ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يُفَكِّرُ
جَلَسَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون عَلَى ضِفَّةِ النَّهْرِ الْكَبِيرِ يُفَكِّرُ مَلِيًّا؛ أَيْ إِنَّهُ اسْتَغْرَقَ فِي التَّفْكِيرِ. وَجَلَسَ بلاكي عَلَى قِمَّةِ شَجَرَةٍ عَالِيَةٍ عَلَى مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْهُ وَرَاحَ يُرَاقِبُهُ. كَانَ بلاكي صَامِتًا آنَذَاكَ، وَقَدْ لَاحَتْ نَظْرَةُ فَهْمٍ فِي عَيْنَيْهِ الصَّغِيرَتَيْنِ الْفَطِنَتَيْنِ. فَبِاسْتِدْعَائِهِ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون إِلَى هَذَا الْمَكَانِ، كَانَ قَدْ فَعَلَ كُلَّ مَا بِوُسْعِهِ، وَكَانَ رَاضِيًا إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ عَنْ تَرْكِ الْأَمْرِ لَهُ.
قَالَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون فِي نَفْسِهِ: «بَنَى أَحَدُ الصَّيَّادِينَ هَذَا الْمَخْبَأَ لِكَيْ يَصِيدَ الْبَطَّ الْأَسْوَدَ مِنْهُ، وَاسْتَدْرَجَهُ إِلَى هُنَا بِنَثْرِ الذُّرَةِ لَهُ. وَإِنَّ الْبَطَّ الْأَسْوَدَ مِنْ أَذْكَى أَنْوَاعِ الْبَطِّ الطَّائِرِ، وَلَكِنَّهُ إِذَا كَانَ يَأْتِي إِلَى هُنَا كُلَّ مَسَاءٍ وَيَجِدُ الذُّرَةَ وَلَا يُوجَدُ مَا يُنْذِرُ بِالْخَطَرِ، فَسَيَعْتَقِدُ عَلَى الْأَغْلَبِ أَنَّ هَذَا الْمَكَانَ آمِنٌ وَيَأْتِي مُبَاشَرَةً إِلَيْهِ دُونَ أَدْنَى شَكٍّ. وَاللَّيْلَةَ — أَوْ لَيْلَةً أُخْرَى عَمَّا قَرِيبٍ — سَيَكُونُ الصَّيَّادُ فِي انْتِظَارِهِ.
أَعْتَقِدُ أَنَّ الْقَانُونَ الَّذِي يَسْمَحُ بِصَيْدِ الْبَطِّ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ قَانُونٍ يَمْنَعُ اسْتِدْرَاجَهِ بِالطَّعَامِ. لَيْسَ هَذَا صَيْدًا، بَلَى لَيْسَ صَيْدًا. لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ مِلْكًا لِأَبِي، لَعَرَفْتُ كَيْفَ أَتَصَرَّفُ. كُنْتُ سَأَضَعُ لَوْحَةً مَكْتُوبًا عَلَيْهَا: إِنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ مِلْكِيَّةٌ خَاصَّةٌ وَلَا يُسْمَحُ بِالصَّيْدِ فِيهَا. وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكًا لِأَبِي، وَلِهَذَا الصَّيَّادِ كُلُّ الْحَقِّ فِي الصَّيْدِ هُنَا. لَهُ حَقُّ التَّوَاجُدِ هُنَا مِثْلِي تَمَامًا. لَيْتَنِي أَسْتَطِيعُ أَنْ أَمْنَعَهُ، وَلَكِنِّي لَا أَعْلَمُ كَيْفَ أَفْعَلُ ذَلِكَ.»
عَبَسَ وَجْهُ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون الْمَلِيءُ بِالنَّمَشِ؛ فَقَدْ كَانَ يُفَكِّرُ بِتَرْكِيزٍ شَدِيدٍ، وَعِنْدَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ عَادَةً مَا يَعْبَسُ.
وَغَمْغَمَ: «أَظُنُّ أَنَّنِي يُمْكِنُنِي هَدْمُ هَذَا الْمَخْبَأِ، وَلَنْ يَعْلَمَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. وَلَكِنَّ هَذَا لَنْ يُحْدِثَ فَارِقًا كَبِيرًا؛ فَسَوْفَ يَبْنِي مَخْبَأً آخَرَ. عِلَاوَةً عَلَى ذَلِكَ، لَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَصَرُّفًا سَلِيمًا. فَإِنَّ لَهُ كُلَّ الْحَقِّ فِي بِنَاءِ مَخْبَأٍ هُنَا، وَقَدْ بَنَاهُ. إِنَّهُ مِلْكُهُ وَلَيْسَ مِنْ حَقِّي أَنْ أَمَسَّهُ. لَنْ أَفْعَلَ شَيْئًا لَا يَحِقُّ لِي فِعْلُهُ؛ فَذَلِكَ لَيْسَ مِنَ النَّزَاهَةِ فِي شَيْءٍ. عَلَيَّ أَنْ أُفَكِّرَ فِي طَرِيقَةٍ أُخْرَى لِإِنْقَاذِ ذَلِكَ الْبَطِّ.»
زَادَ وَجْهُهُ عُبُوسًا وَجَلَسَ فَتْرَةً طَوِيلَةً دُونَ حَرَاكٍ. فَجْأَةً صَفَا وَجْهُهُ، وَهَبَّ وَاقِفًا. وَبَدَأَ فِي الضَّحِكِ قَائِلًا: «وَجَدْتُهَا! سَوْفَ أُطْلِقُ النَّارَ أَنَا أَيْضًا!» ثُمَّ ضَحِكَ مَرَّةً أُخْرَى وَتَوَجَّهَ إِلَى الْمَنْزِلِ، وَسُرْعَانَ مَا بَدَأَ يُصَفِّرُ بِالطَّرِيقَةِ ذَاتِهَا الَّتِي يُصَفِّرُ بِهَا عِنْدَمَا يَكُونُ سَعِيدًا.
شَاهَدَهُ بلاكي يَمْضِي فِي طَرِيقِهِ، وَشَعَرَ بِالرِّضَا التَّامِّ. لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَا يُخَطِّطُ لَهُ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَشْعُرُ أَنَّهُ يُخَطِّطُ لِشَيْءٍ، وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ سَيَصِيرُ عَلَى مَا يُرَامُ. رُبَّمَا لَمْ يَكُنْ بلاكي سَيَشْعُرُ بِتِلْكَ الثِّقَةِ لَوْ كَانَ بَاسْتِطَاعَتِهِ فَهْمُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون بِشَأْنِ إِطْلَاقِ النَّارِ بِنَفْسِهِ.
مَضَى بلاكي فِي سَبِيلِهِ، وَقَدْ رَضِيَ بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ سَيَصِيرُ عَلَى مَا يُرَامُ، وَلَمْ يَعُدْ بِهِ حَاجَةٌ لِلْقَلَقِ عَلَى ذَلِكَ الْبَطِّ. فَلَا يُوجَدُ بَيْنَ سُكَّانِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَالْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ الصِّغَارِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِابْنِ الْمُزَارِعِ براون مِنَ الْغُرَابِ بلاكي. وَهُوَ خَيْرُ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون هُوَ أَفْضَلُ صَدِيقٍ لَهُمْ.
قَالَ بلاكي ضَاحِكًا: «كُلُّ شَيْءٍ عَلَى مَا يُرَامُ الْآنَ، كُلُّ شَيْءٍ عَلَى مَا يُرَامُ.» وَعِنْدَمَا سَمِعَ صَفِيرَ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون الْمُبْتَهِجِ تَحْمِلُهُ النَّسَمَاتُ الرَّقِيقَةُ الْمَرِحَةُ، كَرَّرَ قَوْلَهُ: «كُلُّ شَيْءٍ عَلَى مَا يُرَامُ الْآنَ.»