الصَّيَّادُ يَسْتَسْلِمُ
كَانَ الْغُرَابُ بلاكي فِي حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ. فَلَمْ يَكُنْ يَسْتَطِيعُ إِقْنَاعَ نَفْسِهِ بِأَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون تَحَوَّلَ إِلَى صَيَّادٍ، وَلَكِنْ مَاذَا كَانَ عَسَاهُ أَنْ يُصَدِّقَ غَيْرَ ذَلِكَ؟ أَلَمْ يَرَ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون بِأُمِّ عَيْنِهِ يَحْمِلُ بُنْدُقِيَّتَهُ الرَّهِيبَةَ وَيَخْتَبِئُ بَيْنَ نَبَاتَاتِ السَّمَّارِ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ الْكَبِيرِ مُنْتَظِرًا وُصُولَ داسكي وَسِرْبِهِ؟ أَلَمْ يَسْمَعْ بِأُذُنَيْهِ صَوْتَ إِطْلَاقِ النَّارِ مِنْ هَذِهِ الْبُنْدُقِيَّةِ؟
كَانَ أَوَّلُ مَا فَعَلَهُ بلاكي صَبَاحَ الْيَوْمِ التَّالِي هُوَ الذَّهَابَ مُسْرِعًا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ يَخْتَبِئُ فِيهِ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون بَيْنَ النَّبَاتَاتِ. وَبِنَظَرِهِ الْحَادِّ بَحَثَ عَنِ الرِّيشِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى مَقْتَلِ الْبَطِّ. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْ رِيشًا. لَمْ يَجِدْ أَيَّ شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِ مِثْلِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُخِيفِ. رُبَّمَا لَمْ يُصِبِ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون هَدَفَهُ عِنْدَمَا أَطْلَقَ النِّيرَانَ عَلَى الْبَطِّ. هَزَّ بلاكي رَأْسَهُ وَقَرَّرَ أَلَّا يُخْبِرَ أَحْدًا عَنِ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون وَتِلْكَ الْبُنْدُقِيَّةِ الرَّهِيبَةِ.
طَبْعًا جَاءَ بلاكي مُبَكِّرًا عَصْرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاسْتَقَرَّ عَلَى قِمَّةِ شَجَرَتِهِ الْمُفَضَّلَةِ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ الْكَبِيرِ. وَخَابَ أَمَلُهُ — مِثْلَمَا حَدَثَ عَصْرَ الْيَوْمِ السَّابِقِ — عِنْدَمَا رَأَى ابْنَ الْمُزَارِعِ براون يَمْشِي حَامِلًا بُنْدُقِيَّتَهُ الرَّهِيبَةَ عَبْرَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ مُتَوَجِّهًا إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ. وَعِوَضًا عَنِ الذَّهَابِ إِلَى الْمَخْبَأِ نَفْسِهِ، بَنَى مَخْبَأً جَدِيدًا بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ.
ثُمَّ جَاءَ الصَّيَّادُ مُبَكِّرًا قَلِيلًا عَنِ الْمُعْتَادِ، وَعِوَضًا عَنِ التَّوَقُّفِ عِنْدَ مَخْبَئِهِ، وَاصَلَ الْمَشْيَ مُبَاشَرَةً نَحْوَ الْمَخْبَأِ الَّذِي بَنَاهُ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون، وَطَبْعًا لَمْ يَجِدْ أَحَدًا هُنَاكَ. بَدَا الصَّيَّادُ مَسْرُورًا وَمُحْبَطًا فِي نَفْسِ الْوَقْتِ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى مَخْبَئِهِ وَجَلَسَ. وَبَيْنَمَا كَانَ يَرْقُبُ قُدُومَ الْبَطِّ، أَخَذَ يُرَاقِبُ الْمَخْبَأَ الْآخَرَ أَيْضًا لِيَرَى مَا إِذَا كَانَ صَيَّادُ اللَّيْلَةِ الْبَارِحَةِ الْمَجْهُولُ سَيَظْهَرُ مَرَّةً أُخْرَى. بِالطَّبْعِ لَمْ يَظْهَرْ، وَعِنْدَمَا رَأَى الصَّيَّادُ الْبَطَّ قَادِمًا أَخِيرًا، كَانَ مُتَأَكِّدًا مِنْ أَنَّهُ سَيَصْطَادُ بَعْضًا مِنْهُ هَذِهِ الْمَرَّةَ.
لَكِنْ حَدَثَ نَفْسُ مَا حَدَثَ اللَّيْلَةَ السَّابِقَةَ؛ بِمُجَرَّدِ أَنْ أَصْبَحَ الْبَطُّ قَرِيبًا بِمَا يَكْفِي، دَوَّى صَوْتُ إِطْلَاقِ نِيرَانٍ، فَطَارَ الْبَطُّ مُبْتَعِدًا. لَمْ يَعُدِ الْبَطُّ مَرَّةً أُخْرَى، وَعَادَ الصَّيَّادُ خَائِبًا إِلَى مَنْزِلِهِ مَرَّةً أُخْرَى دُونَ اصْطِيَادِ أَيِّ بَطَّاتٍ.
وَعَصْرَ الْيَوْمِ التَّالِي، جَاءَ الصَّيَّادُ مُبَكِّرًا لِلْغَايَةِ. وَصَلَ الصَّيَّادُ قَبْلَ وُصُولِ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون، وَعِنْدَمَا أَتَى ابْنُ الْمُزَارِعِ براون، رَآهُ الصَّيَّادُ طَبْعًا، فَمَشَى الصَّيَّادُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَبِئُ فِيهِ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون بَيْنَ النَّبَاتَاتِ وَقَالَ: «مَرْحَبًا! هَلْ أَنْتَ الشَّخْصُ الَّذِي كَانَ يُطْلِقُ النَّارَ هُنَا اللَّيْلَةَ الْبَارِحَةَ وَاللَّيْلَةَ الَّتِي سَبَقَتْهَا؟»
ابْتَسَمَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون ابْتِسَامَةً عَرِيضَةً وَقَالَ: «نَعَمْ.»
سَأَلَ الصَّيَّادُ: «وَكَيْفَ كَانَ حَظُّكَ؟»
فَرَدَّ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون: «حَسَنًا.»
فَسَأَلَهُ الصَّيَّادُ: «كَمِ اصْطَدْتَ مِنَ الْبَطِّ؟»
ازْدَادَتِ ابْتِسَامَةُ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون اتِّسَاعًا وَرَدَّ قَائِلًا: «لَمْ أَصْطَدْ أَيَّ بَطَّاتٍ. أَعْتَقِدُ أَنَّنِي لَا أُجِيدُ التَّصْوِيبَ.»
فَتَسَاءَلَ الصَّيَّادُ: «مَاذَا تَعْنِي إِذَنْ بِقَوْلِكَ إِنَّ حَظَّكَ كَانَ حَسَنًا؟»
أَجَابَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون: «أُوهْ! كُنْتُ مَحْظُوظًا لِرُؤْيَتِي هَذَا السِّرْبَ مِنَ الْبَطِّ وَاسْتَمْتَعْتُ بِإِطْلَاقِ النَّارِ عَلَيْهِ.» ثُمَّ ابْتَسَمَ مَرَّةً أُخْرَى.
نَفِدَ صَبْرُ الصَّيَّادِ وَحَاوَلَ أَنْ يَأْمُرَ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون بِالِابْتِعَادِ عَنِ الْمَكَانِ، وَلَكِنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون رَدَّ بِأَنَّ لَهُ الْحَقَّ فِي التَّوَاجُدِ هُنَاكَ كَمَا يَحِقُّ لِلصَّيَّادِ، وَكَانَ الصَّيَّادُ يَعْلَمُ ذَلِكَ. وَأَخِيرًا، اسْتَسْلَمَ وَعَادَ إِلَى مَخْبَئِهِ مُتَمْتِمًا فِي غَضَبٍ. وَمَرَّةً أُخْرَى فَزِعَ الْبَطُّ عِنْدَ قُدُومِهِ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْ جَرَّاءِ دَوِيِّ بُنْدُقِيَّةِ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون، وَوَلَّى مُبْتَعِدًا.
عَصَرَ الْيَوْمِ التَّالِي، لَمْ يَأْتِ الصَّيَّادُ — وَإِنْ كَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون قَدْ أَتَى — وَكَذَلِكَ لَمْ يَأْتِ الْيَوْمَ التَّالِيَ؛ فَقَدْ عَلِمَ الصَّيَّادُ أَنَّ الصَّيْدَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فِي وُجُودِ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون مَضْيَعَةٌ لِلْوَقْتِ.