صَدْمَةٌ شَدِيدَةٌ

كَانَ بلاكي وَاقِفًا عَلَى قِمَّةِ شَجَرَتِهِ الْمُفَضَّلَةِ بِالْقُرْبِ مِنَ النَّهْرِ الْكَبِيرِ مُبَكِّرًا عَصْرَ هَذَا الْيَوْمِ. لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ مَا سَوْفَ يَحْدُثُ، وَلَكِنَّهُ شَعَرَ فِي أَعْمَاقِهِ بَأَنَّ شَيْئًا مَا سَيَحْدُثُ، وَقَرَّرَ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا لِيَعْرِفَ. جَلَسَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ طَوِيلًا دُونَ أَنْ يَرَى شَيْئًا خَارِجًا عَنِ الْمَأْلُوفِ. وَفِي النِّهَايَةِ لَمَحَ عَلَى بُعْدٍ خَيَالًا ضَئِيلًا عَبْرَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ، وَحَتَّى مِنْ هَذِهِ الْمَسَافَةِ كَانَ يَعْرِفُ مَنْ هُوَ؛ كَانَ ذَلِكَ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون، وَكَانَ قَادِمًا نَحْوَ النَّهْرِ الْكَبِيرِ.

قَالَ بلاكي ضَاحِكًا: «كَمَا ظَنَنْتُ بِالضَّبْطِ! إِنَّهُ قَادِمٌ لِيَطْرُدَ الصَّيَّادَ مِنْ هُنَا.»

أَخَذَ الْخَيَالُ يَقْتَرِبُ وَيَكْبُرُ، وَتَأَكَّدَ أَنَّهُ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون دُونَ شَكٍّ. وَفَجْأَةً، اتَّسَعَتْ عَيْنَا بلاكي عَنْ آخِرِهِمَا كَمَا لَوْ كَانَتَا سَتَثِبَانِ مِنْ رَأْسِهِ. فَقَدِ اكْتَشَفَ أَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون يَحْمِلُ شَيْئًا، وَهَذَا الشَّيْءُ كَانَ بُنْدُقِيَّةً! نَعَمْ، كَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يَحْمِلُ بُنْدُقِيَّةً رَهِيبَةً! لَوْ كَانَ بلاكي قَادِرًا عَلَى فَرْكِ عَيْنَيْهِ، لَفَعَلَ، حَتَّى يَتَأَكَّدَ مِنْ سَلَامَتِهِمَا.

صَاحَ بلاكي: «بُنْدُقِيَّةٌ! ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يَحْمِلُ بُنْدُقِيَّةً رَهِيبَةً! مَاذَا يَعْنِي ذَلِكَ؟»

اقْتَرَبَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون أَكْثَرَ، فَصَارَ بِإِمْكَانِ بلاكي رُؤْيَةُ الْبُنْدُقِيَّةِ الرَّهِيبَةِ بِوُضُوحٍ. وَفَجْأَةً طَرَأَتْ عَلَى ذِهْنِهِ فِكْرَةٌ: «رُبَّمَا يَكُونُ ذَاهِبًا لِإِطْلَاقِ النَّارِ عَلَى الصَّيَّادِ!» وَحِينَهَا شَعَرَ بِبَعْضِ الِارْتِيَاحِ.

وَصَلَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون إِلَى نُقْطَةٍ غَيْرِ بَعِيدَةٍ عَنِ الْمَخْبَأِ الَّذِي بَنَاهُ الصَّيَّادُ، وَوَضَعَ بُنْدُقِيَّتَهُ عَلَى ضِفَّةِ النَّهْرِ وَنَزَلَ إِلَى حَافَةِ الْمَاءِ. كَانَتْ نَبَاتَاتُ السَّمَّارِ تَنْمُو بِكَثَافَةٍ فِي تِلْكَ الْمِنْطَقَةِ، وَظَلَّ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون مَشْغُولًا فَتْرَةً بَيْنَهَا. كَانَ بِإِمْكَانِ بلاكي رُؤْيَتُهُ مِنْ مَوْقِعِهِ، وَإِذْ أَخَذَ يُرَاقِبُهُ، كَانَتْ حَيْرَتُهُ فِي ازْدِيَادٍ. بَدَا الْأَمْرُ كَمَا لَوْ أَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون يَبْنِي مَخْبَأً كَمَخْبَأِ الصَّيَّادِ تَمَامًا. وَفِي النِّهَايَةِ أَخَذَ قِطْعَةَ خَشَبٍ قَدِيمَةً إِلَى هُنَاكَ، وَأَحْضَرَ بُنْدُقِيَّتَهُ وَجَلَسَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ كَمَا فَعَلَ الصَّيَّادُ فِي مَخْبَئِهِ عَصْرَ الْيَوْمِ السَّابِقِ. كَانَ مِنَ الصَّعْبِ رُؤْيَتُهُ وَهُوَ فِي هَذَا الْمَخْبَأِ، إِلَّا مِنْ مَكَانٍ عَالٍ كَمَكَانِ بلاكي.

شَهَقَ بلاكي وَقَالَ: «أَنَا … أَنَا … أَنَا أَظُنُّهُ سَيُطْلِقُ النَّارَ عَلَى الْبَطِّ بِنَفْسِهِ! لَمْ أَكُنْ لِأُصَدِّقَ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ. لَا لَمْ أَكُنْ لِأُصَدِّقَ. أَنَا … أَنَا لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُصَدِّقَ ذَلِكَ الْآنَ. ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يَصْطَادُ بِبُنْدُقِيَّةٍ رَهِيبَةٍ! وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ أُصَدِّقَ عَيْنَيَّ.»

لَفَتَتِ انْتِبَاهَهُ ضَوْضَاءُ صَادِرَةٌ مِنْ أَعْلَى النَّهْرِ، كَانَتْ ضَوْضَاءَ سَبَبُهَا مِجْدَافَا قَارِبٍ، وَكَانَ فِيهِ صَيَّادٌ يُجَدِّفُ بِقَارِبِهِ فِي النَّهْرِ الْكَبِيرِ، وَتَمَامًا كَمَا فَعَلَ فِي الْيَوْمِ السَّابِقِ، تَرَجَّلَ عَلَى الشَّاطِئِ عِنْدَ الْمَخْبَأِ وَنَزَلَ إِلَيْهِ مَشْيًا.

تَمْتَمَ بلاكي: «هَذَا الْمَكَانُ لَيْسَ مُنَاسِبًا لِي؛ فَسَوْفَ يَتَذَكَّرُ أَنِّي أَخَفْتُ الْبَطَّ الْبَارِحَةَ، وَعَلَى الْأَغْلَبِ سَيُحَاوِلُ إِصَابَتِي.»

بَسَطَ بلاكي جَنَاحَيْهِ الْأَسْوَدَيْنِ وَطَارَ مِنْ عَلَى قِمَّةِ الشَّجَرَةِ سَرِيعًا، وَتَوَجَّهَ إِلَى شَجَرَةٍ أُخْرَى وَرَاءَهَا بِمَسَافَةٍ فِي الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ حَيْثُ سَيَكُونُ بِأَمَانٍ أَكْبَرَ، وَلَكِنَّهُ لَنْ يَسْتَطِيعَ أَنْ يَرَى أَيْضًا. فَجَلَسَ هُنَاكَ حَتَّى نَبَّهَتْهُ الظِّلَالُ السَّوْدَاءُ إِلَى أَنَّهُ قَدْ حَانَ وَقْتُ الْعَوْدَةِ إِلَى الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ.

كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُسْرِعَ؛ فَقَدْ تَأَخَّرَ عَنِ الْمُعْتَادِ، وَكَانَ خَائِفًا مِنَ الْبَقَاءِ خَارِجَ الْمَنْزِلِ بَعْدَ حُلُولِ الظَّلَامِ. وَبِمُجَرَّدِ أَنْ وَصَلَ إِلَى الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، سَمِعَ صَوْتَ إِطْلَاقِ نِيرَانٍ خَافِتًا مِنْ نَاحِيَةِ النَّهْرِ الْكَبِيرِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ صَادِرٌ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَبِئُ فِيهِ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون بَيْنَ نَبَاتَاتِ السَّمَّارِ.

صَرَخَ بلاكي: «إِنَّهَا الْحَقِيقَةُ إِذَنْ! لَقَدْ تَحَوَّلَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون إِلَى صَيَّادٍ.» كَانَتْ صَدْمَةً شَدِيدَةً عَلَى بلاكي حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَنَمْ إِلَّا بَعْدَ فَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ.