عمرو بن كلثوم
نسبه وخبر ولادته
هو عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن سعد بن زهير بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم من تغلب بن وائل. وكان عمرو بن كلثوم شاعرًا فارسًا، وهو أحد فُتَّاكِ العرب، وهو الذي فتك بعمرو بن هند كما يأتي، وكنيته أبو الأسود، وأخوه مُرَّة هو الذي قتل المنذر بن النعمان، وأمه أسماء بنت مهلهل بن ربيعة أخي كليب الذي يُضرب به المثل في العز. ولما تزوج مهلهل هند بن عتيبة ولدت له جارية، فقال لأمها: اقتليها وغيِّبِيها، فلما نام هتف به هاتف يقول:
فاستيقظ، فقال: أين بنتي؟ فقال: قتلتها. فقال: لا وإله ربيعة. وكان أول من حلف بها، ثم رباها، وسماها أسماء — وقيل ليلى — وتزوجها كلثوم بن مالك، فلما حملت بعمرو أتاها آتٍ في المنام، فقال:
فلما ولدت عمرًا أتاها ذلك الآتي فقال:
وكان كما قال سادَهُم وهو ابن خمس عشرة سنة، ومات وهو ابن مائة وخمسين سنة.
شجاعته وفتكه
وكان شجاعًا مظفَّرًا مقدامًا، وبه يضرب المثل في الفتك، فيقال: أفتك من عمرو بن كلثوم لفتكه بعمرو بن هند؛ وذلك أن عمرو بن هند قال ذات يوم لندمائه: هل تعلمون أحدًا من العرب تأنف أمه من خدمة أمي؟ فقالوا: نعم، أم عمرو بن كلثوم. قالوا: لأن أباها مهلهل بن ربيعة، وعمها كليب وائل أعز العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب وابنها عمرو وهو سيد قومه. فأرسل عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره، ويسأله أن يزير أمه، فأقبل عمرو من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب، وأقبلت أمه في ظعن من بني تغلب، وأمر عمرو بن هند برواقه، فضُرِبَ فيما بين الحيرة والفرات، وأرسل إلى وجوه أهل مملكته فحضروا، فدخل عمرو بن كلثوم على عمرو بن هند في رواقه، ودخلت ليلى وهند في قبة من جانب الرواق، وكانت هند عمة امرئ القيس بن حجر، وكانت أم بنت مهلهل بنت أخي فاطمة بنت ربيعة التي هي أم امرئ القيس، وبينهما هذا النسب، وقد كان عمرو بن هند أمر أمه أن تُنَحِّيَ الخدم إذا دعا بالطرف، وتستخدم ليلى [فدعا عمرو بمائدةٍ ثم دعا بالطرف. فقالت هند: ناوليني يا ليلى ذلك الطبق. فقالت ليلى]: لتَقُمْ صاحبة الحاجة إلى حاجتها. فأعادت عليها وألحت، فصاحت ليلى: وا ذلاه! يا لتغلب! فسمعها عمرو بن كلثوم، فثار الدم في وجهه، فنظر إليه عمرو بن هند فعرَف الشر في وجهه فوثب عمرو بن كلثوم إلى سيف معلق بالرواق ليس هناك سيف غيره، فضرب رأس عمرو بن هند، ونادى في بني تغلب، فانتهبوا ما في الرواق، وساقوا نجائبه، وساروا نحو الجزيرة. وزادت شهرته بعد قتل عمرو بن هند، ودخله زهو عظيم إلى أن تناضل هو ويزيد بن عمرو السحيمي، فصرعه السحيمي عن فرسه وأسره، فشده في القيد، وقال له أنت الذي تقول:
أما إني سأقرنك إلى ناقتي هذه، فأطردكما جميعًا. فنادى عمرو بن كلثوم: يا لربيعة أمثلة! فاجتمعت بنو لجيم، فنهوا يزيدَ، ولم يكن يريد ذلك به، إنما كان يبكته، فسار به حتى أتى قصرًا بحجر من قصورهم، فضرب عليه قبة، ونحر له، وكساه، وحمله على نجيبة.
السبب في قول معلقته
ولما فتك عمرو بن هند قال معلقته، وخطب بها في سوق عكاظ وفي موسم مكة وبنو تغلب يعظمونها جدًّا، ويرويها صغارهم وكبارهم، حتى هجاهم بذلك بعض بني بكر بن وائل، فقال:
خبر موته
وعمرو بن كلثوم معدود في المُعَمَّرين، روي أنه عاش مائة وخمسين سنة، ولما حضره الموت جمع بنيه، وقال: يا بَنِيَّ قد بلغت من العمر ما لم يبلغه أحد من آبائي، ولا بد أن ينزل بي ما نزل بهم من الموت، وإني والله ما عيَّرت أحدًا بشيء إلا عُيِّرْتُ بمثله إن كان حقًّا فحقًّا، وإن كان باطلًا فباطلا، من سَبَّ سُبَّ، فكفوا عن الشتم إنه أسلم لكم، وأحسنوا جواركم يُحسن ثناؤكم، وامنعوا من ضيم الغريب، فرُبَّ رجل خير من ألف، ورد خير من خلف، وإذا حُدِّثْتُم فعُوا، وإذا حَدَّثْتُم فأوجزوا؛ فإن مع الإكثار يكون الإهذار، وأشجع القوم العطوف بعد الكرة، كما أن أكرم المنايا القتل، ولا خير فيمن لا روية له عند الغضب، ولا إذا عوتب لم يعتِب، ومن الناس من لا يُرجى خيره، ولا يُخاف شره، فبكؤه خر من دره، وعقوقه خير من بره، ولا تتزوجوا في حيكم، فإنه يؤدي إلى قبيح البغض.