بلاكي يَتَفَقَّدُ الْأَوْضَاعَ
بلاكي غُرَابٌ ذَكِيٌّ. فَهُوَ أَحَدُ أَذْكَى سُكَّانِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَالْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ الصِّغَارِ وَأَكْثَرُهُمْ فِطْنَةً، وَالْجَمِيعُ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ. وَلِهَذَا يُكِنُّ لَهُ جِيرَانُهُ جَمِيعًا وَافِرَ الِاحْتِرَامِ، رَغْمَ طَبْعِهِ الْمُؤْذِي.
بِالطَّبْعِ لَاحَظَ بلاكي أَنَّ الْخُلْدَ جوني حَفَرَ مَنْزِلَهُ بِعُمْقٍ أَكْبَرَ مِنَ الْمُعْتَادِ، وَأَتْخَمَ نَفْسَهُ بِالطَّعَامِ حَتَّى صَارَ أَسْمَنَ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى. وَلَاحَظَ أَنَّ فَأْرَ الْمِسْكِ جيري كَانَ آخِذًا فِي جَعْلِ جُدْرَانِ مَنْزِلِهِ أَكْثَرَ سُمْكًا مِنَ الْأَعْوَامِ الْمَاضِيَةِ، وَأَنَّ الْقُنْدُسَ بادي كَانَ يَفْعَلُ الشَّيْءَ نَفْسَهُ بِمَنْزِلِهِ. فَكَمَا تَعْلَمُ، عَيْنَا بلاكي الثَّاقِبَتَانِ لَا يَفُوتُهُمَا الْكَثِيرُ.
خَمَّنَ بلاكي مَا يَعْنِيهِ كُلُّ ذَلِكَ، فَتَمْتَمَ مُحَدِّثًا نَفْسَهُ: «إِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الشِّتَاءَ سَيَكُونُ طَوِيلًا قَاسِيًا قَارِسَ الْبُرُودَةِ. رُبَّمَا كَانُوا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ، وَلَكِنِّي أَرْغَبُ فِي أَنْ أَرَى بَعْضَ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ بِنَفْسِي. رُبَّمَا كَانَ ظَنُّهُمْ مُجَرَّدَ تَخْمِينٍ. يُمْكِنُ لِأَيِّ شَخْصٍ أَنْ يُخَمِّنَ، وَالتَّخْمِينَاتُ جَمِيعًا مُتَسَاوِيَةٌ.»
ثُمَّ وَجَدَ عَائِلَةَ الْبَطِّ الْبَرِّيِّ — السَّيِّدَ وَالسَّيِّدَةَ كواك وَأَطْفَالَهُمَا — فِي بِرْكَةِ الْقُنْدُسِ بادي، وَتَذَكَّرَ أَنَّهُمْ لَمْ يَأْتُوا إِلَى الْغَابَةِ مِنْ مَنْزِلِهِمْ فِي الشَّمَالِ الْبَعِيدِ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ الْمُبَكِّرِ مِنَ الْخَرِيفِ مِنْ قَبْلُ. وَأَوْضَحَتِ السَّيِّدَةُ كواك أَنَّ صَقِيعًا قَدْ بَدَأَ بِالْفِعْلِ فِي الْجَنُوبِ؛ وَلِذَلِكَ بَدَءُوا رِحْلَتَهُمْ أَبْكَرَ مِنَ الْمُعْتَادِ حَتَّى يَسْبِقُوهُ.
فَكَّرَ بلاكي قَائِلًا: «يَبْدُو أَنَّهُ رُبَّمَا يُوجَدُ شَيْءٌ مِنَ الصِّدْقِ فِي فِكْرَةِ الشِّتَاءِ الطَّوِيلِ الْقَاسِي قَارِسِ الْبُرُودَةِ، لَكِنْ رُبَّمَا كَانَتْ عَائِلَةُ كواك تُخَمِّنُ أَيْضًا. لَنْ أُصَدِّقَ كَلَامَهُمْ مِثْلَمَا لَمْ أُصَدِّقْ كَلَامَ الْخُلْدِ جوني أَوْ فَأْرِ الْمِسْكِ جيري أَوِ الْقُنْدُسِ بادي. سَوْفَ أَتَفَقَّدُ الْأَوْضَاعَ.»
بَعْدَ أَنْ نَبَّهَ بلاكي عَائِلَةَ كواك إِلَى أَنْ تَبْقَى فِي بِرْكَةِ الْقُنْدُسِ بادي إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَكُونُوا فِي مَأْمَنٍ، وَدَّعَهُمْ وَحَلَّقَ بَعِيدًا، وَتَوَجَّهَ مُبَاشَرَةً إِلَى الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَحَقْلِ الذُّرَةِ لَدَى الْمُزَارِعِ براون؛ فَقَلِيلٌ مِنْ تِلْكَ الذُّرَةِ الصَّفْرَاءِ كَانَ يُمَثِّلُ وَجْبَةَ إِفْطَارٍ لَا بَأْسَ بِهَا.
عِنْدَمَا وَصَلَ بلاكي إِلَى حَقْلِ الذُّرَةِ، اسْتَقَرَّ فَوْقَ كَوْمَةٍ مِنَ الذُّرَةِ، كَانَتْ قَدْ قُطِعَتْ بِالْفِعْلِ وَوُضِعَتْ فِي أَكْوَامٍ؛ اسْتِعْدَادًا لِنَقْلِهَا بِالْعَرَبَةِ إِلَى مَخْزَنِ الْمُزَارِعِ براون. قَبَعَ فِي مَكَانِهِ سَاكِنًا دُونَ حَرَاكٍ لِلَحَظَاتٍ، وَلَكِنْ طِيلَةَ الْوَقْتِ كَانَتْ عَيْنَاهُ الثَّاقِبَتَانِ تَتَأَكَّدَانِ مِنْ عَدَمِ وُجُودِ عَدُوٍّ مُخْتَبِئٍ خَلْفَ إِحْدَى تِلْكَ الْأَكْوَامِ الْبُنِّيَّةِ. وَعِنْدَمَا تَأَكَّدَ مِنْ أَنَّ الْوَضْعَ آمِنٌ فِعْلًا كَمَا يَبْدُو ظَاهِرًا، انْتَقَى كُوزَ ذُرَةٍ ضَخْمًا وَبَدَأَ يُزِيلُ الْقِشْرَ عَنْهُ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْحُبُوبِ الصَّفْرَاءِ.
قَالَ بلاكي بَيْنَمَا كَانَ يُقَطِّعُ الْقِشْرَ بِمِنْقَارِهِ الْحَادِّ: «يَبْدُو لِي أَنَّ هَذِهِ الْقِشْرَةَ أَكْثَرُ سُمْكًا مِنَ الْمُعْتَادِ. لَا أَتَذَكَّرُ قَطُّ أَنَّنِي رَأَيْتُ قِشْرًا بِمِثْلِ هَذَا السُّمْكِ مِنْ قَبْلُ. تُرَى أَيَقْتَصِرُ هَذَا الْأَمْرُ عَلَى كُوزِ الذُّرَةِ هَذَا فَحَسْبُ؟»
حِينَهَا طَرَأَتْ عَلَى رَأْسِهِ الْأَسْوَدِ فِكْرَةٌ، فَتَرَكَ هَذَا الْكُوزَ وَأَخَذَ غَيْرَهُ. كَانَتْ قِشْرَةُ هَذَا الْكُوزِ بِنَفْسِ سُمْكِ قِشْرَةِ الْكُوزِ السَّابِقِ. فَطَارَ إِلَى كَوْمَةٍ أُخْرَى وَوَجَدَ الْقِشْرَ بِنَفْسِ السُّمْكِ. وَانْتَقَلَ إِلَى كَوْمَةٍ ثَالِثَةٍ وَوَجَدَ الْأَمْرَ نَفْسَهُ.
فَقَالَ: «آهْ! إِنَّهُمْ جَمِيعًا سَوَاءٌ.» ثُمَّ بَدَا أَنَّهُ غَرِقَ فِي التَّفْكِيرِ وَظَلَّ ثَابِتًا كَالتِّمْثَالِ بِضْعَ لَحَظَاتٍ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: «إِنَّهُمْ مُحِقُّونَ. أَجَلْ، إِنَّهُمْ مُحِقُّونَ.» كَانَ يَعْنِي بِالطَّبْعِ الْخُلْدَ جوني وَفَأْرَ الْمِسْكِ جيري وَالْقُنْدُسَ بادي وَعَائِلَةَ كواك. «لَا أَعْلَمُ كَيْفَ عَلِمُوا بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُمْ مُحِقُّونَ. سَيَكُونُ هَذَا الشِّتَاءُ طَوِيلًا قَاسِيًا قَارِسَ الْبُرُودَةِ. عَرَفْتُ ذَلِكَ بِنَفْسِي الْآنَ، فَقَدْ وَجَدْتُ دَلِيلًا عَلَيْهِ. إِنَّ الطَّبِيعَةَ الْأُمَّ الْعَجُوزَ قَدْ غَلَّفَتْ هَذِهِ الذُّرَةَ بِقِشْرَةٍ أَكْثَرَ سُمْكًا مِنَ الْمُعْتَادِ، وَبِالطَّبْعِ فَعَلَتْ ذَلِكَ لِتَحْمِيَهَا. إِنَّهَا لَا تَفْعَلُ شَيْئًا بِلَا سَبَبٍ. صِرْتُ مُتَأَكِّدًا مِنْ أَنَّهُ سَيَكُونُ شِتَاءً قَارِسَ الْبُرُودَةِ مِثْلَمَا أَنَا مُتَأَكِّدٌ مِنَ اسْمِي.»