا نتفق» حول القيم الجمالية، على حين أننا لا نستطيع ذلك في السياسة والأخلاق؟ وما نتائج هذا بالنسبة إلى التقدير الجمالي من حيث هو عملية اجتماعية؟
Carroll C. Pratt, “The Stability of Aesthetic Judgments,” J. of Ae. & Art. Cr., XV (1956), pp. 7-8.
E. E. Kellett, The Whirligig of Taste (London, Hogarth Press, 1929).
Eliseo Vivas, Creation and Discovery (N. Y., Noonday Press, 1955). ص١٩٥.
“The Absolutism of F. R Leavis,” Ibid., XIII (1954), pp. 249–255.
في كتاب: دراسات أخلاقية وسياسية وأدبية، الجزء الأول، ص٢٧٩.
Essays, Moral, Political, Literary, ed. Green & Grose (London, Longmans, Green, 1898).
ومع ذلك فإن بوس يستخدم هذا اللفظ للدلالة على كلٍّ من القيم الجمالية والقيم الخارجية للعمل.
B. H. Haggin, Music in the Nation (N. Y., William Sloane Associates, 1949) ص١٥٧.
“The Complete Works of William Hazlitt,” ed. Hove (London, J. M. Dent, 1931), VIII, pp. 222-223.