عصابة الرجل الأبيض!
مضت الدقائق العشر بطيئةً كأنها عشر ساعات وقد بدأ نفاد الصبر يبدو على الرجلَين المسلحَين … و«عثمان» يختلس النظر إلى ساعته، ويراقب حركة «يان» وهو يخدم الزبائن دون أن ينظر إليه …
وعندما مضت عشر دقائق بالضبط كان «يان» قد اختفى ثم ظهر بعد ثوانٍ قليلة عند كابينة التليفون … فقام «عثمان» وعندما وصل عند «يان» انطفأ نور المقهى فجأة.
وقال «يان»: ادخل كبينة التليفون، اضغط على الجانب الأيمن!
في نفس اللحظة ارتفع صياح الزبائن … بينما دخل «عثمان» كابينة التليفون، وضغط على الجانب الأيمن من الكابينة ولدهشته الشديدة وجده ينفتح، فمرَّ منه، ثم أغلقه خلفه، ووجد نفسه بعد لحظات على الرصيف …
عبر الشارع مسرعًا، وكانت العاصفة قد هدأت، وخلفت مطرًا ناعمًا وريحًا باردة، وشاهد سيارته على البعد وقرر أن يتركها … فهي أفضل طريقة لتضليل العصابة … وغاص بين الناس في الشوارع … وأخذ يسأل حتى وصل إلى «روكفلر سنتر» ثم دخل أقرب كابينة تليفون واتصل بالمقهى الذي كان يجلس فيه بعد أن كان قد حفظ الرقم … وردَّ صوتٌ عرف فيه صوت الصيني «يان» فقال له: إنني صديق «ستيف» شكرًا على ما فعلته من أجلي … سيأتي «ستيف» بعد لحظات … قل له إنني في انتظاره عند «روكفلر سنتر»!
وأغلق السماعة … وشعر بارتياح بعد ساعات التوتر الطويلة، وأخذ يتمشى دون أن يتوقف في مكان واحد … وأخيرًا ظهرت السيارة التي يركبها عميل رقم «صفر» من طراز «كاديلاك فليت وود» وأسرع «عثمان» إليه، وفتح الباب وألقى نفسه إلى جواره بعد أن قال كلمة السر «زيرو» …
كان عميل رقم «صفر» رجلًا طويل القامة شديد الأناقة … وقال لعثمان: مرحبًا بكم في نيويورك … لقد صادفتْك ظروفٌ سيئة!
عثمان: لقد انتهت بخير والفضل لك!
الرجل: نادِني «ستيف» أيضًا … إنه اسم الشهرة!
عثمان: لقد كان هذا الاسم سببًا في إنقاذي من موقفٍ عصيب!
الرجل: إنك حسن الحظ أن تدخل هذا المطعم بالذات، فهذا الصيني من عملائي!
عثمان: هل هناك معلوماتٌ جديدة؟
الرجل: بل معلومات في منتهى الأهمية … لقد علمت قبل وصولي مباشرة أن رئيس العصابة ويدعى «باتشينو» قد دخل في مرحلةٍ خطيرة لمرض السكر، والطبيب الذي يعالجه من معارفي أو من عملائي على الأصح، وقد طلبوه لعلاج الزعيم فوجده في غيبوبة السكر … وقد استطاع إنقاذ حياته … ولكن حالته الصحية متدهورة … وقد نقله أفراد العصابة إلى قلعته!
عثمان: أية قلعة؟
الرجل: إنه كان منعزلًا في «لونج أيلندا»، مبنًى قديم كان أصلًا محطة للسكك الحديدية ثم تحول إلى قلعةٍ مسلحة يسمونها «برج الشيطان» تحيطها الأسوار الشائكة … ويحرسها مجموعة من أشهر الرماة في العصابات، والزعيم نفسه «باتشينو» بدأ حياته قاتلًا مأجورًا … ثم عمل في المخدرات حتى كوَّن ثروةً ضخمة استغلها في سوق المال فتضاعفت بفضل شهرته وقوته ورجاله!
عثمان: وأين القانون من كل هذا؟
الرجل: إن «باتشينو» يستعين بمجموعة من أشهر المحامين في نيويورك بحيث تبدو مشاريعه كلها قانونية … ولكنه بعد أن مرض وتدهورت صحته، بدأت إمبراطوريته المالية تهتزُّ … لهذا عاود السطو على البنوك … وكان الشاب الذي معكم الآن أحد أعوانه!
عثمان: تقصد «جيني»؟
الرجل: نعم!
عثمان: ولكن «جيني» لم يكن يعرف ما يفعل!
الرجل: إن القانون لا يفرق بين من يعرف ومن لا يعرف إلا في ظروفٍ معينة … أنا محامٍ وأعرف ما أقول!
عثمان: وماذا سنفعل؟
الرجل: ما زالت عندي معلوماتٌ مهمة … إن «باتشينو» يجمع الآن ثروته كلها في شكل نقدٍ سائل وسبائكَ ذهبية، وينوي الخروج من أمريكا!
عثمان: ولكن العصابة!
الرجل: إن رجاله لا يعلمون شيئًا، ولكن قواد الفرق الذين يعملون عنده يتصارعون الآن، كلٌّ منهم يريد أن يرث الزعيم … وهذه نقطة الضعف التي يمكن النفاذ منها!
عثمان: تقصد استمالة إحدى قواعد الفرق؟
الرجل: نعم … وهي مسألةٌ صعبة، ولكنها ليست مستحيلة، فقد علمت من صديقي الطبيب أن «كارلو» وهو قائد فرقة القتلة يجمع الآن مزيدًا من الرجال لحسابه الشخصي … بحيث يستطيع في الوقت المناسب تصفية بقية الرجال!
عثمان: هل تقترح أن نقوم بهذا العمل؟
الرجل: تمامًا … ولكن المشكلة أنكم معروفون الآن لهم … خاصة أن «سانجيني» من رجال «كارلو»!
عثمان: «سانجيني»!
الرجل: نعم «سانجيني» … إنه مندوبه في «فيلادلفيا» ومن سوء حظكم أنكم اصطدمتم به!
عثمان: هل هناك معلوماتٌ أخرى؟
الرجل: لا … سأنزل عند أول منحنًى، واستمرَّ أنت في سَيْرك … وعندما تصل إلى أصدقائك حدثوني تليفونيًّا لأعرف ماذا ستفعلون!
عثمان: شكرًا لك … ولكن التليفونات مقطوعة!
الرجل: لن يستمر هذا طويلًا … ربما الإصلاحات تكون قد تمت خلال الساعات القادمة!
نزل عميل رقم «صفر»، بينما انطلق «عثمان» وحده بالسيارة، وقد أحسَّ أنه حصل على كنز من المعلومات، وكانت السيارة «الكاديلاك» قوية وجديدة؛ فأحسَّ براحة ولذة وهو يقودها عبر الشوارع «الهاي وي» أي الواسعة متجهًا إلى بحيرة «جورج»!
عندما وصل «عثمان» وجد في انتظاره مظاهرةً من الشياطين و«جيني» … لقد أصابهم قلقٌ عظيم بعد أن انقطعت المكالمة.
جلس «عثمان» يروي للأصدقاء مغامرته الصغيرة، ثم أخذ يروي المعلومات التي حصل عليها من عميل رقم «صفر» … وكان الجميع يستمعون إليه بانتباهٍ شديد، ولم يكد ينتهي من حديثه حتى قال «أحمد» سأرسل في طلب خمسة من الشياطين الذين لم يشتركوا معنا في المغامرة الماضية … وأرجو أن يوافق رقم «صفر» …