بلاكي يَسْتَدْعِي أَصْدِقَاءَهُ
إِنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّهُ ثَمَّةَ حِيلَةٌ وَشِيكَةٌ، وَدَائِمًا مَا تَكُونُ عَائِلَةُ الْغِرْبَانِ مُسْتَعِدَّةً لِلْحِيَلِ. لِذَا فِي هَذَا الصَّبَاحِ، عِنْدَمَا سَمِعُوا بلاكي يُطْلِقُ عَقِيرَتَهُ بِالنَّعِيقِ مِنْ نَاحِيَةِ أَطْوَلِ شَجَرَةِ صَنَوْبَرٍ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، هُرِعُوا إِلَيْهِ بِأَقْصَى سُرْعَةٍ، مُنَادِينَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِحَمَاسٍ وَكُلُّهُمْ ثِقَةٌ فِي أَنَّهُمْ سَيُمْضُونَ وَقْتًا طَيِّبًا.
ضَحِكَ بلاكي بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ عِنْدَمَا رَآهُمْ قَادِمِينَ، وَصَاحَ قَائِلًا: «هَيَّا أَسْرِعُوا، كَاوْ! كَاوْ! كَاوْ! أَسْرِعُوا وَاخْفِقُوا بِأَجْنِحَتِكُمْ أَسْرَعَ. أَعْرِفُ مَكَانَ السَّيِّدِ هوتي، وَسَوْفَ نَقْضِي وَقْتًا مُمْتِعًا مَعَهُ.»
فَصَاحَ جَمِيعُ أَقَارِبِهِ فِي سُرُورٍ: «كَاوْ! كَاوْ! كَاوْ! أَيْنَ هُوَ؟ خُذْنَا إِلَيْهِ. سَوْفَ نَدْفَعُهُ إِلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ!»
فَقَادَ بلاكي أَقَارِبَهُ إِلَى ذَاكَ الرُّكْنِ الْمَهْجُورِ مِنَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، وَاتَّجَهَ مُبَاشَرَةً نَحْوَ الشَّجَرَةِ الَّتِي يَنَامُ فِيهَا السَّيِّدُ هوتي هَانِئًا. كَانَ بلاكي قَدْ حَرَصَ عَلَى التَّسَلُّلِ مُبَكِّرًا ذَاكَ الصَّبَاحَ لِيَتَأَكَّدَ مِنْ مَكَانِهِ تَحْدِيدًا. فَوَجَدَ هوتي مُسْتَغْرِقًا فِي النَّوْمِ، وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَبْقَى فِي مَكَانِهِ حَتَّى يَجِنَّ اللَّيْلُ. وَكَمَا تَعْلَمُونَ، فَإِنَّ عَيْنَيْ هوتي لَا تَعْمَلَانِ جَيِّدًا فِي الضَّوْءِ السَّاطِعِ، وَكُلَّمَا اشْتَدَّ سُطُوعُ الضَّوْءِ، أُجْهِدَتْ عَيْنَاهُ أَكْثَرَ. كَانَ بلاكي يَعْلَمُ ذَلِكَ أَيْضًا؛ لِذَا اخْتَارَ أَكْثَرَ أَوْقَاتِ النَّهَارِ سُطُوعًا لِمُنَادَاةِ أَقْرِبَائِهِ حَتَّى يُضَايِقُوا هوتي الْمِسْكِينَ. كَانَ قُرْصُ الشَّمْسِ الْأَحْمَرُ الْمُسْتَدِيرُ الْمَرِحُ شَدِيدَ السُّطُوعِ، وَجَعَلَهُ الثَّلْجُ الْأَبْيَضُ عَلَى الْأَرْضِ يَبْدُو أَكْثَرَ سُطُوعًا. وَحَتَّى بلاكي نَفْسُهُ اضْطُرَّ لِأَنْ يَطْرِفَ بِعَيْنَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الضَّوْءِ، وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّ هوتي الْمِسْكِينَ سَيُوَاجِهُ صُعُوبَةً أَكْبَرَ.
وَلَكِنْ كَانَ ثَمَّةَ أَمْرٌ وَاحِدٌ حَرَصَ بلاكي عَلَى أَلَّا يُشِيرَ إِلَيْهِ بِأَيِّ شَكْلٍ؛ وَهُوَ أَنَّ السَّيِّدَةَ هوتي كَانَتْ تَجْلِسُ بِالْقُرْبِ مِنَ السَّيِّدِ هوتي. فَالسَّيِّدَةُ هوتي أَكْبَرُ مِنَ السَّيِّدِ هوتي حَجْمًا وَأَشْرَسُ مِنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ بلاكي يَرْغَبُ فِي إِثَارَةِ ذُعْرِ أَقَارِبِهِ الْأَقَلِّ جُرْأَةً. وَمَا كَانَ يَأْمُلُ فِي حُدُوثِهِ مِنْ أَعْمَاقِ قَلْبِهِ الْمَاكِرِ هُوَ أَنَّهُمْ عِنْدَمَا يَبْدَءُونَ فِي إِغَاظَةِ السَّيِّدِ هوتي وَمُضَايَقَتِهِ وَإِحْدَاثِ الْجَلَبَةِ الْعَالِيَةِ الَّتِي يَعْرِفُ أَنَّهُمْ سَيُحْدِثُونَهَا، سَوْفَ تَغْضَبُ السَّيِّدَةُ هوتي وَتَطِيرُ لِتَنْضَمَّ إِلَى السَّيِّدِ هوتي فِي مُحَاوَلَةِ إِبْعَادِ تِلْكَ الطُّيُورِ السَّوْدَاءِ الْمُزْعِجَةِ. وَحِينَهَا يَتَسَلَّلُ بلاكي إِلَى الْعُشِّ الَّذِي تَرَكَتْهُ دُونَ حِرَاسَةٍ وَيَسْرِقُ بَيْضَةً أَوْ رُبَّمَا يَسْرِقُ الْبَيْضَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَعْرِفُ بِوُجُودِهِمَا فِيهِ.
عِنْدَمَا وَصَلُوا إِلَى الشَّجَرَةِ الَّتِي يَجْلِسُ عَلَيْهَا هوتي، كَانَ يَطْرِفُ بِعَيْنَيْهِ الصَّفْرَاوَيْنِ الْوَاسِعَتَيْنِ وَقَدِ انْتَفَشَ رِيشُهُ، وَهُوَ مَا يَفْعَلُهُ عِنْدَمَا يَغْضَبُ، لِيَبْدُوَ ضِعْفَ حَجْمِهِ الْحَقِيقِيِّ. بِالطَّبْعِ، كَانَ هوتي قَدْ سَمِعَ السِّرْبَ الْمُزْعِجَ قَادِمًا، وَعَلِمَ تَمَامًا مَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّعَهُ مِنْهُمْ. وَمَا إِنْ رَأَوْهُ، حَتَّى بَدَءُوا فِي الصِّيَاحِ بِأَعَلَى صَوْتِهِمْ وَسَبِّهِ بِأَقْذَعِ الْأَلْفَاظِ. وَكَانَ أَجْرَؤُهُمْ يَنْقَضُّ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ سَيَنْتَزِعُ مِلْءَ فَمِهِ مِنْ رِيشِهِ، وَلَكِنْ مَعَ تَوَخِّي أَشَدِّ الْحَذَرِ مِنْ أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنَ اللَّازِمِ. فَطَرِيقَةُ فَحِيحِ هوتي وَطَقْطَقَةِ مِنْقَارِهِ الْكَبِيرِ كَانَتْ تُنْذِرُ بِخَطَرٍ بَالِغٍ، وَكَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ إِذَا مَا أَمْسَكَ بِأَحَدِهِمْ بَيْنَ مَخَالِبِهِ الْقَوِيَّةِ الْكَبِيرَةِ، فَسَتَكُونُ نِهَايَتُهُ.
وَلِذَا اكْتَفَوْا بِسَبِّهِ وَالصِّيَاحِ عَلَيْهِ وَالتَّحْلِيقِ حَوْلَهُ، بَعِيدًا عَنْ مُتَنَاوَلِ مَخَالِبِهِ، وَبِإِشْعَارِهِ بِالِانْزِعَاجِ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ، وَكَانُوا مُنْهَمِكِينَ لِلْغَايَةِ فِي ذَلِكَ حَتَّى إِنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يَلْحَظْ أَنَّ بلاكي لَمْ يَشْتَرِكْ فِي اللَّهْوِ، وَلَمْ يَنْتَبِهْ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِعُشِّ الصَّقْرِ أحمر الذيل الْقَدِيمِ عَلَى بُعْدِ بِضْعِ أَشْجَارٍ. فَحَتَّى تِلْكَ اللَّحْظَةِ، كَانَتْ خُطَطُ بلاكي تَسِيرُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي أَمَّلَهُ.