بلاكي يُجَرِّبُ خُطَّةً جَدِيدَةً
النَّاجِحُونَ هُمُ الْأَشْخَاصُ الَّذِينَ لَا يَسْتَسْلِمُونَ لِأَنَّهُمْ أَخْفَقُوا فِي التَّجْرِبَةِ الْأُولَى. إِنَّهُمُ الْأَشْخَاصُ الَّذِينَ — بِمُجَرَّدِ أَنْ تَفْشَلَ خُطَّةٌ — يَنْشَغِلُونَ عَلَى الْفَوْرِ بِتَدْبِيرِ أُخْرَى وَتَجْرِيبِهَا. وَإِذَا كَانَ مَا يُحَاوِلُونَ فِعْلَهُ أَمْرًا صَالِحًا، فَعَاجِلًا أَوْ آجِلًا سَوْفَ يَنْجَحُونَ. وَإِذَا كَانُوا يُحَاوِلُونَ فِعْلًا مُنْكَرًا، فَفِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ تَفْشَلُ خُطَطُهُمْ، وَهَذَا مَا تَسْتَحِقُّهُ.
يَعْلَمُ الْغُرَابُ بلاكي قِيمَةَ الْمُثَابَرَةِ. وَهُوَ لَا يَيْئَسُ بِسُهُولَةٍ. أَحْيَانًا يَكُونُ ذَلِكَ مَدْعَاةً لِلْأَسَفِ؛ لِأَنَّهُ يُدَبِّرُ كَثِيرًا مِنَ الْحِيَلِ. وَلَكِنَّ الْحَقِيقَةَ تَظَلُّ أَنَّهُ لَا يَيْئَسُ بِسُهُولَةٍ، وَيَظَلُّ يُحَاوِلُ وَيُحَاوِلُ حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ التَّفْكِيرَ فِي خُطَّةٍ أُخْرَى، وَعِنْدَهَا «يُضْطَرُّ» لِلِاسْتِسْلَامِ. وَعِنْدَمَا دَعَا أَقَارِبَهُ كُلَّهُمْ لِلِانْضِمَامِ إِلِيْهِ فِي إِزْعَاجِ السَّيِّدِ هوتي، اعْتَقَدَ أَنَّ لَدَيْهِ خُطَّةً لَا يُمْكِنُ أَنْ تَفْشَلَ. وَكَانَ مُتَأَكِّدًا مِنْ أَنَّ السَّيِّدَةَ هوتي سَوْفَ تَتْرُكَ عُشَّهَا وَتُسَاعِدُ هوتي فِي إِبْعَادِ الْمُزْعِجِينَ. وَلَكِنَّ السَّيِّدَةَ هوتي لَمْ تَفْعَلْ؛ لِأَنَّ هوتي كَانَ ذَكِيًّا وَفَطِنًا بِمَا يَكْفِي لِأَنْ يُوَجِّهَ هَؤُلَاءِ الْمُزْعِجِينَ بَعِيدًا عَنِ الْعُشِّ نَحْوَ الْجُزْءِ الْمُظْلِمِ مِنَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ حَيْثُ لَنْ تُزْعِجَ ضَوْضَاؤُهُمُ السَّيِّدَةَ هوتي. لِذَا اعْتَدَلَتْ فِي رَقْدَتِهَا عَلَى الْبَيْضَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ بلاكي يَأْمُلُ أَنْ تَمْنَحَهُ فَرْصَةً لِسَرِقَتِهِمَا، وَبِهَذَا أَفْسَدَتْ خُطَّتَهُ الْمُحْكَمَةَ.
لَمْ يَلْحَظْ أَحَدٌ مِنْ أَقَارِبِهِ هَذَا الْعُشَّ؛ حَيْثُ كَانُوا مَشْغُولِينَ تَمَامًا بِإِغَاظَةِ هوتي. وَهَذَا مَا كَانَ بلاكي يَأْمُلُ فِي حُدُوثِهِ. فَلَمْ يَكُنْ يَرْغَبُ فِي أَنْ يَعْلَمُوا بِأَمْرِ الْعُشِّ؛ لِأَنَّهُ أَنَانِيٌّ وَأَرَادَ أَنْ يَحْصُلَ عَلَى الْبَيْضَتَيْنِ وَحْدَهُ. وَلَكِنَّهُ أَدْرَكَ أَنَّ الطَّرِيقَةَ الْوَحِيدَةَ لِجَعْلِ السَّيِّدَةِ هوتي تَقُومُ مِنْ عَلَى الْبَيْضَتَيْنِ هِيَ مُضَايَقَتُهَا حَتَّى تَغْضَبَ وَتُحَاوِلَ الْإِمْسَاكَ بِمُضَايِقِيهَا. وَإِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ، فَسَتَسْنَحُ الْفُرْصَةُ لِأَنْ يَتَسَلَّلَ وَيَأْخُذَ بَيْضَةً وَاحِدَةً عَلَى الْأَقَلِّ مِنَ الْبَيْضَتَيْنِ. وَقَرَّرَ أَنْ يُحَاوِلَ تَجْرِبَةَ ذَلِكَ.
أَصَاخَ بلاكي السَّمْعَ بِضْعَ دَقَائِقَ مُصْغِيًا إِلَى ضَوْضَاءِ أَقَارِبِهِ الَّتِي رَاحَتْ تَخْفُتُ رُوَيْدًا رُوَيْدًا، بَيْنَمَا رَاحَ هوتي يَتَوَغَّلُ بِهِمْ أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ دَاخِلَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. وَحِينَهَا فَتَحَ فَمَهُ.
صَاحَ بلاكي مُنَادِيًا: «كَاوْ كَاوْ كَاوْ! كَاوْ كَاوْ كَاوْ كَاوْ! عُودُوا إِلَى هُنَا جَمِيعًا! هَا هِيَ السَّيِّدَةُ هوتي فِي عُشِّهَا! كَاوْ كَاوْ كَاوْ كَاوْ!»
مَا إِنْ سَمِعَ أَقَارِبُ بلاكي ذَلِكَ، حَتَّى تَوَقَّفُوا عَنْ مُطَارَدَةِ السَّيِّدِ هوتي وَإِزْعَاجِهِ وَعَادُوا بِأَقْصَى سُرْعَةٍ؛ فَهُمْ لَمْ يُحِبُّوا الْجُزْءَ الْمُظْلِمَ مِنَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، الَّذِي كَانَ هوتي يَقُودُهُمْ إِلَيْهِ. كَمَا أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَرَوْا ذَلِكَ الْعُشَّ؛ لِذَا عَادُوا مُطْلِقِينَ عَقِيرَتَهُمْ بِالنَّعِيقِ مِنْ فَرْطِ حَمَاسِهِمْ. فَبَعْضُهُمْ لَمْ يَكُنْ قَدْ رَأَى عُشًّا لِهوتي مِنْ قَبْلُ. وَعَلَى أَيَّةِ حَالٍ، فَقَدْ كَانَ إِزْعَاجُ السَّيِّدَةِ هوتي مُمْتِعًا بِنَفْسِ الْقَدْرِ كَإِزْعَاجِ السَّيِّدِ هوتي.
صَاحُوا قَائِلِينَ: «أَيْنَ الْعُشُّ؟» بَيْنَمَا عَادُوا إِلَى حَيْثُ كَانَ بلاكي يَنْعِقُ مُتَظَاهِرًا بِبَالِغِ الْإِثَارَةِ.
فَقَالَ أَحَدُهُمْ مُتَعَجِّبًا: «عَجَبًا! هَذَا هُوَ الْعُشُّ الْقَدِيمُ لِلصَّقْرِ أحمر الذيل. إِنَّنِي أَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ عَنْ هَذَا الْعُشِّ.» وَنَظَرَ إِلَى بلاكي كَمَا لَوْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ يَخْدَعُهُمْ.
فَرَدَّ بلاكي قَائِلًا: «كَانَ عُشَّ أحمر الذيل، وَلَكِنَّهُ الْآنَ عُشُّ هوتي. إِذَا كُنْتَ لَا تُصَدِّقُنِي، فَأَلْقِ نَظْرَةً بِدَاخِلِهِ.»
وِفِي لَمْحِ الْبَصَرِ حَلَّقُوا جَمِيعًا فَوْقَ قِمَّةِ الشَّجَرَةِ؛ حَيْثُ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى الْعُشِّ. وَبِالْفِعْلِ، كَانَتِ السَّيِّدَةُ هوتي قَابِعَةً فِيهِ وَعَيْنَاهَا الْكَبِيرَتَانِ الْمُسْتَدِيرَتَانِ الصَّفْرَاوَانِ تَنْظُرَانِ إِلَيْهِمْ بِغَضَبٍ. وَيَا لَلْجَلَبَةِ الَّتِي ثَارَتْ! عَلَى الْفَوْرِ نَسِيَتِ الْغِرْبَانُ أَمْرَ السَّيِّدِ هوتي، وَفَوْرًا بَدَأَ السِّرْبُ كُلُّهُ يُضَايِقُ السَّيِّدَةَ هوتي. كَانَ بلاكي هُوَ الْوَحِيدَ الَّذِي جَلَسَ يُشَاهِدُ فِي صَمْتٍ، مُنْتِظَرًا غَضَبَ السَّيِّدَةِ هوتي وَمُحَاوَلَتِهَا إِمْسَاكَ أَحَدِ مُضَايِقِيهَا. كَانَ لَدَيْهِ أَمَلٌ — أَمَلٌ كَبِيرٌ — فِي أَنْ يَحْصُلَ عَلَى إِحْدَى هَاتَيْنِ الْبَيْضَتَيْنِ.