اجتماعٌ هام … في القاعة الكبرى
كانت المساحة حول المقر السري مزروعة بالحشائش، تتخلَّلها أشجار الفاكهة، من كل نوعٍ. في نفس الوقت كانت هناك بعض أشجار الكافور العالية، وأشجار السنط واللبخ، لكنها لم تكُن تعوق الانطلاق بينها، وإن كانت تحتاج لمهارة في القيادة. وفي نهاية الأرض المزروعة كان يُوجد ميدان الرماية، وكان الشياطين ينطلقون بسرعةٍ عالية، حتى إن الأشجار كانت تبدو وكأنها في سباقٍ معهم، لكنه سباقٌ عكسي. وعند نقطة النهاية كان قد وصل أربعة فقط، هم «أحمد» و«عثمان» و«بو عمير» و«قيس». أما الآخرون فقد وصلوا بعدهم بدقيقةٍ واحدة.
قال «بو عمير» ضاحكًا: لم تستطع هزيمتي هذه المرة!
ضحك «أحمد» وقال: لا بأس؛ فليس من المستحب أن أهزمك كل يوم.
فضحك بقية الشياطين. فجأة، جاء صوت المدرب يقول: إن تمرين اليوم على الأهداف المتحرِّكة.
بسرعة أخذ كلٌّ من الشياطين مكانه واستعد، وكان تمرين اليوم بالمسدس. قال المدرب: إنه ليس هدفًا مفردًا، إنه هدفٌ مزدوج، وسوف يظهر الهدف الأول في اتجاه غير معلوم، ويظهر الهدف الثاني بعده بثانيةٍ واحدة، ثم يختفي الاثنان معًا.
انتظر لحظةً ثم قال: سوف يبقى الهدفان لمدة خمس ثوانٍ فقط. ويُسمح لكل واحد بثلاث طلقاتٍ لا غير.
استعد الشياطين؛ فهم يعرفون أن إشارة البدء مفاجئة؛ ولذلك فعليهم أن يكونوا منتبهين تمامًا حتى لا تفوت منهم ثانية من الثواني الخمس. مرَّت دقيقة دون أن يعلن المدرب لحظة البدء، فجأة، لمع ضوءٌ سريع، فضغَط كل منهم الضغطة الأولى على زناد المسدس؛ فبعد الضغطة الثانية تنطلق الطلقة، مرت ثانية، ثم ظهرت الأهداف، وتردَّد صوت الطلقات خلال خمس ثوان فقط … ثم اختفت الأهداف مرةً أخرى.
نظر الشياطين إلى بعضهم؛ فقد كان التدريب يحتاج لتركيزٍ شديد.
همسَت «إلهام»: إنه تدريبٌ شاق، وهذه أول مرة نجري تدريبًا بهذا النظام!
ابتسم «أحمد» وقال: إن العدو لا ينتظر ثانيةً واحدة؛ ولهذا فإن سرعة التصرُّف هي المطلوبة في هذه اللحظة.
كان الشياطين في أماكنهم لم يغادروها. مرَّت دقائق، ثم ظهر المدرب ومساعده وهو يحمل الأهداف والإصابات واضحة عليها، التفَّوا حول المدرب. الذي أخذ يشرح لهم طريقة الأهداف كان «أحمد» قد حقَّق ثلاثين درجة، وهي الدرجة النهائية، وكذلك «بو عمير» و«قيس» و«مصباح» و«باسم»، أما الآخرون فقد سجَّلوا درجاتٍ أقل تراوحت بين ثماني وعشرين وتسعٍ وعشرين درجة.
قال المدرب: لا بأس؛ فهذه نتائجُ عظيمة، خصوصًا وأنها أول مرة تُجْرون فيها مثل هذا التدريب.
صمت لحظة، ثم قال: سوف نُعيد التدريب مرةً أخرى، حتى نرى.
أسرع كلٌّ منهم يأخذ مكانه، خرجَتِ المسدسات، وأصبح الشياطين في وضع الاستعداد. فجأةً قال المدرب: لقد انتهى التدريب!
نظر الشياطين إلى بعضهم، ولم يفهموا السبب. إلا «أحمد»، فقد فكر بسرعة، وعرف لماذا انتهى التدريب. أشار المدرب إشارةً خاصة فأسرعوا إلى الموتوسيكلات، كانت «إلهام» بجوار «أحمد». فهَمسَت قائلة: ماذا حدث؟
ردَّ «أحمد» بهدوءٍ: أظن أن رقم «صفر» …
لكنه لم يُكمِل جملته؛ فقد جاء صوت المدرب يقول: إنكم مدعُوُّون لاجتماعٍ سريع مع الزعيم.
ابتسم «أحمد» وعلَّقتْ «إلهام»: لقد توصَّلتَ للنتيجة بسرعة!
في لحظةٍ كانت الدراجات البخارية تقطع الطريق إلى المقر السري، وعندما حان موعد الاجتماع كان الشياطين يجلسون في القاعة الكبرى. مرَّت دقائق، ثم جاء صوت رقم «صفر» يقول: «ينبغي أن تُراقبوا الخريطة جيدًا، قبل أن نعقد الاجتماع.»
مرَّت لحظات، ثم بدأَت الأضواء تخفتُ في القاعة، في نفس الوقت، أخذَت الخريطة الإلكترونية تظهر شيئًا فشيئًا. وما إن أظلمَت القاعة، وظَهرتِ الخريطة تمامًا، حتى ابتسم «أحمد» لاحظَت «إلهام» ابتسامته، فهمسَت: هل توصَّلتَ إلى الإجابة؟
هَزَّ رأسه بنعم، بينما كان يستعيد في ذاكرته ما قرأه أمس، قال في نفسه: الآن، لقد وضح اللغز … كانت الخريطة التي ظَهرتْ للأمريكتَين؛ أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، وبينهما أمريكا الوسطى، ومجموعة الجزر الكبيرة التي تظهر في البحر الكاريبي والمحيط الأطلنطي. ظهرت جزر «جامايكا»، «كوبا»، «هسبانيولا»، «بهاما»، «بورتریکو»، «ليوارد»، «جارلوب»، وعشرات الجزر الصغيرة الأخرى.
ألقى «بو عمير» نظرة إلى «أحمد»، ثم ابتسم، فابتسم «أحمد» وقال في نفسه: هذه المنطقة مشهورة بتهريب المخدرات. وما قرأتُه أمس في المقال الصحفي يدور حول هذه القضية الخطيرة.
فجأة ظهرت طائرةٌ حمراء اللون من منطقة الكاريبي، متجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. خرج سهمٌ أزرق من وسط أمريكا، واصطدم بالطائرة، فسقطَت مرةً أخرى. تذكر «أحمد» أن ما يحدُث على الخريطة هو نفس الحادث الذي قرأه أمس. فجأةً ظهَرتْ في البحر الكاريبي، مجموعة من الحيتان المتوسطة، ثم أخذت تتجه إلى الشاطئ الأمريكي، ثم توقفت هناك. كان الشياطين يتابعون الخريطة وما يظهر فوقها. فجأةً، قطع الصمت صوت رقم «صفر» يقول: «هذه هي منطقتنا.»
سكت لحظةً ثم أضاف: «من هذه المنطقة يخرج الهلاك إلى الشباب.»
ثم قال بعد عدة ثوانٍ: «إنني في الطريق إليكم!»
نظر الشياطين إلى بعضهم؛ فقد كانت كلمات رقم «صفر» غير محدَّدة. إلا أن «أحمد» و«إلهام» و«بو عمير» كانوا يفهمون ما يقصده الزعيم. كانت خطواته قد بدأَت تقترب، فاستعد الشياطين لسماع ما سوف يقول. مرَّت دقائق قبل أن يأتي صوته: «إن مغامرتكم الجديدة هي الوصول إلى المهرب الدولي الخطير «بوريجا».»
صمَت لحظةً ثم قال: «لعلكم قرأتم في جرائد الأمس دعوة سكرتير عام الأمم المتحدة إلى التكاتف من أجل القضاء على المخدرات.»
مرَّت دقيقة قبل أن يقول: «إنكم تعرفون بلا شك خطورة المخدرات، التي بدأَت تجتاح العالم، لتقضي على الشباب بالذات؛ فهم لا يزالون بلا وعيٍ حقيقي. وهناك من يهمُّه أن يكسب. لكن لا يهمه، كيف، ولا عن أي طريق. إن هؤلاء الذين يتاجرون في المخدرات يتاجرون في الهلاك، وتجارتهم أقوى من الحروب، مهما كانت الأسلحة التي تستخدم فيها. إنني أعلم أنكم تعرفون ذلك جيدًا. ولقد كانت لكم أكثر من مغامرةٍ ناجحة ضد تجار المخدرات لعل أشهر مغامرة كانت «المثلث الذهبي» تلك المنطقة التي تقع جنوبَ شرقِ آسيا.»
توقَّف رقم «صفر» دقائق، ثم قال: «إن تقارير عملائنا في منطقة أمريكا الوسطى تقول إن «بوريجا» سوف يقوم بعملية تهريبٍ ضخمة. هذه العملية لن تصل إلى أمريكا فقط، ولكنها سوف تصل إلى معظم دول العالم، وهذه العملية لن تبدأ إلا بمكالمةٍ تليفونية من «بوريجا» إلى مساعده «جراتز»، فإذا لم تحدُث المكالمة فلن تتم العملية، وفي هذه الحالة يمكن السيطرة عليها.»
صمت لحظةً ثم قال: «إن مغامرتكم هدفها «بوريجا» نفسه.»
فجأةً اختفت الخريطة، وظهرت صورة رجلٍ ضخم، تظهر عليه الثقة، وتبدو في ملامحه القسوة، في حوالي الخمسين من العمر. يلبس ثيابًا كاكية اللون، وكأنه أحد قُوَّاد الجيوش. ظلت الصورة دقيقة ثم اختفت، وظهرت صورةٌ أخرى ﻟ «بوريجا»، وهو يلبس ثيابًا عادية، ويضع فوق رأسه قبَّعة ويضع نظارةً سوداء فوق عينَيه. اختفت الصورة مرة أخرى، ثم ظهرت له صورةٌ ثالثة، تختفي فيها كثير من ملامحه، فيبدو وقد ظَهرتْ له لحية، ووضع فوق رأسه طاقية من النوع الذي يلبسه الباكستانيون. مرةً أخرى اختفت الصورة، ثم ظهر وقد وضع فوق رأسه عمامةً كبيرة، وامتد شارباه بطريقةٍ لافتة للنظر، وتكرَّرتْ صورٌ كثيرة يظهر فيها «بوريجا» في أشكالٍ مختلفة. فجأةً قال رقم «صفر»: «لقد رأیتم «بوريجا»، إنه يهوى التخفِّي في شخصياتٍ مختلفة، وقد يتخفى في ملامحَ عديدة مختلفة أيضًا، عن طريق الماكياج. وهو يفخر حتى الآن بأن البوليس الدولي لم يستطع القبض عليه.»
توقَّف رقم «صفر» عن الكلام. كان الشياطين مبهورين بهذه الشخصية الغريبة، لكنهم في نفس الوقت كانوا يتمنَّون أن يلتقوا بها.
قال رقم «صفر»: «إن «بوريجا» سوف يتحرك من جزيرة «بهاما» بعد يومَين. وحتى الآن لا أحد يدري إلى أين؛ لذا فإن وصولكم إلى هناك سوف يكون ضرورةً قبل أن يتحرك.»
سكت لحظةً ثم أضاف: «وأحب أن أَلفِت نظركم إلى أن «بوريجا» يستخدم جيشًا من المهرِّبين والمساعدين والحرَّاس، حتى يكاد أن يكون جيشًا حقيقيًّا؛ فهو مُزوَّد بأحدث الأسلحة، وله طائراتٌ خاصة وهكذا.»
فجأةً لمعَت إشارة في أعلى الخريطة، فقال رقم «صفر»: «يبدو أن هناك معلوماتٍ جديدة!» ثم أخذَت خطواته تبتعد شيئًا فشيئًا حتى اختفَت.