عنترة بن شداد
نسبه ولقبه
هو عنترة بن شداد، وقيل: ابن عمرو بن شداد، وقيل: عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد، وقال عبد القادر البغدادي: ابن قرادة بن مخزوم ربيعة، وقيل: مخزوم بن عوف بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر. ويلقب بعنترة الفلحاء «ذهبوا به إلى تأنيث الشفة، مأخوذ من الفلح، وهو انشقاق الشفة السفلى كما أن الأعلم مأخوذ من العلمة، وهي انشقاق الشفة العليا».
مكانته وشهرته
وهو أحد فرسان العرب المشهورين وأجوادهم المعروفين وأحد الأغربة الجاهليين. قال صاحب الأغاني: وهم عنترة وأمه زبيبة، وخفاف بن عمير الشريدي وأمه ندبة، والسليك بن عمير السعدي وأمه السلكة، وإليهن ينسبون. وكذا اقتصر عبد القادر البغدادي على هؤلاء الثلاثة، وفي القاموس: وأغربة العرب سودانهم، والأغربة في الجاهلية عنترة وخفاف بن ندبة وعمير بن الحباب وسليك بن السلكة وهشام بن عقبة بن أبي معيط إلا أنه مخضرم قد وُلد في الإسلام، ومن الإسلاميين عبد الله بن خازم وعمير بن أبي عمير وهمام بن مطرف ومنتشر بن وهب ومطر بن أوفى وتأبط شرًّا والشنفرى وحاجز غير منسوب. وكذا عدهم صاحب اللسان.
وكان أبوه نفاه واستعبده على عادة العرب مع أبناء الإماء؛ فإنهم يستعبدونهم إلا إذا ظهرت عليهم النجابة، وكان إخوته من أمه عبيدًا، وكانت امرأة أبيه واسمها سمية — وقيل: سمينة، وقيل: سهية — حرشت عليه أباه، وادَّعت أنه راودها عن نفسها، فغضب أبوه وضربه ضربًا شديدًا، فوقعت عليه سمية المذكورة، وكان أبوه يريد أن يقتله، فقال فائيته التي أولها:
القصيدة.
أول ما ظهر من أمره
وسبب اعتراف أبيه به أن بعض أحياء العرب أغاروا على بني عبس، فأصابوا منهم، واستاقوا إبلًا لهم، فلحقوا بهم، فقاتلوهم عمَّا معهم، وعنترة يومئذٍ فيهم، فقال أبوه: كِرَّ يا عنترة. فقال عنترة: العبد لا يحسن الكر، إنما يحسن الحلاب والصر. فقال: كِرَّ وأنت حُرٌّ. فكر وهو يقول:
فادَّعاه أبوه بعد ذلك، وألحق به نسبه، وقيل إن السبب في استلحاقه إياه أن عبسًا أغاروا على طيئ أصابوه نعمًا، فلما أرادوا القسمة قالوا لعنترة: لا تقسم لك نصيبًا مثل أنصبائنا لأنك عبد. فلما طال الخطب بينهم كرت عليهم طيئ، فاعتزلهم عنترة، وقال: دونكم القول فإنكم عددهم. واستنقذت طيئ الإبل، فقال له أبوه: كر يا عنترة. فقال: أوَيُحسن العبد الكر؟ فقال له أبوه: العبد غيرك. فاعترف به فكَرَّ، واستنقذ الإبل من طيئ، وجعل يرتجز بالرجز المتقدم.
شجاعته
وشجاعة عنترة أشهر من نار على علم، وروي أن عمرو بن معدي كرب — وكان معاصرًا له — قال: لو سرت بظعينة وحدي على مياه مَعَدٍّ كلها ما خفت أن أُغْلَبَ عليها ما لم يَلْقَنِي حُرَّاهَا أو عبداها، فأما الحران فعامر بن الطفيل وعتيبة بن الحارث بن شهاب، وأما العبدان فأسود بني عبس — يعني عنترة — والسليك بن السلكة، وكلهم قد لقيت، فأما عامر بن الطفيل فسريع الطعن على الصوت، وأما عتيبة فأول الخيل إذا أغارت وآخرها إذا آبت، وأما عنترة فقليل الكبوة، شديد الجلب، وأما السليك فبعيد الغارة كالليث الضاري.
وقيل لعنترة: أنت أشعر العرب وأشدها. قال: لا. قيل له: فبِمَ شاع لك هذا في الناس؟ قال: كنت أُقْدِمُ إذا رأيت الإقدام عزمًا، وأُحْجِمُ إذا رأيت الأحجام حزمًا، ولا أدخل موضعًا إلا أرى لي منه مخرجًا، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة يطير لها قلب الشجاع، فأثني عليه فأقتله، وقال عمر بن الخطاب — رضي الله عنه — للحطيئة: كيف كنتم في حربكم؟ قال: كُنَّا ألف فارس حازم. قال: وكيف يكون ذلك؟ قال: كان فينا قيس بن زهير، وكان حازمًا، فكنا لا نعصيه، وكان فارسنا عنترة، فكنا نحمل إذا حمل، ونحجم إذا حجم، وكان فينا الربيع بن زياد، وكان ذا رأي فكنا نستشيره ولا نخالفه، وكان فينا عروة بن الورد، فكنا نأتمُّ بشعره، فكنا كما وصفتُ لك. فقال عمر: صدقت، وروي أن رسول الله ﷺ قال: «ما وُصِفَ لي أعرابي فأحببت أن أراه إلا عنترة.»
سبب موته
واختُلِفَ في سبب موته، فقيل إنه أغار على بني نبهان من طيئ، فأطرد لهم طريدة وهو شيخ كبير، فجعل يرتجز وهو يطردها ويقول:
وكان وزر بن جابر النبهاني في فتوته، فرماه، وقال: خذها وأنا ابن سلمي فقطع معطاه، فتحامل بالرمية حتى أتى أهله، فقال وهو مجروح:
وقيل: إنه في غزوته إلى طيئ هذه كان مع قومه فانهزموا عنه فخَرَّ عن فرسه، ولم يقدر من الكِبَرِ أن يعود فيركب، فدخل دغلًا وأبصره ربيئة طيئ فنزل إليه، وهاب أن يأخذه أسيرًا، فرماه فقتله، وقيل: إنه كان قد أسن وافتقر وعجز عن الغارات، وكان له على رجل من غطفان بكر، فخرج يتقاضاه فهاجت عليه ريح شديدة في يوم صائف بين شرج وناظرة فقتلته.
وكان العرب تسمي معلقته المذهَّبة لحسنها، ومواقفه في حرب عبس وذبيان مشهورة في أيام العرب، أما الذي في سيرته فلا يُلتفت إليه؛ لأن أكثره موضوع لا يخفى على الصبيان.