بلاكي يَتَحَاوَرُ مَعَ داسكي
كُلَّ صَبَاحٍ، كَانَ الْغُرَابُ بلاكي يَزُورُ مِنْطَقَةَ النَّبَاتَاتِ النَّامِيَةِ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ الْكَبِيرِ، آمِلًا فِي أَنْ يَجِدَ داسكي. كَانَ بلاكي قَلِقًا؛ إِذْ كَانَ يَخْشَى أَنْ يَكُونَ داسكي أَوْ أَحَدُ أَفْرَادِ سِرْبِهِ قَدْ قُتِلَ، وَأَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ. فَكَمَا تَعْلَمُونَ، كَانَ بلاكي يَعْرِفُ أَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون أَطْلَقَ النِّيرَانَ فِي تِلْكَ الْمِنْطَقَةِ. وَأَخِيرًا، فِي وَقْتٍ مُبَكِّرٍ مِنْ صَبَاحِ أَحَدِ الْأَيَّامِ، وَجَدَ داسكي وَسِرْبَهُ بَيْنَ نَبَاتَاتِ السَّمَّارِ وَالْأُرْزِ الْبَرِّيِّ، فَأَحْصَى عَدَدَهُمْ بِلَهْفَةٍ. كَانُوا تِسْعَةً؛ أَيْ إِنَّهُمْ لَمْ يَنْقُصُوا أَحَدًا. تَنَهَّدَ بلاكي بِارْتِيَاحٍ وَهَبَطَ عَلَى الشَّاطِئِ بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ داسكي غَافِيًا فِيهِ.
قَالَ بلاكي: «مَرْحَبًا!»
أَفَاقَ داسكي مَذْعُورًا: «مَرْحَبًا بِكَ!»
قَالَ بلاكي: «لَقَدْ سَمِعْتُ دَوِيَّ بُنْدُقِيَّةٍ رَهِيبَةٍ هُنَا، وَخِفْتُ أَنْ تَكُونَ قَدْ أُصِبْتَ أَنْتَ أَوْ أَحَدُ أَفْرَادِ سِرْبِكَ.»
فَرَدَّ داسكي: «إِنَّنَا لَمْ نَفْقِدْ حَتَّى رِيشَةً وَاحِدَةً. وَعَلَى أَيَّةِ حَالٍ، هَذِهِ الْبُنْدُقِيَّةُ لَمْ تَكُنْ مُصَوَّبَةً نَحْوَنَا.»
سَأَلَهُ بلاكي: «إِلَى مَنْ كَانَتْ مُصَوَّبَةً إِذَنْ؟»
فَأَجَابَ داسكي: «لَيْسَ لَدَيَّ أَدْنَى فِكْرَةٍ.»
تَسَاءَلَ بلاكي: «هَلْ رَأَيْتَ أَيَّ بَطٍّ آخَرَ فِي الْجِوَارِ؟»
فَرَدَّ داسكي سَرِيعًا: «مُطْلَقًا. إِذَا كَانَ ثَمَّةَ بَطٌّ آخَرُ هُنَا، كُنَّا سَنَعْرِفُ.»
فَسَأَلَهُ بلاكي: «هَلْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ عِنْدَمَا أُطْلِقَتْ نِيرَانُ هَذِهِ الْبُنْدُقِيَّةِ الرَّهِيبَةِ كَانَتْ تُوجَدُ بُنْدُقِيَّةٌ رَهِيبَةٌ أُخْرَى خَلْفَ هَذِهِ الشُّجَيْرَاتِ مُبَاشَرَةً؟»
هَزَّ داسكي رَأْسَهُ نَافِيًا وَقَالَ: «لَا، وَلَكِنِّي تَعَلَّمْتُ مُنْذُ زَمَنٍ أَنَّهُ أَيْنَمَا تُوجَدُ بُنْدُقِيَّةٌ رَهِيبَةٌ، فَعَلَى الْأَغْلَبِ سَيَكُونُ ثَمَّةَ بَنَادِقُ أُخْرَى؛ وَلِذَا فَإِنَّنِي عِنْدَمَا سَمِعْتُ دَوِيَّ تِلْكَ الْبُنْدُقِيَّةِ، قُدْتُ سِرْبِي بَعِيدًا عَنْ هَذَا الْمَكَانِ بِسُرْعَةٍ. فَلَمْ نَرْغَبْ فِي الْمُخَاطَرَةِ.»
رَدَّ بلاكي قَائِلًا: «مِنْ حُسْنِ الْحَظِّ أَنَّكَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؛ فَقَدْ كَانَ ثَمَّةَ صَيَّادٌ يَخْتَبِئُ خَلْفَ هَذِهِ الشُّجَيْرَاتِ طَوَالَ الْوَقْتِ. لَقَدْ حَذَّرْتُكَ مِنْهُ مَرَّةً.»
قَالَ داسكي: «هَذَا يُذَكِّرُنِي بِأَنِّي لَمْ أَشْكُرْكَ. كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ شَيْئًا مَا لَيْسَ عَلَى مَا يُرَامُ، وَلَكِنِّي لَمْ أَعْرِفْ مَا هُوَ؛ إِذَنْ، كَانَ صَيَّادًا. أَظُنُّنِي أَحْسَنْتُ إِذِ انْتَبَهْتُ لِتَحْذِيرِكَ.»
فَرَدَّ بلاكي بِنَبْرَةٍ جَافَّةٍ: «أَظُنُّ ذَلِكَ. هَلْ صِرْتَ تَأْتِي إِلَى هُنَا فِي النَّهَارِ عِوَضًا عَنِ الْمَجِيءِ لَيْلًا؟»
رَدَّ داسكي: «لَا، إِنَّنَا نَأْتِي بَعْدَ حُلُولِ الظَّلَامِ وَنَقْضِي اللَّيْلَ هُنَا، فَنَحْنُ لَا نَخَافُ الصَّيَّادِينَ بَعْدَ حُلُولِ الظَّلَامِ. وَصِرْنَا لَا نَأْتِي إِلَى هُنَا حَتَّى وَقْتٍ مُتَأَخِّرٍ مِنَ الْمَسَاءِ. وَمُنْذُئِذٍ لَمْ نَسْمَعْ صَوْتَ أَيِّ بُنْدُقِيَّةٍ.»
ظَلَّ بلاكي يَتَجَاذَبُ مَعَهُ أَطْرَافَ الْحَدِيثِ قَلِيلًا، ثُمَّ طَارَ لِلْبَحْثِ عَنْ طَعَامِ الْإِفْطَارِ، وَأَثْنَاءَ طَيَرَانِهِ شَعَرَ بِالْبَهْجَةِ تَغْمُرُهُ، وَلَمَعَتْ عَيْنَاهُ الصَّغِيرَتَانِ الْفَطِنَتَانِ.
وَفَكَّرَ قَائِلًا: «مِنَ الْمُفْتَرَضِ أَنْ تَمْنَعَنِي مَعْرِفَتِي الْجَيِّدَةُ بِابْنِ الْمُزَارِعِ براون مِنْ مُجَرَّدِ الشَّكِّ فِيهِ. أَعْرِفُ الْآنَ لِمَاذَا كَانَ يَحْمِلُ تِلْكَ الْبُنْدُقِيَّةَ الرَّهِيبَةَ. كَانَتْ مِنْ أَجْلِ إِخَافَةِ هَذَا السِّرْبِ مِنَ الْبَطِّ حَتَّى يَبْتَعِدَ وَلَا يَحْظَى الصَّيَّادُ بِفُرْصَةِ اصْطِيَادِ أَيٍّ مِنْهُ. لَمْ يَكُنْ يُصَوِّبُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ. كَانَ يُطْلِقُ النَّارَ فِي الْهَوَاءِ فَقَطْ مِنْ أَجْلِ إِبْعَادِ الْبَطِّ. أَعْرِفُ ذَلِكَ تَمَامَ الْمَعْرِفَةِ كَمَا لَوْ كُنْتُ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُهُ. لَنْ أَشُكَّ فِي ابْنِ الْمُزَارِعِ براون ثَانِيَةً. وَأَنَا مَسْرُورٌ لِأَنِّي لَمْ أَقُلْ لِأَحَدٍ شَيْئًا عَنْ رُؤْيَتِي لَهُ حَامِلًا بُنْدُقِيَّتَهُ الرَّهِيبَةَ.»
كَانَ بلاكي مُحِقًّا؛ فَقَدْ فَعَلَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون ذَلِكَ حَتَّى يَتَأَكَّدَ مِنْ أَنَّ الصَّيَّادَ — الَّذِي اسْتَدْرَجَ الْبَطَّ أَوَّلًا بِالذُّرَةِ الصَّفْرَاءِ الْمَنْثُورَةِ وَسْطَ نَبَاتَاتِ السَّمَّارِ أَمَامَ مَخْبَئِهِ — لَنْ تَتَوَفَّرَ لَهُ فُرْصَةُ قَتْلِ أَيٍّ مِنْهُمْ. وَفِي حِينِ أَنَّهُ بَدَا عَدُوًّا، كَانَ فِي الْوَاقِعِ صَدِيقًا لِداسكي وَسِرْبِهِ.