لم يكن العلماء قطُّ متَّفقين على رأيٍ واحد أو مزاج واحد
بشأن إمكانية وجود حياةٍ خارج كوكب الأرض. ساد الموقف المنفتح
لهوجنس حتى جاء ويويل صلب الرأي وطالب ببعض الأدلة الحقيقية.
قدَّم سكاباريلي ولويل تصورًا جذابًا لأقرب جيراننا، وعلى
الرغم من أنه قد ثبت أن قنوات المريخ ليست سوى وهمٍ، تغلغلت
فكرة سكان المريخ في الثقافة الشعبية على مدار نصف القرن
التالي. لكن بحلول ستينيات القرن العشرين، تأرجَحَ البندول
في الاتجاه الآخر مع بدء علماء الأحياء في استكشاف آليات علم
الوراثة. بدت فكرة أن تظهر مصادفةً أنظمة مُعقدة وغير مُحتملة
— مثل الحمض النووي الريبوزي
RNA والحمض النووي
DNA — على أكثر من كوكب
كما ذكر الفيزيائي والكاتب ومُناصِر البحث عن ذكاءٍ خارج
الأرض، بول ديفيز: «مخزية لدرجةٍ قاربت السخف.»1
ولكن هناك دائمًا بعض العلماء الذين لا يُعيقُهم نعتُهم
«بالسخف». تذكر أن الستينيات كانت أيضًا الوقت الذي انطلق
فيه مشروع «أوزما» وظهرت فيه جماعة الدلافين. واليوم، كما
يلاحظ ديفيز، عادت لتسود رُوح التفاؤل السخيف لجماعة
الدلافين. يُظهر الصمت الذي يسود السماء حتى الآن أن الحياة
«الذكية» ستكون جائزة بعيدة المنال، لكن يَعتقِد مُعظم
الباحثين أننا أقرب من أي وقتٍ سبق في التاريخ من اكتشاف
مُؤشِّراتٍ على حياةٍ من نوعٍ ما خارج عالمنا؛ حياة بسيطة على
الأرجح.
ولكي نكون واضحِين، ليس لدَينا ذلك النوع الذي نُريده من
الأدلة الملموسة. نحن نعلم من الحفريات أن التولُّد
التلقائي، ظهور الكائنات الحية الذاتية التكاثُر من موادها
المولِّدة الكيميائية غير الحية، حدث هنا على الأرض منذ ٣٫٨
مليار سنة على الأقل، تقريبًا فور أن برَد سطح الكوكب
المُنصهِر الساخن وظهرت المحيطات. لكن حتى الآن ليس لدَينا
دليل مباشر على وجود حياةٍ في عوالم أخرى. سيكون من الرائع لو
عثرنا على سطح المريخ على حفريةٍ ما، أو ربما طرف أحد اللوامس
في تصدُّع جليدي على سطح القمر «أوروبا»، أو حتى مجرَّد آثار
كيميائية للعمليات العضوية في غلافٍ جوي بعيد. لكن لم
يُحالِفنا مثل هذا الحظ الحسَن بعد.
لكنَّنا «نُدرك الآن» أن عدد العوالِم الصالحة للعيش أكثر
بكثيرٍ ممَّا افترضنا سابقًا وأن الحياة على الأرض أكثر
تنوعًا بكثيرٍ ممَّا توقعنا في أيِّ يومٍ سبق. وكلاهما
مُؤشِّران غير مُباشرَين على وجود مسارٍ لظهور حياةٍ ذكية في
عوالم أخرى. لذلك عندما يكتب ديفيز أن «التغيير في المشاعر …
يرجع إلى الموضة وليس الاكتشاف»،2 أعتقد أنه يُظهِر بعض التذمُّر ليس إلَّا.
في الواقع، استمرَّت على مدى العقود الأربعة الماضية ثورة
في مجال علم الأحياء الفلكية الناشئ، وقد دعمتها الاكتشافات
في كِلا الجانبَين: «الفلكي» و«البيولوجي». (بالمناسبة، يا له
من أمرٍ رائع أن يَتقاضى هؤلاء الناس أجرًا على كونهم «علماء
أحياء فلَكية»! لو كنتُ طالبًا جامعيًّا اليوم، لكان هذا هو
تخصُّصي الرئيسي.)
حياة جديدة
عندما شرع دريك وأقرانه في بحثِهم قبل ٦٠ عامًا،
اعتقدوا أن الإشارات الكهرومغناطيسية القادمة من
الكائنات الذكية خارج الأرض ستكون علامتنا الوحيدة
المؤكَّدة على ظهور الحياة في مكانٍ آخر. لكن فهمنا
لكيفية عمل الحياة على الأرض — أماكن عيش الكائنات
الحية، وطُرق تطوُّرها، وقدراتها — قد تحوَّل جذريًّا منذ
ذلك الوقت. يبدو الآن أنه من المُحتمَل بالقدْر نفسه أن
نكتشف دليلًا على وجود حياةٍ ميكروبية أولًا؛ باستفادتنا
من فهمٍ جديد لأنواع البيئات التي يُمكِن أن تزدهر فيها
الحياة وكيف تُغيِّر الحياة نفسها في تلك
البيئات.
تأمَّل قصة كارل ووز. في عام ١٩٦٩، قرَّر ووز، عالِم
الأحياء الدقيقة بجامعة إلينوي في أوربانا، أنه يُريد أن
يعرف متى تباعَدَت أصناف البكتيريا المختلفة بعضها عن
بعض في شجرة التطور، أو ما كان يُعتقَد حينها أنه شجرة.
وبعد أن أمضى سنواتٍ في تحليل تسلسل الحمض النووي
الريبوزي للريبوسومات — ما يُعَد عملًا خارقًا في الأيام
التي سبقت ظهور أجهزة السلسلة الجينية الآلية — نشر ورقة
بحثية في عام ١٩٧٧ أعلن فيها أنه اكتشف شكلًا جديدًا
تمامًا من أشكال الحياة، وهو العتائق. لطالَما حدث خلط
بين هذه الكائنات الحية الصغيرة الوحيدة الخلية وبين
البكتيريا، لكن ووز أظهر أن شفرتها الجينية تختلف في
الواقع عن الشفرة الجينية للبكتيريا بالقَدر نفسه الذي
تختلف به عن شفرتنا الجينية. وعلاوة على ذلك، اكتشف
دليلًا هائلًا على انتقال الجينات بين العتائق، وهذا
الانتقال عبارة عن حركة جانبية للجينات من كائنٍ حي إلى
آخر وليس من الآباء إلى الأبناء، وغالبًا ما يحدث عبر
خطوط الأنواع. أصبح من الواضح في النهاية أن شجرة
الداروينية الكلاسيكية أشبه بشجرة أَثأَب مجنونة، بفروع
مستمرة في التداخُل والتقاطع. قاوم مجتمع علم الأحياء
النتائج التي توصَّل إليها ووز لسنواتٍ عديدة، لكننا نعرف
اليوم أن العتائق هي أحد أشكال الحياة السائدة على
الكوكب، وأن النقل الجيني الأُفقي أمر شائع. وفي الواقع،
تتكوَّن نسبة سبعة بالمائة من الجينوم البشري من جينات
فيروسية أدخلتها إليه فيروسات قهقرية.3
وما يجعل هذه القصة مُذلة ومُخجلة لنا نحن البشر هو أنه
حتى أواخر سبعينيات القرن العشرين، كان هناك نطاق كامل
من الكائنات الحية لم نُلاحظه، وكان يستخدِم شكلًا من
أشكال التبايُن الوراثي الذي لم نكن نحلم بوجوده. جعلت
رُؤى ووز علماء الأحياء يُعيدون التفكير في الأيام
الأولى للحياة على كوكب الأرض، وعقَّدت بشكلٍ كبير تصوُّرَهم
عن التطور. وأشار الاكتشاف إلى أنَّنا إذا غفلنا عن اكتشاف
شكلٍ وفير من أشكال الحياة على كوكبنا، فربما سيكون
تصورنا عن الحياة في مكانٍ آخر محدودًا بالقَدر
نفسه.
ولكن لم تكن هذه سوى البداية؛ فسيتبيَّن أن عام ١٩٧٧
سيكون عامًا عظيمًا للعلماء المهتمين بما قد تكون عليه
الحياة في عوالم أخرى.
حدثت صدمة العام التالية على بُعد كيلومترَين أسفل سطح
المحيط الهادي، نحو ٢٨٠ كيلومترًا شمال شرق جزر
جالاباجوس. كان باحثون من «مؤسسة وودز هول لعلوم
المحيطات» WHOI يرسمون
خرائط قاع البحر بالاستعانة بكاميرا عن بُعدٍ عندما ظهَر
لهم في الصور شيء غير متوقَّع، وهو مُستعمَرة من الحلزون
الصدفي الأبيض. لم يكن ذلك مُتوافقًا مع عقيدة ذلك
الوقت، التي كانت تقول بأنَّ الكائنات الحية التي يُعثَر
عليها في مثل هذا العُمق الكبير وفي مثل هذا الظلام
الدامس ستكون نادرةً ومُتفرِّدة. لذلك استقل الجيولوجيان
جون كورليس وجون إدموند الغواصة «ألفين»، وهي الغواصة
البحثية الشهيرة التي كانت تُشغِّلها مؤسسة وودز هول
لعلوم المُحيطات، كي يتقصَّيا الأمر من مصدره المباشر.
وما اكتشفاه بالقُرب من أحد الينابيع حيث كانت المياه
الحارة تترشَّح للأعلى عبر أرضية البحر كان من شأنه أن
يُطلق شرارة علمٍ جديد كليًّا. يقول الكاتب العِلمي ديفيد
تومي موضحًا في كتابه الرائع «الحياة الغريبة»: «كان
الأمر بمثابة حديقةٍ رائعة تحت البحر، واحة تنبض
بالحياة.» كانت هناك شقائق النعمان، والحلزون الصدفي
العملاق، وسرطان البحر، والأسماك، وبلح البحر، كلها تعيش
في مياهٍ تحتوي على مستويات عالية من كبريتيد الهيدروجين.
وسرعان ما قرَّر علماء مؤسسة وودز هول لعلوم المحيطات أن
البكتيريا كانت تقوم بعملية التمثيل الكيميائي؛ أي إنها
تتغذَّى على كبريتيد الهيدروجين وتُكوِّن قاعدة لسلسلة
غذائية كاملة تعمل دون حاجة إلى البناء الضوئي.4
بعد ذلك بعامَين، زار كورليس وإدموند موقعًا أكثر غرابة
تحت البحر بالقُرب من خليج كاليفورنيا، حيث كانت هناك
مداخن طبيعية تضخُّ إلى الخارج مياهًا شديدة السخونة مليئة
بكبريتيد الحديد. أكدت «فوَّهات الدخان السوداء» هذه أن
المخارج المائية الحرارية يُمكن العثور عليها على حدود
الصفائح التكتونية للأرض. كان الجزء غير المتوقَّع من
الحكاية هو الحجم الهائل للحياة حول تلك المخارج. فعلى
الرغم من درجات حرارة المياه المرتفعة ارتفاعًا لا
يُصدَّق — ٣٠٠ درجة مئوية أو أكثر عند فوَّهات الدخان —
كانت المَخارج مُحاطةً بحصائر من بكتيريا التمثيل
الكيميائي، والعتائق كما اتَّضح فيما بعد. دعمت هذه
الكائنات الحية الدقيقة النُّظم البيئية الغنية لبطنيات
الأرجل، وثنائيات الأصداف، والقِشريات، والحلقيات، بما
في ذلك الديدان الأنبوبية العملاقة الغريبة
الشكل.
السبب الوحيد في عدم غليان المياه الشديدة السخونة هو
أنها تقع تحت ضغطٍ هائل للمُحيط من فوقها. وقبل هذه
الاكتشافات، لم يكن علماء الأحياء يَفترضُون أن الحياة
يُمكن أن تزدهر وسط هذه المستويات من الضغط ودرجة
الحرارة أو مثل هذا الحمَّام الساخن من المعادن الذائبة
والفلزات الثقيلة، ناهيك عن قِلَّة ضوء الشمس. لكن
النتائج أثارت طوفانًا من الاهتمام بالكائنات المحبة
للظروف القاسية، وهي الكائنات الحية التي تَكيَّفت للعيش
في البيئات القاسية التي من شأنها أن تُدمر أقاربها من
الكائنات الأكثر هشاشةً. وفجأةً بدا أكثر صلةً بالموضوع
بحث يعود إلى ستينيات القرن العشرين عن البكتيريا
«المُحبة للظروف الفائقة الحرارة» التي تنمو في مياهٍ
درجة حرارتها ٩٠ درجةً مئوية في الينابيع الساخنة في
مُتنزَّه يلوستون الوطني.
عندما بدأ الباحثون البحث عن حياةٍ في مواقع كان يُعدُّ
سابقًا أنه من غير المرجَّح وجود حياةٍ فيها، اتَّضح أن
الحياة موجودة في كل مكانٍ تقريبًا. وانضمَّت الآن إلى
«مُحبات الملوحة» — الميكروبات المحبة للملح التي عُثِر
عليها في البحر الميت في ثلاثينيات القرن العشرين —
«مُحبات الحموضة» (الكائنات المُحبة للأحماض، الموجودة
في اليَنابيع البركانية والمناجم)، و«مُحبات البرودة»
(الكائنات المُحبة لدرجات الحرارة المُنخفِضة، التي تُوجَد
في الجليد القُطبي والتربة الصقيعية)، و«مُحبات الضغط»
(الكائنات المُحبة للضغط، التي تُوجَد عميقًا تحت الأرض
أو في الخنادق المحيطية)، و«مُحبات الظروف القاسية
المتعدِّدة» (مثل «ثيرموكوكوس باروفيلوس»، وهو نوع من
العتائق يتغذَّى على الكبريت ويُوجَد في المخارج المائية
الحرارية في أعماق البحار)، وحتى «مُحبات الإشعاع» (مثل
الفِطريات التي وُجِد أنها تُحوِّل الإشعاع المُؤيِّن
إلى طاقة قابلة للاستخدام في قلب مفاعل تشيرنوبيل
المنكوب).5
يبدو الآن أن الحياة القائمة على الحِمض النووي يُمكن
أن تُوجَد حيثما وُجِدَ الماء. ففي عام ٢٠١٣، وُجِد أربعة
آلاف نوعٍ من البكتيريا والعتائق في عينات مأخوذة من
بحيرةٍ في القارة القطبية الجنوبية، والتي كانت قد
عُزِلَت عن الشمس تحت مسافة ٨٠٠ متر من الجليد لما لا
يقلُّ عن ١٢٠ ألف سنة.6 يُعتقَد أن هناك في القِشرة القارية، على
مسافة ثلاثة إلى ستة كيلومترات تحت السطح، «مُحيطًا
حيويًّا عميقًا» يتكوَّن من البكتيريا والعتائق التي
تُجري تمثيلًا غذائيًّا للمواد الغذائية
الكيميائية.7
وخلاصة كل هذه الاكتشافات هو أن الحياة تمتلك قدرة
مذهلة على التكيف. وهذه النتيجة تُوسِّع بدورها مفاهيم
علماء الأحياء الفلكية حول نطاق البيئات الذي من شأنه أن
يكون صالحًا للعيش على الكواكب الأخرى. ذكر المجلس
القومي الأمريكي للبحوث في عام ٢٠٠٧ في تقريرٍ حول
مُتطلَّبات الحياة الأساسية والاتجاهات المستقبلية لعِلم
الأحياء الفلَكية أنه على الأرض «الحياة هي القاعدة
وليست الاستثناء».8 وليس ثمَّة سبب لافتراض أن الطبيعة أقل
إبداعًا في عوالم أخرى.
يبدو الآن أن الحياة القائمة على الحِمض النووي
يُمكن أن توجد حيثما وُجِدَ الماء.
حتى إنه من المُمكن، في واقع الأمر، أن تكون هناك الآن
ميكروبات أرضية على سطح المريخ؛ انتقَلَت عن طريق مركبة
ناسا المتجوِّلة «كيريوسيتي». قرَّرت وكالة الفضاء بعد
الإطلاق أن هناك أجزاءً من المركبة لم يتمَّ تعقيمُها
وفقًا للإجراءات المناسبة، وأظهرت المسحات التي تمَّ
أخذُها أنه حتى أجزاء المركبة التي تمَّ تنظيفها تنظيفًا
صحيحًا بالبيروكسيد والأشعة فوق البنفسجية حملت على
متنها أكثر من ٦٠ نوعًا من البكتيريا.9 من غير المعروف ما إذا كانت هذه الميكروبات
قادرة على البقاء على قيد الحياة في الرحلة الطويلة إلى
المريخ والظروف القارسة على سطحه أم لا. لكن عبر التجارب
في محطة الفضاء الدولية، يعلَم العلماء أن أبواغ بعض
أنواع العصويات يُمكنها أن تبقى على قيد الحياة في
الفضاء — وهو بيئة قاسية للغاية — لمدة ١٨ شهرًا على أقل
تقدير.10
غزاة الفايكنج
بالحديث عن الكوكب الأحمر، فلنَعُد مرةً أخرى إلى عامي
١٩٧٦ و١٩٧٧. ثالث تطوُّر كبير في تلك الفترة، من منظور
علماء الأحياء الفلَكية، كان وصول المركبتَين
الفضائيتَين التوءمتَين «فايكنج» على سطح المريخ. هبطت
المركبة «فايكنج ١» في منطقة «كريسي بلانيتيا» في ٢٠
يوليو ١٩٧٦، وهبطت المركبة «فايكنج ٢» في منطقة «أوتوبيا
بلانيتيا» في ٣ سبتمبر. وحتى يومنا هذا، لا يزال هذان
المِسباران هما الوحيدَين على الإطلاق اللذين صُمِّما
وأُطلِقا بهدف الاختبار المباشر لعلامات وجود حياة خارج
كوكب الأرض.
جُهزَت كلتا المركبتَين بمجارف آلية يُمكنها إحضار حفنة
من تربة المريخ وإلقاؤها في نظام التجارب البيولوجية
لإجراء أربعة أنواعٍ من الدراسات. كان هناك جهاز يُسمَّى
مطياف الكتلة والاستشراب الغازي الذي كان بإمكانه تسخين
التربة وقياس كتلة الجزيئات المتبخِّرة للتعرُّف عليها من
خلال أوزانها الجزيئية. انطوَت تجربة مُبتكَرة ﻟ «تبادل
الغازات» على إضافة مُغذيات عضوية للتربة ثم المشاهدة
لمعرفة ما إذا كان سيَنبعِث منها الأكسجين، وثاني أكسيد
الكربون، والنيتروجين، والهيدروجين، والميثان؛ أي جميع
العلامات التي تحتمِل وجود ميكروبات في التربة تُجري
تمثيلًا غذائيًّا للعناصر الغذائية. كانت تجربة «الإطلاق
الموسوم» مُماثلة، باستثناء أن العناصر الغذائية
المُضافة كانت تحتوي على
14C،
وهو نظيرٌ مُشِعٌّ من الكربون، وقد رُصِد الهواء فوق
العيِّنة لمعرفة ما إذا كان يشتمل على غاز
14CO2
أو
14CH4
منطلق من الخليط، وأي منهما كان سيُمثِّل علامةً أخرى على
وجود الحياة. عرَّضت تجربةٌ أخيرة ﻟ «الإطلاق التحليلي
الحراري» عيِّنةَ التربة إلى غازٍ يُشبه الغلاف الجوي
لكوكب المريخ، غير أنَّ الغازات الحاملة للكربون كانت
مُكوَّنة من
14C؛
وكانت الفكرة هي معرفة ما إذا كانت هناك أيُّ كائناتٍ حية
تقوم بالبناء الضوئي في التربة ويُمكنها تحويل هذا
الكربون المشعِّ إلى كتلة حيوية.
جاءت النتائج من كلتا المركبتَين سلبية، في الغالب
الأعم. لم يَعثُر الاستشراب الغازي على أي أثرٍ لوجود
جزيئات عضوية؛ فلم تَكتشِف تجربة تبادل الغازات أي
علامات على حُدوث تمثيلٍ غذائي، ولم تجد تجربة الإطلاق
التحليلي الحراري أيَّ دليلٍ على عملية البناء الضوئي.
لكن تجربة الإطلاق الموسوم كانت استثناءً مُحيرًا. في
كلتا المركبتَين، «فايكنج ١» و«فايكنج ٢»، امتصَّت عينات
التربة المُغذيات وبدأت على الفور في إنتاج
14CO2
مشع. اختفى التأثير في عينات التحكم التي تمَّ تعريضها
للحرارة أو عزلها لفترة كافية لقتل أي كائناتٍ حية دقيقة،
وهو تمامًا ما كنتَ ستتوقَّعه إذا كانت في التربة كائنات
حية تُجري عملية التمثيل الغذائي. ولكن نظرًا لعدم حدوث
التحقُّق عبر تجارب أخرى، قلَّلت ناسا من أهمية نتائج
تجربة الإطلاق الموسوم. وافترض الباحثون أن الكربون
المُشع الذي اكتشفته التجربة يمكن أن يكون نتاج تفاعل
أكسدة غير عضوية.
لكن مُصمِّم تجربة الإطلاق الموسوم، جيلبرت ليفين، وهو
مهندس بجامعة ولاية أريزونا، يعتقد حتى يومِنا هذا أن
المركبتَين قد اكتَشفتا كائناتٍ دقيقة مرِّيخية.11 يقول جويل ليفين، عالم أبحاث سابق في ناسا
إنه بعد مرور أكثر من ٤٠ عامًا على بعثتَي «فايكنج» «لا
نزال نُناقش ما إذا كانت هناك حياة على سطح المرِّيخ أم
لا».12
علم الأحياء الخارجية (كما كان علم الأحياء الفلَكية
معروفًا حتى عام ١٩٩٠) هو علم قائم على الكثير من
النظريات والتكهُّنات وليس على الكثير من البيانات
الثابتة، ولم تتمكَّن بعثتا «فايكنج» من إصلاح ذلك. غير
أن هذا التوصيف كان بالإمكان أن يتغيَّر بهبُوط مركبة
«إكسو مارس روزاليند فرانكلين» الجوَّالة، التابعة
لوكالة الفضاء الأوروبية، على سطح المريخ في عام ٢٠٢١.
ستُجري المركبة الجوالة تجربةً مُصمَّمة لاختبار ما إذا
كانت الأكسدة تُمثِّل تفسيرًا معقولًا لنتائج تجربة
الإطلاق الموسوم لبعثتي «فايكنج». وستبحَث المركبة
الجوالة عن حَفريات دقيقة حول المسطحات المائية التي
كانت على الكوكب فيما مضى. وهي مجهَّزة بمطيافات على
غرار مطيافات بعثتَي «فايكنج»، والتي لن تبحث عن
الجزيئات العُضوية فحسب، ولكن أيضًا عن دليلٍ على
الكيرالية، أو «اليدوانية». تأتي اللبنات الأساسية
للحياة، مثل السكريات والأحماض الأمينية، في صور مرآوية
«يمينية» أو «يسارية». ولتحقيق أداءٍ أكثر كفاءةً،
تُفضِّل الكائنات الحية الأرضية استخدام صورةٍ كيرالية
واحدة فقط؛ فجميع السكريات يمينية، وجميع الأحماض
الأمينية يسارية، على سبيل المثال. وإذا وجدت المركبة
الجوالة «إكسو مارس» جزيئات عضوية، وإذا تفوَّقت إحدى
صورتَي الكيرالية على الأخرى، فستكون تلك علامةً قوية على
وجود حياة. (من المفارقات أن ليفين كان يُخطط لتضمين
تجربة للكيرالية في مركبتَي «فايكنج»، لكن الأمر لم
يتمَّ بسبب الحاجة إلى خفض التكاليف.)13
بحار مختلفة
كان هناك تقدُّم آخر في عام ١٩٧٧ ساعَدَ في تغيير
الطريقة التي نُفكر بها في الحياة في عوالم أخرى. كما
رأينا في الفصل الثاني، كان ذلك العام الذي أطلقت فيه
ناسا مسباري «فوياجر» الآليين تجاه المشتري والنظام
الشمسي الخارجي. أما وقد غادَرَت كِلتا المركبتَين
النظام الشمسي الآن، فقد أصبحتا سفيرتَين وحيدتَين
مُهمَّتهما الرئيسية المُتبقية هي حمل سجلاتهما الذهبية
إلى الفضاء العميق بين النجوم. ولكن عندما مرَّتا
بالمشتري وزُحَل وأقمارهما بين عامَي ١٩٧٩ و١٩٨١، أرسلتا
صورًا وقياساتٍ دفعت علماء الكواكب إلى إدراكٍ جديد: أنه
ربما تُوجَد مآوٍ للحياة في نظامِنا الشمسي خارج «منطقة
جولديلوكس» التقليدية التي تدور فيها الأرض.
وبالنسبة إلى علماء الأحياء الفلَكية، تركَّزت الإثارة
في ثلاثة عوالم: قمر المشتري «أوروبا»، وقمري زحل
«إنسيلادوس» و«تيتان».
أظهرت صور «أوروبا» من التحليق المنخفض لمسبار «فوياجر١» حول كوكب المشتري في أوائل
عام ١٩٧٩ قشرةً من جليد
الماء محفورة بها شبكة من الخدوش الطويلة، الأمر الذي
يُذكِّرنا بقنوات سكاباريلي على المريخ. ولكن عندما
اقترب مسبار «فوياجر٢» أكثر من «أوروبا» بعد أربعة
أشهر، ظهرت الخطوط على شكل أوردة بُنية دقيقة كما لو كانت
مرسومة عبر سطح مُستوٍ إلى حدٍّ لا يُصدَّق، السطح
الأكثر استواءً في النظام الشمسي. والتفسير الأكثر
احتمالًا هو أن الأوردة كانت أماكنَ تصدَّعت فيها إحدى
القشور الجليدية في «أوروبا»، مما سمحَ للمياه المالحة
بالصعود من مُحيطٍ سائلٍ أسفلَها، ثم تجمَّدت في صورة جليدٍ
أحدثَ تكوينًا وأكثرَ قتامةً في لونه.
بعد التحليق المُنخفِض، تكهَّن علماء بعثة «فوياجر» أن
محيط «أوروبا» قد بقيَ في حالة سائلة بفعل ثني المد
والجزر، وهي عملية الاستطالة والاحتكاك نفسها التي
تُولِّد البراكين المذهلة على القمر الأقرب للمشتري؛ قمر
«آيو». اكتشفَت بعثة جاليليو التابعة لوكالة ناسا بعد
ذلك بكثيرٍ أن للقمر «أوروبا» مجالًا مغناطيسيًّا، مما
يدعم فكرة وجود طبقةٍ مُوَصِّلة عميقة من الماء السائل
المالح. وحتى في وقتٍ لاحق، رصد تلسكوب هابل الفضائي
فوَّاراتٍ ضخمةً من المياه تتدفَّق من القطب الجنوبي للقمر
«أوروبا».
يتطلَّب ظهور الحياة، في أي صورةٍ يُمكننا تصوُّرها، وسطًا
سائلًا للتفاعُلات الكيميائية ونقل المواد مثل العناصر
الغذائية والفضلات عبر غشاء الكائن الحي. الماء مثالي
نوعًا ما بسبب خصائصِه كمُذِيب. أدَّى بالطبع اكتشاف محيط
مائي سائل على سطح القمر «أوروبا» — وهو في الواقع
الأكبر في المجموعة الشمسية؛ ويُمثل ضعفًا إلى ثلاثة أمثال
حجم مُحيطات الأرض — إلى تساؤل علماء الأحياء الفلكية عن
احتمالية وجود حياة هناك.
وبسبب حصار القمر «أوروبا» أسفل القشرة الجليدية، فإنه
لن يحصل على ضوءٍ من الشمس، لكن هذا ليس عائقًا، نظرًا
لِما نعرفه الآن عن قدرات التمثيل الكيميائي لمُحبات
الظروف القاسية على الأرض. قد تُوفِّر القشرة في الواقع
حماية جوهرية من الأحزمة الإشعاعية القاتلة لكوكب
المشتري. ولأن علماء الفلك يعتقدون أن مُحيطات «أوروبا»
تتفاعل مع قلبها الصخري، فمن المُمكن أن يكون «الغذاء»
الكيميائي وفيرًا هناك في الأسفل. (في وقتٍ ما في
عشرينيات القرن الحادي والعشرين، ستُحاول إحدى بعثات
وكالة ناسا التي تُسمَّى بعثة «التحليقات المتعددة حول
«أوروبا»» التحليق عبر أعمدة بخار الماء، مما يَسمَح لها
بأخذ عيِّنات من المواد العضوية من محيط «أوروبا» دون أن
تلمس سطح القمر على الإطلاق.)14
اتَّضح أن القمر «إنسيلادوس»، الذي زاره مسبارا
«فوياجر» في عام ١٩٨١، عبارة عن قمر «أوروبا» مُصغَّر،
وأن له مُحيطًا من المياه السائلة مُغطًّى بالجليد. كان
اختلاف المناطق فيه بين المناطق التي تسودها الحُفر
والمناطق الملساء علامة على أن أجزاءً من تضاريسِه أحدث
من أجزاء أخرى، وربما تكون مُغطَّاة بجليد مُتكوِّن حديثًا
من البراكين المائية. يظلُّ مصدر الحرارة الداخلية في
«إنسيلادوس» لغزًا؛ لأن مدارَه ليس منحرفًا بالدرجة التي
تجعل قُوى المدِّ والجزر تلعب فيه دورًا كبيرًا. لكن بعثة
«كاسيني» المشتركة بين ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية
أكَّدت وجود مياه أسفل الجليد، وكشفت عيِّنات من الأعمدة
عن مزيجٍ يُشبه المُذَنَّب من بخار الماء، والنيتروجين،
والميثان، وثاني أكسيد الكربون، والهيدروكربونات. اكتشفت
بعثة «كاسيني» أيضًا الهيدروجين الجزيئي، وهو علامة على
أن مُحيط «إنسيلادوس» ربما قد غذَّته منافس مائية مثل
تلك الموجودة هنا على الأرض. لا عجب أن علماء الأحياء
الفلَكية قد تقدموا بما لا يقلُّ عن خمسة مُقترحات
للعودة إلى «إنسيلادوس» للبحث عن حياة.
ثم هناك القمر «تيتان»، أكبر كواكب زُحل وأكثرها إثارة
للاهتمام. أثبت مسبارا «فوياجر» أن هذا الكوكب مُغطَّى
بضباب دخاني برتقالي كثيف ينبعث عندما تعمل أشعة الشمس
فوق البنفسجية على تكسير غاز الميثان في الغلاف الجوي
العلوي. وجد مسبارا «فوياجر» أنه أسفل طبقة الضباب
الدخاني يوجَد غلاف جوي سميك ومُعتدل الحرارة نسبيًّا من
النيتروجين والميثان؛ حيث يُنتِج الميثان تأثير الدفيئة
الذي يُبقي درجة حرارة السطح عند١٨٠ درجة
مئوية.
من الواضح أن هذه أجواء باردة مُقارنة بدرجات الحرارة
على الأرض، لكنها دافئة بما يكفي للحفاظ على
الهيدروكربونات في حالة سائلة، ممَّا يُوحي أن «تيتان»
قد تكون عليه بحيرات من الميثان والإيثان السائلَين.
أكَّدت بعثتا «هابل» و«كاسيني» لاحقًا هذه الفرضية
بكشفهما عن بركةٍ في حجم بحيرة ميشيجن من هذين السائلين.
أرسل مسبار «هوجنس»، الذي هبط على سطح القمر «تيتان» في
عام ٢٠٠٥ صورًا لقنوات ضخمة نحتَتها أنهار من الميثان
ولسطحٍ مملوء بصخور الجليد المائي ومُغبَّر بالثلج
الهيدروكربوني الداكن.
لماذا يجب أن يهتمَّ علماء الأحياء الفلَكية ببحيرات
الميثان؟ حسنًا، الماء هو المذيب الأكثر شيوعًا لدعم
الحياة؛ ولذلك تبنَّت ناسا العبارة «اتبع الماء» في
بحثها عن الحياة في النظام الشمسي. لكن الماء ليس هو
المُذيب المحتمَل الوحيد. يقول المجلس القومي الأمريكي
للبحوث في تقريره عام ٢٠٠٧: «إن بحثنا العملي عن حياة
خارج كوكب الأرض ينصبُّ على الكواكب والأقمار التي تحتوي
على المياه بسبب إمكانية دعمِها لحياةٍ تُشبه الحياة على
الأرض.» ولكن «هذا لا يمنع وجود استراتيجيات للبحث عن
حياة أساسها الكربون تزدهر في مُذيبات غير مائية، مثلما
هو الحال على سطح القمر «تيتان».»15
لا أحد يعرف كيف يُمكن أن تبدأ الحياة في غاز الميثان.
لكن لا أحد يعرف أيضًا كيف حدث التولُّد التلقائي هنا
على الأرض. تكون المذيبات العُضوية مثل الميثان والإيثان
سامةً في العموم للكائنات الدقيقة الأرضية القائمة على
الكربون. لكن علماء الأحياء الفلَكية تخيَّلوا «خلايا»
لها أصداف خارجية قائمة على الميثان تحمي الآلية
الجزيئية التي تُنتِج المياه.16 وقد رسموا أنظمة للبوليمرات الجينية التي
كان من شأنها أن تحتفظ بالمعلومات القابلة للتوريث سليمة
حتى في المحاليل غير المائية، فضلًا عن التمثيلات
الغذائية القائمة على عملياتٍ مثل تحويل الأسيتيلين إلى
ميثان. لم تُلاحَظ على الإطلاق مثل هذه الأشكال من
الحياة البديلة أو «الغريبة» على الأرض؛ حيث يبدو أن
التولُّد التلقائي قد حدث مرةً واحدة فحسب أو أنَّ الحياة
القائمة على الحِمض النووي قد قضَت على الأشكال
البديلة.17 لكنها ليست مُستحيلة ما دامت المتطلبات
الأساسية للحياة موجودة؛ أي البيئة السائلة الغنية بمصدر
للطاقة، والعديد من الذرَّات التي تحتوي على الكربون،
ودرجات الحرارة العالية بما يكفي للسماح بحدوث
التفاعُلات الكيميائية الأساسية.
لا أحد يَعرف كيف يمكن أن تبدأ الحياة في غاز
الميثان. لكن لا أحد يعرف أيضًا كيف حدث التولُّد
التلقائي هنا على الأرض.
قاد مثل هذا التفكير اللجنة إلى ما وراء دراسة المجلس
القومي الأمريكي للبحوث في عام ٢٠٠٧ لاستخدام ما كان، في
نظر العلماء، لغة قوية للغاية:
إذا كانت الحياة خاصية جوهرية للتفاعُلات
الكيميائية، فلا بد أن تُوجَد على سطح القمر
«تيتان». في الواقع، إن لم يكن هناك حياة على
سطح القمر «تيتان»، فسيتعيَّن علينا أن نُرجِّح أن
الحياة ليسَت خاصية جوهرية للجزيئات المحتوية
على الكربون في ظلِّ الظروف التي تكون فيها
مستقرة. عوضًا عن ذلك، لا بدَّ أن نستنتج أن
الحياة إما أنها نادرة في هذه الشروط أو أن
[هكذا وردَ] هناك شيء مميز، وأفضل، في البيئة
التي تُوفرها الأرض (بما في ذلك
مياهها).18
من وجهة نظر الثقافة العِلمية الغارقة
في الكوبرنيكية، تقترب فكرة وجود شيء مميز في الأرض،
بالطبع، من الهرطقة. ويُعدُّ ذلك جزءًا كبيرًا من الدافع
وراء النظر فيما وراء الأقمار «أوروبا»، و«إنسيلادوس»،
و«تيتان» للبحث عن المزيد من الأماكن التي ربما تكون
مَوئلًا للحياة.
عوالم جديدة غريبة
في عام ١٧٥٥، نشر الفيلسوف إيمانويل كانط، من بين جميع
الناس، شرحًا لطريقة تكوُّن مجموعتنا الشمسية، والذي
تبيَّن أنه الشرح الصحيح؛ وذلك تحت عنوان «التاريخ
الطبيعي العالمي ونظرية السماوات». في الأساس، تتجمَّع
سُحب الهيدروجين فيما بين النجوم تحت تأثير الجاذبية في
صورة كُرات تدور، وتهوي، وتَشتعِل كالنجوم وتُشكِّل
أقراصًا كوكبية أولية. تتَّحد حبات الغبار حول النجوم
لتُشكِّل كواكبَ مُصغَّرة، ثم جنينًا كوكبيًّا، ثم (في بعض
الأحيان) كواكبَ صخرية مثل عطارد، والزهرة، والأرض،
والمريخ. وإذا كانت الأجنة الكوكبية كبيرة وبعيدة بما
يكفي عن نجمها؛ تبدأ في جمع الهيدروجين والهيليوم التي
تدفعها طاقة النجم الجديد إلى الخارج، وتنتفخ لتصبح
كواكبَ غازيةً عملاقة مثل المشتري، وزحل، وأورانوس،
ونبتون.
وبمجرد أن اكتشف علماء الفلك تفاصيل «نموذج القرص
السديمي الشمسي» هذا، بدا واضحًا أن الشيءَ نفسه سيَحدُث
حول النجوم الأخرى. غير أنه مرَّ وقتٌ طويل للغاية قبل
أن يحصلوا على دليلٍ على أن كواكب مجموعتنا الشمسية
الثمانية ليسَت الكواكب الوحيدة في المجرة.
كان أول نجمٍ كشف عن كواكبه نجمًا نابضًا يُسمَّى
PR1257+2، وهو عبارة
عن بقايا نجم ذي كتلةٍ كبيرةٍ انفجَر كمُستعرٍ أعظم.
بتتبُّع التغييرات الطفيفة في معدَّل دوران النجم النابض،
استنتج علماء الفلك الراديوي في عام ١٩٩٢ أن للنجم
النابض ثلاثة كواكب، كلها على ما يبدو تشكَّلت من الحطام
الذي خلفه المستعر الأعظم.
لكن النجم PR1257+2
كان حالة غريبة، وقد ضاهاه بعد ثلاث سنوات الكشف عن أول
كوكبٍ خارجي حول نجمٍ شبيهٍ بالشمس، وهو النجم «٥١ بيجاسي».
تبلغ كتلة الكوكب، الذي سُمِّي فيما بعد «ديميديوم»، نصف
كتلة كوكب المشتري، على أقل تقدير، ولكن مَداره يُقرِّبه
بشكلٍ غير مُتوقَّع من النجم «٥١ بيجاسي»؛ وجعله هذا النموذج
الأوَّلي لفئة من الكواكب الخارجية تُسمى الآن «كواكب
المشتري الساخنة». وكان الاكتشاف، الذي توصَّل إليه
ميشيل مايور وديدييه كيلوز بجامعة جنيف بسويسرا، بمثابة
الدويِّ الذي أطلق العنان لطُوفانٍ بحجم جبال الألب من
اكتشافات الكواكب الخارجية؛ إذ اكتُشِفَ أكثر من أربعة
آلاف كوكبٍ حتى وقتِ كتابة هذه السطور. وقد أثار هذا
الطوفان بدوره سحابةً من الأفكار الجديدة حول الحياة خارج
الأرض والظروف التي قد نجدُها فيها.
عادةً لا يُمكنك ببساطة توجيه تلسكوبٍ بصري نحو نجمٍ بعيد
ورؤية كواكبه. فحينها ستجد تلك الكواكب باهتةً للغاية،
وسيَحجُبها ضوء نجمها في جميع الأحوال. عادةً ما يلجأ
علماء الفلك إلى المزيد من الطُّرق غير المباشرة، وقد
توصَّلُوا حتى الآن إلى طريقتَين ناجحتَين
للغاية.19 تتمثل طريقة السرعة الشعاعية في مُراقبة أي
حدوثٍ لتأثير دوبلر في الخطوط الطيفية المميزة للنجم
للبحث عن حركة تذبذبية أثناء تحركه في الفضاء، وهو مؤشر
واضح على أن حوله كوكبًا أو أكثر. ومن خلال حجم وفترة هذه
التقلُّبات، يُمكن لعلماء الفلك تحديد نصف القطر المداري
والكتلة التقريبية لتلك الكواكب. هكذا عثَر مايور وكيلوز
على كوكب «ديميديوم»، الذي اتَّضح أنه يدور حول النجم
«٥١ بيجاسي» في ٤٫٢٣ أيام فقط، على مسافة ٠٫٠٥ وحدة
فلَكية؛ أي إنه أقرب بكثيرٍ من نجمه مُقارنةً بقُرب عطارد
من شمسنا. لكنه لم يعْدُ كونه أول كوكب يُكتشَف باستخدام
طريقة السرعة الشعاعية؛ فحتى كتابة هذه السطور، تمَّ رصد
٧٦٠ كوكبًا خارجيًّا آخَر بهذه الطريقة.20
كشفت التقنية الرئيسية الأخرى، وهي طريقة العُبور
الفلَكي، عن العديد من الكواكب الأخرى؛ ٣١١٤ حتى الآن.
تَقيس هذه الطريقة ضوء النجم لترى ما إذا كان يخفُت
قليلًا عندما «يعبر» أحد كواكبه؛ أي يمرُّ بين النَّجم
وتلسكوباتنا. من الواضح أن هذا النهج لا يعمل إلا إذا
كانت الهندسة صحيحةً تمامًا وصادف وجودنا في نفس مُستوى
دوران النجم ومدارات الكواكب. إذا كنَّا نَنظر إلى أسفل
على نجمٍ من قطبه الشمالي، فسنرى كواكبه تدور حوله
ولكنَّنا لن نراها تعبر أبدًا. لكن علماء الفلك الذين
يَستخدمون التلسكوبات الأرضية وجَدُوا عدة مئات من
الكواكب بهذه الطريقة، وقد وجدت تلسكوبات في الفضاء لرصد
الكواكب الخارجية — بعثة «كوروت» الأوروبية التي
انطَلَقت عام ٢٠٠٦ وبعثة «كيبلر» التابعة لوكالة ناسا
التي انطلقت عام ٢٠٠٩ — آلاف الكواكب الأخرى. يُعزَى
لبعثة «كيبلر»، التي أبقَت تلسكوبها موجهًا نحو مقطعٍ
صغير من السماء لمدة أربع سنوات، وفحصَت سطوع أكثر من
١٥٠ ألف نجم كل ٣٠ دقيقة، اكتشاف ٢٦٦٢ كوكبًا خارجيًّا،
بما في ذلك العديد من الأنظمة التي تحتوي على عدة
كواكب.
ظهرت مُفاجأتان كبيرتان من كل هذا العمل. الأولى كانت
أن النجوم ذات الكواكب هي القاعدة، وليست الاستثناء.
أدرك مُستكشفو الكواكب الخارجية أن غالبية النجوم
الشبيهة بالشمس يدور حولَها كوكب أو أكثر؛ يُعتقَد الآن
أن مُتوسط عددها نحو ١٫٦ كوكب لكل نجم. ومن ثم فإن
مجرتنا، التي تضم ١٠٠ مليار نجم على أقل تقدير، هي موطنٌ
لما لا يقلُّ عن ١٦٠ مليار كوكب، وهذا حتى دون حساب
الكواكب بين النجمية التي خرجت من أنظمتها النجمية
(أجل، هذا شيء يحدث حقًّا).
كانت المُفاجأة الأخرى تكمُن في مدى تشابُه بعض الأنظمة
الكوكبية مع نظامنا. اعتاد الفلَكيُّون على الشكل
التخطيطي لنظامنا الشمسي — بنَجمِه المُبهِج من النوع G
في المُنتصَف، مُحاطًا بكواكب داخلية صَخرية صغيرة
وكواكب عملاقة غازية أبعد — لدرجة أنهم افترضُوا أن هذا
التخطيط كان حتميًّا. كان اكتشاف كوكب «ديميديوم» هو أول
دليل على أن الحال ليست كذلك بالضرورة. ونظرًا لأنَّ
الكواكب الكبيرة أسهل في العثور عليها، فقد كانت مُعظم
العوالم المُكتشَفة في السنوات الأولى من ازدهار اكتِشاف
الكواكب الخارجية، في الواقع، كواكب ساخنة تُشبه كوكب
المشتري.
ونحن نعلم الآن أن القصة أكثر غرابة من ذلك. ففي عام
٢٠١٧، أعلن علماء الفلك في بلجيكا وسويسرا، أنهم عثروا
على نظام بسبعة كواكب في حجم الأرض، كلها تدور على مسافة
قريبة جدًّا من نجم قزم أحمر/بُني صغير أسمَوه
«ترابيست-١»؛ وذلك بالاستعانة بالتلسكوب الصغير للكواكب
العابرة والكواكب المصغَّرة
(TRAPPIST). نظرًا
لوقوعه على بُعد ٤٠ سنة ضوئية، فهو يُشبِهُ نظامًا شمسيًّا
مُنمنمًا دقيقًا؛ إذ تُوجد الكواكب في حلقاتٍ ضيقة على
بُعد ١٫٦ مليون إلى ٨٫٨ ملايين كيلومتر من النجم، قريبة
للغاية لدرجة أن مدار كوكب عطارد يُمكن أن يتَّسع لها
بالكامل. ولو كانت تلك الكواكب تدور حول شمسنا على تلك
المسافات، لكانت قد تحمَّصت كرقائق البطاطس. لكن
«ترابيست» هو نجم بحجم المُشتري وبكتلة ثمانية بالمائة
فقط مقارنةً بكتلة شمسنا، ولمَعانه ضعيف للغاية، وتبلغ
نسبتُه ٠٫٠٥ بالمائة من لمعان الشمس. هذا يعني أن منطقة
«جولديلوكس» الخاصة به أقرب إليه بكثير. تُوجَد على الأقل
ثلاثة من كواكبه، «ترابيست-إي»، و«ترابيست-إف»،
و«ترابيست-جي»، داخل هذه المنطقة، مما يَعني أنه من
المُحتمَل أن تحتوي أسطحها على ماء سائل. (للأسف، إن
كانت عليها حياة، فلا يُرسِل أحد هناك إلينا أيَّ إشارات
في الوقت الحالي؛ فقد مسَح معهد البحث عن ذكاء خارج
الأرض منطقة «ترابيست-١» في عام ٢٠١٦ ولم يجد أيَّ
نتائج.)21
من منظور علم الأحياء الفلَكية، فإنَّ النتيجة الكبرى
المُستخلَصة من هذا العصر الذهبي لاكتشاف الكواكب
الخارجية هو أنَّ هناك الآن قائمة محدَّدة من عوالم أخرى
غير الأرض يُحتمَل أن تكون صالحة للعيش. وإذا وضعنا
تعريفًا مُتحفظًا لمُصطلح «صالحة للعيش» — بالتقيُّد فقط
بحساب الكواكب الخارجية الصَّخرية ذات نصف القُطر الذي
يبلغ أقل من ١٫٦ من نصف قطر الأرض وكتلة أقل من كتلة ستة
كواكب ككَوكب الأرض، في المدارات التي يمكنها فيها
الحفاظ على الماء السائل على أسطحها — يُمكننا الإشارة
إلى ١٩ عالِمًا حتى الآن؛ وذلك وفقًا للعلماء في جامعة
بورتوريكو في آريسيبو. أقربها هو «قنطور الأقرب بي»،
الذي يَبعُد ٤٫٢٢ سنوات ضوئية. وإذا عرفنا صلاحية العيش
على نحو أكثر اتساعًا بعض الشيء — بحساب الكواكب
الخارجية الأكبر والأصغر في نطاقٍ أوسع قليلًا من
المدارات — فسنَجد أن هناك ٣٣ كوكبًا آخر، ليُصبح
الإجمالي ٥٢ كوكبًا.22
وقد يرتفع هذا العدد قريبًا. ففي عام ٢٠١٨، أطلقت
وكالة ناسا مركبةً فضائية بناها معهد ماساتشوستس
للتكنولوجيا تُسمَّى «القمر الاصطناعي للبحث عن الكواكب الخارجية» (TESS)،
والمُصمَّم لاكتشاف الكواكب بحَجم كوكب الأرض أو بحجم
كوكبٍ يُمثل نسخة ضخمة من كوكب الأرض حول النجوم
القريبة. مقارنةً بتلسكوب كيبلر، يرصد «القمر الاصطناعي
للبحث عن الكواكب الخارجية» مجالَ رؤيةٍ أوسعَ بكثير.
كما يقيس سطوع النجوم على فترات أكثر تكرارًا، وسيُغطي
في النهاية مساحة أكبر بكثير من السماء. يتوقَّع
مُخطِّطو البعثة العثور على ٥٠ كوكبًا صخريًّا على الأقل
خلال مدة البعثة المُقرَّرة بعامَين. وإذا كان أيٌّ منها
مُثيرًا للاهتمام بشدة — إذا بدا أن لها أغلفة جوية على
سبيل المثال — فسيُتابع علماء الفلك استخدام «تلسكوب
جيمس ويب الفضائي»
(JWST) المُقرَّر إطلاقه
في عام ٢٠٢١.
مرآة «تلسكوب جيمس ويب الفضائي» الرئيسية أكبر بكثيرٍ
من مرآة «تلسكوب هابل الفضائي»، وهو ما يَمنحه وضوحًا
ودقةً أكبر. كذلك فإن أدواته مُصمَّمة لدراسة الأطوال
الموجية للأشعة تحت الحمراء؛ حيث يكون للماء، والميثان،
وثاني أكسيد الكربون خطوط طيفية قوية. لذا فإن الأمل هو
أن يتمكَّن «تلسكوب جيمس ويب الفضائي» للمرة الأولى من
الكشف عن تكوين الأغلفة الجوية للكواكب الخارجية، وذلك
بطرح أطياف الكواكب العابرة مِن أطياف نجومها.
سيبحث الباحثون بجدٍّ عن «البصمات الحيوية»، وهي المزيج
المُميز من الغازات الذي قد يدلُّ على أن هناك كائنات
حية تحافظ على الغلاف الجوي للكوكب بعيدًا عن الاستقرار.
هنا على الأرض، على سبيل المثال، لا بد أنَّ تركيز ٢١
بالمائة من الأكسجين في غلافنا الجوي دليل واضح لعلماء
الأحياء الفلَكية غير الأرضيِّين على أن هناك حياة في
عالمنا. ففي نهاية المطاف، فإنَّ الأكسجين مادة كيميائية
نشطة للغاية بحيث لن يكون هناك الكثير منها في الجوِّ لولا
وجود البكتيريا الخضراء المُزرقة، والعوالق النباتية،
والنباتات الأرضية التي تستمرُّ في إطلاقه كناتج ثانوي
لعملية التمثيل الضوئي.
يتوافر بكثرة في غلافنا الجوي غازان آخران تنتجهما
الحياة على الأرض لدرجةٍ يمكن معها الكشف عنهما من
الفضاء، وهما الميثان وأكسيد النيتروز. لكن قائمة المواد
الكيميائية «التي يُحتمَل» أن تترك بصمة حيوية في
الأغلفة الجوية للعوالم المأهولة أطول من ذلك بكثير.
جمعت عالِمة الفلك في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا سارة
سيجر، نائب المدير العِلمي لبعثة «القمر الاصطناعي للبحث
عن الكواكب الخارجية العابرة» قائمة مهولة من ١٤ ألف من
تلك المواد.23 من شأن أي من هذه المواد إذا وجدت بتركيزات
غير عادية في الأغلِفة الجوية للكواكب الخارجية أن تكون
أقوى إشارة حتى الآن على وجود حياة في عوالم
أُخرى.
معادلة جديدة للحياة خارج كوكب الأرض
ما هي فرص علماء الأحياء الفلَكية ومُستكشفي الكواكب
الخارجية في العثور على حياة خارج عالَمنا في المستقبل
القريب؟ صاغت سيجر طريقة مُثيرة للاهتمام للتفكير في تلك
المسألة. إنها نسخة منقَّحة ومحدَّثة من معادلة دريك، وهي
كالتالي:
وفي هذا السياق، لا يُمثل الحد عدد الحضارات القادرة على التواصُل،
ولكن بالأحرى عدد الكواكب التي تُوجَد عليها غازات البصمة
الحيوية التي يمكن اكتشافها.
هو عدد النجوم التي ستُدرَس عن كثبٍ
باستخدام تلسكوب «القمر الاصطناعي للبحث عن الكواكب
الخارجية العابرة» و«تلسكوب جيمس ويب الفضائي». وهي ٣٠
ألفًا تقريبًا.
هو الكسر المعبر عن تلك النجوم
«الهادئة»؛ ومن ثم الصالِحة للحياة. وهو نحو ٢٠ بالمائة،
أو ٠٫٢، حسب تخمين سيجر.
هو الكسر المُعبِّر عن النجوم الهادئة
التي لها كواكب صخرية في مناطقها الصالحة للعيش. قدَّرته
سيجر بنسبة ١٥ بالمائة، أو ٠٫١٥.
هو الكسر المُعبِّر عن تلك الكواكب
التي يُمكن ملاحظتها باستخدام طريقة العبور. ومع الأسف،
هذا الجزء صغير جدًّا بسبب المشكلة الهندسة الموصوفة
سابقًا. حسبته سيجر بالقيمة ٠٫٠٠١.
تلك الحدود هي الحدود التي يَسهُل تعيينها. تميل قيمتا
الحدَّين الأخيرَين إلى أن تكونا قيمتَين تخمينيتَين،
وهما ما يُحدِث الفرق كله. هو الكسر المُعبِّر عن الكواكب التي
يُمكن رصدها، والتي بها حياة، وقد افترضت سيجر مُتفائلةً
أنه سيكون كل الكواكب، أي إن .
وأخيرًا، هو الكسر المُعبر عن الكواكب
المأهولة؛ حيث ستكون بصمات الحياة الطيفية مُثيرة بدرجة
كافية لاكتشافها. تُقدِّره سيجر بالقيمة ٠٫٥.
وعندما نُجري العمَلية الحسابية، سنجد أنها ٣٠٠٠٠ ×
٠٫٢ × ٠٫١٥ × ٠٫٠٠١ × ١ × ٠٫٥ = ٢. وبعبارة أخرى، بعد كل
العمل الذي قام به فريق بعثة «القمر الاصطناعي للبحث عن
الكواكب الخارجية العابرة» للعُثور على كوكب خارجي يُشبه
الأرض، وكل العمل الذي قام به علماء بعثة «تلسكوب جيمس
ويب الفضائي» لدراسة الأَغلِفة الجوية لتلك الكواكب،
فإنَّ سيجر تَعتقِد أنهم «إذا كانوا محظوظين جدًّا
جدًّا»، يُمكنهم أن يتوقَّعوا العثور على إشاراتٍ على
وجود حياة على كوكبَين من تلك الكواكب.
ولزيادة فُرَص النجاح، تُوصي سيجر بنهجٍ شديد الشمولية
للبحث الطيفي. هذا يعني أن «تلسكوب جيمس ويب الفضائي»
يجب ألا يَبحث عن الأكسجين، والميثان، وأكسيد النيتروز
وغيرها من غازات البصمة الحيوية المشهورة فحسب، ولكن
أيضًا عن مجموعة كبيرة من الغازات. في عرضٍ تَقديمي
مُؤخرًا حول «مُعادلة سيجر-دريك»، استخدمتْ نصيحة كثيرًا
ما استُشهِد بها من تقرير علم الأحياء الفلَكية الصادِر
عن المجلس القومي الأمريكي للبحوث في عام ٢٠٠٧. كتبت
اللجنة تقول: «لا شيء من شأنه أن يكون أكثر مأساوية في
الاستكشافات الأمريكية للفضاء من مُصادَفة حياة خارج
الأرض والفشل في التعرُّف عليها.»24
بالطبع الأمريكيون ليسوا وحدَهم مَن يَبحث عن الحياة
خارج الأرض. يُمثِّل علم الأحياء الفلَكي الآن مسعًى
عالَميًّا ذا آثار عالمية مُحتملة. وقد تسارَع تطوُّره
كثيرًا بفضل الاكتشافات في العقود القليلة الماضية
للظروف البيئية القاسية التي يُمكن أن تتحمَّلها
الكائنات الحية، وعدد الأماكن التي توجد فيها تلك
الظروف. ولكي نَعثُر على حياة ذكية، يجب أن نجد حياة في
الأساس، ولدَينا الآن الكثير من الأماكن التي يُمكننا
البحث فيها عن الحياة.