بلاكي يَجِدُ بَيْضَةً
إِنَّ بلاكي مُولَعٌ بِالْبَيْضِ كَمَا تَعْلَمُونَ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يُشْبِهُ غَيْرَهُ مِنَ الْأَشْخَاصِ — مِثْلَ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون — إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ. وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ بلاكي لَا يَسْتَطِيعُ تَرْبِيَةَ الدَّجَاجِ — كَمَا يَفْعَلُ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون — فَإِنَّهُ مُجْبَرٌ عَلَى سَرِقَةِ الْبَيْضِ أَوِ الْعَيْشِ دُونَهُ. وَإِذَا أَرَدْتَ الْحَقِيقَةَ الْوَاضِحَةَ، أَعْتَقِدُ أَنَّ بلاكي لَيْسَ مُخْطِئًا كَثِيرًا عِنْدَمَا يُصِرُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِصًّا، مِثْلَمَا أَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون لَيْسَ لِصًّا. فَبلاكي يَقُولُ إِنَّ الْبَيْضَ الَّذِي تَبِيضُهُ الدَّجَاجَاتُ يَخُصُّ الدَّجَاجَاتِ، وَإِنَّهُ هُوَ — بلاكي — لَهُ نَفْسُ الْحَقِّ فِي أَخْذِ الْبَيْضِ كَابْنِ الْمُزَارِعِ براون. وَلَكِنَّهُ يَغْفُلُ تَمَامًا عَنْ حَقِيقَةِ أَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون يُطْعِمُ الدَّجَاجَ وَيَأْخُذُ الْبَيْضَ فِي الْمُقَابِلِ. وَعَلَى أَيَّةِ حَالٍ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون، وَلَكِنِّي لَا أَعْلَمُ مَا إِذَا كَانَتِ الدَّجَاجَاتُ تَرَى الْأَمْرَ عَلَى هَذَا النَّحْوِ أَمْ لَا.
لِذَلِكَ لَا يَفْهَمُ الْغُرَابُ بلاكي لِمَاذَا يَنْبَغِي لَهُ أَلَّا يَسْرِقَ بَيْضَةً عِنْدَمَا تُتَاحُ لَهُ الْفُرْصَةُ. فَهُوَ لَا يَحْظَى بِفُرَصٍ كَثِيرَةٍ لِسَرِقَةِ الْبَيْضِ مِنَ الدَّجَاجَاتِ؛ لِأَنَّهَا تَضَعُ بَيْضَهَا عَادَةً فِي حَظِيرَةِ الدَّجَاجِ. وَبلاكي يَمْنَعُهُ حَذَرُهُ مِنَ الْمُخَاطَرَةِ بِالدُّخُولِ إِلَى الْحَظِيرَةِ. فَالْبَيْضُ الَّذِي يَحْصُلُ عَلَيْهِ غَالِبًا مَا يَكُونُ بَيْضَ جِيرَانِهِ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ أَوِ الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ. وَلَكِنْ فِي بَعْضِ أَحْيَانٍ نَادِرَةٍ تَبْنِي بَعْضُ الدَّجَاجَاتِ الْحَمْقَاءِ عُشًّا خَارِجَ الْحَظِيرَةِ، وَإِذَا صَادَفَ أَنْ رَآهَا بلاكي، فَإِنَّ ذَلِكَ الْوَغْدَ الْأَسْوَدَ يَظَلُّ يَتَرَقَّبُ — فِي كُلِّ لَحْظَةٍ لَا يَنْشَغِلُ فِيهَا بِحِيلَةٍ أُخْرَى — فُرْصَةً لِسَرِقَةِ بَيْضَةٍ.
يَعْلَمُ بلاكي أَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون يَرَاهُ وَغْدًا؛ وَلِهَذَا فَإِنَّ بلاكي يَحْذَرُ الِاقْتِرَابَ مِنَ الْمُزَارِعِ براون أَوْ أَيِّ شَخْصٍ آخَرَ حَتَّى يَتَأَكَّدَ مِنْ أَنَّ أَحَدًا لَنْ يُطْلِقَ عَلَيْهِ النَّارَ. فَبلاكي يَعْرِفُ تَمَامَ الْمَعْرِفَةِ شَكْلَ الْبُنْدُقِيَّةِ. وَيَعْرِفُ أَيْضًا أَنَّهُ دُونَ الْبُنْدُقِيَّةِ الرَّهِيبَةِ، لَا يُوجَدُ الْكَثِيرُ مِمَّا يُمْكِنُ لِلْمُزَارِعِ براون أَوْ أَيِّ شَخْصٍ آخَرَ أَنْ يَفْعَلَهُ بِهِ؛ لِذَا فَإِنَّهُ عِنْدَمَا يَرَى الْمُزَارِعَ براون وَسْطَ حُقُولِهِ، كَثِيرًا مَا يَطِيرُ فَوْقَهُ وَيَصِيحُ: «كَاوْ كَاوْ كَاوْ كَاااوْ!» بِأَكْثَرِ طَرِيقَةٍ مُسْتَفِزَّةٍ، وَيُصِرُّ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون عَلَى أَنَّهُ رَأَى بلاكي يَغْمِزُ بِعَيْنِهِ حِينَهَا.
وَلَكِنَّ بلاكي لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ بِالْقُرْبِ مِنْ مَبَانِي الْمُزَارِعِ براون؛ فَقَدْ تَعَلَّمَ أَنَّ الْمَبَانِيَ بِهَا أَبْوَابٌ وَنَوَافِذُ، وَيُمْكِنُ إِطْلَاقُ بُنْدُقِيَّةٍ رَهِيبَةٍ مِنْ أَحَدِهَا فِي أَيِّ لَحْظَةٍ. وَرَغْمَ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون لَنْ يُحَاوِلَ إِيذَاءَهُ، فَإِنَّ بلاكي حَذِرٌ بِطَبْعِهِ وَلَا يَمِيلُ إِلَى الْمُخَاطَرَةِ؛ لِذَا فَإِنَّهُ عِنْدَمَا يَأْتِي لِلتَّجَسُّسِ حَوْلَ مَنْزِلِ الْمُزَارِعِ براون وَمَخْزَنِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ عِنْدَمَا يَكُونُ مُتَأَكِّدًا تَمَامًا مِنْ عَدَمِ وُجُودِ أَحَدٍ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ بِكُلِّ هُدُوءٍ. أَوَّلًا يَجْلِسُ عَلَى شَجَرَةٍ طَوِيلَةٍ يُمْكِنُهُ مُرَاقَبَةُ مَنْزِلِ الْمُزَارِعِ براون مِنْهَا، وَعِنْدَمَا يَتَأَكَّدُ تَمَامًا مِنْ خُلُوِّ الطَّرِيقِ، يَطِيرُ إِلَى الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ، وَمِنْ هُنَاكَ يَفْحَصُ مَخْزَنَ الْحُبُوبِ، دُونَ أَنْ يُصْدِرَ أَيَّ صَوْتٍ. وَإِذَا تَأَكَّدَ مِنْ خُلُوِّ الْمَكَانِ، يَنْزِلُ أَحْيَانًا فِي حَظِيرَةِ الدَّجَاجِ لِيَتَنَاوَلَ الذُّرَةَ، إِذَا صَادَفَ أَنْ وَجَدَ أَيًّا مِنْهَا هُنَاكَ.
وَفِي إِحْدَى تِلْكَ الزِّيَارَاتِ الصَّامِتَةِ، اكْتَشَفَ بلاكي شَيْئًا لَمْ يَسْتَطِعْ نِسْيَانَهُ. كَانَ صُنْدُوقًا دَاخِلَ حَظِيرَةِ الدَّجَاجِ بِجِوَارِ الْبَابِ. وَكَانَ فِي الصُّنْدُوقِ بَعْضُ الْقَشِّ، وَوَسْطَ هَذَا الْقَشِّ كَانَ بلاكي مُتَأَكِّدًا مِنْ أَنَّهُ رَأَى بَيْضَةً. فِي الْحَقِيقَةِ، كَانَ مُتَأَكِّدًا مِنْ أَنَّهُ رَأَى بَيْضَتَيْنِ هُنَاكَ. رُبَّمَا لَمْ يَكُنْ لِيُلَاحِظَهُمَا لَوْلَا أَنَّ دَجَاجَةً قَفَزَتْ مِنْ دَاخِلِ الصُّنْدُوقِ مُصْدِرَةً ضَجِيجًا عَالِيًا. لَمْ تَبْدُ خَائِفَةً، وَإِنَّمَا بَدَتْ فَخُورَةً لِلْغَايَةِ. لَمْ يَسْتَطِعْ بلاكي أَنْ يَفْهَمَ مَا هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ تَفْخَرَ بِهِ هَكَذَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْتَظِرْ حَتَّى يَعْرِفَ؛ فَقَدْ أَصَابَتْهُ الضَّوْضَاءُ الَّتِي أَحْدَثَتْهَا بِالتَّوَتُّرِ. كَانَ يَخْشَى أَنْ تَأْتِيَ تِلْكَ الضَّوْضَاءُ بِأَحَدٍ لِيَعْرِفَ مَا الْأَمْرُ؛ لِذَا بَسَطَ جَنَاحَيْهِ الْأَسْوَدَيْنِ وَطَارَ بَعِيدًا بِهُدُوءٍ كَمَا جَاءَ بِهُدُوءٍ.
وَبَيْنَمَا كَانَ يَطِيرُ، رَأَى هَاتَيْنِ الْبَيْضَتَيْنِ، فَحِينَمَا كَانَ يَرْتَفِعُ فِي الْهَوَاءِ، اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُرَّ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ الْمَفْتُوحِ بِطَرِيقَةٍ مَكَّنَتْهُ مِنْ إِلْقَاءِ نَظْرَةٍ خَاطِفَةٍ دَاخِلَ الصُّنْدُوقِ، وَكَانَتْ هَذِهِ النَّظْرَةُ الْخَاطِفَةُ كَافِيَةً. فَكَمَا تَعْلَمُونَ، إِنَّ عَيْنَيْ بلاكي ثَاقِبَتَانِ. فَقَدْ رَأَى الْقَشَّ فِي الصُّنْدُوقِ وَرَأَى الْبَيْضَتَيْنِ وَسْطَ الْقَشِّ، وَكَانَ هَذَا كَافِيًا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ. وَمُنْذُ هَذِهِ اللَّحْظَةِ بَدَأَ الْغُرَابُ بلاكي فِي التَّدْبِيرِ وَالتَّخْطِيطِ لِلْحُصُولِ عَلَى بَيْضَةٍ مِنْهُمَا أَوْ الِاثْنَتَيْنِ مَعًا. وَبَدَا لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَرْغَبْ فِي شَيْءٍ مِنْ قَبْلُ مِثْلَ رَغْبَتِهِ فِي هَاتَيْنِ الْبَيْضَتَيْنِ، وَكَانَ مُتَأَكِّدًا مِنْ أَنَّهُ لَنْ يَكُونَ — وَلَنْ يَسْتَطِيعَ أَنْ يَكُونَ — سَعِيدًا حَتَّى يَنْجَحَ فِي الْحُصُولِ عَلَى وَاحِدَةٍ.