السَّجَّاد
السَّجَّاد أكثر منتجات الفن الإيراني انتشارًا في العالم، وأكبر الظن أن شهرة إيران في هذا الميدان ترجع إلى العصور القديمة، وأنها كانت تصدِّر السَّجَّاد إلى الإغريق ثم إلى البيزنطيين ثم إلى الغربيين في العصور الوسطى. ولا عجب فقد كانت أُبَّهَة السجاجيد الإيرانية أول ما يبدو لمن يزور إيران من الرَّحَّالة أو يتصل ببلاطها من السفراء ورجال البعثات، فضلًا عن أن موازنة هذه السجاجيد بما كان ينتجه الغرب لم تكن لتترك أي مجال للشك في التفوق العظيم الذي أحرزه الإيرانيون في هذا الميدان.
على أن أقدم السجاجيد الإيرانية المعروفة ترجع إلى عصر السلاجقة في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي). وكان نسج السَّجَّاد شائعًا بين القبائل الرُّحَّل وبين الأسرات الإيرانية العادية وفي المصانع التِّجارية المختلفة. أما اهتمام البلاط والأمراء بإنتاج السَّجَّاد فقد بدأ في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، وأنشئت مصانع النسج الشاهانية لينسج فيها مَهَرة الصُّنَّاع السجاجيد الجميلة لقصور الشاه أو للأمراء والملوك الأجانب الذين يأمر بإهدائها إليهم.
ولعل السبب في ازدهار الصناعة في إيران هو تشجيع الملوك والأمراء ورجالات الدولة، وإنفاقهم الأموال الطائلة في إنتاج أحسن الفُرُش والأبسطة، وأفخرها مادة وحسن صناعة، على يد كثيرين من العمال، يشتغلون الشهور الطويلة في صنع سجاجيد تخرج آية في الفن، ولا يدري المرء بأي شيء يعجب فيها، أبنضارة الألوان وانسجامها أم بجمال الزخارف ودقتها أم بمتانة الصناعة وإتقانها؟!
•••
… وفي فارس ستجد أبسطة من الصوف الخشن ذات فضالات من خيط مرسلة عند أطرافها، فهذه أحسن أبسطة الدنيا، وألوانها أجمل ألوان، فإلى هذه المدائن والبلدان فَتَوَجَّهْ، وفيها فاعمل كل حيلة لتتعلم من أهلها كيف تُصبغ هذه الفتائل؛ فهي مصبوغة بحيث لا يؤثر في لونها مطر أو خل أو خمر. فإذا أنت بَلَغْتَ منهم عِلْمَ ذلك، واكْتَنَهْتَ كُنْهَ هذا السر العجيب أمكنك أن تستخدمَه في صَبْغ القماش وأنت واثق؛ فالصبغة التي تثبت في الفتائل الخشنة تكون أكثر ثبوتًا في الثوب المنسوج … واسأل عن سوائل الصباغة وحوائج الصبغ، وتعرَّفْ أثمانها. وإذا أنت استطعت أن تعود برجل واحد يُحْسِن صناعة الأبسطة التركية، فقد غنمت الخير الكثير لأمتك، والكسب والعمل لشركتك.
وقد ذكر الأستاذ في مقاله أن الخيوط كانت تُصبغ قبل نسج السجاجيد والأبسطة، «وأن كل اعتماد الشرق في قديمه كان على صبغات نباتية أو حيوانية قليلة — قليلة بالنسبة لألوف الأصباغ المصطنعة اليوم اصطناعًا. فكانوا يغطسون الغزل فيها فيحصلون على ألوان بعدد هذه الصبغات، ثم هم يعيدون تغطيس الغزل في غير صبغته الأولى؛ فيؤلفون بهذا بين الصبغات المختلفة؛ فيحصلون منها على ألوان جديدة عديدة، هي أوساط بين تلك الصبغات؛ وبهذا يوسعون فيما ضيقت الطبيعة عليهم فيه. ومن أمثلة هذه الأصباغ وأشهرها النيلة أو النيلج، وهي زرقاء، ثم الفوَّة وهي حمراء، وكلتاهما من النبات.»
•••
•••
•••
وكانت السجاجيد الإيرانية تختلف باختلاف صانعيها والذين كانت تُصنع لهم؛ فضلًا عن أنها تطورت، فكانت صناعتها في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) شابَّة فتية، وبلغت عصرها الذهبي في القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة (السادس عشر والسابع عشر)، ثم دَبَّ إليها الضعف في القرنين الثاني عشر والثالث عشر (الثامن عشر والتاسع عشر). وأما في القرن الحالي فقد فقدت نضارتها القديمة، بل غدت منتجاتُها سوقية ولا يمكن موازنتها بالسجاجيد الإيرانية القديمة، اللهم إلا بعض السجاجيد التي يُعنى بها عناية خاصة.
وطبيعي أنَّ أبدع السَّجَّاد الإيراني ما كان يُصنع للملوك وكبار الأمراء، ثم يليه الذي كان يُصنع في المراكز الرئيسية التي اشْتَهَرَتْ بنسج السَّجَّاد؛ مثل أصفهان وكرمان وقاشان وقم وتبريز وكرباغ وهمذان وشستر وهراة ويزد. وكانت أكثر الصادرات من هذا النوع، فضلًا عن أن رجال الطبقة الوسطى كانوا يُقبلون عليه إقبالًا شديدًا. أما أبسط الأنواع فهي التي كانت تصنعها القبائل الرُّحَّل وعامة الشعب في المدن.
وكثيرًا ما كان الملوك والأمراء يطلبون إلى أعلام المصوِّرين والرسامين أن يقوموا بإعداد الرسوم التي تزين بها السجاجيد الفاخرة. والمعروف أن المصورين كان لهم في البلاط وفي الحياة الاجتماعية نفوذٌ كبير بين القرنين التاسع والحادي عشر بعد الهجرة (الخامس عشر والسابع عشر بعد الميلاد) فلم يصوروا المخطوطات فحسب، بل أشرفوا على شتى أنواع الزخرفة: في العمائر وعلى المنتجات الخزفية والمنسوجات والسَّجَّاد. ولعل أعظم من اشتغل من المصورين بعمل زخارف السَّجَّاد هم بهزاد وسلطان محمد وسيد علي.
•••
وتتركب السجاجيد والأبسطة من الرقعة والخميلة، أما الرقعة فالنسيج التحتاني وتُصنع من القطن وخيوط الكتان، وأما الخميلة فالنسيج الفوقاني وهو في أكثر الأحيان من الصوف الطويل الشعرات أو الحرير.
والسجاجيد نوعان: يَدَوِيٌّ شرقي ومَكَنِيٌّ غربي، وقد قال الدكتور أحمد زكي بك في مقاله سالف الذكر: إنهما يختلفان اختلافًا كبيرًا من حيث تركيبُهما ونسيجُهما، «ففي اليدوي الشرقي تستقِلُّ رقعة السَّجَّاد عن خميلته، والرقعة فيه نسيج ككل الأنسجة، له سَداهُ وله لُحْمَتُه، وهو كأبسط ما تكون الأنسجة. والخميلة عبارة عن خُصَل مستقلة من الصوف الممشوط تُعقد من أواسطها على خُيوط السَّدَى عقدًا. أما في الْمَكَنِيِّ الغربي فخميلته من رُقعته فما هي إلا نُتوءات خرجت بها خُيوط سَدَى الرقعةِ عن مستوى الرقعة فبانت كحلمات الثَّدْي، والثُّدِيُّ كثيرة عديدة.
ومنسج البِساط الشرقي بسيط؛ فهو يتكون من عارضتين من الخشب متوازيتين، تُمَدُّ بينَهما خُيوط السَّدَى وطول هاتين العارضتين هو عرض البِساط، وَبُعْدُ ما بينَهما هو طوله. وتُعقد خُصَل الصوف عُقَدًا على خُطوط السَّدَى. وهذه الخُصَل تبلغ البوصتين طولًا، وقد تقصر وقد تطول، وتُختار ألوانها حسب الرسم الموجود أمام الناسج، فإذا تم الصف أو بعض الصف دَفَعَهُ بالْمُشْط جَذْبًا إلى أخواته وشد عليه خيطين أو أكثر من خُيوط اللُّحمة، ثم عاد سِيرَته الأولى بعَقْد الْخُصَل على السَّدَى. ويختلف نوع العقدة باختلاف البلاد، ويُستخدم نوعُها في تعرف البلد الذي عُقدت فيه؛ فالعقدة التركية تلتف الخصلة الواحدة من الصوف فيها حول خيطين متجاورين من السَّدَى بحيث تُجمع بينهما من أعلى، ثم يدور طرَفاها غائصين في مستوى الرقعة وراء هذين الخيطين ثم يجتمعان فينفذان بينهما صاعدين معًا متلامسين إلى وجه الرقعة؛ فيَحُلَّان محلهما من خميلة البِساط. أما العقدة الفارسية فتلتف الخصلة فيها وراء خيط واحد من السَّدَى، ولا تلتف حول جاره وإنما تحتضنه من تحته احتضانًا، وفي كلتا الحالتين من التفاف واحتضان ينتهي طرَفاهما فوق الرقعة في مكانهما من الخميلة.
ويتبين من صفة هاتين العقدتين أن الخُصَل — وهي التي تتألف منها خميلة السَّجَّاد اليدوي — لا تكون رأسية أبدًا على سطح الرقعة بل تنام مُلْقِيَة بأطرافها نحو طرَف السَّجَّاد اليدوي، ويتعسر بل يتعذر على الْمَكَنات تقليدها.
•••
ويرجع جمال السَّجَّاد الإيراني وشهرته إلى إبداع ألوانه وتناسقها وحسن توزيعها، وإلى متانة الصناعة والعناية بالصوف؛ حتى لقد كانت الغنم تُرَبَّى خصيصًا ويُعنى بنظافة صوفها لينسج منه السَّجَّاد، كما أن الحرير وخيوط الذهب والفضة كانت تدخل في صناعة السجاجيد الشاهانية النفيسة.
وقد مرَّ بنا أن أقدم السجاجيد الإيرانية المعروفة ترجع إلى العصر السلجوقي. والحق أننا قد نستنبط من المصادر التاريخية والأدبية وجود سجاجيد إيرانية ثمينة في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) في بلاط الدولة الغزنوية. ومع ذلك كله فإننا نستطيع أن نقول إن صناعة السَّجَّاد في إيران تطورت ببطء في العصر الإسلامي ولم تبلغ أَوْج عِزِّها إلا في القرن العاشر بعد الهجرة، ثم بدأت في الاضمحلال منذ نهاية القرن الحادي عشر (السابع عشر الميلادي).
وأكثر السجاجيد الإيرانية القديمة مستطيلة الشكل، وألوانها هادئة تغلب عليها الزُّرقة والحُمْرة، ونجد أن ما كان فيها من أصفر قد بَهِتَ بمرور الزمن وانكسرت حِدَّتُه.
(١) تقسيم السجاجيد الإيرانية وتاريخها
وقُصارَى القولِ أنه من الممكن تقسيم السجاجيد الإيرانية إلى أنواع مختلفة بحسَب زخارفها، كما يمكن نسبة بعض هذه الأنواع إلى مصانع بعض المدن الإيرانية المعروفة، ولكن بعض المدن الأخرى لا يمكن أن تُنسب إليها أنواع بالذات، كما أن بعض الأنواع لا نستطيع نسبتها إلى أي مدينة بالذات.
وكان مؤرخو الفنون الإسلامية في بداية هذا القرن يميلون إلى نسبة بعض السجاجيد الإيرانية إلى عصر سابق بقرن أو قرنين عن العصر الذي تُنسب إليه الآن. والحق أن معظم السجاجيد المصنوعة في القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة (السادس عشر والسابع عشر بعد الميلاد) يمكن تأريخُها على وجه التقريب؛ وذلك بفضل بعض السجاجيد المؤرخة التي وصلتنا، وبفضل ما كتبه في وصف السجاجيد الإيرانية بعضُ الرحالة الغربيين، وما جاء عنها في البيانات التي كُتبت عن الكنوز الفنية في بعض القصور والمجموعات الأثرية في القرون الماضية، وبفضل موازنة رسومها وزخارفها بما نعرفه في المؤرخ من المخطوطات والصفحات المذهَّبة والمنسوجات.
وفضلًا عن ذلك فإن تصوير السجاجيد الإيرانية في اللوحات الفنية الأوروبية عنصر له قيمته في تأريخها، والمعروف أن أكثر السجاجيد التي رسمها المصورون الأوروبيون في لوحاتهم الفنية من منتجات آسيا الصغرى، ولكنا نعرف أيضًا أن السجاجيد المصنوعة في شرقي إيران والتي تنسب إلى هراة رُسمت كثيرًا في اللوحات الفنية الأوروبية التي ترجع إلى نهاية القرن السادس عشر الميلادي (العاشر الهجري) والنصف الأول من القرن السابع عشر.
على أن تأريخ السجاجيد الإيرانية — على وجه عام — أمر محفوف بكثير من الصعاب، فإننا إذا أردنا الحكم بحسب الموضوعات الزخرفية وتطورها لم نجد النجاح حليفنا في كل الأحوال، وحَسْبنا أننا نجد في السَّجَّادة الواحدة موضوعات زخرفية مختلفة في تطورها؛ فيحملنا بعضها على تقديم تاريخ التحفة، ويدفعنا البعض الآخر إلى تأخيره.
(١-١) السجاجيد ذات الصرة أو الجامة
وهي نوع من صناعة شمالي إيران ولا سيما في تبريز وفي قاشان، وترجع أحسن منتجاته إلى القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)، وقد بدأ الاضمحلال يدب إليها منذ القرن التالي.
وتتكون زخارف هذه السجاجيد من صرة أو جامة في الوسط ذات أشكال مختلفة أو فصوص، وقد يمتد من طرَفَيِ الجامة الأعلى والأسفل موضوع زخرفي أو إناء معلق إلى جانِبَيِ السَّجَّادة، وفي الأركان أرباع جامات. وهذا النوع من الزخرفة عامٌّ في الفنون الإسلامية، ولا سيما في جلود الكتب والصفحات الأولى المذهَّبة في المخطوطات، وهو من أكبر الأدلة على غرام الفنانين المسلمين بالتوازن والتقابل في الرسم والزخرفة.
وأما أرضية هذا النوع من السجاجيد فكانت من رسوم الزهور والفروع النباتية المحورة أو السيقان ذات الزوايا، فضلًا عن رسوم السحب الصينية.
واستُعملت فيها الألوان الأحمر والأخضر والأزرق الفاتح والغامق والأسمر والأصفر والأبيض. وامتازت تلك السجاجيد بأن لها إطارًا ثانويًّا صغيرًا داخلَ الإطار الخارجي. ويمكننا أن نقول إن المعروف من السجاجيد ذات الصرة أكثر عددًا من المعروف من سائر أنواع السجاجيد الإيرانية، وإن تلك السجاجيد من أبدع منتجات السجاجيد في شمال غربي إيران؛ حيث كانت البيئة وطبيعة البلاد في إقليم آذربيجان مَرْتَعًا للفنون الجميلة، ولا سيما فن صناعة السَّجَّاد.
وقد تطورت السجاجيد ذات الجامة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر بعد الهجرة (الثامن عشر والتاسع عشر بعد الميلاد) إلى طراز السجاجيد الحديثة التي تُنسج في كرباغ، والتي تشبه السجاجيد القديمة في الشكل والرسوم والألوان.
(١-٢) السجاجيد ذات الزهريات
ويُظن أنها كانت تُصنع في الأقاليم الوسطى من إيران في القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة (السادس عشر والسابع عشر بعد الميلاد). وقد امتاز بها عصر الشاه عباس؛ حتى إنها تُنسب إليه في بعض الأحيان.
وقد غلبت هذه التسمية على هذا النوع من السجاجيد؛ لأن في زخارفه رسومًا تشبه الزهريات. وعلى كل حال فإن زخارفه كلها من الزهور وليس فيه زخارف تتوسط السَّجَّادة، وإنما كل رسومه مرتبة في توازن حول محورها الأوسط. وتمتاز السجاجيد ذات الزهريات بمتانتها ودقة صناعتها وكثافة وَبَرِهَا وضِيق إطارها وأرضيتها الزرقاء أو الحمراء، وبما فيها من مُعَيَّنات من سِيقان الزهور والفروع النباتية والزهريات والزهور والمراوح النخيلية (بالمت)، كما نلاحظ أن زخارفها غير متأثرة بأساليب المصورين والمُذَهِّبِين والمجلِّدين، وأن الألوان التي استُخدمت فيها مختلفة جدًّا وبراقة وغير هادئة، أما في المساحة فإنها تمتاز بأنها طويلة بالنسبة إلى عرضها فقد يبلغ طولها في بعض الأحيان ثلاثة أمثال عرضها.
(١-٣) السجاجيد ذات الرسوم الحيوانية
وأكبر الظن أنها من صناعة شمالي إيران في القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة (السادس عشر والسابع عشر بعد الميلاد) وهي إما تمثل مناظر صيدٍ كالسَّجَّادتين المشهورتين في متحف فينا ومتحف الفنون الزخرفية في باريس، وإما تمثل رسوم حيوانات خرافية أو مُحَوَّرةٌ عن الطبيعة وعلى أرضية مملوءة برسوم الزهور والنبات.
وقد أفلح بعض صناع السَّجَّاد في إكساب هذه الرسوم روحًا وحياة وحركة دونَها ما وصل إليه أعلام المصورين والمذهبين.
(١-٤) السجاجيد البولندية
هي سجاجيد من الحرير مُحَلَّاة بخيوط الذهب والفضة، ولعلها من منتجات مصانع البلاط بأصفهان في نهاية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) وبداية الحادي عشر، وقد غلبت عليها هذه التسمية؛ لأنها كانت تُنسب إلى بولندة حينًا من الزمن.
أما زخارفها فخليط من زخارف الأنواع الأخرى من السجاجيد الإيرانية وألوانها غنية، وفي أكثر الأحيان لا تكون الأرضية كلها ذات لون واحد، بل تكون السَّجَّادة ذات أرضيات مختلفة الألوان. وأهم الألوان المستخدمة في السجاجيد البولندية هي الأصفر الفاتح والأخضر الباهت والبرتقالي والأزرق الفيروزجي والأحمر القرمزي، ولم يكن هذا النوع دقيق الصناعة؛ ولذا كانت أكثر النماذج الباقية منه في حالة غير جيدة.
(١-٥) السجاجيد المزخرفة برسوم الحدائق
كانت تُصنع في شمالي إيران في القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة (السادس عشر والسابع عشر بعد الميلاد)، ولكن في المصادر التاريخية أن كسرى الأول (٥٣١–٥٧٩م) كان يملك سَجَّادة نفيسة عليها رسم صادق لروضة غَنَّاء، أما السَّجَّادة التي كانت في قصر كسرى الثاني بالمدائن ثم وقعت غنيمة في يد العرب الفاتحين، فقد أطنب المؤرخون في وصف حديقتها وأشجارها وقنواتها وطيورها وزهورها.
وعلى كل حال فإن زخارف هذا النوع من السجاجيد تبدو كأنها خريطة أو مصوَّر لحديقة، يبين طرقاتها وأقسامها ومجاري المياه فيها فضلًا عما فيها من النبات والزهور.
وأكبر الظن أن هذه السجاجيد كانت تُصنع لِتُهْدَى إلى ملوك أوروبا وأمرائها، وكانت تدخل في نسجها خيوط الذهب والفضة.
(١-٦) السجاجيد المزخرفة برسوم الزهور
كانت تصنع في خُراسان وتُنسب في أكثر الأحيان إلى هراة، ومعظمها يرجع إلى القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة (السادس عشر والسابع عشر بعد الميلاد)، وقوام زخارفها فروع نباتية ومراوح نخيلية (بالمت) ورسوم سحب صينية. وقد جاءت هذه السجاجيد في بعض اللوحات الغربية من القرن السابع عشر الميلادي، والأرضية في معظم السجاجيد المنسوبة إلى هراة حمراء اللون بينما الإطار أخضر، ونلاحظ في سجاجيد هراة المصنوعة في القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي) أن رسوم المراوح النخيلية فيها أكبر، وأنها تشتمل — فضلًا عن الزخارف المعروفة في القرن السابق — على وريقات طويلة مقوَّسة، وأنها أقل دقة في الصناعة وانسجامًا في الألوان.
ولا عجب في أن تكون خُراسان مركزًا عظيمًا من مراكز صناعة السَّجَّاد؛ فقد كان هذا الإقليم في طليعة الأقاليم الإيرانية في الأدب والسياسة والفن. وقد ازدهرت فيه منذ القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) أساليب فنية في عصر الدولة الغزنوية والعصور التالية، وكانت هراة مركزًا عظيمًا من مراكز الثقافة الإيرانية، فضلًا عن أن هذا الإقليم امتاز بصوفه الطيب وأصباغه الصالحة.
(١-٧) سجاجيد الصلاة
كانت تُصنع في شمال غربي إيران ولا سيما في تبريز، وامتازت بالآيات القرآنية المكتوبة بالخط النسخي والكوفي والنستعليق في أرضية السَّجَّادة وفي مناطق تحف بها. ويتوسط السَّجَّادة رسم عقد يمثل المحراب. ومعظم المعروف من هذا النوع لم يكن غاية في الجمال والإبداع؛ لأن الفنان لم يفلح تمامًا في أن يستخدم الكتابة عنصرًا زخرفيًّا متقنًا.
•••
وصفوة القول أن السَّجَّاد كان للإيرانيين ميدانًا واسعًا لإظهار تفوقهم في اختيار الألوان. وقد بلغ ما استخدموه منها في بعض الأحيان زُهاء عشرين لونًا في السَّجَّادة الواحدة؛ ومع ذلك فقد أصابوا أبعد حدود التوفيق في ترتيبها بحيث تكون السَّجَّادة وحدة متماسكة في ألوانها. وكانت مصانع البلاط تبذل الجهود الوافرة في إنتاج السجاجيد التي تمتاز عن سائر الأنواع المعروفة والتي تبعث العجب بجمالها وحسن تنسيقها وإبداع مادتها وزخارفها.
والظاهر أن السجاجيد الإيرانية لم تكن تُصنع كلها لتُفرش على الأرض؛ فإننا نرى في صور المخطوطات رسوم بعض السجاجيد المعلقة أو التي تظل مجلسًا من المجالس. وقد كان تعليق السجاجيد في الحفلات أمرًا معروفًا في أوروبا في عصر النهضة، كما أننا لا نزال نرى أثره حتى اليوم في تعليق الأبسطة الثمينة من الشرفات التي يُطل منها الملوك أو رؤساء الحكومات على الشعب أو يستعرضون منها جيوشهم أو فريقًا من رعاياهم.
•••
وفي مصر مجموعة ثمينة جدًّا من السَّجَّاد الإيراني تُعد من أكمل مجموعات العالم في هذا الميدان، وهي للدكتور علي باشا إبراهيم عميد كلية الطب، وقد قضى في جمعها السنين الطوال، وبذل النفقات الطائلة. وفي الحق أن كثيرًا من سجاجيد هذه المجموعة لا نظير له إلا في قليل جدًّا من المتاحف أو المجموعات الخاصة الأوروبية؛ ولذا كانت كعبة الأخصائيين في الفنون الإسلامية، يحرصون على مشاهدتها كلما ألقَوْا عَصَا التَّسْيَار في مصر، فضلًا عن أن بعض التحف من هذه المجموعة قد عُرِضَ في أعظم المعارض الدولية للفن الإيراني أو الفنون الإسلامية.
وفي الدار — عدا ذلك — سجاجيد إيرانية أخرى ولكنها من صناعة القرنين الثاني عشر والثالث عشر بعد الهجرة (الثامن عشر والتاسع عشر بعد الميلاد).