شاب وقع!
لم يكن رأي «أحمد» معناه إلقاء الشياطين بأنفسهم بين يدَي القتلة … بل كان المقصود هو الذهاب إلى نيويورك ولكن بغير الطريقة التي تتوقعها العصابة … فهم بالطبع يعرفون شكل «جيني» وسوف ينتظرونه في المطار؛ ولهذا قرر «أحمد» ألَّا يذهبوا إلى مطار «نيويورك» مباشرة … ولكن أن يذهبوا إلى ولايةٍ أخرى، ثم يركبون السيارة إلى نيويورك!
قال «أحمد»: سننزل في مطار «فيلادلفيا»، وهي رابع مدينة من حيث عدد السكان في أمريكا بعد «نيويورك» و«شيكاغو» و«لوس أنجيلوس» ثم نأخذ السيارة إلى شمال «نيويورك» … إننا لن ندخل المدينة نفسها … سوف نقيم في منطقة يمكن حراستها جيدًا … إنها منطقة الغابات التي تغطى الجزء الآخر من شمال ولاية نيويورك … هناك بحيرة «جورج» التي تحيطها النباتات من كل جانب … وسوف ننقل الصراع إلى هذه المنطقة!
إلهام: إنه اختيار غريب يا «أحمد»!
أحمد: لقد قرأت كثيرًا عن هذه المنطقة، كما شاهدت فيلمًا سياحيًّا مصورًا لها … وفكرتي واضحة … ففي الأماكن المزدحمة مثل نيويورك التي يعرف أفراد العصابات طرقها ومبانيها جيدًا من السهل اصطيادنا … أما في المناطق المكشوفة فسيكون من الصعب عليهم ذلك … والمسافة كلها بين بحيرة «جورج» و«نيويورك» لا تزيد على ١٥ كيلومترًا تقطعها السيارة في أقل من ربع ساعة!
عثمان: هل نطلب من عميل رقم «صفر» أن يرتب لنا مكانًا هناك؟
أحمد: لا … إن هذه المناطق حافلة بالموتيلات، وهي فنادقُ صغيرة على جانب الطريق أو في قلب الغابة، وكما قرأت فإن عددًا قليلًا من الناس يذهب إلى هناك في الشتاء هربًا من البرد والعواصف … وسنجد أماكنَ كثيرةً خالية … فنحن في شهر نوفمبر … والشتاء على الأبواب …
تم حجز التذاكر إلى «فيلادلفيا» كما طلب «أحمد»، وفي المساء كانت الطائرة «البوينج من طراز جامبو» الضخمة تحلق في مطار «هيثرو» فوق لندن في طريقها إلى فيلادلفيا … وبعد عشر ساعات تقريبًا كانت تهبط بالشياطين ومعهم «جيني» في مطار فيلادلفيا …
كان «أحمد» قد طلب من «جيني» أن يترك لحيته تنمو دون أن يزيلها، كما طلب منه أن يلبس قبعةً عريضة الأطراف حتى تخفي وجهه قدر الإمكان …
خرجوا من المطار إلى محل لتأجير السيارات يقع أمام المطار مباشرة وقرر «أحمد» أن يستأجر سيارتَين ماركة «فورد ستيشن واجن» ليأخذوا معهم كميةً من الطعام … أما الأسلحة فسوف يعتمدون في إحضارها على عميل رقم «صفر».
انطلقت السيارتان في المساء على الطريق الرئيسي الخارج من «فيلادلفيا» يقود السيارةَ الأولى «أحمد» ومعه «إلهام» و«جيني» الذي جلس في المقعد الخلفي، وقد أخفى وجهه … وكانت السيارة الثانية بقيادة «عثمان» ومعه «زبيدة» …
أعطى «أحمد» «جيني» خريطةً للطرق اشتراها من المطار، وطلب منه أن يقرأ الإرشادات الخاصة بالطريق … وأخذت السيارتان تنهبان الطريق نهبًا بسرعة تتجاوز المائة كيلو حتى تجاوزت الساعة الواحدة صباحًا، وشاهدوا على جانب الطريق «موتيل» العصفور الأزرق، فاتجه «أحمد» بسيارته إلى هناك حيث توقف. وخلفه توقفت سيارة «عثمان».
كان الموتيل بسيطًا، مكوَّنًا من طابقٍ واحد على شكل مربعٍ ناقص ضلعًا … وفي الوسط كانت حديقةٌ جميلة، بها نافورةٌ صغيرة … وكانت موسيقى راقصة تنبعث من مدخل «الموتيل» وكان الشياطين في أمسِّ الحاجة للراحة.
حجز الشياطين ثلاث غرف؛ غرفة ﻟ «أحمد» و«جيني» معًا … وأخرى ﻟ «إلهام» و«زبيدة» معًا … بينما نام «عثمان» في غرفةٍ منفردة … وبعد أن اغتسلوا خرجوا إلى صالة الموتيل لتناول عشاءٍ خفيف من «الهامبورجر» الأمريكي الدسم … وكانوا سعداء وسط الغابات الخضراء الشاسعة … والهواء البارد … والموسيقى.
ولكن الأمور لم تسر سيرًا حسنًا؛ كان ثمة شخصان يجلسان قريبًا منهم … وكان أحدهما شابًّا في العشرين من عمره … ضخم الجثة … يرتدي البلوجينز وقد أطلق شعره. ورسم بالوشم أشكالًا من الرسومات على ذراعَيه وصدره … وكان يضع ساقيه على المائدة، ويتحدث بصوتٍ مرتفع …
لم يلتفت إليه الشياطين إلا عندما أشار إلى «إلهام» قائلًا: «هل ترقصين يا صغيرتي؟»
تجاهلت «إلهام» إشارته … وبدأ الشر في عينَي «عثمان»، ولكن «أحمد» أشار إليه ألا يفعل شيئًا … ولكن الشاب لم يكفَّ عن الحديث وقال: ألم تسمعي عن «سانجيني»؟
لم تردَّ «إلهام»، فمضى يقول: إنه أقوى شاب في هذه الأنحاء، ولا تستطيع أي فتاة أن ترفض مراقصته!
كان يتحدث بصوتٍ مرتفع يطغى على صوت الموسيقى الخفيفة. وكان هناك نحو سبعة أشخاصٍ آخرين … ومدير «الموتيل» وفتاتان تقومان بالخدمة.
ظل الشياطين صامتين، يتناولون عشاءهم … وتمنى «أحمد» ألا تحدث متاعب … ولكن «سانجيني» قام من مكانه مترنحًا واتجه إلى مائدة الشياطين ومدَّ يده إلى «إلهام» قائلًا: هيا يا صغيرتي … تعالي نرقص!
قالت «إلهام» بأدب: إنني متعبة الآن. ربما في فرصة أخرى!
رد «سانجيني» بوقاحة: سوف يزول تعبك عندما ترقصين!
ثم مدَّ يده ليمسك بكتف «إلهام»، وفي هذه اللحظة بالضبط مدَّ «عثمان» قدمه، وضربه ضربةً رهيبة جعلته يفقد توازنه ثم يترنَّح، ويقع على الأرض … ولم يتمالك بعضُ الجالسين أنفسهم … فارتفعت ضحكاتهم.
عندئذٍ جُنَّ جنون «سانجيني» فقام واقفًا ثم اتَّجه إلى «عثمان» كالعاصفة وهو يطلق ذراعه بضربة لو أصابت «عثمان» لحطَّمته، ولكن «عثمان» مال بجسده متفاديًا الضربة.
وفي نفس اللحظة مدَّ ساقه بين قدمَي «سانجيني» الذي فقد توازنه مرةً أخرى وسقط على وجهه وأحدث سقوطه دويًّا هائلًا على الأرض الخشبية.
ساد الصمت بعد هذه السقطة. فقد عرف الجميع أن «سانجيني» سوف ينتقم … وفي هذه المرة وقف «عثمان» وقد ابتعد عن المائدة قليلًا … وسرعان ما قام «سانجيني» وهو يسبُّ ويلعن، وهجم على «عثمان» وللمرة الثالثة يجد «سانجيني» نفسه ممدًّا على الأرض …
فقد قفز الشيطان الأسمر قفزةً هائلة ثم ضرب «سانجيني» ضربةً قوية أصابته … ودار «سانجيني» على أثرها حول نفسه … وحاول أن يمسك بإحدى الموائد … ولكنه فقد توازنه تمامًا فسقط معها على الأرض، ولم يقم هذه المرة.
قام «أحمد» من مكانه، وانضم إلى «عثمان» عندما شاهد زميل «سانجيني» … يخرج مسدسًا من جيبه … انقضَّ «أحمد» على يد الرجل. وأخذ منه المسدس … ووقف الرجل مذهولًا …
بينما قام «أحمد» و«عثمان» بحمل «سانجيني» من ذراعَيه وقدمَيه وألقيا به خارج الموتيل …