مَعْرَكَةٌ أَعْلَى شَجَرَةٍ
لَيْسَ ثَمَّةَ شَيْءٌ فِي الْمُنْتَصَفِ؛ فَإِمَّا أَنَّ الشَّيْءَ خَطَأٌ وَإِمَّا أَنَّهُ صَوَابٌ، وَهَذِهِ هِيَ كُلُّ الْخِيَارَاتِ الْمُتَاحَةِ. وَلَكِنَّ مُعْظَمَ النَّاسِ يَجِدُونَ صُعُوبَةً كَبِيرَةً فِي إِدْرَاكِ ذَلِكَ عِنْدَمَا تَشْتَدُّ رَغْبَتُهُمْ فِي شَيْءٍ يُخْبِرُهُمْ صَوْتٌ مَا زَالَ خَافِتًا بِدَاخِلِهِمْ أَنَّهُ خَطَأٌ. فَيُحَاوِلُونَ أَنْ يَصِلُوا إِلَى حَلٍّ وَسَطٍ. وَالْحَلُّ الْوَسَطُ يَكُونُ بِأَلَّا تَفْعَلَ هَذَا الشَّيْءَ أَوْ ذَاكَ، وَلَكِنْ بَعْضًا مِنْ هَذَا وَبَعْضًا مِنْ ذَاكَ. وَلَكِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ فِي حَالَةِ الصَّوَابِ وَالْخَطَأِ. إِنَّهُ أَمْرٌ غَرِيبٌ، وَلَكِنَّ نِصْفَ الصَّوَابِ لَا يَرْقَى أَبَدًا لِمُسْتَوَى الصَّوَابِ الْكَامِلِ، بَيْنَمَا نِصْفُ الْخَطَأِ غَالِبًا — فِي مُعْظَمِ الْأَحْيَانِ — مَا يَكُونُ بِمِثْلِ سُوءِ الْخَطَأِ الْكَامِلِ.
كَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون — إِذِ اعْتَلَى الشَّجَرَةَ بِجِوَارِ عُشِّ هوتي فِي الرُّكْنِ الْمَهْجُورِ مِنَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ — يَخُوضُ مَعْرَكَةً. لَا، لَمْ يَكُنْ يَتَعَارَكُ مَعَ السَّيِّدِ هوتي أَوِ السَّيِّدَةِ هوتي، وَإِنَّمَا كَانَتِ الْمَعْرَكَةُ دَائِرَةً فِي دَاخِلِهِ. كَانَتْ مَعْرَكَةً بَيْنَ الصَّوَابِ وَالْخَطَأِ؛ فَفِي الْمَاضِي كَانَ يَجِدُ سَعَادَةً بَالِغَةً فِي جَمْعِ بَيْضِ الطُّيُورِ، مُحَاوِلًا مَعْرِفَةَ كَمْ مِنَ الْأَنْوَاعِ الْمُخْتَلِفَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَحْصُلَ عَلَيْهِ. وَلَكِنْ عِنْدَمَا ازْدَادَتْ مَعْرِفَتُهُ بِسُكَّانِ الْغَابَةِ وَالْمُرُوجِ الصِّغَارِ، أَدْرَكَ أَنَّ أَخْذَ بَيْضِ الطُّيُورِ خَطَأٌ لَا يُغْتَفَرُ، وَتَوَقَّفَ عَنْ سَرِقَتِهِ. وَتَعَهَّدَ بِأَلَّا يَسْرِقَ بَيْضَةً مِنْ طَائِرٍ ثَانِيَةً.
وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ عَثَرَ مِنْ قَبْلُ عَلَى عُشٍّ لِلْبُومَةِ هوتي. فَكَانَتْ هَاتَانِ الْبَيْضَتَانِ سَتُمَثِّلَانِ إِضَافَةً عَظِيمَةً إِلَى مَجْمُوعَتِهِ. قَالَ لَهُ الصَّوْتُ الْخَافِتُ فِي دَاخِلِهِ: «خُذْهُمَا! إِنَّ هوتي لِصٌّ، إِنَّكَ سَتُسْدِي إِلَى الطُّيُورِ الْأُخْرَى مَعْرُوفًا بِأَخْذِ الْبَيْضَتَيْنِ.»
وَقَالَ صَوْتٌ خَافِتٌ آخَرُ: «لَا تَفْعَلْ ذَلِكَ. رُبَّمَا كَانَ هوتي لِصًّا، وَلَكِنَّ لَهُ دَوْرًا فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، وَإِلَّا فَمَا كَانَتِ الطَّبِيعَةُ الْأُمُّ الْعَجُوزُ لِتَضَعَهُ هُنَا. وَسَرِقَةُ بَيْضَتَيْهِ لَا تَفْرِقُ شَيْئًا عَنْ سَرِقَةِ بَيْضَةِ أَيِّ طَائِرٍ آخَرَ، وَلَهُ حَقُّ الِاحْتِفَاظِ بِبَيْضَتَيْهِ مِثْلَ حَقِّ النِّمْنِمَةِ جيني فِي الِاحْتِفَاظِ بِبَيْضِهَا.»
قَالَ الصَّوْتُ الْأَوَّلُ: «خُذْ وَاحِدَةً وَاتْرُكِ الْأُخْرَى.»
فَرَدَّ الصَّوْتُ الثَّانِي: «سَرِقَةُ وَاحِدَةٍ كَسَرِقَةِ الِاثْنَتَيْنِ. وَعِلَاوَةً عَلَى ذَلِكَ، سَوْفَ تُخْلِفُ عَهْدَكَ؛ فَأَنْتَ قُلْتَ إِنَّكَ لَنْ تَأْخُذَ بَيْضَةً أُخْرَى أَبَدًا.»
قَالَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون بِصَوْتٍ عَالٍ: «أَنَا لَمْ أَعِدْ أَحَدًا سِوَايَ.» وَعَلَى وَقْعِ صَوْتِهِ، طَقْطَقَ السَّيِّدُ وَالسَّيِّدَةُ هوتي — الْجَالِسَانِ عَلَى الشَّجَرَةِ الْمُجَاوِرَةِ — بِمِنْقَارَيْهِمَا وَأَطْلَقَا فَحِيحًا أَعْلَى مِنْ ذِي قِبْلُ.
قَالَ الصَّوْتُ الْخَافِتُ الصَّالِحُ: «إِنَّ قَطْعَ الْوَعْدِ لِنَفْسِكَ مِثْلُ قَطْعِ الْوَعْدِ لِأَيِّ شَخْصٍ آخَرَ. وَلَا عَجَبَ فِي اسْتِهْجَانِ هوتي.»
قَالَ الصَّوْتُ الْخَافِتُ الْأَوَّلُ: «فَكِّرْ كَمْ سَتَبْدُو هَاتَانِ الْبَيْضَتَانِ جَمِيلَتَيْنِ وَسْطَ مَجْمُوعَتِكَ، وَكَمْ سَتَفْخَرُ بِعَرْضِهِمَا عَلَى الْأَوْلَادِ الْآخَرِينَ الَّذِينَ لَمْ يَعْثُرُوا مِنْ قَبْلُ عَلَى عُشٍّ لِهوتي.»
أَضَافَ الصَّوْتُ الْخَافِتُ الصَّالِحُ قَائِلًا: «وَفَكِّرْ كَمْ سَتَشْعُرُ بِالْوَضَاعَةِ وَالدَّنَاءَةِ وَالْحَقَارَةِ كُلَّمَا نَظَرْتَ إِلَيْهِمَا. سَوْفَ تَكُونُ مُتْعَتُكَ أَكْبَرَ بِكَثِيرٍ إِذَا تَرَكْتَهُمَا تُفْقَسَانِ ثُمَّ رَاقَبْتَ الْبُومَتَيْنِ الصَّغِيرَتَيْنِ تَكْبُرَانِ وَتَتَعَلَّمَانِ طُرُقَ عَيْشِهِمَا. فَكِّرْ فَحَسْبُ فِي مَدَى شَجَاعَةِ هوتي وَجُرْأَتِهِ بِتَأْسِيسِهِ أُسْرَةً فِي هَذَا الْوَقْتِ مِنَ الْعَامِ، وَكَمْ هُوَ رَائِعٌ أَنْ تَسْتَطِيعَ السَّيِّدَةُ هوتي إِبْقَاءَ هَاتَيْنِ الْبَيْضَتَيْنِ دَافِئَتَيْنِ وَالْعِنَايَةَ بِالْبُومَتَيْنِ الصَّغِيرَتَيْنِ عِنْدَمَا تُفْقَسَانِ، قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ الْآخَرُونَ فِي بِنَاءِ أَعْشَاشِهِمْ مِنَ الْأَسَاسِ. هَذَا إِلَى جَانِبِ أَنَّ الْخَطَأَ خَطَأٌ وَالصَّوَابَ صَوَابٌ دَائِمًا.»
مَدَّ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يَدَهُ لِأَعْلَى فَوْقَ حَافَةِ الْعُشِّ بِبُطْءٍ وَأَعَادَ الْبَيْضَةَ، ثُمَّ بَدَأَ فِي النُّزُولِ مِنْ عَلَى الشَّجَرَةِ. وَعِنْدَمَا وَصَلَ إِلَى الْأَرْضِ، ابْتَعَدَ قَلِيلًا وَوَقَفَ يُرَاقِبُ الْعُشَّ. وَعَلَى الْفَوْرِ طَارَتِ السَّيِّدَةُ هوتي إِلَى الْعُشِّ وَرَقَدَتْ عَلَى الْبَيْضَتَيْنِ، بَيْنَمَا جَلَسَ السَّيِّدُ هوتي قَرِيبًا مِنْهَا لِحِرَاسَتِهَا.
قَالَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون: «أَنَا سَعِيدٌ لِأَنِّي لَمْ آخُذْهُمَا. أَجَلْ أَنَا سَعِيدٌ.»
وَإِذِ اسْتَدَارَ عَائِدًا أَدْرَاجَهُ إِلَى الْمَنْزِلِ، رَأَى الْغُرَابَ بلاكي مُحَلِّقًا فَوْقَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ لِيُخَمِّنَ أَنَّهُ أَفْسَدَ خُطَطَ بلاكي.