أسرع مغامرة … للشياطين
لم تتأخر «إلهام» كثيرًا؛ فبعد قليل، كانت تدخل من باب الفندق، واتجهَت مباشرة إلى الشياطين، الذين كانوا يجلسون في ركنٍ من القاعة. اتخذت مكانًا بجوار «أحمد»، ثم فتحَت حقيبتها في هدوء، وأخرجَت الخطاب، فتحه «أحمد» بسرعة، ثم جرى بعينَيه فوق الكلمات، وظهَرتِ المفاجأة على وجهه.
سال «عثمان»: ماذا حدث؟
همس «أحمد»: لقد انقلبت خطتنا تمامًا.
قال «رشيد»: كيف؟
ردَّ «أحمد»: سوف يسافر «بوريجا» إلى جزيرة قبرص، في نفس الوقت سوف تطير طائرةٌ خاصة تحمل مساعده «جراتز» إلى نفس الجزيرة. وهناك، سوف تنتقل شحنة المخدِّرات إلى إحدى ناقلات البضائع وسوف ترحل إلى مصر، وتمُر في قناة السويس في طريقها إلى المنطقة العربية، وخلال الرحلة سوف تُنزِل البضاعة في عدة أماكن!
هتفَت «إلهام»: إنها مؤامرة ضد منطقتنا.
قال «أحمد» بسرعة: ينبغي أن نتحرك إلى قبرص حالًا!
صمت لحظة ثم أضاف: إننا نحتاج الطائرة الآن، ولا ندري أين هي.
قال «بو عمير»: إن المجموعة الثالثة، وهي مجموعة التنسيق التي تضم «باسم» و«ريما» و«زبيدة»، عليها أن تُتابع حركة الطائرة والمجموعة الثانية، لتُعطيَها تعليماتٍ باللحاق بنا، وأقترح أن نرحل نحن فورًا إلى قبرص!
مرَّت لحظة قبل أن يقول «أحمد»: إن هذا هو الحل الوحيد الآن، حتى لا تضيع الفرصة.
انصرف الشياطين مباشرة إلى مطار نيويورك. في نفس الوقت أجرى «أحمد» مكالمةً تليفونية مع عميل رقم «صفر»؛ حتى يوفر لهم خمسة مقاعدَ في الطائرة المتجهة إلى قبرص. وكان ردَّ العميل: إن ذلك سوف يتم فورًا.
بعدها تحدَّث «أحمد» إلى مجموعة التنسيق وأصدر إليهم التعليمات، وعندما وصلَت السيارة إلى المطار كان هناك من يقف عند الباب، وقدَّم ﻟ «أحمد» مظروفًا ثم انصرف.
فتح «أحمد» المظروف وكانت به خمس تذاكر إلى قبرص، لكن كانت هناك محطات قبل الوصول إلى مطار «نيقوسيا» في قبرص، كانت أول محطة إلى روما في إيطاليا، ثم أثينا في اليونان، وأخيرًا نيقوسيا.
كانت الرحلة طويلة، لكن لم يكن هناك طريقٌ آخر. عندما صعد الشياطين إلى الطائرة تفرَّقوا في أنحائها. كانوا يُطبِّقون نظرية جمع المعلومات عن طريق السفر. وكانت أول رحلة هي أطولها، حتى الوصول إلى روما.
ولم يفُز الشياطين بأية معلومةٍ جديدة. في روما تغيَّرت الطائرة، وركبوا أخرى إلى أثينا. ومرةً أخرى تفرقوا في أنحاء الطائرة. وجاءت جلسة «أحمد» بجوار سيدةٍ عجوز، كانت مشغولة بقراءة إحدى المجلات النسائية. لكن فجأةً سمع حوارًا خلفه. كان اثنان يتحدثان، سأل الأول: إن «أركاديا» سوف تبحر من قبرص إلى مصر!
ردَّ الآخر: كان الأحسن أن تدور حول رأس الرجاء الصالح، فهو طريقٌ آمن.
قال الأول: إن الزعيم يريد أن يستغل فرصة حركة النقل النشطة بين بلاد المنطقة، فهذا سوف يُسهِّل العملية كثيرًا!
كاد «أحمد» أن يطير من الفرح؛ فها هي نظرية جمع المعلومات تثمر تمامًا، إن الصدفة قد قدَّمتْ أحسن التفاصيل؛ لذا يجب عليه استغلالها تمامًا. أخرج من جيبه قرصًا معدنيًّا رقيقًا، ثم انحنَى وثبَّته أسفل مقعده، قريبًا من الرجلَين؛ فهو بذلك سوف يُسجِّل كل ما يقولانه.
فكر لحظة ثم قال لنفسه: ينبغي أن أعرف شكلهما، حتى لا يفلتا منا!
وفي هدوء قام من على كرسيه، واتجه إلى حمام الطائرة، الذي يقع عند مؤخرتها. وكان ضروريًّا أن تقع عيناه على الرجلَين؛ لأنهما يجلسان في المقعد الخلفي. وفي الحمام كان يستعيد ملامح الرجلَين في ذهنه. لم يكن هناك ما يميزهما فهما رجلان عاديان. عاد مرةً أخرى إلى مقعده، لكنه تعمَّد وهو يمر بهما أن يصطدم بذراع الرجل الجالس ناحيته، ثم وقف يعتذر له. وكانت هذه فرصة أن يرى الرجلَين جيدًا، ثم جلس وقد أغمض عينَيه، وشرد، كان يشعر بالفرح، فأخيرًا ها هي خطة «بوريجا» عنده.
في نفس الوقت كان يفكِّر في بقية الشياطين؛ المجموعة الثانية التي خرجَت وراء رجل الكاوبوي، ومجموعة التنسيق الموجودة في نيويورك. فكَّر أن يرسل لزملاء المجموعة الأُولى الموجودين معه في الطائرة الأخبار الجديدة؛ فهو يعرف أنهم الآن قلقون تمامًا، لكنه خشي أن يحدث أي خطأ، فينكشف كل شيء.
أخيرًا وصلَت الطائرة إلى مطار أثينا. وعندما كانوا يغادرونها، كانت عيناه لا تفارق الرجلين كان «رشيد» يمشي بجواره، وعن طريق لغة الشياطين، همَس له بالمفاجأة، وكاد «رشيد» أن يقفز من الفرح.
وصل الركاب إلى صالة الانتظار، فهناك ساعة حتى تقوم الطائرة المسافرة إلى «نيقوسيا». أخذ «أحمد» مكانًا في صالة الانتظار يستطيع منه أن يرقُب الرجلين تمامًا، وضع يده في جيبه يتحسَّس القرص المعدني، الذي استعاده من تحت المقعد، قبل أن يغادر الطائرة، ولم يكن القرص المعدني الصغير، إلا جهاز تسجيل. انقضَت الساعة، وارتفع صوت مذيعة المطار يدعو الركاب إلى الطائرة المسافرة إلى «نيقوسيا»، تحرك الشياطين في بطء، حتى يظل الرجلان أمامهم.
نظر «أحمد» إلى «إلهام» التي كانت تعرف، وأصبحَت مهمتها أن تلتقط أية كلمةٍ يقولانها أثناء رحلة الطائرة. ولم تكن المسافة بعيدة؛ فلم تَمضِ ساعة حتى كانت تهبط في مطار «نيقوسيا». عندما كان «أحمد» ينزل سُلَّم الطائرة، وضع يده في جيبه وعن طريق جهاز الإرسال أرسل رسالةً شفرية إلى عميل رقم «صفر». وعندما كانوا عند الباب، كانت سيارة في انتظارهم … كان الرجلان قد ركبا سيارةً بنية اللون، كانت في انتظارهما أيضًا.
قال «أحمد» ﻟ «رشيد» الذي كان يجلس إلى عجلة القيادة: لا تدَعِ السيارة تهرب منا.
وهكذا أخذ «رشيد» يتبع السيارة بمسافةٍ كافية. لكن فجأةً جاءت رسالةٌ شفرية، تلقَّاها جهاز الاستقبال.
وعندما ترجم «أحمد» الرسالة، ملأت الدهشة وجهه. لقد كانت الرسالة تقول: انتهت المغامرة بنجاح، ووقع الحوت في يدنا. إلى اللقاء في المقر السري.
نقل «أحمد» الرسالة إلى الشياطين، فعلَت الدهشة وجوههم أيضًا.
قالت «إلهام»: لا أظن أنه «بوريجا»؛ لأننا نعرف أنه في قبرص.
وقال «عثمان»: هل هي خدعةٌ جديدة؟
ثم ملأ الصمت السيارة، في حين ظل «رشيد» يتبع السيارة. كانت المسألة محيرة، فمن هو «بوريجا» إذن؟ هل هو الحوت الذي وقع في يد المجموعة الثانية، أو إنه الموجود حاليًا في قبرص؟
قطع «بو عمير» الصمت قائلًا: لا يهم، ينبغي أن نصل إلى الرجل الموجود في قبرص، فإذا كان هو «بوريجا» نكون قد نجحنا، وإذا كان «بوريجا» هو الحوت الذي وقع في يد المجموعة الثانية، فنكون قد نجحنا أيضًا.
مرَّت لحظات قبل أن يقول «أحمد»: أخشى أن يكون «بوريجا» شخصًا آخر غير الاثنَين.
كان الغروب قد بدأ يزحف على الطريق، وسيارة رجلَي العصابة تتقدَّم في اتجاه الشاطئ، في حين كانت سيارة الشياطين تتبعها بمسافةٍ كافية، فجأةً ظهرت بوابةٌ مرتفعة، ثم فُتح بابها، واختفَت السيارة داخله، ثم أغلَق الباب من جديد. توقفَت سيارة الشياطين، وقال «أحمد»: لا بأس، لقد عرفنا المقر، سوف ننتظر حتى يهبط الليل، ثم نبدأ عملَنا.
انتظر لحظةً ثم أخرج فراشةً إلكترونية، وأطلقها في اتجاه المبنى الذي كان يظهر خلف السور، وقال: سوف نعرف كل شيء بعد قليل!
أخرج جهاز الاستقبال وظل يقلِّب موجاته، حتى انطبقَت موجة الجهاز على موجة الفراشة الإلكترونية، ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى بدأ الشياطين يسمعون الحوار الذي يدور داخل المبنى، والذي كانت تُرسِل به الفراشة الإلكترونية.
جاء صوت رجلٍ يقول: إن كل شيء جاهز أيها الزعيم!
مرت لحظة قبل أن يأتي صوتٌ رفيع يقول: لا بأس.
ثم فجأةً أطلق ضحكةً رفيعة، وهو يقول: وأين الزعيم الآخر؟
ردَّ صوت: إنه هناك في أمريكا، ولعلهم يظنُّونه أحد رجال السينما، وهو يرتدي ملابس الكاوبوي!
ابتسم «أحمد» فقد عرف أن المجموعة الثانية قد خُدعَت من «بوريجا» المزيَّف، بعد قليل أظلمت الدنيا تمامًا، فقال «أحمد»: هيا نبدأ العمل، سوف تظل «إلهام» في السيارة، تقوم بتلقِّي الرسائل، وسوف نقوم نحن بعملنا!
وفي دقائقَ كانوا يتسلَّقون السور في خفَّة، ثم يقفزون إلى الداخل، لكن فجأةً وقعَت أعينُ أحد الحرَّاس عليهم، وقبل أن يتحرَّك كان خنجر «رشيد» يأخذ طريقه إليه، فيصيب المسدَّس الذي أخرجه من حزامه.
في نفسِ الوقت كان الشياطين قد قفَزوا في سرعة أوصلَتهم إلى هناك. وفي دقيقةٍ كان الحارسان قد سقطا على الأرض، ثم أخفَوهما في الظلام، وبسرعةٍ كانوا يأخذون طريقهم إلى الفيلَّا الرائعة، التي تحفُّها الأشجار، ويصل إليها صوت الأمواج.
كان باب الفيلا مغلقًا، لكن هذه لم تكن مشكلة؛ فقد أخرج «عثمان» جهازًا دقيقًا وجهه إليه، وضغَط زرًّا فيه فانطلق شعاعٌ فتح الباب مباشرة. قفزوا إلى الداخل، ولم يكن هناك أحد. وفي مواجهة الباب كانت تُوجد غرفةٌ مُضاءة، عرف «أحمد» أن «بوريجا» بداخلها؛ فقد سمع صوتَه الرفيع يقول: سوف تصل «أركاديا» الليلة، وتبحر غدًا مع الفجر!
وقف «أحمد» بجوار الباب بزاوية، ثم ألقى نظرةً سريعة على داخل الحجرة، فوقعَت عيناه على «بوريجا». ابتسَم وهو يقول لنفسه: أخيرًا، هذا هو «بوريجا» الحقيقي.
نظر إلى «رشيد»، ثم همَس: أطفئ الأنوار.
أخرج «رشيد» مسدسه، وثبَّت فيه كاتم الصوت، ثم بمهارةٍ أطلق عدة طلقاتٍ على النجفة المعلَّقة في سقف الغرفة، فغرق كل شيء في الظلام، في نفس الوقت صرخ «بوريجا»: من هناك؟ … وعلى نور الحديقة رأى «أحمد» «بوريجا» وهو يقفز من النافذة، وفي لمح البصر كان يطير خلفه، بينما اشتبك بقية الشياطين مع الرجلَين. سقط «بوريجا» على أرض الحديقة، قبل أن يتمكَّن من الوقوف، كان «أحمد» قد سقط فوقه وهو يُسدِّد له ضربةً عنيفة جعلَته يسقُط من جديد، لكنه كان رشيق الحركة فقد استدار وهو على الأرض، وأخرج مسدسه وصوَّبه إلى «أحمد» إلا أن «عثمان» كان هناك، يقف عند يده تمامًا، فضربه في يده فطار المسدس. ولم يستطع «بوريجا» أن يفعل شيئًا، وفي دقائق انتهى كل شيء، حتى إن «بو عمير» قال: إنها أسهل مغامرة قمنا بها حتى الآن!
وبسرعةٍ كان «أحمد» يُرسِل إلى رقم «صفر» التفاصيل، وفي دقائق وصل ردُّ رقم «صفر» يقول: «أهنئكم. وقد وصل «بوريجا» المزيف أيضًا!»
ثم أضاف في الرسالة: «السلطات القبرصية سوف تتولَّى مهمة «أركاديا»، أُحيِّيكم، وإلى اللقاء.»
وفي هدوءٍ كان الشياطين يغادرون القصر ومعهم «بوريجا»، ولم تكَد تصل خطواتهم نحو الباب حتى كانت الشرطة القبرصية أمامهم. تقدَّم قائد الشرطة وحيَّا الشياطين وشكرهم، ثم وضع السلاسل الحديدية في يد «بوريجا».
ودَّع «أحمد» القائد، ثم ركبوا سيارتهم واختفَوا في جوف الليل إلى مطار «نيقوسيا»، للعودة إلى المقر السري.