الشياطين … في سلةٍ واحدة
كانت أوَّل كلمة قالها رقم «صفر» هي: «حسنا!» ثم توقف عن الكلام. ابتسم «قيس» لأن الزعيم قد وافق على فكرته، في نفس الوقت كان الشياطين ينظرون إلى بعضهم في تساؤل. جاء صوت الزعيم يقول: «إنها فكرةٌ جيدة، و«قيس» شرح وجهة نظره جيدًا، وهو محق؛ لأن المغامرة تحتاج إلى جهودٍ كبيرة. وأنا أضُم صوتي إليه.»
ثم أضاف: «يجب ألا تضيعوا وقتًا.»
قال «أحمد»: إذن، نُقسِّم أنفسنا ثلاث مجموعات للعمل، ومجموعة للتنسيق، سوف تكون المجموعة «أ» مكونة من «أحمد» و«عثمان» و«إلهام»، و«بو عمير»، و«رشيد»، المجموعة «ب» من «مصباح»، «هدى»، «فهد»، «خالد»، «قيس». أما مجموعة التنسيق، وهي المجموعة «ن»، فتتكون من «باسم»، ومعه «ريما» و«زبيدة»، وهذه سوف يكون مقرها «نيويورك». مرةَ أخرى، جاء صوت رقم «صفر»: «هذا تقسيمٌ عملي وممتاز، هيا إلى العمل.»
لكن فجأةً أُضيئت لمبةٌ حمراء في أعلى الخريطة، فقال الزعيم: «انتظر لحظة؛ فقد تكون هناك أخبارٌ جديدة!»
أخذَت أقدام رقم «صفر» تبتعد. في الوقت الذي كان فيه الشياطين يتمنَّون أن يبدءوا مغامرتهم؛ فهذه أول مرة يخرجون فيها معًا، في مغامرةٍ واحدة. لم يغب الزعيم طويلًا؛ فبسرعة، كانت أقدامه تقترب، حتى توقفَت، ثم قال: «لقد غير «بوريجا» خط سيره مرةً أخرى!»
سكت لحظة ثم قال: «إنه سوف يتجه إلى نيويورك!»
قال «أحمد»: ينبغي أن نتحرك ونصل إلى هناك، مع اتصالنا بالمقر والعملاء؛ فنحن لن نظل في انتظار تحركاته التي تتغيَّر كل لحظة.
ردَّ الزعيم: «هذا حقيقي، وأتمنى لكم التوفيق.»
في الوقت الذي انصرف فيه الزعيم كان الشياطين يغادرون القاعة أيضًا. وكان «أحمد» يفكر: إنه رجل غريب فعلًا؛ فهو لا يستقر في مكان، ولا يستقر على رأي أيضًا.
اتفق الشياطين على اللقاء بعد ربع ساعة، وكان أول من وصل إلى مكان اللقاء هو «عثمان». وعندما وصل الجميع خرجَت سيارتان تحمل الشياطين إلى خارج المقر السري، إلى حيث تقف الطائرة … وعندما استقرُّوا فيها دارت محركاتها بسرعة، ثم أخذت طريقها إلى الفضاء. إن الطريق إلى أمريكا طويل؛ فسوف يستغرق الطيران أكثر من عشر ساعات. وكانت هذه فرصة لينال الشياطين قسطًا من النوم؛ فهم في العادة لا يعرفون الراحة منذ أن تبدأ المغامرة … كان الوقت عندما أقلعت الطائرة حوالي منتصف النهار. وهذا يعني أنهم سوف يصلون منتصف النهار أيضًا؛ لأن فارق التوقيت يقترب من الساعات العشر. لقد نام معظم الشياطين فعلًا. لكن «أحمد» و«عثمان» و«رشيد». كانوا ما زالوا مستيقظين. كان «أحمد» يفكِّر، وفي النهاية قال: إن مغامرتنا هذه المرة تبدو غريبةً ومثيرةً جدًّا، إن خروج الشياطين جميعًا في مغامرةٍ واحدة لهو حدثٌ بالنسبة لنا.
ردَّ «عثمان»: هذا صحيح.
ثم ابتسم وأضاف: غير أننا دائمًا كنا نتمنَّى أن نكون معًا في مغامرةٍ واحدة!
ابتسم «رشيد» وقال: وحتى تستطيع «إلهام» أن تكتب انطباعها عن المغامرة. هل تذكران هذه الحكاية؟
ردَّ «أحمد»: نعم، هذه فعلًا فرصةٌ طيبة لها، وها هي تبدأ المغامرة من بدايتها وأمامها الشياطين جميعًا.
فجأة جاء صوت «خالد» وكانوا يظنون أنه نائم. قال: يبدو أنني سأنضم إليكم، إن النوم يرفض زيارتي!
ابتسم «عثمان» وقال: لا بد أنك لم تَدعُه للزيارة!
وضحك الشياطين ضحكاتٍ خافتة حتى لا يوقظوا الباقين. اقترب «خالد» حتى انضم إليهم ثم قال: إن شخصية «بوريجا» تشغل بالي كثيرًا؛ فهو شخصيةٌ مثيرة وغامضة؛ فهو يتغير بين لحظة وأخرى. وقد شاهدنا له صورًا كثيرة مختلفة.
سأل «عثمان»: وماذا في ذلك؟
قال «خالد»: إن هذا الرجل ينتقل من مكان إلى مكان بسرعة، ويغيِّر اتجاهه بسرعة، ويهوى تقمُّص الشخصيات ويغيِّر ملامحه، كيف يمكن أن نجده؟
مرَّت لحظة قبل أن يقول «أحمد»: يستطيع «بوريجا» أن يغيِّر شكله، ويستطيع أن يتقمَّص الشخصيات التي يريدها، لكنه لا يستطيع أن يُغيِّر عاداته.
صمت لحظة ثم قال: لقد قرأتُ دراسةً عن شخصية «بوريجا» أعدَّها مركز الأبحاث في المقر السري. وأهم ما في الدراسة هو التركيز على عاداته، فهناك حركةٌ عصبية في عينَيه، سواء كانت نظارة شمس أو نظارةً طبية، ودائمًا يخلع النظارة عن عينَيه، ويعيدها مرةً أخرى. وكأنه عندما يرفع النظارة يتذكر الحركة العصبية، فيعيدها من جديد، و«بوريجا» يستخدم يده اليسرى كثيرًا وهو يتحدث. ويده اليسرى لا تتوقف عن الحركة كلما تحدَّث، فإذا أراد أن يُخفي هذه العادة، فإنه يمسك شيئًا في يده اليسرى، ويظل يعبث به.
كان الشياطين يستمعون إليه في اهتمام، ثم قال «خالد»: هذه فعلًا مفاتيحُ جيدة للشخصية، برغم أنها تحتاج إلى ملاحظةٍ دقيقة وهي قد لا تلفت نظرنا في الحالات العادية، لكنها الآن تفيدنا إلى حد بعيد!
أضاف «عثمان»: إن المهم في المسألة كلها هي تحديد المكان الذي يقيم فيه «بوريجا»؛ فبدون ذلك لن نستطيع تطبيع أي شيء؛ فأمريكا واسعة، ولن نستطيع أن نعثر على «بوريجا» وسط هذه الملايين، أو وسط هذه المساحات الشاسعة!
ردَّ «أحمد»: إن عملاء رقم «صفر» يعملون بجهدٍ كبيرٍ، ويكفي أنهم عرفوا أين سوف يتجه «بوريجا» بالرغم من أنه غيَّر اتجاهه مرتَين!
ثم ابتسم وأضاف: أعتقد أننا في حاجة إلى الراحة؛ فالمغامرة سوف تكون شاقةً للقبض على هذا الثعبان، الذي يلبس كل دقيقة جلدًا مختلفًا.
قام «خالد» واتجه إلى مكانه، في حين استغرق «أحمد» و«عثمان» و«رشيد» في النوم … انقضى النهار. وعندما فتح «أحمد» عينَيه، وحدَّق من خلال النافذة في الفضاء، كان الظلام قويًّا. نظر حوله في اتجاه الشياطين وكانوا جميعًا نائمين. ابتسم وقال: الشياطين جميعًا في سلةٍ واحدة!
مضت لحظة، ثم أضاف: لو أن عصابة «سادة العالم» تعرف أننا في طائرةٍ واحدة، لكانت هذه فرصة العمر بالنسبة لها!
مرَّت دقائق كان «أحمد» يُهيِّئ نفسه خلالها، لكي يعود للنوم من جديد. وهذا ما حدث فعلًا؛ فبعد قليل كان قد استغرق في النوم … إن الشياطين يملكون عادةً هائلة، هي قدرة التحكُّم في أنفسهم؛ فهم ينامون عندما يُريدون، ويستيقظون عندما يريدون أيضًا. وقد تمر عليهم أيام لا يعرفون فيها النوم؛ ولذلك، فعند بداية كل مغامرة يُحاولون أن يناموا نومًا كافيًا، حتى لا يحتاجوه وقت العمل، هذه المرة لم يوقِظْهم إلا صوتُ كابتن «صقر» وهو يقول: إننا ندخل الميدان الآن.
كان «أحمد» أول من فتح عينَيه، أزاح الستار الصغير عن نافذة الطائرة، وكان ضوء النهار قويًّا. مرةً أخرى تردَّد صوت كابتن «صقر»: أظن أن النسور على استعدادٍ للطيران!
ابتسم «أحمد» وحيَّا كابتن «صقر» الذي قال: أمامنا بعض الوقت لتناول الفطور! وبسرعة كانت «إلهام» و«زبيدة» و«ريما» تقمن بدور المضيفات في الطائرة. وفي دقائق كان الشياطين قد انتهَوا من طعامهم، وأخذ كلٌّ منهم مكانه؛ فقد تردَّد صوت كابتن «صقر» بطلب ربط الأحزمة؛ لأنهم سوف ينزلون في مطار نيويورك الكبير.
وخلال ربع ساعة كانت الطائرة تأخذ طريقها إلى أرض المطار، الذي كان يزدحم بالطائرات، وقال «أحمد» في نفسه: الآن، تبدأ المغامرة!
نظر في اتجاه «قيس» الذي ابتسم قائلًا: نرجو ألا يضيع وقتٌ طويل في مطاردة «بوريجا».
ردَّ «أحمد»: نرجو ذلك!
كانت الطائرة قد توقَّفَت، وانفتح بابها، وبدأ الشياطين يتجهون إليه. اقترب كابتن «صقر» من «أحمد» وقال: هل أنتظر؟
ابتسم «أحمد» وأجاب: أرجو ذلك.
ثم ودَّع الكابتن، وأخذ يهبط سلم الطائرة.