مَاذَا فَعَلَ بلاكي بِالْبَيْضَةِ الْمَسْرُوقَةِ؟
كَانَ بلاكي مُحْتَارًا؛ إِذْ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ بِالْبَيْضَةِ الَّتِي سَرَقَهَا مِنْ حَظِيرَةِ دَجَاجِ الْمُزَارِعِ براون. لَمْ تَكُنْ تُشْبِهُ أَيَّةَ بَيْضَةٍ رَآهَا أَوْ حَتَّى سَمِعَ بِهَا مِنْ قَبْلُ. كَانَتْ بَيْضَةً حُلْوَةَ الْمَظْهَرِ، وَكَانَ مُتَأَكِّدًا مِنْ أَنَّ طَعْمَهَا سَيَكُونُ حُلْوًا كَمَظْهَرِهَا. وَحَتَّى تِلْكَ اللَّحْظَةِ كَانَ مُتَأَكِّدًا مِنْ أَنَّهُ إِذَا اسْتَطَاعَ تَذَوُّقَهَا، فَسَيَجِدُ فِيهَا كُلَّ مَا يَتَمَنَّاهُ. لَكِنْ كَيْفَ سَيَسْتَطِيعُ تَذَوُّقَهَا بَيْنَمَا لَا يَسْتَطِيعُ كَسْرَ قِشْرَتِهَا؟ إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ قَبْلُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْقِشْرَةِ. وَشَكَّ فِي أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ آخَرُ قَدْ سَمِعَ بِمِثْلِهَا. لَقَدْ دَقَّ عَلَيْهَا بِقُوَّةٍ بِمِنْقَارِهِ الْقَوِيِّ حَتَّى خَشِيَ أَنْ يَنْكَسِرَ مِنْقَارُهُ بَدَلًا مِنَ الْبَيْضَةِ. وَكُلَّمَا زَادَتْ مُحَاوَلَاتُهُ الْفَاشِلَةُ فِي كَسْرِهَا، زَادَ جُوعُهُ، وَزَادَ تَأَكُّدُهُ مِنْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ آخَرَ فِي هَذَا الْعَالَمِ سَيَكُونُ أَلَذَّ مِنْهَا.
لَكِنَّ الْبُسْتَانَ الْقَدِيمَ لَمْ يَكُنْ مَكَانًا مُنَاسِبًا لِمُحَاوَلَةِ كَسْرِ هَذِهِ الْبَيْضَةِ؛ فَأَوَّلًا: كَانَ الْمَكَانُ قَرِيبًا مِنْ مَنْزِلِ الْمُزَارِعِ براون أَكْثَرَ مِنَ اللَّازِمِ، وَهُوَ مَا لَمْ يَرْتَحْ لَهُ بلاكي؛ فَقَدْ كَانَ يَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ تَأْنِيبِ الضَّمِيرِ. لَمْ يَكُنْ يَشْعُرُ مُطْلَقًا بِأَنَّهُ فَعَلَ أَمْرًا خَاطِئًا؛ فَقَدْ كَانَ يَرَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ ذَكِيًّا بِمَا يَكْفِي لِلْحُصُولِ عَلَى تِلْكَ الْبَيْضَةِ، فَلَهُ حَقٌّ فِيهَا مَثَلُهُ مَثَلُ أَيِّ شَخْصٍ آخَرَ، لَا سِيَّمَا ابْنَ الْمُزَارِعِ براون. لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَأَكِّدًا عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ أَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون سَيُشَارِكُهُ الرَّأْيَ. فِي الْوَاقِعِ، كَانَ يَشْعُرُ أَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون سَيَعْتَبِرُهُ لِصًّا إِذَا وَجَدَ تِلْكَ الْبَيْضَةَ مَعَهُ. وَإِضَافَةً إِلَى ذَلِكَ، كَانَ ثَمَّةَ الْكَثِيرُ مِنَ الْعُيُونِ الثَّاقِبَةِ فِي الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ. فَكَانَ يَرْغَبُ فِي الذَّهَابِ إِلَى مَكَانٍ بَعِيدٍ يُمْكِنُهُ التَّأَكُّدُ مِنْ أَنَّهُ بِمُفْرَدِهِ فِيهِ. وَحِينَهَا إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَكْسِرَ هَذِهِ الْقِشْرَةَ، فَلَنْ يَعْلَمَ أَحَدٌ؛ لِذَا الْتَقَطَ الْبَيْضَةَ وَطَارَ نَحْوَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ مُبَاشَرَةً، وَهَذِهِ الْمَرَّةَ اسْتَطَاعَ أَنْ يَصِلَ إِلَى هُنَاكَ دُونَ أَنْ تَقَعَ مِنْهُ الْبَيْضَةُ.
لَمْ تَكُنْ لِتَشُكَّ قَطُّ فِي أَنْ يَكُونَ الْغُرَابُ بلاكي — بِذَكَائِهِ الْحَادِّ وَدَهَائِهِ — مِمَّنْ تَسْتَهْوِيهِمُ الْأَشْيَاءُ الْبَرَّاقَةُ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ وَلَكِنَّ تِلْكَ هِيَ الْحَقِيقَةُ. فِي الْوَاقِعِ، يُشْبِهُ بلاكي الطِّفْلَ الصَّغِيرَ فِي هَذَا الْأَمْرِ؛ فَأَيُّ شَيْءٍ بَرَّاقٍ وَلَامِعٍ يُثِيرُ اهْتِمَامَ بلاكي عَلَى الْفَوْرِ. وَإِذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ هَذَا النَّوْعِ، يَأْخُذُهُ إِلَى مَكَانٍ سِرِّيٍّ مُعَيَّنٍ، وَهُنَاكَ يَظَلُّ يَتَأَمَّلُهُ وَيَلْعَبُ بِهِ ثُمُّ يُخَبِّئُهُ فِي النِّهَايَةِ. كُنْتُ سَأَظُنُّ بلاكي يُشْبِهُ بَعْضَ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ الَّذِينَ أَعْرِفُهُمْ، لَوْ لَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ إِذْ إِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا. فَدَائِمًا مَا تَكُونُ جُيُوبُ هَؤُلَاءِ الْأَوْلَادِ مَلِيئَةً بِمُخْتَلِفِ الْأَشْيَاءِ عَدِيمَةِ الْفَائِدَةِ الَّتِي الْتَقَطُوهَا مِنْ مَكَانٍ أَوْ آخَرَ. وَبلاكي لَا يَمْلِكُ جُيُوبًا؛ لِذَا يَحْتَفِظُ بِالْكُنُوزِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ فِي مَخْبَأٍ سِرِّيٍّ، هُوَ مَخْزَنُ كُنُوزٍ نَوْعًا مَا. فَيَزُورُهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيُخْرِجُ كُنُوزَهُ، وَيَتَفَاخَرُ بِهَا وَيَلْعَبُ بِهَا، ثُمَّ يُخْفِيهَا بِعِنَايَةٍ مَرَّةً أُخْرَى.
فِي الْبِدَايَةِ، أَخَذَ بلاكي هَذِهِ الْبَيْضَةَ بِالْقُرْبِ مِنْ مَنْزِلِهِ، وَحَاوَلَ مِرَارًا وَتَكْرَارًا أَنْ يَكْسِرَ قِشْرَتَهَا. لَكِنَّ الْقِشْرَةَ لَمْ تَنْكَسِرْ، حَتَّى عِنْدَمَا فَقَدَ بلاكي أَعْصَابَهُ وَطَرَقَهَا بِكُلِّ مَا يَمْلِكُ مِنْ قُوَّةٍ. ثُمَّ تَخَلَّى عَنْ هَذَا الْأَمْرِ وَطَارَ إِلَى مَكَانِهِ الْمُفَضَّلِ عَلَى قِمَّةِ شَجَرَةِ الصَّنَوْبَرِ الْعَالِيَةِ تَارِكًا الْبَيْضَةَ عَلَى الْأَرْضِ. وَلَكِنَّهُ كَانَ يَرَى تِلْكَ الْبَيْضَةَ الْمُسْتَفِزَّةَ مِنْ مَوْضِعِهِ الْمُفَضَّلِ عَلَى شَجَرَةِ الصَّنَوْبَرِ الْعَالِيَةِ، فَكَانَتْ بُقْعَةً صَغِيرَةً مِنَ الْبَيَاضِ اللَّامِعِ. وَعِنْدَمَا وَجَدَتْهَا أَشِعَّةُ الشَّمْسِ الصَّغِيرَةُ الْمَرِحَةُ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَيْهَا، كَانَتْ لَامِعَةً وَبَرَّاقَةً لِلْغَايَةِ، حَتَّى إِنَّ بلاكي لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُبْعِدَ عَيْنَيْهِ عَنْهَا.
وَشَيْئًا فَشَيْئًا، بَدَأَ يَنْسَى أَنَّهَا بَيْضَةٌ، أَوْ إِنَّهُ عَلَى الْأَقَلِّ نَسِيَ أَنَّهُ كَانَ يَرْغَبُ فِي تَنَاوُلِهَا. وَبَدَأَ يَجِدُ مُتْعَةً فِي مُجَرَّدِ النَّظَرِ إِلَيْهَا. رُبَّمَا لَمْ تُشْبِعْ مَعِدَتَهُ، وَلَكِنَّهَا بِالتَّأْكِيدِ أَشْبَعَتْ عَيْنَيْهِ. نَسِيَ أَنْ يُفَكِّرَ فِيهَا بِاعْتِبَارِهَا طَعَامًا، وَبَدَأَ يُفَكِّرُ فِيهَا عَلَى أَنَّهَا شَيْءٌ جَدِيرٌ بِالتَّأَمُّلِ وَالْإِعْجَابِ. وَسَرَّهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ كَسْرَ قِشْرَتِهَا.
بَسَطَ جَنَاحَيْهِ الْأَسْوَدَيْنِ مَرَّةً أُخْرَى وَنَزَلَ إِلَى الْبَيْضَةِ، ثُمَّ أَمَالَ رَأْسَهُ جَانِبًا وَأَخَذَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ أَمَالَ رَأْسَهُ لِلْجَانِبِ الْآخَرِ وَنَظَرَ إِلَيْهَا أَيْضًا، ثُمَّ طَافَ حَوْلَهَا ضَاحِكًا وَقَالَ لِنَفْسِهِ: «جَمِيلَةٌ جَمِيلَةٌ جَمِيلَةٌ! وَهِيَ مِلْكِي أَنَا وَحْدِي! جَمِيلَةٌ، جَمِيلَةٌ، وَمِلْكِي وَحْدِي!»
ثُمَّ نَظَرَ بلاكي حَوْلَهُ بِمَكْرٍ لِلتَّأَكُّدِ مِنْ أَنَّ أَحَدًا لَا يُرَاقِبُهُ. وَبَعْدَ أَنْ تَأَكَّدَ، دَحْرَجَ الْبَيْضَةَ وَرَاحَ يُقَلِّبُهَا وَيَتَأَمَّلُهَا بِقَدْرِ مَا أَرَادَ. وَفِي النِّهَايَةِ، الْتَقَطَهَا وَحَمَلَهَا إِلَى مَخْبَأِ الْكُنُوزِ وَخَبَّأَهَا هُنَاكَ بِعِنَايَةٍ بَالِغَةٍ. وَهُنَاكَ لَا تَزَالُ هَذِهِ الْبَيْضَةُ الْخَزَفِيَّةُ — فَهَذَا هُوَ مَا سَرَقَهُ بلاكي — أَهَمَّ كَنْزٍ لَدَى بلاكي حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا، وَلَا يَزَالُ بلاكي يَتَسَاءَلُ أَحْيَانًا عَنِ الدَّجَاجَةِ الَّتِي بَاضَتْ مِثْلَ هَذِهِ الْبَيْضَةِ صُلْبَةِ الْقِشْرَةِ.