العاصفة!

بدأت العاصفة تتجمع في الأفق بعد رحيل «عثمان» بدقائق … وأخذت السحب السوداء تتكاثف تدريجيًّا حتى حولت النهار إلى ليل … ثم مزق بريقٌ أبيض وجهَ السحاب الأسود … وهدر الرعد، ثم بدأت الريح تلعب بالأشجار … وانهمر المطر كالسيل المتدفق … وأسرع الشياطين وصاحبا الموتيل إلى الداخل … وزاد قصف الرعد وأصبح كمجموعة من الطبول العالية تدق في كل مكان … وأخذت الريح تقصف بالموتيل الخشبي …

وقال «أحمد»: إن «عثمان» يواجه مأزقًا الآن على الطريق!

ازدادت حدة العاصفة، وأخذ الرعد يهزُّ الموتيل كأنه مجموعة من القنابل تنزل متفرقة … وفي ذلك الوقت كان «عثمان» يقترب من نيويورك بصعوبةٍ بالغة … فقد أصبحت الطرقات زلقةً بواسطة المطر الغزير … وازدادت حوادث التصادم … وأخذ رجال الشرطة والمرور يجرون في كل اتجاه لتنظيم المرور … وتحويل بعض المسارات نتيجة لحوادث التصادم …

وجد «عثمان» نفسه مضطرًّا حسب تعليمات المرور أن ينحرف في طريقٍ جانبي … ووجد سياراتٍ أخرى تنحرف خلفه … وأحسَّ بشيء من التوتر … أولًا لأنه سيتأخر عن موعده كثيرًا … ثانيًا لأن سيارةً صفراء من طراز «بونتياك» كانت تسير خلفه مسافةً طويلة ثم انحرفت خلفه في الطريق الجانبي. فهل حدث ذلك بالصدفة؟

سار «عثمان» بالسيارة مسافةً طويلةً في الطريق الجانبي، وعندما خرج مرةً أخرى إلى الشارع الرئيسي لم يبقَ على موعده في قلب نيويورك إلا عشر دقائق … وكانت المسافة بينه وبين مكان اللقاء بعيدة … كما أنه كان مضطرًّا لاتباع إرشادات المرور بعد العاصفة الرعدية الممطرة التي قلبت كل شيء.

اختار أن يتوقف عند مقهًى صغير ليتصل «بأحمد» تلفونيًّا ويخطره بما حدث … وازداد توتره عندما لاحظ أن السيارة «البونتياك» هدَّأت من سرعتها هي الأخرى؛ وتأكد أنها تتبعه …

دخل إلى المقهى، واتجه إلى كابينة التليفون وعينه على المدخل … ولاحظ على الفور دخول رجلَين أحدهما طويل القامة، شاحب الوجه، يرتدي ثيابًا تتهدَّل على جسده النحيل … والآخر عكسه تمامًا … قصير القامة محكم البنيان … وكان كلاهما يرتدي معطفًا أسود واقيًا من المطر …

دق جرس التليفون طويلًا قبل أن ترفع «زبيدة» السماعة …

وقال «عثمان»: «إنني في طريق خارج المدينة … لقد اضطرتني العاصفة لتغيير طريقي لا أظن أنني سأتمكن من الوصول إلى المكان … كما أن هناك من يتبعني … إنني …»

وفجأة انقطع الخط … وأعاد «عثمان» المحاولة … ولكن محاولته الثانية والثالثة لم تكلل بالنجاح … فقد انقطع الاتصال …

ذهب إلى إحدى الموائد وجلس، وطلب مشروبًا ساخنًا، كان الرجلان يشغلان منضدةً بعيدة ولكن عيونهما كانت مركَّزة عليه … وأدرك أن «سانجيني» أبلغ العصابة برقم السيارة ونوعها وأن العصابة كانت تراقب مدخل «نيويورك» حتى عثرت عليه … لم يعد في إمكانه أن يعود إلى موتيل «جورج» وليس في إمكانه أن يتصل الآن بعميل رقم «صفر» فهو بالتأكيد في انتظاره قرب «شيراتون روكفلر سنتر» …

كانت الدقائق مشحونةً بالتوتر … وقام مرةً أخرى وحاول الاتصال بموتيل «جورج»، وفي هذه المرة أجابت عاملة التليفون قائلة: نأسف يا سيدي … لقد قطعت العاصفة خطوط الاتصال … نأمل أن يتم الإصلاح خلال ثلاث ساعات!

أعاد السماعة إلى مكانها … وعاد إلى مكانه يفكر فيما يجب عمله … إن خروجه إلى الشارع معناه القضاء عليه … وكان المساء قد هبط … فانتظر ساعةً أخرى ثم قام بالاتصال بعميل رقم «صفر» الذي ردَّ عليه على الفور …

روى له «عثمان» ما حدث وقال العميل: لقد توقعتُ ذلك … إنها من أشد العواصف التي تعرضتْ لها نيويورك منذ سنوات … أين أنت الآن؟

عثمان: في مقهًى صغير يدعى «هورا هورا»!

العميل: إنني أعرفه … إنه في «تشاينا تاون» أي الحي الصيني في ولاية نيويورك!

عثمان: لقد لاحظت كثرة اللافتات المزينة، فمن المؤكد أنني في «تشاينا تاون»!

العميل: إن لي صديقًا يعمل في هذا المطعم يدعى «يان» … إنه كأغلب الصينيين قصير القامة منحرف العينَين … ولكن تميزه ندبةٌ كبيرة في وجنته من أثر جرحٍ قديم … قل له إنك من طرف «ستيف» إنه يعرفني بهذا الاسم، وسوف يساعدك … وفي نفس الوقت أنا في الطريق إليك!

خرج «عثمان» من كابينة التليفون وجلس إلى المائدة … كان الرجلان يجلسان في نفس المكان … وكان كلٌّ منهما يضع يده اليمنى تحت معطفه … ومن المؤكد أنهما يقبضان على مسدسَين …

أجال «عثمان» عينَيه في المكان … لم يرَ أثرًا ﻟ «يان» فاستدعى الجرسون وقال له هامسًا: إنني أبحث عن «يان»!

رد الرجل: إن عمله يبدأ بعد ربع ساعة … سيأتي بعد ربع ساعة … وهل من خدمة أقدمها لك يا سيدي؟

عثمان: شكرًا لك … عندما يصل «يان» قل له إنني أريده!

الرجل: إنه سيعمل في مكاني … وسيأتي بعد ربع ساعة بالضبط!

نفحة «عثمان» بقشيشًا سخيًّا، وطلب منه أن يحضر له إحدى جرائد المساء … فذهب الرجل سريعًا وعاد بها …

انهمك «عثمان» في القراءة … وعينه على ساعته وعينه الثانية على الرجلين اللذين بدا عليهما الملل، والتحفز … ولكن لم يكن في إمكانهما عمل شيء، والمحل مزدحم بالزبائن … وأحد رجال الشرطة يتحدث إلى صاحب المحل …

بعد ربع ساعة بالضبط فُتح باب المقهى، وظهر رجلٌ قصير القامة متين البنيان، في وجهه ندبةٌ واضحة … وعرف «عثمان» أنه «يان» …

دخل «يان» سريعًا إلى العمل، وتحدث مع زميله لحظات، ثم نظر إلى «عثمان» نظرةً سريعة وبدأ عمله … طاف أولًا بالموائد … ثم وصل إلى مائدة «عثمان»، وتظاهر أنه ينظفها وقال: سمعت أنك تريدني!

عثمان: إنني قادم من طرف «ستيف»!

يان: في خدمتك يا سيدي!

عثمان: إنني في مأزق … هناك رجلان جالسان إلى المائدة التي على اليسار قرب الباب!

يان: واضح … من هما؟!

عثمان: إنهما يطاردانني!

يان: سأرى ما يمكن عمله … ابقَ مكانك عشر دقائقَ أخرى … وعندما تراني عند كابينة التليفون اعرف أنني أريدك أن تأتي إليها!

عثمان: اتفقنا!

وأسرع «يان» لخدمة الزبائن!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤