زهير بن أبي سلمى
نسبته وكنيته
هو زُهير بن أبي سلمى، واسم أبي سلمى ربيعة بن رياح المزني، من مزينة بن أدبن طابخة بن إلياس بن مضر، وكانت محلتهم في بلاد غطفان: «وسُلمى بضيم السين، وليس في العرب سلمى بضم السين غيره، ورِياح بكسر الراء، وبعدها مثناة تحتية.»
طبقته في الشعراء
وزهير أحد الشعراء الثلاثة المتقدمين على الشعراء بالاتفاق، وإنما اختلفوا في تعيين أيِّهم أشعر على الآخر، وهم: امرؤ القيس، وزهير، والنابغة الذبياني. كذا قال عبد القادر البغدادي، وتقدم في ترجمة امرئ القيس أن الأعشى داخل في ذلك الخلاف، وأهل الكوفة يقدمونه. وفي الجمهرة لابن خطاب باب ذكر طبقة من سمينا منهم، قال أبو عبيدة: أشعر الناس أهل الوبر خاصة وهم امرؤ القيس وزهير والنابغة. ولم يذكر صاحب الأغاني الأعشى مع هؤلاء. وقال عمر بن الخطاب لابن عباس رضي الله عنهم: هل تروي لشاعر الشعراء؟ قال: ومن هو؟ قال: الذي يقول:
قال ابن عباس: ذاك زهير. قال: فذاك شاعر الشعراء. قال ابن عباس: وبِمَ كان شاعر الشعراء؟ قال: لأنه كان لا يعاظل في الكلام، وكان يتجنب وحشي الشعر، ولم يمدح أحدًا إلا بما فيه. وفي رواية أنه قال له: أنشدني له. قال ابن عباس: فأنشدتُه حتى برق الفجر، فقال: حسبك الآن، اقرأ. قال: قلت: فما أقرأ؟ قال: اقرأ الواقعة. قال: فقرأتُها فنزل فأذَّن وصلى.
وسمر بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري وهو والي البصرة ليلةً، فقال لأهل سَمَرِهِ: أخبروني بالسابق والمصلي. فقالوا: أخبرنا أنت أيها الأمير. وكان أعلم العرب بالشعر، فقال: السابق الذي سبق بالمدح فقال:
وأما المصلي — يعني النابغة — فهو الذي يقول:
وسأل عكرمة بن جرير أباه: من أشعر الناس؟ قال: أَعَنِ الجاهلية تسألني أم عن الإسلام؟ قال: قلت: ما أردت إلا الإسلام، فإذا ذكرتَ الجاهلية فأخبرْني عن أهلها. قال: زهير أشعر أهلها. قلت: فالإسلام؟ قال: الفرزدق نبغة الشعر. قلت: فالأخطل؟ قال: يجيد مدح الملوك، ويصيب وصف الخمر. قلت: فما تركت لنفسك؟ قال: نحرتُ الشعر نحرًا.
وسأل معاويةُ الأحنفَ بن قيس عن أشعر الشعراء، فقال: زهير. قال: وكيف ذاك؟ قال: كَفَّ عن المادحين فضول الكلام. قال: بماذا؟ قال: بقوله: «وما يك من خير أتوه …» البيت المتقدم.
اختصاص زهير بهرم بن سنان
وعن الأصمعي، قال: قال عمر — رضي الله عنه — لبعض ولد هرم بن سنان: أنشدْني مدح زهير أباك. فأنشده فقال عمر: إن كان ليُحسن القول فيكم، فقال: ونحن — واللهِ — إن كُنَّا لنُحسِن له العطاء. فقال: ذهب ما أعطيتموه، وبقي ما أعطاكم. قال: وبلغني أن هرم بن سنان كان قد حلف أن لا يمدحه زهير إلا أعطاه، ولا يسأله إلا أعطاه، ولا يسلِّم عليه إلا أعطاه عبدًا أو وليدة أو فرسًا، فاستحيا زهير مما كان يقبل منه، فكان إذا رآه في ملأ قال: انعموا صباحًا غير هرم وخيرَكم استثنيتُ. وعطايا هرم لزهير مشهورة، قال محمد البوصيري — رحمه الله — يخاطب رسول الله ﷺ:
وقال عمر بن الخطاب — رضي الله عنه — لبعض ولد زهير: ما فعلت الحلل التي كساها هرم أباك؟ قال: أبلاها الدهر. قال: لكن الحلل التي كساها أبوك هرمًا لا يُبليها الدهر. وروي أن عائشة — رضي الله عنها — خاطبت إحدى بنات زهير بهذه المقالة.
إجادته في الشعر وحولياته
وكان زهيرًا حكيمًا في شعره، ويكفي من ذلك ما في معلقته قال:
وشبَّه امرأة بثلاثة أوصاف في بيت واحد فقال:
وروي «النحور» موضع «البحور»، و«شابهت» موضع «شاكهت». ثم قال ففسر:
وروي أن زهيرًا كان ينظم القصيدة في شهر، وينقحها ويهذبها في سنة، ثم يعرضها على خواصِّه، ثم يذيعها بعد ذلك، وكانت تُسَمَّى قصائده الحوليات، قالوا: وهي أربع:
•••
•••
•••
عقيدته
قال ابن قتيبة: وكان زهير يتألَّهُ ويتعفف في شعره، ويدل على إيمانه بالبعث قوله:
وروي أن رسول الله ﷺ نظر إلى زهير وله مائة سنة، فقال: «اللهم أعذني من شيطانه.» فما لاك بعد ذلك بيتًا حتى مات. وكان زهير رأى في منامه في آخر عمره أن آتيًا أتاه فحمله إلى السماء، حتى كاد يمسها بيده، ثم تركه فهوى إلى الأرض، فلما احتُضِرَ قص رؤياه على ولده كعب، ثم قال: إني لا أشك أنه كائن من خبر السماء بعدي فإن كان فتمسكوا به وسارعوا إليه. ثم مات قبل المبعث بسنة، وقصة ابنه بجير لما أسلم، وتخويفه لأخيه كعب من رسول الله ﷺ إن لم يؤمن ويجئ طائعًا، ومجيء كعب وإنشاده بردته بين يدي رسول الله ﷺ معلومة.