ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يَتَعَرَّضُ لِلْإِغْرَاءِ
عِنْدَمَا يَكُونُ الطَّائِرُ رَاقِدًا فِي عُشٍّ، فَهَذِهِ عَلَامَةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى أَنَّ الْعُشَّ بِهِ شَيْءٌ قَيِّمٌ. إِنَّهَا عَلَامَةٌ عَلَى أَنَّ الطَّائِرَ اتَّخَذَهُ مَنْزِلًا؛ لِذَا، عِنْدَمَا رَأَى ابْنُ الْمُزَارِعِ براون السَّيِّدَةَ هوتي تَرْقُدُ فِي الْعُشِّ الْقَدِيمِ لِلصَّقْرِ أحمر الذيل فِي الرُّكْنِ الْمَهْجُورِ مِنَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، عَلِمَ مَا يَعْنِيهِ ذَلِكَ. رُبَّمَا يَجْدُرُ بِي أَنْ أَقُولَ إِنَّهُ عَلِمَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْنِيَهُ ذَلِكَ. فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْنِيَ ذَلِكَ وُجُودَ بَيْضٍ فِي الْعُشِّ.
لَكِنْ كَانَ مِنَ الصَّعْبِ عَلَى ابْنِ الْمُزَارِعِ براون أَنْ يُصَدِّقَ ذَلِكَ؛ فَالرَّبِيعُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ! وَكَانَتِ الثُّلُوجُ لَا تَزَالُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَلَا تَزَالُ الْبِرْكَةُ الْبَاسِمَةُ مُغَطَّاةً بِالْجَلِيدِ. مَنْ سَمِعَ بِطَائِرٍ يَضَعُ بَيْضًا فِي هَذَا الْوَقْتِ مِنَ الْعَامِ؟ بِالتَّأْكِيدِ لَيْسَ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون. إِلَّا أَنَّ السَّيِّدَ وَالسَّيِّدَةَ هوتي كَانَا يَتَصَرَّفَانِ تَمَامًا مِثْلَمَا تَتَصَرَّفُ الطُّيُورُ كُلُّهَا عِنْدَمَا يَكُونُ لَدَيْهَا بَيْضٌ تَخَافُ عَلَيْهِ. كَانَ الْأَمْرُ مُحَيِّرًا لِلْغَايَةِ.
تَمْتَمَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون لِنَفْسِهِ بَيْنَمَا كَانَ يُحَدِّقُ لِأَعْلَى نَحْوَ الْعُشِّ: «الصَّقْرُ أحمر الذيل هُوَ مَنْ بَنَى هَذَا الْعُشَّ وَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُصْلِحْهُ حَتَّى. وَإِذَا كَانَ هوتي وَزَوْجَتُهُ قَدِ اتَّخَذَاهُ مَنْزِلًا، فَإِنَّهُمَا لَا يَعْرِفَانِ شَيْئًا عَنْ بِنَاءِ الْأَعْشَاشِ. وَإِذَا كَانَتِ السَّيِّدَةُ هوتي قَدْ وَضَعَتْ بَيْضًا فِي هَذَا الْوَقْتِ مِنَ الْعَامِ، فَلَا بُدَّ أَنَّهَا مَجْنُونَةٌ. أَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ إِلَّا بِتَسَلُّقِ الشَّجَرَةِ. إِنَّهَا تَبْدُو حَمَاقَةً، وَلَكِنِّي سَأَفْعَلُهَا. إِنَّ زَوْجَ الْبُومِ ذَاكَ يَتَصَرَّفُ بِالتَّأْكِيدِ كَمَا لَوْ كَانَ شَدِيدَ الْقَلَقِ عَلَى شَيْءٍ مَا، وَسَوْفَ أَكْتَشِفُ هَذَا الشَّيْءَ.»
نَظَرَ إِلَى السَّيِّدِ وَالسَّيِّدَةِ هوتي، وَإِلَى مِنْقَارَيْهِمَا الْمَعْقُوفَيْنِ وَمَخَالِبِهِمَا الْعَظِيمَةِ، وَقَرَّرَ أَنْ يَأْخُذَ مَعَهُ عَصًا غَلِيظَةً؛ فَهُوَ لَمْ يَكُنْ يَرْغَبُ فِي الْوُقُوعِ بَيْنَ تِلْكَ الْمَخَالِبِ. وَعِنْدَمَا وَجَدَ عَصًا تُنَاسِبُهُ، بَدَأَ فِي تَسَلُّقِ الشَّجَرَةِ. طَقْطَقَ السَّيِّدُ وَالسَّيِّدَةُ هوتي بِمِنْقَارَيْهِمَا وَأَصْدَرَا فَحِيحًا شَرِسًا، وَاقْتَرَبَا مِنْهُ. ظَلَّ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يُرَاقِبُهُمَا. بَدَوَا ضَخْمَيْنِ وَشَرِسَيْنِ لِلْغَايَةِ، حَتَّى إِنَّهُ كَادَ يَسْتَسْلِمُ وَيَتْرُكُهُمَا فِي سَلَامٍ. وَلَكِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَكْتَشِفَ مَا إِذَا كَانَ هُنَاكَ شَيْءٌ فِي الْعُشِّ؛ لِذَا وَاصَلَ التَّسَلُّقَ. وَعِنْدَمَا اقْتَرَبَ مِنَ الْعُشِّ، قَفَزَتِ السَّيِّدَةُ هوتي بِالْقُرْبِ مِنْهُ، وَطَقْطَقَتْ بِمِنْقَارِهَا مُصْدِرَةً صَوْتًا رَهِيبًا. فَأَمْسَكَ بِعَصَاهُ وَاسْتَعَدَّ لِلضَّرْبِ بِهَا وَوَاصَلَ صُعُودَهُ.
كَانَ الْعُشُّ عِبَارَةً عَنْ هَيْكَلٍ ضَخْمٍ يَتَكَوَّنُ مِنَ الْعِصِيِّ. وَعِنْدَمَا بَلَغَهُ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون، اكْتَشَفَ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصِلَ إِلَى مَكَانٍ يَنْظُرُ مِنْهُ إِلَى دَاخِلِ الْعُشِّ؛ لِذَا مَدَّ يَدَهُ لِأَعْلَى وَتَحَسَّسَ مَا بِدَاخِلِهِ. وَعَلَى الْفَوْرِ تَقْرِيبًا لَمَسَتْ أَصَابِعُهُ شَيْئًا اقْشَعَرَّ لَهُ بَدَنُهُ. كَانَ هَذَا الشَّيْءُ بَيْضَةً، بَيْضَةً ضَخْمَةً كَبِيرَةً! لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ شَكٌّ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ وَجَدَ صُعُوبَةً فِي تَصْدِيقِ ذَلِكَ مِثْلَمَا حَدَثَ لِبلاكي عِنْدَمَا رَأَى هَاتَيْنِ الْبَيْضَتَيْنِ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ. قَبَضَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون عَلَى الْبَيْضَةِ وَأَخْرَجَهَا مِنَ الْعُشِّ. قَفَزَتِ السَّيِّدَةُ هوتي قَرِيبًا جِدًّا مِنْهُ، وَكَادَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يُسْقِطُ الْبَيْضَةَ مِنْ يَدِهِ إِذْ لَوَّحَ بِعَصَاهُ فِي وَجْهِ السَّيِّدَةِ هوتي. وَحِينَهَا بَدَا أَنَّ السَّيِّدَ وَالسَّيِّدَةَ هوتي فَقَدَا شَجَاعَتَهُمَا وَانْسَحَبَا إِلَى شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ، حَيْثُ وَقَفَا يُطَقْطِقَانِ بِمِنْقَارَيْهِمَا وَيُطْلِقَانِ فَحِيحَهُمَا الْغَاضِبَ.
حِينَهَا نَظَرَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون إِلَى الْغَنِيمَةِ الَّتِي كَانَ مُمْسِكًا بِهَا فِي يَدِهِ. كَانَتْ بَيْضَةً كَبِيرَةً لَوْنُهَا أَبْيَضُ ضَارِبٌ إِلَى الصُّفْرَةِ. فَلَمَعَتْ عَيْنَاهُ. يَا لَهَا مِنْ غَنِيمَةٍ رَائِعَةٍ يُضِيفُهَا إِلَى مَجْمُوعَتِهِ مِنْ بَيْضِ الطُّيُورِ! كَانَتْ أَوَّلَ بَيْضَةِ بُومَةٍ قَرْنَاءَ — أَكْبَرِ أَنْوَاعِ الْبُومِ — يَرَاهَا فِي حَيَاتِهِ.
تَحَسَّسَ الْعُشَّ مِنْ دَاخِلِهِ مَرَّةً أُخْرَى وَاكْتَشَفَ وُجُودَ بَيْضَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ: «سَوْفَ آخُذُ كِلْتَا الْبَيْضَتَيْنِ. إِنَّهُ أَوَّلُ عُشٍّ أَعْثُرُ عَلَيْهِ لِهوتي، وَرُبَّمَا لَا أَجِدُ عُشًّا آخَرَ مَا حَيِيتُ. يَا إِلَهِي! كَمْ أَنَا سَعِيدٌ بِمَجِيئِي إِلَى هُنَا لِمَعْرِفَةِ سَبَبِ الْجَلَبَةِ الَّتِي أَثَارَتْهَا تِلْكَ الْغِرْبَانُ. تُرَى هَلْ سَأَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْزِلَ بِهِمَا دُونَ أَنْ أَكْسِرَهُمَا؟»
وَفِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ تَذَكَّرَ أَمْرًا؛ تَذَكَّرَ أَنَّهُ قَدْ تَوَقَّفَ عَنْ جَمْعِ الْبَيْضِ، وَتَذَكَّرَ أَنَّهُ قَرَّرَ أَلَّا يَأْخُذَ بَيْضَةَ طَائِرٍ مَرَّةً أُخْرَى.
هَمَسَ الشَّيْطَانُ الصَّغِيرُ بِدَاخِلِهِ: «وَلَكِنَّ هَذَا مُخْتَلِفٌ. لَيْسَ هَذَا كَأَخْذِ الْبَيْضِ مِنَ الطُّيُورِ الْمُغَرِّدَةِ الصَّغِيرَةِ.»