السَّيِّدُ هوتي لَمْ يَبْقَ فِي مَكَانِهِ
إِذَا لَمْ يَكُنْ بلاكي قَالَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ فَكَّرَ فِيهِ. فَهُوَ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ وَضَعَ خُطَّةً بَارِعَةً مِنْ أَجْلِ الْحُصُولِ عَلَى بَيْضَتَيِ السَّيِّدِ هوتي؛ خُطَّةً ذَكِيَّةً وَبَارِعَةً لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ آخَرُ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ أَوْ فِي الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ لِيُفَكِّرَ فِيهَا. وَلَكِنْ كَانَتْ ثَمَّةَ نُقْطَةُ ضَعْفٍ وَحِيدَةٌ بِهَا؛ وَهِيَ أَنَّهَا كَانَتْ تَعْتَمِدُ فِي نَجَاحِهَا عَلَى أَنْ يَلْزَمَ هوتي سُلُوكَهُ الْمُعْتَادَ عِنْدَمَا يُضَايِقُهُ سِرْبٌ مِنَ الْغِرْبَانِ الْمُزْعِجَةِ؛ أَلَا وَهُوَ الْبَقَاءُ فِي مَكَانِهِ حَتَّى تَتْعَبَ الْغِرْبَانُ وَتَطِيرَ بَعِيدًا.
بلاكي أَحْيَانًا مَا يَقَعُ فِي خَطَأٍ كَثِيرًا مَا يَقَعُ فِيهِ الْأَذْكِيَاءُ؛ فَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ بِمَا أَنَّهُ ذَكِيٌّ لِلْغَايَةِ فَالْآخَرُونَ أَغْبِيَاءُ. وَهُنَا يُثْبِتُ أَنَّهُ، رَغْمَ ذَكَائِهِ، لَيْسَ ذَكِيًّا بِالدَّرَجَةِ الَّتِي يَظُنُّهَا. فَهُوَ دَائِمًا مَا كَانَ يَظُنُّ السَّيِّدَ هوتي غَبِيًّا. هَذَا هُوَ مَا كَانَ يَرَاهُ فِيهِ أَثْنَاءَ النَّهَارِ. وَلَكِنْ فِي اللَّيْلِ، عِنْدَمَا يَسْتَيْقِظُ مِنْ نَوْمٍ عَمِيقٍ عَلَى صَوْتِ نَعِيقِ هوتي الْمُجَلْجِلِ إِذْ يَصْطَادُ، لَا يَظَلُّ مُتَأَكِّدًا مِنْ أَنَّ هوتي غَبِيٌّ، وَكَانَ دَائِمًا مَا يَحْرِصُ عَلَى الْبَقَاءِ ثَابِتًا فِي الظَّلَامِ؛ خَشْيَةَ أَنْ تَسْمَعَهُ أُذُنَا هوتي الْكَبِيرَتَانِ، وَتَجِدَهُ عَيْنَا هوتي الْوَاسِعَتَانِ الْمُخَصَّصَتَانِ لِلرُّؤْيَةِ فِي الظَّلَامِ. فَأَثْنَاءَ اللَّيْلِ كَانَ بلاكي يَفْقِدُ يَقِينَهُ فِي غَبَاءِ هوتي تَمَامًا.
وَلَكِنَّهُ فِي النَّهَارِ كَانَ مُتَأَكِّدًا مِنْ أَنَّهُ غَبِيٌّ؛ فَقَدْ نَسِيَ تَمَامًا حَقِيقَةَ أَنَّ ضَوْءَ النَّهَارِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى هوتي مِثْلُ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ. فَبَقَاءُ هوتي فِي مَكَانِهِ وَفَحِيحُهُ وَطَقْطَقَتُهُ بِمِنْقَارِهِ — عِوَضًا عَنْ مُحَاوَلَةِ إِمْسَاكِ الْمُزْعِجِينَ أَوِ الطَّيَرَانِ بَعِيدًا — جَعَلَتْ بلاكي يَصِفُهُ بِالْغَبَاءِ. وَكَانَ مُتَيَقِّنًا مِنْ أَنَّ هوتي سَيَبْقَى فِي مَكَانِهِ، وَيَأْمُلُ أَنْ تَغْضَبَ السَّيِّدَةُ هوتي وَتَتْرُكَ الْعُشَّ الَّذِي تَرْقُدُ فِيهِ عَلَى الْبَيْضَتَيْنِ وَتَنْضَمَّ إِلَى هوتي لِمُسَاعَدَتِهِ فِي إِبْعَادِ هَذَا السِّرْبِ الْمُزْعِجِ.
لَكِنَّ هوتي لَيْسَ غَبِيًّا، لَيْسَ غَبِيًّا عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ فَفِي اللَّحْظَةِ الَّتِي اكْتَشَفَ فِيهَا أَنَّ بلاكي وَأَصْدِقَاءَهُ عَرَفُوا مَكَانَهُ، فَكَّرَ فِي السَّيِّدَةِ هوتي وَالْبَيْضَتَيْنِ الْغَالِيَتَيْنِ الْمَوْجُودَتَيْنِ فِي الْعُشِّ الْقَدِيمِ لِلصَّقْرِ أحمر الذيل عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْهُ.
فَفَكَّرَ قَائِلًا لِنَفْسِهِ: «يَجِبُ أَلَّا نُزْعِجَ السَّيِّدَةَ هوتي. هَذَا لَنْ يَكُونَ. يَجِبُ أَنْ أُبْعِدَ هَؤُلَاءِ الْأَوْغَادَ السُّودَ بَعِيدًا حَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُونَ اكْتِشَافَ مَكَانِ السَّيِّدَةِ هوتي. لَا بُدَّ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ وَلَا شَكَّ.»
لِذَا بَسَطَ جَنَاحَيْهِ الْكَبِيرَيْنِ وَطَارَ مَسَافَةً قَصِيرَةً بَيْنَ الْأَشْجَارِ مُتَرَنِّحًا. لَمْ يُحَلِّقْ بَعِيدًا لِأَنَّهُ فِي اللَّحْظَةِ الَّتِي بَدَأَ فِيهَا الطَّيَرَانَ تَبِعَهُ السِّرْبُ الْمُزْعِجُ كُلُّهُ بِاسْتِثْنَاءِ بلاكي. وَلِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَسْتَطِيعُ اسْتِخْدَامَ مَخَالِبِهِ أَوْ مِنْقَارِهِ أَثْنَاءَ الطَّيَرَانِ، ازْدَادَتْ جُرْأَتُهُمْ حَتَّى اقْتَلَعُوا بَعْضَ الرِّيشِ مِنْ ظَهْرِهِ؛ لِذَا طَارَ مَسَافَةً قَصِيرَةً حَتَّى شَجَرَةِ شَوْكَرَانٍ كَثِيفَةِ الْأَغْصَانِ؛ حَيْثُ لَنْ تَسْتَطِيعَ الْغِرْبَانُ الْوُصُولَ إِلَيْهِ بِسُهُولَةٍ وَلَنْ يُؤْذِيَهُ ضَوْءُ النَّهَارِ كَثِيرًا. وَهُنَاكَ ارْتَاحَ قَلِيلًا ثُمَّ أَعَادَ الْكَرَّةَ. كَانَ يَنْوِي تَوْجِيهَ تِلْكَ الْغِرْبَانِ الْمُزْعِجَةِ نَحْوَ الْجُزْءِ الْمُظْلِمِ مِنَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، وَهُنَاكَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرَى أَفْضَلَ وَرُبَّمَا يَتَهَوَّرُ أَحَدُهُمْ بِمَا يَكْفِي لِأَنْ يَقْتَرِبَ حَتَّى يَصِيرَ فِي مُتَنَاوَلِ يَدِهِ. لَمْ يَكُنْ هوتي غَبِيًّا. هَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ.
انْتَبَهَ بلاكي لِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ بَيْنَمَا كَانَ قَابِعًا عَلَى قِمَّةِ شَجَرِ صَنَوْبَرٍ عَالِيَةٍ يُرَاقِبُ الْمَوْقِفَ فِي صَمْتٍ. كَانَ يَرَى السَّيِّدَةَ هوتي فِي الْعُشِّ، وَبَيْنَمَا كَانَتْ ضَوْضَاءُ مُزْعِجِي السَّيِّدِ هوتي تَبْتَعِدُ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ، اعْتَدَلَتْ فِي رَقْدَتِهَا وَأَغْمَضَتْ عَيْنَيْهَا. تَخَيَّلَ بلاكي أَنَّهَا تَبْتَسِمُ لِنَفْسِهَا، وَكَانَ وَاضِحًا أَنَّهَا لَا تُفَكِّرُ مُطْلَقًا فِي الذَّهَابِ لِمُسَاعَدَةِ هوتي. لَقَدْ فَشِلَتْ خُطَّتُهُ الرَّائِعَةُ؛ لِأَنَّ هوتي الْغَبِيَّ — وَالَّذِي لَمْ يَكُنْ غَبِيًّا عَلَى الْإِطْلَاقِ — طَارَ بَعِيدًا عِنْدَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى فِي مَكَانِهِ. كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا مُسْتَفِزًّا لِلْغَايَةِ.