لغز … يبحث عن حل
وقف «أحمد» مندهشًا، وهو يرقُب سريره، كان قد عاد لتوه من سهرةٍ هادئة، هزم فيها «بو عمير» في معركة شطرنج، وكان عليه أن ينام مبكرًا، حتى يستطيع الاشتراك في تمرين الرماية، الذي يبدأ في الساعة التاسعة صباح اليوم التالي؛ الأمر الذي يَضطَره أن يغادر المقر السري في السابعة صباحًا … فهذه المرة سوف تكون طريقة الوصول إلى ميدان الرماية مختلفة؛ فالشياطين لن يتحركوا بسيارةٍ واحدة، وعلى كلٍّ منهم أن يختار الوسيلة التي سوف يصل بها. وقد اختار «أحمد» الموتوسيكل ليصل به إلى هناك. لكن ما رآه على سريره أطار النوم من عينَيه. كانت فوق السرير قصاصة من جريدة. أخذها، فوجد فوقها سؤالًا مكتوبًا بالحبر الأحمر، وكان مضمون السؤال يقول: هل قرأتَ هذا المقال؟
وفي جانبٍ آخر، كانت جملةٌ أخرى مكتوبة بنفس الحبر تقول: يجب أن تقرأه بعناية!
ابتسم «أحمد» عندما قرأ هذه الجملة، ولم يقرأ المقال مباشرة؛ فقد كان يُفكِّر: كيف وصلَت هذه القصاصة إلى سريره؟ ولماذا هو؟ وهل حدث ذلك عند بقية الشياطين؟
انتظر لحظة ثم قال لنفسه: هل أرسلها أحد من الشياطين؟ ومن هو؟
أخذ يتأمل الخط؛ حتى يُحدِّد صاحبه. وهو يعرف خطوط الشياطين جميعًا، لكنه لم يتعرف عليه؛ فقد كان مكتوبًا بطريقةٍ أنيقة. قال لنفسه في النهاية: ينبغي أن أقرأ المقال أولًا؛ فقد يكشف اهتمام صاحبه. كان عنوان المقال يقول: ««دي كويلار» يطالب بموقفٍ دولي لمواجهة طاعون العصر الحديث.
إن «أحمد» يعرف أن «دي کويلار»، هو السكرتير العام للأمم المتحدة … وهي المنظَّمة التي تشترك فيها كل دول العالم. وهذا يعني أن القضية دوليةٌ تهم العالم كله. والطاعون مرضٌ قاتل، يصل إلى حد الوباء، الذي يصيب الناس بأعدادٍ كبيرة.
عاد إلى القراءة مرةً أخرى … «اشتركت ۱۳۸ دولةً في مؤتمر منع المخدرات الذي عُقد عام ۱۹۸۷م … لكن برغم الحماس في مكافحة المخدرات، إلا أن هناك دولًا تقوم بزراعة هذه المواد المخدرة وتصنيعها والاتجار فيها. وهذه المواد في الكوكايين والهيروين والأفيون والحشيش … والماريجوانا وغيرها من حبوب الهلوسة … فهذه المواد تُفقِد الإنسان قُدرتَه على التفكير أو العمل. إن السبب الأساسي في انتشار المخدرات يرجع أولًا إلى اقتصاد كثيرٍ من الدول الفقيرة، خصوصًا في أمريكا الوسطى والجنوبية ودول البحر الكاريبي التي تقوم بزراعة الأفيون وبيعه بأسعارٍ مرتفعة. وكلما زادت مقاومة انتشار هذه السموم اخترع تجارها وسائلَ علمية لتهريب هذه المخدرات، وتوصيلها إلى الشباب والطلبة في المدارس ومدمني المخدرات.»
توقَّف «أحمد» قليلًا، وقال في نفسه: إن هذه مهمةٌ خطيرة فعلًا. إن هؤلاء التجار يقضون على الشباب والطلبة بهذه السموم القاتلة. عاد من جديد يواصل القراءة: «إن مُهرِّبي الحشيش يستخدمون الأساليب التكنولوجية الحديثة، ويُرسِلون سلعتهم بالطائرات عَبْر البحار والمحيطات، ويتكلَّفون الملايين من الدولارات لنشر سمومهم. وفي مقابل ذلك، تُحاول الدول أن تحارب هؤلاء. وقد أسقطت أمريكا طائرة، كانت تشُك في أنها تحمل موادَّ مخدرة … وذهب ركابها ضحية لهذا الشك. وإذا كانت هذه الطريقة يمكن أن توقف هذه السموم، إلا أنه لا يمكن ضمان أن كل طائرة، سوف تكون محمَّلة بالمخدِّرات؛ فقد تكون هناك طائراتٌ بريئة، فتسقط لمجرد الشك فيها، ويروح ركابها ضحية.»
ثم يضيف المقال: «إن الملايين من البشر قد لقُوا نهايتهم ضحية لتعاطي المخدرات.» … ثم يقول: «إن تعاطي المخدرات يؤدي إلى ضياع الموارد البشرية في كل دولة. ويؤدي أيضًا إلى تفكُّك الأسرة، وإلى انتشار الجريمة. بجوار أن الدولة تفقد الكثير من جهدها وأموالها في سبيل الوقوف أمام هذا الخطر المدمر.» ثم يقول: «لقد سقط عشرات الرجال من أحسن وأفضل الرياضيين، وعدد من كبار الشخصيات، وكذلك الفنانين … نتيجة تعاطي هذه المواد المخدرة القاتلة.»
استغرق «أحمد» في القراءة، وبرغم أن المقال كان طويلًا، إلا أنه لم يستطع التوقف؛ فهذه قضيةٌ خطيرة، تهمُّه، وتهمُّ الشياطين، وتهمُّ كل الشباب، في المدارس وخارجها. كانت الساعة تدق الثالثة صباحًا، عندما انتهى «أحمد» من قراءة المقال للمرة الثانية. قال في نفسه: لقد شغلَني المقال، وينبغي أن أنام، أما حكاية وصوله إلى غرفتي فهذه مسألة تحتاج إلى تفكير … سوف أؤجِّلها للغد.
وفعلًا أطفأ النور، وألقى بنفسه على السرير. غير أن عقله ظل مشغولًا بقضية مكافحة المخدرات، وتذكَّر أن الشياطين خاضوا أكثر من مغامرة في هذه القضية، لعل أهمها مغامرة المثلث الذهبي.
مرةً أخرى حاول «أحمد» أن يوقف تفكيره، لكنه لم يستطع. فجأةً قفز من سريره وأخذ يؤدى بعض التمرينات الرياضية حتى شعَر بالإجهاد، فابتسم وهو يقول: الآن، سوف أستطيع النوم.
وبسرعة قفز إلى سريره، وفي دقائق كان قد استغرق في النوم، لكن رنين جرس التليفون أيقظه، وعندما فتح عينَيه، كان ضوء النهار يُغطِّي الكون. قفز من سريره بسرعة، ونظر في الساعة التي كانت تشير إلى السابعة إلا الربع. قال في نفسه: إن الربع ساعة الباقية كافيةٌ لأن أكون في مكان اللقاء في السابعة تمامًا. لكن رنين التليفون تردَّد مرةً أخرى. رفع السماعة، فجاء صوت «إلهام»: لقد تأخَّرتَ في النوم.
ابتسم وقال: صباح الخير أولًا …
ردَّت: صباح الخير … ما الذي أخَّرك؟
قال: هذه حكاية ينبغي أن يعرفها الشياطين.
ردَّت: إذن. هيا بسرعة، حتى لا تتأخر.
وقبل أن يضع السماعة، قالت: سوف أستخدم الموتوسيكل في الذهاب إلى ميدان الرماية … هل تصحبني؟
ابتسم وأجاب: إلى اللقاء هناك!
وضَع سماعة التليفون، وأسرع إلى الحمام. ولم تنقضِ الدقائق الباقية حتى كان يأخذ طريقه إلى مكان اللقاء …
كان الشياطين يقفون، وقد علَت وجوههم ابتساماتٌ عريضة، فابتسم «أحمد». لقد فكَّروا مثله تمامًا؛ فالجميع يركبون الموتوسيكلات. كان منظرًا مثيرًا، والشياطين اﻟ ۱۳ يركبون الموتوسيكلات. وعندما أعطى المدرب إشارة البدء للتحرُّك، انطلقَت أصواتٌ خافتة؛ فهم يستخدمون موتوسيكلاتٍ خاصة، لا تصنع هذه الضوضاء التي تصنعها الموتوسيكلات العادية. وفي دقائق كانوا خارج المقر السري. كان الصباح منعشًا في هذا الوقت من السنة. وكان الأفق يبدو وكأنه قد اقترب. نتيجة المساحة الواسعة الخالية، كان الشياطين يتقدمون في صفٍّ واحد. وكانت «إلهام» تتقدَّم بجوار «أحمد» عن يمينه. وكان «بو عمير» يتقدَّم عن شماله. ابتسم «بو عمير» وقال: لنا معركة قادمة الليلة في الشطرنج.
رد «أحمد»: سوف يُسعِدني ذلك فعلًا، ويُسعِدني أكثر أن أنهزم لك!
ثم قال «بو عمير»: هل تُجرِّب سباقًا إلى ميدان الرماية؟
ابتسم «أحمد» وردَّ: إنني في حاجة إلى التفكير في مسألة تشغلني.
تساءل «بو عمير»: «هل يمكن أن أشترك فيها؟»
نظر «أحمد» إلى «إلهام» وقال: ما رأيك؟ هل أعرض الموضوع الآن؟ أم أنتظر حتى لقاء المساء؟
قالت «إلهام»: لا بأس الآن؛ فالطريق أمامنا طويل، والجو يساعد على التفكير.
انتظر لحظة، ثم بدأ يشرح «لإلهام» و«بو عمير» ما حدث معه في الليلة الماضية. كانت الدهشة تُغطِّي ملامحهما. وعندما فرغ «أحمد»، قال «بو عمير»: إنها مسألة تشبه اللغز!
قالت «إلهام»: أظن أنها مداعبة من أحد الشياطين!
ردَّ «أحمد»: لا أظن ذلك؛ فأنت تعرفين أننا نقرأ كل شيء في المكتبة، ولا يخرج أحدنا منها ومعه شيء.
تساءلت: هل تظن أنه رقم «صفر»؟
ردَّ «أحمد»: لقد فكَّرت في ذلك، لكني تردَّدتُ أن أقطع برأي؟
قال «بو عمير»: لا أظن أنها قد جاءت من خارج المقر!
ردَّ «أحمد»: لا أظن، وإذا كانت قد جاءت من خارج المقر السري، فإن هذه تصبح سابقةً خطيرة وتنذر بأن هناك من يعرف مكان المقر، وهذه مسألة تُهدِّدنا جميعًا.
برغم أن المسألة تبدو بسيطة تمامًا، إلا أنها يمكن أن تكون شيئًا خطيرًا، كما قال «أحمد».
ولذلك قالت «إلهام»: أعتقد أننا يجب أن نطرحها أمام الشياطين جميعًا قبل أن نُوصلَها إلى الزعيم!
ردَّ «أحمد»: هذا ما فكَّرتُ فيه فعلًا.
ثم نظر إلى «بو عمير» وقال: الآن، يمكن أن نبدأ عملية السباق، ما دمنا قد أجَّلنا التفكير مؤقتًا.
نظر «أحمد» إلى الشياطين يمينًا وشمالًا، ثم قال: هل نبدأ سباقًا؟
رفع الشياطين أياديَهُم بالموافقة، وما إن أعلن «أحمد» لحظة الانطلاق، حتى كانت الموتوسيكلات تبدو كالسهام من سرعتها.