بلاكي يَسْتَدْعِي ابْنَ الْمُزَارِعِ براون
اسْتَيْقَظَ بلاكي شَاعِرًا بِسَعَادَةٍ بَالِغَةٍ؛ فَإِنَهُ قَدْ أَنْقَذَ داسكي وَسِرْبَهُ مِنَ الصَّيَّادِ صَاحِبِ الْبُنْدُقِيَّةِ الرَّهِيبَةِ قَبْلَ الْغَسَقِ فِي الْيَوْمِ السَّابِقِ. لَمْ يَكُنْ مُتَأَكِّدًا تَمَامًا مِمَّا إِذَا كَانَتْ سَعَادَتُهُ نَابِعَةً مِنْ إِنْقَاذِ سِرْبِ الْبَطِّ بِتَحْذِيرِهِمْ فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ، أَمْ مِنْ إِحْبَاطِ خُطَّةِ الصَّيَّادِ؛ فَبلاكي يَكْرَهُ الصَّيَّادِينَ ذَوِي الْبَنَادِقِ الرَّهِيبَةِ، هُوَ فِي ذَلِكَ مِثْلُ سُكَّانِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَالْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ الصِّغَارِ جَمِيعًا.
بَدَأَ بلاكي الْبَحْثَ عَنْ إِفْطَارِهِ مَسْرُورًا. وَبَعْدَ الْإِفْطَارِ، طَارَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ لِيَرَى مَا إِذَا كَانَ داسكي يَأْكُلُ بَيْنَ النَّبَاتَاتِ النَّامِيَةِ عَلَى طُولِ الشَّاطِئِ فَلَمْ يَجِدْهُ، وَخَمَّنَ بلاكي أَنَّهُ وَسِرْبَهُ خَافُوا كَثِيرًا مِنْ تَحْذِيرِهِ؛ حَتَّى إِنَّهُمْ لَمْ يَقْتَرِبُوا مِنَ الْمَكَانِ فِي اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ.
تَمْتَمَ بلاكي قَائِلًا بَيْنَمَا كَانَ يَهْبِطُ عَلَى قِمَّةِ شَجَرَةٍ، هِيَ نَفْسُ الشَّجَرَةِ الَّتِي كَانَ يُرَاقِبُ مِنْهَا الصَّيَّادَ عَصْرَ الْيَوْمِ السَّابِقِ: «لَكِنَّهُمْ سَيَعُودُونَ بَعْدَ لَيْلَةٍ أَوْ نَحْوِهَا.» وَأَرْدَفَ: «سَوْفَ يَعُودُونَ، وَسَوْفَ يَعُودُ الصَّيَّادُ أَيْضًا. وَإِذَا رَآنِي مَرَّةً أُخْرَى هُنَا؛ فَسَيُطْلِقُ النَّارَ عَلَيَّ. لَقَدْ فَعَلْتُ كُلَّ مَا بِوُسْعِي. عَلَى أَيِّ حَالٍ، لَا بُدَّ أَنَّ داسكي يَمْتَلِكُ مَا يَكْفِي مِنَ التَّعَقُّلِ لِأَنْ يَرْتَابَ فِي هَذَا الْمَكَانِ بَعْدَ ذَلِكَ التَّحْذِيرِ. مَنْ هَذَا؟ أَعْتَقِدُ أَنَّهُ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون. أَتَمَنَّى لَوْ يَأْتِي إِلَى هُنَا. إِذَا عَرَفَ بِأَمْرِ هَذَا الصَّيَّادِ، فَرُبَّمَا يَفْعَلُ شَيْئًا لِإِبْعَادِهِ عَنْ هُنَا. سَأَرَى إِنْ كُنْتُ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْتَدْعِيَهُ إِلَى هُنَا.»
بَدَأَ بلاكي فِي الصِّيَاحِ كَمَا يَفْعَلُ عِنْدَمَا يَكْتَشِفُ شَيْئًا وَيَرْغَبُ فِي إِخْبَارِ الْآخَرِينَ بِهِ. فَقَدْ صَاحَ كَمَا لَوْ كَانَ يَشْعُرُ بِإِثَارَةٍ بَالِغَةٍ: «كَاوْ كَاوْ كَااوْ كَااوْ كَاوْ كَاوْ كَااوْ!»
لَمْ يَكُنْ لَدَى ابْنِ الْمُزَارِعِ براون مَا يَفْعَلُهُ هَذَا الصَّبَاحَ؛ لِذَا خَرَجَ لِلْمَشْيِ فِي الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ، آمِلًا فِي رُؤْيَةِ بَعْضِ أَصْدِقَائِهِ ذَوِي الرِّيشِ وَالْفِرَاءِ. وَسَمِعَ صَيْحَاتِ بلاكي الْمَلِيئَةَ بِالْحَمَاسِ؛ فَسَلَكَ ذَلِكَ الِاتِّجَاهَ عَلَى الْفَوْرِ.
حَدَّثَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون نَفْسَهُ قَائِلًا: «لَقَدِ اكْتَشَفَ الْوَغْدُ الْأَسْوَدُ شَيْئًا عَلَى ضِفَّةِ النَّهْرِ الْكَبِيرِ. سَوْفَ أَذْهَبُ هُنَاكَ لِأَسْتَطْلِعَ الْأَمْرَ، فَلَا يُوجَدُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَفُوتَ عَيْنَيْ هَذَا الْغُرَابِ الْفُضُولِيِّ الْأَسْوَدِ الثَّاقِبَتَيْنِ. لَقَدْ قَادَنِي إِلَى الْكَثِيرِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُثِيرَةِ، مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى. هَا هُوَ هُنَاكَ عَلَى قِمَّةِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ عِنْدَ النَّهْرِ الْكَبِيرِ.»
عِنْدَمَا اقْتَرَبَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون، طَارَ بلاكي وَاخْتَفَى أَسْفَلَ ضِفَّةِ النَّهْرِ. فَضَحِكَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون وَتَمْتَمَ: «أَيًّا كَانَ الشَّيْءُ، فَهُوَ هُنَاكَ بِالْأَسْفَلِ.»
ثُمَّ تَقَدَّمَ مُسْرِعًا وَلَكِنْ فِي هُدُوءٍ، وَسُرْعَانَ مَا وَصَلَ إِلَى حَافَةِ الضِّفَّةِ. فَطَارَ بلاكي إِلَى أَعْلَى وَهُوَ يَنْعِقُ بِاهْتِيَاجٍ مُتَظَاهِرًا بِالْفَزَعِ؛ فَضَحِكَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون مَرَّةً أُخْرَى وَقَالَ: «إِنَّكَ تَتَظَاهَرُ، تُحَاوِلُ التَّظَاهُرَ بِأَنَّنِي فَاجَأْتُكَ، بَيْنَمَا كُنْتَ تَعْلَمُ طَوَالَ الْوَقْتِ أَنَّنِي قَادِمٌ وَكُنْتَ تَنْتَظِرُنِي. مَاذَا وَجَدْتَ هُنَا؟»
جَالَ بِبَصَرِهِ فِي الشَّاطِئِ بِلَهْفَةٍ، وَمَا لَبِثَ أَنْ رَأَى صَفًّا مِنَ الشُّجَيْرَاتِ الْقَصِيرَةِ بِالْقُرْبِ مِنْ حَافَةِ الْمَاءِ؛ فَعَلِمَ مَا هِيَ عَلَى الْفَوْرِ. وَصَاحَ: «مَخْبَأٌ لِصَيْدِ الْبَطِّ! لَقَدْ بَنَى أَحَدُ الصَّيَّادِينَ مَخْبَأً هُنَا يُمْكِنُهُ صَيْدُ الْبَطِّ مِنْهُ. يَا تُرَى هَلِ اصْطَادَ مِنْهُ فِعْلًا؟ أَتَمَنَّى أَلَّا يَكُونَ قَدْ فَعَلَ.»
نَزَلَ إِلَى الْمَخْبَأِ وَتَفَقَّدَهُ. وَلَمَحَتْ عَيْنَاهُ حَبَّتَيْ ذُرَةٍ دَاخِلَ الْمَخْبَأِ، فَعَبَسَ وَجْهُهُ، وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: «ذَاكَ الرَّجُلُ يَسْتَدْرِجُ الْبَطَّ، فَقَدْ كَانَ يَنْثُرُ الذُّرَةَ لِيَجْعَلَهُ يَأْتِي إِلَى هُنَا بِانْتِظَامٍ. يَا إِلَهِي! كَمْ أَكْرَهُ ذَلِكَ! إِنَّ صَيْدَ الْبَطِّ دُونَ خِدَاعٍ أَمْرٌ سَيِّئٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، وَلَكِنَّ إِطْعَامَهُ ثُمَّ قَتْلَهُ … أُفٍّ! يَا تُرَى هَلِ اصْطَادَ أَيًّا مِنْهُ؟!»
نَظَرَ حَوْلَهُ مُتَأَمِّلًا، ثُمَّ صَفَا وَجْهُهُ؛ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ اصْطَادَ أَيَّ بَطٍّ؛ لَوَجَدَ رِيشًا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَخْبَأِ، وَهُوَ لَمْ يَجِدْ أَيَّ رِيشٍ.