الرسائل
إن أقدم ما وصل إلينا من الرسائل التي كان يتبادلها أفراد الشعب المصري القديم، وتصدرها أو تتلقاها المصالح الحكومية في داخل البلاد وخارجها، يرجع تاريخها إلى الدولة القديمة، غير أنه لم يصل إلى أيدينا إلا عدد يسير جدًّا من هذه الدولة، أما الدولتان الوسطى والحديثة، فقد عُثِر على مقدار لا بأس به من الأولى، وعدد عظيم من الثانية.
(١) طبقات الرسائل
- (١)
رسائل شخصية حقيقية.
- (٢)
مراسلات تعليمية أو موضوعات إنشائية أدبية يرجع أصلها إلى خطابات حقيقية أو إنشائية كان المقصود منها أن تستعمل نماذج للتعليم.
- (٣)
خطابات نموذجية كان التلميذ يتمرَّن عليها أو مسودات لرسائل حقيقية، وكان النوع الأخير يُكتَب عادةً على قطع الخزف.
وهذه العناصر للرسالة المحبوكة الأطراف لا نجدها مجتمعة إلا في عهد الدولة الحديثة على وجه عام.
أما الرسائل الحقيقية المكتوبة على قطع الخزف، فليس لها عنوان مستقل، بل كان ضمن الصيغة الافتتاحية، ويمكن رؤيته؛ لأن الكتاب مفتوح، بخلاف البردية المطوية التي كان لا بد من تسجيل عنوان على ظاهرها.
(٢) مسميات الرسائل الحقيقية
هذا إلى أن المعنى العام لهذه الكلمة «وثيقة مكتوبة».
(٣) تدوين الرسائل
كانت العادة المتبعة أن تكتب على ورق البردي الرسائل الرسمية، أو التي كانت تتبادل بين مرءوس ورئيسه، وكانت الرسالة تُدوَّن على وجه الورقة — أي البردية — الذي تكون فيه الألياف أفقية ومكوِّنة زوايا قائمة مع اتصالات أجزاء البردية. على أن معظم الرسائل التي حُفِظت لنا نجد فيها أن القلم كان يجري على الألياف العمودية، وسبب ذلك أن الكاتب حينما يأخذ في تسطير رسالة، كان يقبض على الورقة عموديًّا ويكتب عليها عرضًا، بدلًا من أن يمسكها أفقيًّا كما كان يفعل عندما يدوِّن كتابًا.
وكان هذا يقوم مقام خاتمه، ورغم أن هذا الخاتم يحمل اسم الفرعون «تحتمس الثالث» الذي عاش في عهد الأسرة الثامنة عشرة، فإن الرسالة التي نحن بصددها يرجع تاريخها للأسرة التاسعة عشرة، ولم يكن من الأمور النادرة أن نجد جعارين من هذا العصر ومن عصور متأخرة تحمل (خرطوش) «تحتمس الثالث»؛ وذلك لأن اسم هذا الملك كان يُعتبَر بمثابة تعويذة قوية الأثر؛ لما كان له من بطش وقوة خلَّفهما بعده في نفوس القوم.
(٤) المكاتبات على الاستراكا
الظاهر أن الحسابات والتمارين المدرسية ومسودات الرسائل الهامة، والرسائل النموذجية والمكاتبات الحقيقية التي كان يتبادلها أفراد من مرتبة واحدة، أو من درجات مختلفة كانت في العادة تُكتَب على قِطَع من الخزف، ويستعملها الأشخاص الذين يعجزهم غلاء ثمن البردي خاصة.
(٥) البريد
الواقع أن وجود عنوان على الرسائل المصرية يُعَدُّ في ذاته برهانًا على قيام شخص معين بتوزيعها، يقابل في عصرنا ساعي البريد، ولو كان الأمر مقصورًا على حمل رسالة واحدة لما احتاج الأمر إلى كتابة عنوان؛ إذ كان في قدرة حاملها أن يحفظه عن ظهر قلب.
(٦) العنوان
(٧) الصيغة الافتتاحية
إن الصيغة التي تُفتتَح بها الرسالة تختلف في تركيبها باختلاف رُتَب المتراسلين ومادة الرسالة التي يكتبون فيها، وبهذه المناسبة يجب أن نذكر هنا أن اسم المرسل كان يسبق اسم المرسل إليه إلا في حالات قليلة، وعلى مرِّ الأيام وجدنا أن بعض الصِّيَغ كان شائعَ الاستعمال، ولكن الصيغة التي كانت سائدة هي: «فلان يكتب إلى فلان.» وأهم الصيغ الافتتاحية التي عُثِر عليها حتى الآن ما يأتي:
أما الصيغة: «فلان يقول لفلان …» فكانت تُستعمَل في الرسائل الرسمية ومكاتبات المعاملات، وفي الخطابات التي كان قد حُذِف منها قصدًا عبارات التهنئة المنمقة.
(٨) الديباجة
إن ديباجة الرسالة كانت تُوضَع بعد الصيغة الافتتاحية وقبل موضوع الخطاب، ولكنا نجد في الرسائل التي وصلتنا من الدولة القديمة أن الديباجة لا وجود لها، وكان موضوع الخطاب يأتي مباشَرةً بعد الصيغة الافتتاحية.
أما في رسائل الدولتين الوسطى والحديثة، فقد وجدنا أن الديباجة تنقسم قسمين: أولهما عبارة يذكر فيها أسماء الآلهة الذين يتضرع إليهم ليرعوا المرسل إليه، وثانيهما يذكر فيه الإحسان الذي يلتمس منهم. وهذان يتألف منهما ديباجة كاملة، غير أنه يندر وجودها على الاستراكا؛ وذلك لضيق رقعتها من جهة، ولأن الموضوع الذي كانت تحتويه مختصَر؛ فلا يحتاج إلى ديباجة من جهة أخرى.
والآلهة التي كان يُتضرَّع إليها في عهد الدولة الوسطى تتوقف على المكان الذي أُرسِلت منه الرسالة؛ إذ جرت العادة أن التضرعات تُوجَّه إلى الآلهة المحلية، ولا أدل على ذلك من أننا وجدنا في رسالات ورق اللاهون أن الآلهة التي كان يتضرع إليها الكاتب هي الآلهة المحلية لهذه الجهة، فمثلًا نجد أن الإله «سبك» (التمساح) قد ذُكِر سبع مرات بنعوت مختلفة، ولا غرابة إذا وجدناه يُذكَر هنا بكثرة في رسائل اللاهون، فإنها تقع في المقاطعة التي كان يُعتبَر فيها هذا الإله من أعظم الآلهة عبادةً (الفيوم)، ونجد كذلك ذكر الإله «حور» والإلهة «حتحور».
أما في الدولة الحديثة، فكانت الآلهة التي يتضرع إليها هي صور الإله «آمون» المختلفة، وثالوثه؛ أي (آمون)، والإلهة (موت) وهي الأم، والإله «خنس» وهو الابن. وكذلك كان يتضرع للإله «بتاح» والإله «آتون» (رب الأرضين في عين شمس) والإلهة «حتحور» (سيدة الغرب) وغير أولئك من الآلهة.
أما الذي يبتدئ بالصيغة الفعلية فنجده في الأسرتين العشرين والحادية والعشرين، مسبوقًا بلفظة التمني؛ فيكتب: أرجو لك (١) الحياة. (٢) السعادة. (٣) الصحة. (٤) حظوة الإله … أو الرئيس … (٥) أو حياة طويلة. (٦) أو عمرًا طويلًا مباركًا. كل هذه التعبيرات نجدها في صور مختلفة؛ إذ نجد أن الكاتب قد اختار بعضها ووضعها في رسالة واحدة، أو صاغها في تراكيب مختلفة.
أما في عهد الأسرة الثامنة عشرة، فكانت التبركات يُعبَّر عنها بما يأتي: «أتمنى أن يمنحك هو أو هم الحظوة.»
الديباجة في الصيغ الحربية
(٩) الصيغة الختامية
وفي رسائل المعاملات نجد أن الصيغة الختامية كانت: «خُذْ علمًا بذلك (أي محتويات الرسالة).»
وفي خلال الأسرة الثامنة عشرة نلاحظ أن الرسائل لم يكن لها خاتمة معينة كما كانت الحال في عهد الدولة القديمة.
وقد لوحظ أنه توجد مساحة بيضاء قبل الصيغة الختامية، سواء أكانت: «أتمنى لك صحة جيدة» أم «خذ علمًا بذلك»، وذلك في رسائل الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين، غير أن هذا الفراغ لم يُرَ قطُّ في الرسائل النموذجية. وخلاصة القول أن الصيغتين: «أتمنى لك صحة جيدة»، «وخذ علمًا بذلك» كانتا الصيغتين الأساسيتين لختام المراسلات في عهد الدولة الحديثة، أما الصيغة: «إنها رسالة لأعلم سيدي …» فإنها كانت خاصة بالأسرة التاسعة عشرة.
(١٠) تأريخ الرسائل
(١١) أسلوب تحرير الرسائل
لا شك في أن موضوع الرسالة كان يُصَبُّ في عبارات ومصطلحات تُنتخَب وفق قواعد وعوامل لا بد من مراعاتها، تتفق والعصر الذي كُتِبت فيه الرسالة، ومرتبة كلٍّ من المرسل والمرسل إليه، والعلاقة التي تربطهما، ثم الموضوع الذي كان يتناوله الكاتب. وهذه النقط قد تكلمنا عنها فيما سبق، وبخاصة فيما يتعلق بالصيغة الافتتاحية، والديباجة، والصيغة الختامية، وكذلك أساليب موضوع الرسالة ومحتوياتها.
بعض أساليب خاصة بالرسائل
هناك أساليب خاصة نجدها مكرَّرة في الرسائل كما ذكرنا، غير أنها تختلف باختلاف الموضوع الذي يتناوله الكاتب.
«لقد قلت في جوابك هذا» و«لقد قلت لجلالتي» … إلخ.
أما في عهد الدولة الحديثة فنقرأ في أجوبة الرسائل التعبير الآتي: «لقد سمعت كل الأشياء التي أرسل لي عنها.» وحرفيًّا: «القول الذي عملته أو الرسالة التي عملتها قائلًا …»
تعليمات
الالتماسات
اهتمام المرسل بالمرسل إليه
(١١-١) رءوس فقرات جديدة في الرسالة
تعبير كاتب الرسالة عن نفسه
كان الكاتب يعبِّر عن نفسه في تواضُع بالعبارة الآتية «العبد هناك»، بدلًا من كلمة «أنا»، وهي ما تقابل في التعبير العربي (العبد الفقير)، وقد كان ذلك خاصًّا بالدولتين القديمة والوسطى كما سبق ذكره.
أما في الدولة الحديثة فقد كان نادر الاستعمال (راجع قصة المخاصمة بين حور وست).
- (١)
تعاليم وتحذيرات للتلاميذ.
- (٢)
رسائل حقيقية استعملت نماذج إنشائية للتلاميذ.
- (٣)
رسائل نموذجية من إنشاء المعلمين.
- (٤)
تهنئات إلى المعلمين والرؤساء.
- (٥)
منافسة أدبية.
(١٢) أمثلة على الرسائل
الحياة في المدرسة١٠
إني أضعك في المدرسة مع أولاد العظماء لأربيك، ولأجعلك تتعلم هذه الحرفة التي تعظم صاحبها.
انظر إني أقصُّ عليك كيف يكون حال الكاتب حينما يكون … استيقظ، في مكانك، إن الكتب قد وُضِعت أمام زملائك، ضع يدك على ملابسك وانظر إلى نعليك (؟).
… واقرأ بجد في الكتاب، ولا تدع كلمة تُسمَع عندما تحسب في صمت (أي حساب عقلي) …
اكتب بيدك، واقرأ بعينك، واستشر مَن هم أنبه منك (؟)، ولا تتراخ ولا تُمْضِ يومًا في الكسل، أو يلحق الويل أعضاءك! واعمل على فهم طريقة أستاذك، وأصغِ إلى تعاليمه …
… انظر إني معك كل (يوم؟) احذر أن تقول …؟
كن مجتهدًا
- (١) «كن مجتهدًا»:١٢ يأيها الكاتب لا تكن كسلان، لا تكن كسلان، وإلا فإنك ستُعاقَب عقابًا صارمًا، ولا تجعلن قلبك ينغمس في الملاهي، وإلا فمصيرك الخراب، واكتب بيدك، واقرأ بفمك، واستَشِرْ مَن هم أعلم منك.وحصِّلْ لنفسك وظيفةَ حاكمٍ حتى يمكنك أن تصل إليها عندما تصير مُسِنًّا، والكاتب الذي ينبغ في حرفته سعيدٌ، فهو أستاذ تربية. وثابِرْ كل يوم، وبذلك ستتفوق فيها (الكتابة أو معرفة الكتابة)، لا تُمْضِ يومًا في الكسل أو تضرب، وإنَّ أُذُنَ الولد على ظهره فهو يسمع حينما يضرب. واجعل قلبك يصغي إلى كلماتي؛ فإنها ستكون نافعة لك. وإن «الكايري»١٣ يُعلَّم الرقص، والخيل يُكبَح جماحها، والحدأة (؟) تُوضَع في عش (؟) وجناحي الصقر يُشَدَّان١٤ (أي لأجل أن يصير مدرَّبًا). ثابِرْ في طلب النصيحة ولا تهملها، لا تمَلَّنَّ الكتابة، دَعْ لبَّكَ يُصْغِ إلى كلماتي وستجدها مفيدة.
وفي هاتين الرسالتين يبيِّن أنه بذل المستطاع لتعليمه، وجلب له معلم صبيان بالليل، وآخَر بالنهار؛ حتى يقوى على الدرس والتحصيل، فبدا أنه أقل استعدادًا من الأسود في ترويضها، والطيور في تعليمها، والخيل في تدريبها، وأن النصيحة غير مجدية فيه، والضرب لا يردعه عن تهاونه، فمثله مثل الحمار العنيد أو العبد الغفل الذي لم يصقله الثقاف ولا التهذيب. قال:
- (٢) «كن مجتهدًا»:١٥ لا تكن رجلًا غبيًّا لا عِلْمَ عنده.
ففي الليل يدرِّس لك واحد، وبالنهار يعلِّمك آخَر، غير أنك لا تصغي إلى التعليم، بل تعمل حسب ميولك. إن «الكايري» يصغي إلى الكلمات حينما يُجلَب من «إثيوبيا»، والأسود تُدرَّب، والخيل يُكبَح جماحها، ولكنك لا يشابِهُكَ إنسان في كل الأرض، أرجو أن تفطن لذلك.
- (٣) «كن مجتهدًا»:١٦ إن قلبي قد سئم إعطاءك دروسًا (أكثر مما أعطيتك)، ويمكنني أن أضربك مائة ضربة، ومع ذلك فإنك تلقي بها جميعًا ظهريًّا، وإن مثلك عندي كحمار قد ضُرِب ولكنه عنيد (؟) … وكذلك مثلك عندي كمثل عبد أسود يزمجر، قد أُحضِرَ مع الجزية.١٧ إن الحدأة تُوضَع في العش، وجناحاها يوثقان، وإني لجاعِلك تلعب دور الرجل يأيها الولد الرديء، أرجو أن تفطن لذلك.
ونرى الوالد في هذه الرسالة يزهِّد ابنه في معاقرة الخمر ومخادنة الحسان، ويصوِّر لابنه حاله عندما يكون ثملًا مترنحًا يخيف الناس، ويخرج عن جادة العقل فيقصف ويلهو ويتمرغ في التراب، ويتمسح بالقيان، ويصدح مع الصادحات، ويذهب بوقاره ما يصدر عنه من لغو ومن تأثيم، فتراه يقول له:
- (٤) «الجعة والعذارى»:١٨ لقد حُدِّثْتُ أنك هجرت الكتابة، وأنك أسلمت نفسك (؟) للملاذ، وأنك تتسكع من شارع إلى شارع حيث رائحة الجعة. إلى التلف؟ إن الجعة تفزع الناس (منك) وتودي بروحك إلى الدمار (؟)، ومثلك كمثل سُكان السفينة المكسور الذي ينقاد إلى كلا الجانبين، وكالمقصورة من غير إلهها، وكالبيت من غير خبز. وقد وُجِدتَ تتسلق جدارًا وتكسر اﻟ … وقد فرَّ الناس من أمامك؛ لأنك تُنزِل بهم جروحًا، فليتك كنت تعلم أن الخمر إثم، وأن تُقسِم ألَّا تشرب «الشدة»،١٩ وألا تسلم قلبك للزجاجة (؟)، وأن تنسى شراب «تِلِك».٢٠لقد عُلِّمتَ كيف تغني على القيثارة، وتضرب على الأرغول، وتغني على كتنور (العود) مترنمًا، وتغني على النزخ،٢١ وتجلس في البيت، وتحيط بك البنات، ثم تقف وتعمل … أنت … وتقعد أمام قَيْنَة، وترش بالعطور وتيجانك المصنوعة من زهر «أشت بنو» تتدلى حول نحرك، وتطبل على جوقك، وبعد ذلك تسقط على بطنك وتلطخ بالأوساخ …
وهنا يُري الوالد ابنه أن مَن حام حول الحمى يُوشِك أن يواقعه، وأن التسكع في الطرقات يجر إلى الزلل، ويضرب له الأمثال على أن مَن عانَى التعليم في صغره، يدرك ما تصبو إليه نفسه في كبره، فقال:
- (٥) «التلميذ في الأغلال»:٢٢ لقد سمعت أنك تستسلم للملاذ، لا تولين ظهرك إلى كلماتي، هل تسلمن عقلك لكل أنواع الأشياء الصماء؟ …
سأجعل قدمك تزل (؟) حينما تنزلق إلى الشوارع (أي تتسكع في الشوارع)، وستُضرَب بسوط من جلد فرس البحر.
ومهما يكن من أمر فإني رأيت كثيرًا من أمثالك قد جلسوا في قاعة الكتابة، ولم يقولوا «بالله» (من غير أن يقسموا): «بأن الكتب (لا تساوي) شيئًا مطلقًا.» ومع ذلك فإنهم صاروا كُتَّابًا، وذكر الواحد (الملك) أسماءهم؛ ليرسلهم في مهمات.
وإذا نظرت إليَّ حينما كنتُ صغيرًا مثلك، وجدتني مضَّيت وقتي والأغلال في يدي، وقد شدت أعضائي بها، وقد مكثت بها مدة ثلاثة شهور، وسُجِنت في المعبد، في حين أن والدي ووالدتي وأخي كانوا في الأرياف، ولما فُكَّتْ عني (الأغلال)، وأصبحَتْ يدي طليقة، فُقْتُ ما كنت عليه فيما مضى، وكنت أول زملائي وتفوَّقْتُ عليهم في الكتب.
افعل ما أقول وسيكون جسمك سليمًا وستجد في الصباح٢٣ أن لا أحد يعلو عليك.(المتن هنا مضطرب غامض، ويظهر من خلاله أن الوالد يضرب لابنه الأمثال على تخبُّطه في حياته، وعلى أن نتيجةَ مثل ذلك الخيبةُ والفشل). قال الوالد:
- (٦) «كن مجتهدًا»:٢٤ حُدِّثت أنك تهجر الكتابة، وأنك تسافر وتهرب، وأنك تهجر الكتابة بقدر ما تستطيع قدماك من السرعة، وأنك في هذا كحصانين … (ومَن يقرأ هذا التعبير يثب إلى ذهنه «فرَسَا رهان» التعبير العربي، ولكن لم يكن في مصر في ذلك الوقت سباق للخيل؛ إذ كانت الخيل تجر العربات فقط)، وقلبك يرفرف، وإنك لكالطير المسمى (إخي)، أذنك … وإنك لكالحمار حينما يُضرَب، وإنك لكالغزال الشارد.
ولكنك لست بصائد الصحراء ولا «ماتوي» الغرب.
ولكنك لست بالأصم الذي لا يقدر أن يسمع فيكلمه الإنسان باليد (بالإشارة)، وإنك مثل رفيق ربَّان ماهر في السفينة،٢٥ حينما ينوب عن زميله في قيادتها ويقف في المقدمة (؟) وهو لا يلتفت إلى الرياح العكسية، ولا يبحث عن الموجة (أي لا يلتفت إلى التيار)، فإذا ما انفلت الحبل الخارجي اﻟ … الحبل يعلق حول رقبته وعندما يشد الحبل …كل الكلام الآتي مبهم، ونعلم أنه يقطف الأزهار على الشواطئ، ومن الجائز أن هناك وصفًا مضحكًا لملابسه: شعره المستعار بخصلته المجعدة التي تضرب إلى قدميه من صنع «إثيوبي» … إلخ.
والخاتمة هي: «وله أذن صماء في يوم٢٦ الحمار، وهو مجداف محرك في يوم السفينة، وسأفعل كل ذلك له٢٧ إذا ولى ظهره إلى حرفته.»وفي الرسالة الآتية يرغِّب الوالد ابنه عن الفلاحة بذكر الجوائح التي تجتمع على الفلاح فتحرمه ثمار كَدِّه من فادح الضرائب ومختلف الآفات، ومن ضروب الإهانات التي تقع عليه، ولا يسلم منها زوجه وبنوه. ثم يرغِّبه في الكتابة ويزيِّن له الاشتغال بها فيقول:
- (٧) «لا تكن فلاحًا»:٢٨ لقد أُخبِرْتُ أنك تهجر الكتابة وتسترسل في الملاذ، وأنك قد صمَّمت على العمل في الحقل، وحولت ظهرك عن كلمات «الله».٢٩ ألم تفكِّر كيف تكون حال الفلاح حينما يسجل الحصاد،٣٠ وقد أكل الدود نصف الغلة والتَهَمَ فرس البحر ما تبقَّى. وعندما يزخر الحقل بالفيران، والجراد يجتاحه، والماشية تلتهم، والعصافير تسرق، فالويل للفلاح وقتئذٍ (؟).
والبقية الباقية في الجرن يأتي اللصوص على آخِرها، اﻟ … من النحاس محطمة، والحصانان يموتان في الدرس والحرث.
والآن يرسو الكاتب إلى الشاطئ، ويأخذ في تسجيل المحصول، والحرَّاس يحملون عصيًّا، والعبيد يحملون جريد نخل، ويقولون: «هات غلة.» «ليس هناك غلة.» وعندئذٍ يُطرَح أرضًا ويُضرَب، ثم يُوثَق ويُلقَى في الترعة ويُغمَس في الماء منكسًا، وزوجه تُوثَق أمامه وتُوضَع أطفاله في الأغلال (؟)، وجيرانه يولون الأدبار، وبعد ذلك تطير غلتهم. أما الكاتب فإنه يدير عمل كل الناس، وليس عليه ضريبة؛ لأنه يدفع جزيته بالكتابة، وليس عليه جزية، أرجو أن تفطن لذلك.
وفي هذه الرسالة الآتية يرفع من شأن الكاتب كعادته مبيِّنًا نفوذه ومنزلته، ويغض من شأن الجندي فيكشف عمَّا يُلاقِيه من عنتِ الرؤساء، وهم كثيرون يتدرجون في الرتبة ويتباينون فيها، وإن اتفقوا على تكليف الجندي بشاقِّ الأعمال، وهو لذلك ينأى بابنه عن أن يتخذ الجندية حرفةً له.
- (٨) «لا تكن جنديًّا»:٣١ «ضع الكتابة٣٢ في صدرك حتى تقي نفسك أي عمل شاق، وتكون حاكمًا ذائع الصيت، أَلَا تذكر الفرد الخامل المغمور الاسم؟ إنه سيحمل كالحمار، حينما يقف أمام الكاتب الذي يعرف قيمته (؟).
تعالَ، ودعني أخبرك سوء حال الجندي بالنسبة لمرءوسيه العديدين: القائد، فقائد الرديف، «والسكت الذي على رأسهم»، وحامل العلم، وضابط الصف، والكاتب، وضابط الخمسين، وقائد عساكر «أداي» (الذين يُستخدَمون خاصة في الخارج)، وهم يروحون ويغدون في حاشيتهم في القصر الملكي ويقولون: «دعهم يعرفوا العمل.»
ويستيقظ بعد مضي ساعة (من نومه) ويُسَاق كالحمار، ويشتغل إلى أن تغيب الشمس تحت ظلام الليل، فيصير جوعان وجسمه … وكأنه ميت ولا يزال حيًّا.
وفي الرسالتين التاليتين مقابلة بين الكاتب والجندي، رفع فيهما منزلة الكاتب وهوى بمنزلة الجندي، وبيَّن ما يلحقه من عنت وإرهاق وأذى واحتقار؛ فقال:
- (٩) «لا تكن جنديًّا»:٣٣ آه، ماذا تعني بقولك: «إنه يظن أن الجندي أسعد حالًا من الكاتب؟» دعني أحدِّثك عن حال الجندي الذي يضرب غالبًا، حينما يؤتى به وحينما لا يزال … طفل؛ ليُحبَس في المعسكر (؟)، ثم إنه يُضرَب ضربة موجعة على جسمه، وضربة محطمة على عينيه، وضربة تكبُّه على جبينه، ورأسه يشج بجرح، وهو يطرح أرضًا ويُضرَب كوثيقة (كما تُضرَب ورقة البردي عند صنعها!)، وهو يكسر ويجرح بالجلد. تعالَ، دعني أخبرك كيف يذهب إلى سوريا، وكيف يسير على الجبال، وخبزه وماؤه على كتفه كحمل الحمار، ويجعلون رقبته مثل … مثل رقبة الحمار، وفقرات ظهره قد حنيت، وشربه ماء آسن، وإذا أعفي من السير كُلِّفَ بالحراسة، وعندما يصل إلى الأعداء يكون كالطائر في الأحبولة، وليس في جسمه قوة، وإذا عاد إلى مصر كان كالخشب الذي نَخِر بتأثير السوس؛ فهو مريض طريح الفراش، ويؤتى به ثانيةً على حمار، وملابسه تُسرَق، وخادمه يولي الأدبار. يأيها الكاتب إنناثا٣٤ لا تعتقد أن الجندي أسعد حالًا من الكاتب.
- (١٠) «لا تكن جنديًّا»:٣٥ ولِّ وجهك شطر الكتابة نهارًا، واقرأ ليلًا؛ لأنك تعلم ماذا يفعله المليك فيما يمس كافة إجراءاته، فكل رعاياه تعرض ويؤخذ أحسنهم، فالرجل يصير جنديًّا، والشاب يصبح مقترعًا، والولد يُربَّى فقط ليُنتزَع من حضن أمه، وإذا بلغ أشده حُطِّمَتْ عظامه.
هل أنت حمار يُسَاق لأنه لا عقل له في جسمه؟!
اكتسب لنفسك هذه الحرفة العظيمة، مهنة الكاتب، فإن دواتك وقرطاسك يكونان مبتهجين ومفعمين بما يملكان، وتكون فرحًا كل يوم، أرجو أن تفطن لذلك.
وهنا حمَلَ الوالد على الفارس الذي يسوس جياد العربات، مبيِّنًا كدحه في سبيل أداء واجبه، وما ينفقه ثمنًا للعربة والعجلات، ثم سوء ما يلاقيه من الجزاء بعد إنفاق القوة والوقت والمال. ومن المدهش أن هذه كانت أشرف مهنة في خلال الدولة الحديثة، وبخاصة في عهد الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة؛ إذ كان لا يحترفها إلا أولاد علية القوم وأهل اليسار؛ وذلك لأن الخيل كانت قد جُلِبت للبلاد حديثًا، وكان لا يستعملها إلا الملوك وأولادهم وأصحاب النفوذ، ولا أدل على ذلك من أن «تحتمس الثالث» كانت له إصطبلات خاصة لتربية الخيل وتعليم ابنه «امنحوتب الرابع» سياستها وتدريبها، والغريب في كل ذلك أن القوم كانوا لا يمتطون ظهورها، بل كانوا يستعملونها في جر العربات وحسب.
- (١١) «لا تكن فارسًا»:٣٦ وطِّنْ نفسك على أن تكون كاتبًا؛ حتى يمكنك أن تُدِير جميع الأرض، تعالَ ودعني أحدثك عن حرفة تعسة، وهي مهنة فارس العربة (الخيَّال)، فإنه يُوضَع في الإصطبل (الملكي) بوساطة والد أمه (لأنه من أسرة طيبة) ومعه خمسة عبيد، رجلان منهم يساعدانه (؟).وهو يهرول ليحضر جيادًا من الحظيرة في حضرة جلالته، وحينما يحصل على خيل جميلة يصير فرحًا مرحًا، ويأتي بها إلى بلده ويطؤها بالقدم (المدينة) بلذة، وما أسعده حين يطؤها بالقدم … غير أنه لا يعرف للآن ما قُدِّرَ له، وهو ينفق ماله الذي ورثه من والد أمه ليحصل على عربة، عجلتها تكلِّفه ٣ دبن، والعربة نفسها تتكلف ٥ دبن،٣٧ ثم يسرع ليمشي بالقدم من عليها، ثم يعدُّ نفسه ليلبس حذاء … ثم يأخذ نفسه ويضع رجليه في نعلين (؟) ثم يرمي بها (العربة) في الغابة، وتُجرَح قدماه بالنعلين (؟) ويُمزِّق الشوك جلبابَه.
وعندما يأتي الملك ليستعرض الجنود فإنه يكون معذبًا عذابًا أليمًا (؟)، ويضرب وهو على الأرض مائة جلدة.
ولا يزال صاحبنا هنا يعيد ويبدي في الكتابة، فهي هدفه الذي يسعى ليصل ابنه إليه، فلا غرابة إن رفعها على أنقاض الحرف الأخرى، وخصَّ بهجومه في هذه المرة الجندي والكاهن والخبَّاز، وإن لم يسلم منه أضرابهم من أصحاب المهن الأخرى، قال:
- (١٢)
«لا تكن جنديًّا ولا كاهنًا ولا خبَّازًا»: كن كاتبًا تنجُ من السخرة، وتُصَنْ من كل عمل، فهو معفى من العزق بالفأس، وليس عليك أن تحمل المكتل، إنها تخلصك (مهنة الكاتب) من الجدف بالمجداف، وإنها خالية من الكدر، ليس فوقك عدة رؤساء ولا جم غفير ممَّنْ هم أرقى منك.
وسرعان ما يخرج الرجل (غير الكاتب) من فرج أمه حتى يُطرَح أرضًا أمام رئيسه، فالولد يصير تابعًا للجندي، والشاب يصبح مقترعًا، والرجل الكهل يصير فلَّاحًا، والمدني يصبح سائسًا، والأعرج (؟) يصير بوَّابًا، والقصير النظر؟ يطعم الماشية، والدجاج يذهب على اﻟ … والسماك يقف في البلل، وملاحظ الإصطبل يقف عند العمل، على حين أن جياده تُترَك في الحقل،٣٨ ويرمي بالغلة إلى زوجه وبنته على الشاطئ (؟)، وإذا تركته جياده وهربت فإنه (؟) يجند في فرقة «أواي» (الرجَّالة).٣٩والجندي حينما يذهب إلى سوريا يذهب من غير عصا ولا نعلين، ولا يعلم إذا كان سيموت أو يبقى حيًّا بسبب الأسود المتوحشة (؟)، والعدو يرقد مختبئًا في عشب، أو يقف مستعدًّا للمعركة، والجندي يمشي ويتضرع لربه: «تعالَ إليَّ وخلِّصني!»
والكاهن يقف هناك كالفلاح، والكاهن المطهر يشتغل في الترعة …٤٠ ويبلل في النهر، ولا فرق عنده بين الشتاء والصيف، أو إذا كان الجو عاصفًا أو ممطرًا، والخبَّاز يقف ويعجن، وعندما يدس رأسه في الفرن ليضع الخبز على النار يكون ابنه ممسكًا بقوة على قدميه، وإذا اتفق أنه أفلت من يد ابنه سقط في اللهيب، أما الكاتب فإنه يدير كل عمل في هذه الأرض.والوالد في هذه المرة يريد أن يضمن لابنه نوعًا من الترف لا يجده إلا عند الموظفين، فالموظف سيد يُقدَّم له الماء ويُصنَع له الخبز، وليس عليه إلا أن يأمر فيُطَاع، فهو قطب المجالس وعماد الدوائر؛ ولذلك يزيِّن لابنه أن يكون موظفًا حتى يقضي وقته بين الدفاتر والمحابر، وينجو من الأعمال الأخرى الشاقة المرهقة.
- (١٣) «كن موظفًا»:٤١ لا تدعن قلبك يهتز كورقة أمام الريح … ولا تُسلمن قلبك للملاذ؛ فإنها بكل أسف لا تفيد، ولا تؤدي للإنسان أي خدمة … وحينما يشتغل (بيده) وكان من نصيبه أن يخدم مجلس الثلاثين٤٢ حرم القوة والاستجمام؛٤٣ لأن العمل الشاق لا ينقطع عنه، ولا خادم يقدِّم له الماء، ولا امرأة تصنع له الخبز، على حين أن إخوانه٤٤ يعيشون كما يرغبون، وخدمهم يشتغلون بدلًا منهم،٤٥ ولكن الرجل الذي لا إحساس عنده يقف هناك ويشقى، وعيناه تنظران حسدًا إليهم.٤٦ من أجل ذلك تَبَصَّر أيها الولد الشقي، أيها العنيد الذي لا يريد أن يصغي حينما يُتحدَّث إليه؛ أسرع إلى تلك الحرفة بسرور …٤٧ إنها هي الصناعة التي تدير كل مجالس الثلاثين٤٨ ورجال حاشية الدائرة الملكية.
أرجو أن تفطن لذلك.
وهنا أيضًا يحاول الوالد أن يجذب ولده إلى الكتابة، وينحيه عن الملاذ، فيقول له:
- (١٤) «قطعة»:٤٩ لقد حُدِّثْتُ أنك هجرت الكتابة وأسلمت نفسك للملاذ، وأنك أدرت ظهرك إلى كلمات «الله» وفررت من صناعة «تحوت». إن قلبك لا يعرف أنك … لتقود الآخَرين …
(موضوع القطعة التالية لهذه يحتمل أن يعدِّد ويلات الجندي.)
وهنا يخلع صاحبنا على الكتابة كل ما يحبِّب ابنه فيها، ويخوفه الجندية وحياتها، قال:
- (١٥) «كن كاتبًا»:٥٠ واستعمل قلبك فإنها صناعة أنفع من أية صناعة، وكل إنسان يُحترَم بوظيفته، فاجتهد في الحصول عليها لنفسك، وضَعْ كلماتي في أذنك حتى تصبح رجلًا، وتمكَّنَ من أن تكون ذا حيثية؛ لأن المؤلم أن تعمل جنديًّا يساق كالحمار، وإذا أُرسِل للجيش في سوريا أو إلى السودان، وترك وراءه أولاده وملابسه في بيته، كان طعامه كلأ الحقل كالسائمة، وإني أرجو أن تفطن لذلك!
وفي الخطاب التالي نجد الكاتب أسعد حالًا من الفلاح والخادم والغسال والبحار، وفي هذا الخطاب يحاول الكاتب التهكم على الحِرَف، ولكن قلمه يقصر عن بلوغ ذلك، فإن تشبيهاته فقيرة، وفيه نقط غير مفهومة.
- (١٦) «كن كاتبًا»:٥١ وأسلم قلبك لها (أي صناعة الكاتب)؛ حتى تخلِّص نفسك من أن يكون عليك رؤساء كثيرون، وحتى يمكنك أن تصير كفئًا في الغد، فكل حرفة عليها ضريبة، وكذلك كل أجير، فالذين في الحقل يحرثون ويحصدون ويخزنون ويدرسون في الجرن، والخدم تسلق التين، والغسَّالون على شاطئ النهر، وينزلون الماء والبحار — كما يقولون — إن التماسيح تقف هناك، على حين أن القارب وهو مدينته يعوم (؟)؛ لأن البحَّار قد أُنهِكَ والمجداف في يده، والسوط على ظهره، وجوفه خالٍ من الطعام، ولكن الكاتب يجلس في حجرة السفينة، وأولاد العظماء يُجدِّفون له، وليس عليه حساب يدفعه، والكاتب ليس عليه ضرائب يؤديها، فافطن لذلك.
وهنا أيضًا يحذِّره أن يكون جنديًّا، ويعدِّد له متاعب الجندية ومخاوفها، ويُلبِس الكاتب ثوبًا برَّاقًا من السرور والثراء والهيمنة على شئون العباد.
- (١٧) «كن كاتبًا ولا تكن جنديًّا»:٥٢ تعالَ ودعني أصِفْ لك حالة الجندي، ذلك الفرد الذي يُعذَّب كثيرًا يوم أن تُدعَى طيبة لإقامة الأفراح في الهواء الرطب في الشهر الثاني من الشتاء، فالمرء (أي الجندي) يكون في موقف مؤلم عندما يتعثر في طريقه من غير حذاء، والحلفاء تعوق طريقه، والحشائش تكون كثيفة مشتبكة، والأعشاب منيعة، والضباط من خلفهم بالعصي، ويضربون ثم يضربون، ويكون عطشان، على أن شرب الماء لا يتغلَّب على القيظ والعرق، وذلك في وقت ظهور الفرعون بفخامته في أول يوم الاحتفال بالتتويج، وهو اليوم الذي تؤذن فيه «عين شمس» بإقامة الأعياد. تعالَ ودعني أخبرك بنزوله (أي الجندي) إلى سوريا ومشيه على قمم التلال، وخبزه وماؤه على كتفيه مثل حمل الحمار، وهو يشرب الماء الآسن، ولا يقف عن السير إلا وقت الحراسة بالليل. فهل أنت حمار سيسوقه الإنسان؟ هل الجسم خلوٌّ من الفهم؟ اعتنِق الحرفةَ التي يحترفها الحكَّام، وإن أدوات كتابتك تغدق عليك السرور والثراء، ويكون قلبك فرحًا كل يوم، فافطن لذلك.»
ولدينا فقرة كُتِبت في شكل خطاب، ولكنها في الواقع تكاد تكون مقتطفات من نصائح «آني» حاكها الكاتب بمهارة، وهي:
- (١٨) «اتخذ لنفسك زوجة»:٥٣ وأنت لا تزال فتى، وعلِّمْها لتكون امرأة (أي رحيمة)؛ حتى تنتج لك أولادًا وأنت صغير السن، وحتى يكون لك خلف. والواقع أن الرجل المنتج يحترمه الناس لخلفه. تأمَّلْ فإني أعلمك طريقة الرجل الذي يجِدُّ في تأسيس بيت له، فاصنع لنفسك حديقة، وحوِّط لنفسك بقعة من الخيار فضلًا عن حقلك، واتخذ لنفسك الأزهار التي تراها عينك؛ لأن الإنسان قد يشعر بالحرمان منها كلها، وإنه لحسن إذا لم يُحرَمها الإنسان، فافطن لذلك.
(خطابات حقيقية نموذجية للتلاميذ.)
وتكشف ديباجتها عن مرسلها وعن دعوات طيبة للمرسل إليه، ثم ينتقل كاتبها إلى الغرض من الرسالة:
- (١٩) «اقتفاء أثر عبد هارب»:٥٤ إن قائد رديف «زكو»٥٥ كاكمور يكتب إلى قائد الرديف «آني» وإلى قائد الرديف «بكنبتاح»، (داعيًا لهما) بالحياة والفلاح والصحة، وأن يكونا في حظوة «آمون رع» ملك الآلهة، وفي حظوة حضرة الملك «سيتي الثاني» سيدنا الطيب.٥٦ وإني أقول ﻟ «رع-حاراختي»: «احفظ فرعون سيدنا الطيب في صحة (؟)، ودعه يحتفل (بملايين) الأعياد الثلاثينية، ونحن كل يوم في حظوته.»وبعد، فقد أرسلت من قاعات القصر الملكي وراء هذين العبدين في اليوم التاسع من الشهر الثالث في فصل الصيف وقت المساء، ولما وصلت إلى حصن «زكو» في اليوم العاشر من الشهر الثالث من فصل الشتاء علمت أن الأخبار من الجنوب تقول: إنهما قد مرَّا ذاهبين … اليوم من الشهر الثالث من فصل الصيف، ولما وصلت إلى القلعة أُخبِرت أن السائس قد حضر من الصحراء (وأعلن) أنهما تخطَّيَا الحدود شمال حصن (مجدول)٥٧ «سيتي» الذي … مثل «ست» (الإله).
وعندما يصل خطابي إليكم اكتبوا إليَّ بكل ما حدث عندكم: أين وُجِد أثرهما؟ وأي حارس عثر عليه؟ ومَن هم الرجال الذين اقتفوه؟ اكتبوا إليَّ بكل ما عمل من أجلهما، وكم رجلًا اقتفى أثرهما، ولتعيشوا سعداء.
وفي الرسالة الآتية يظهر حزم الآمِر واستعلاؤه وتهديده المستور.
- (٢٠) «أمر بإنجاز عمل»:٥٨ يقول كانت الملك وقائده «راموزا» إلى البنَّاء «أوري»: لقد أحضر لك هذا الخطاب.
وبعدُ، فعندما يصل إليك خطابي، عليك أن تذهب إلى بلد … «رع» في بوبسطة (تل بسطة)، وعليك أن تنفِّذَ كل أمر، ثم عليك أن تحضر وتقدِّم إليَّ تقريرًا، تُبصِر فيه، ثم اعتنِ واحترس لنفسك، ولا تتوانَ بأية حال، وسيصلك خطابي على يد الكاهن «رع موزه»، وقد (كان؟) حاضرًا حينما جئتَ إليَّ بجوار الترعة وضربتك وقتئذٍ قائلًا لك: «كيف تهمل عملي؟ سأجعلك تشتغل في الترعة.» أرجو أن تفطن لذلك.
وهذه رسالة إخبارية تبتدئ بالدعاء للسيد المرسلة إليه، ثم ينتقل كاتبها إلى ذكر بعض الأشياء التي تهم المرسل إليه؛ لأنها تتعلق بمصالحه ويسردها سردًا.
- (٢١) «أشغال مختلفة الأنواع»:٥٩ إن الكاتب «باوحم» يسرُّ سيده «أتحوررخ» داعيًا بالحياة والفلاح والصحة، قد كتب هذا لأحيط علم سيدي، ولأمر آخَر يسرُّ سيدي، لقد سمعت الأمر الذي أرسله لي سيدي لأعطي خيل الإصطبل الكبير الذي يملكه «رعمسيس» محبوب «آمون» علفًا، وكذلك خيل العظيم … إصطبل «بنرع» محبوب «آمون»٦٠ التابع للحاضرة.
أمر آخَر يسرُّ سيدي، وهو أنه قد هرب ثلاثة من فلاحي أملاك الفرعون التي في عهدة سيدي من ملاحظ إصطبل الخيل المسمى «نفر حتب»؛ وذلك بعد أن ضربهم، والآن انظر، إن حقول ضياع الملك التي في عهدة سيدي قد أُهمِلَتْ، وليس هناك مَن يفلحها، وقد حُرِّر هذا ليعلم به مولاي.
وفي الرسالة الآتية يقدِّم كاتبها بين يدي ملتمسه دعوات حارة بالحياة وطيب العيش، يرجو من ورائها أن يتوسَّطَ صاحبه في تخفيف الضريبة عنه؛ لأنها لا تتناسب مع ثروته وعمله، وحملها يثقل كاهله، ويرى أن إجابة طلبه من الأمور الميسورة لصديقه؛ لأنها ضئيلة بالنسبة إلى همته الكبيرة فيقول:
- (٢٢) «التماس للمساعدة في موضوع ضرائب»:٦١ إن «رامحب» كاهن معبد «سوتخ» يسأل عن مدير البيت «سيتي»، داعيًا له بالحياة والفلاح والصحة، وأن يكون في حظوة «آمون رع» ملك الآلهة. إني أقول «لرع-حاراختي» و«لست»، ولنفتيس ولكل الآلهة والإلهات «بونوزم»: ليتك تفلح، وليتك تعيش، وأتمنى أن أراك ثانيةً في أمان وأضمك إلى صدري. وبعدُ، فقد سمعت بالأشياء الحسنة العدة التي عملتها لسفينتي، وذلك أنك أرسلتها إليَّ، أرجو أن يكافئك «منتو»، وأرجو أن الشمس ربك الطيب٦٢ يكافئك.وعندما يصلك خطابي يجب عليك أن تذهب مع حامل العلم٦٣ «بتاح ممنو»، ويجب أن تعلن الوزير بأمر الفضة الكثيرة التي يقول عنها الخادم «إثاي»: «سلِّمها.» وإن كانت ليست ضريبتي قط، وخُذْ نسخة من الفضة (الضريبة) ومن العوائد كتابة إلى الجنوب٦٤ وضعها أمام الوزير، وأخبره ألَّا يفرض عليَّ ضريبة خاصة بالناس (العمَّال)؛ لأني «شخصيًّا» ليس لديَّ أناس، ولأني مسئول عن السفينة وعن بيت «نفتيس».٦٥ وانظر إلى العدد العظيم من المعابد التي في المركز، فليس ذلك مريحًا لي، وإني تعس جدًّا، بل في منتهى التعس بسبب ما عمل لي.٦٦
والآن تأمَّلْ … وتكلَّمْ مع شخص آخَر من جهة العمل الإداري المضني الذي قد وُضِع على عاتقي نحو معبد «سوتخ» وأملاك الفرعون التي في عهدتي ضريبة عليَّ. انظر! إن هذا بالنسبة لك أمر صغير، فلا تحذف منه شيئًا أنت وحامل العلم «بتاح ممنو»، ومع السلامة.
- (٢٣) «استعلامات»:٦٧ إن الكاتب «بوحم» يسرُّ مولاه «محو» كاتب مصنع الفرعون في حياة وفلاح وصحة، قد حَرَّرَ هذا ليعلم مولاي، وشيء آخَر ليُسَرَّ مولاي: لقد أرسل الوزير ثلاثة أولاد قائلًا: «نصبهم كهنة في معبد «مرنبتاح» في بيت «بتاح».» (ولكن) الملك قد وضع يده عليهم وأخذهم … وقال: «إنهم سيكونون جنودًا.»
فأرجو أن تسرع وتمرِّنهم وتكتب لي عن حالهم.
وكذلك انظر إذا كان التاجر قد عاد من سوريا.
وكذلك لا بد أن تمرَّ عليَّ في «منف»، إن قلبي غير منشرح ولا يمكنني أن أكتب لك (في ذلك). أرجو أن ترسل إلى الخادم «تناتا» واكتب إليَّ عن حالك مع أي فرد يكون قادمًا من عندك. مع السلامة!
- (٢٤) «خطاب أسري»:٦٨ إن الكاتب «أمنموسي» يسأل عن والده قائد فرقة الرديف «بكتنبتاح» داعيًا له بالحياة والفلاح والصحة، وأن يكون في حظوة «آمون رع» ملك الآلهة. أقول و(أتضرع) إلى «رع حاراختي» وإلى «آتوم» وإلى «التاسوع»، متمنيًا أن تكون في صحة يوميًّا.
وبعدُ، أرجو أن تكتب لي عن صحتك مع أي إنسان يكون قادمًا إلى هنا من عندك؛ لأني أرغب في أن أسمع أخبارك كل يوم، وأنت لا تكتب إليَّ لا خيرًا ولا شرًّا، ولا أحد ممَّنْ ترسل يمر بي ليخبرني كيف حالك. أرجو أن تكتب لي عن حالك، وعن حال خدمك من جهة أشغالهم؛ لأني في غاية الشوق إليهم.
وبعدُ، لقد أحضرتُ لك خمسين رغيفًا كيلستس طيبة فقط؛ لأن الحمَّال رمى منها ثلاثين قائلًا: «إني مثقل أكثر مما يجب.» ولم ينتظرني لأحضر له خضرًا من المخزن (؟)، على أنه لم يخبرني في أي مساء سيحضر إليَّ، وإني مرسل لك طبقين من الدهن للدهان. مع السلامة!
وهنا تهنئة بمنصب رفيع، وإظهار لشعور الكاتب نحو صديقه، ودعوات للمرقَّى بالتوفيق الدائم، ويختم المهنئ رسالته برغبته في أن يقف على حال الصديق وحال أسرته، ويطمئنه على نفسه وعلى ضياع الملك:
- (٢٥) «تهانٍ»:٦٩ من قائد الرديف وملاحظ البلاد الأجنبية «بنامون»، إلى قائد الرديف «بحري بيد» في حياة وفلاح وصحة، وفي حظوة «آمون رع» ملك الآلهة، وحضرة الملك «سيتي الثاني».٧٠ إني أقول (إني أدعو) «لرع-حاراختي»: احفظ الفرعون سيدنا الطيب في صحة، وأتمنى أن يحتفل بآلاف آلاف الأعياد، وأنت٧١ في حظوته كل يوم.وبعدُ، فقد سمعت بما كتبته وقلت فيه: إن الفرعون ربي الطيب قد أظهر ميوله الطيبة نحوي، فقد عينني ضابطًا أول لرديف البئر.٧٢ هكذا قد كتبت لي.
إنه لتعطُّف طيب من «رع» أن تكون الآن محل والدك، «مرحًا»، أرجو لك مثل ذلك مرة ثانية.
ولما وصلني الخطاب فرحت جد الفرح، أتمنى أن «رع-حاراختي» يمنحك حياة طويلة وأنت تملأ مركز والدك! وأتمنى أن يعطف عليك فرعون مرة أخرى! وأتمنى أن تصبح أكثر قوةً وتكتب لي عن حالك وعن حال والدك مع أحد رجال البريد الذين يأتون إلى هنا من عندك. وبعدُ، فإن أحوالي تسير على ما يرام، وكذا أحوال ضياع الملك.٧٣ لا تشغل نفسك من جهتي. مع السلامة.وهنا توبيخ لموظف كبير تجاوَزَ حدود عمله، وتصرَّفَ على غير ما يهوى أميره، فقرعه وأوعده شرًّا مستطيرًا، وأضاف ذنبًا آخَر إلى ذنبه الأول هو إهماله في الاستعداد للزيارة الملكية لعين شمس، وينكر عليه تقصيره، ويأمره بإصلاح ما أفسد.
- (٢٦) «تقريع موظف كبير»:٧٤ إن هذا الأمر الملكي أحضر إليك.ما علاقتك «بتكتن» التابع لإقليم الواحة حتى ترسل كاتبك هذا ليفصلهم من جنودهم (تياو)؟٧٥ والآن إذا … «رع» و«بتاح» لم يسمحا لنا أن نصغي لأي شيء من هذه الإشاعات التي يسمعها الإنسان. وبعد ذلك يكتب هذا الأمير قائلًا:
يجب عليك أن تُحضر إلى هنا «التكتن» الذي يمكنه أن «يتجسس»، فإلى أين تولِّي وجهك؟ وإلى بيت مَن ستذهب؟ فهو ينصب فوق رأسك مثل تل من الرمل، ثم تُسَاق وتُوضَع هناك … ذلك إلى جانب غلطتك الأخرى الشنعاء التي ارتكبتها، بأن جعلت فرعون يأتي ليذهب إلى عين شمس دون أن تستحضر آلات للمصنع استعدادًا وراء سيدك … ألم تعين في مكان ملاحظين آخَرين لبيت المال قد تنَحَّوا عن سحب (أخذ) جندي تكتن من «نياو» (أي من فرقته)، وأنت تفعل هذا فقط؟
وعندما يصلك قرار فرعون، عليك أن تكتب خطابًا إلى كاتبك الذي قد أرسلته إلى أرض الواحات، قائلًا: احذر! تخلَّ عن أخذ جندي من «التكتن»، وإلا عُدَّ ذلك جريمة منك تُعاقَب عليها «بالموت»، ويجب عليك أن تعطي خطابك تابعًا من أتباعك وترسله مع بريد٧٦ بكل سرعة. - (٢٧) «السآمة في مكان منعزل»:٧٧ هذا خطاب خاص لضابط أُجبِر على إقامة مبانٍ على الحدود بدلًا من الذهاب إلى فلسطين، غير أنه لم يكن في مقدوره أن يأتي بأي عمل، بل كان في مقدوره أن يعطي معلومات عن الكلاب والحمل فقط، وكل عبارة الخطاب بالطبع تهكمية:
أين هم الذين يحضرون إليَّ؟ … أليس هناك حمير؟ إنها سُرِقت. إني أمضي اليوم متأملًا ما في السماء كأني أصطاد طيورًا، وعيني تنظر خلسة إلى الطريق لأذهب إلى فلسطين.
وإني أمضي الليل تحت أشجار لا تحمل فاكهة (؟) للأكل.
أين بلحها؟ ليس فيها بلح (؟) لأنها لا تحمل.
والخملة موجودة هناك وقت السحر، والخملة «زوت» عند الظهيرة …
وهي تمتص كل شريان.
وإني أسير مثل العظام المتحركة، وأخترق الأراضي على قدمي.٨٠وإذا فتح إنسان زجاجة ملأى بجعة (كدي) وهجم الناس على … القدح في الخارج.٨١ ويوجد هنا مئتا كلب كبير، وثلاثمائة كلب من نسل الذئب، ومجموعها خمسمائة،٨٢ وهي تقف كل يوم على باب البيت مستعدة في أي وقت أخرج فيه؛ لأنها شمَّتْ السبر٨٣ عندما فُتِح الإناء، ومع ذلك (؟) أليس عندي في البيت (الكلب الصغير) المستذئب ملك «تهرهو» كاتب الملك (؟)، فهو يخلصني منها، وفي أي وقت أخرج فيه فإنه يكون معي دليلًا في الطريق، فبمجرد ما ينبح أُسرع إلى إغلاق الباب.٨٤و«أشب» اسم كلب مستذئب، أحمر، طويل الذنب.
فيذهب ليلًا إلى حظائر الماشية ويبتدئ بأكبرها٨٥ أولًا؛ لأنه لا يُميِّز حينما يكون مفترسًا، والله٨٦ ينجي مَن يشاء من هذه النار التي هنا والتي لا ترحم (؟).وزيادة على ذلك … فإن معي هنا كاتبًا، وكل شريان من شرايين وجهه … اﻟ … والمرض قد استفحل في عينيه، والدود يعيث في سنه، وإني لا يمكنني أن أتركه بائسًا وفرقتي سائرة إلى الأمام؛ لذلك دعه يُعطَ طعامه هنا حتى يمكنه أن يستريح في جهة «كنكنتاوي».
وفي الرسالة الآتية تصوير شعري لشوق الكاتب إلى «منف»:
- (٢٨) «الشوق إلى منف»:٨٧ تأمَّلْ! إن قلبي قد ذهب خلسة، وإنه ليسرع إلى مكان يعرفه، وإنه يسبح منحدرًا مع التيار ليرى (منف) … ولكني أجلس هنا منتظرًا (رسولًا) ليخبرني عن حال (منف)، ولم تصلني أية رسالة؛ ولذلك يخفق قلبي في مكانه. تعالَ إليَّ يا «بتاح» لتأخذني إلى (منف)، ودعني أنظر إليك على عجل.إني أمضي اليوم وقلبي في حلم (؟)، وإن قلبي ليس في جسمي، وكل أعضائي … وعيني متعبة من النظر،٨٨ وأذني لا … وصوتي … وحتى إنه يقول كل الأشياء معكوسة. كُنْ رحيمًا بي واسمح لي أن أصعد (؟) إليهم.
نماذج خطابات إنشائية
-
(٢٩)
«مديح في المدينة الجديدة المسمَّاة بيت رعمسيس»:٨٩ بيت رعمسيس هو اسم لحاضرة الفرعون «رعمسيس الثاني» التي أنشأها حديثًا، وتقع على أنقاض، وقد كانت تُعَدُّ مركزًا لإمبراطورية تشمل فلسطين ومصر، ومن المحتمل أن الخطاب قد أُلِّفَ على أساس قصيدة تشبه التي سنذكرها فيما بعدُ، احتفالًا بقدوم الملك إلى هذه المدينة:إن الكاتب «بيبس» يرحِّب بسيده الكاتب «أمنموبي»٩٠ في حياة وفلاح وصحة. قد حُرِّرَ هذا ليكون سيدي على علم به.
ترحيب ثانٍ بسيدي: لقد وصلت إلى مدينة بيت رعمسيس — «محبوب آمون» — ووجدتها غاية في الازدهار، وهي عرش (؟) جميل منقطع النظير، وهي على طراز طيبة، وإن «رع» هو الذي أسَّسَها بنفسه، فهي المقام الذي تلذ فيه الحياة.
حقلها مملوء بكل ما طاب، ولديها مؤن وذخيرة كل يوم، بركها تزخر بالسمك وبحيراتها بالطيور، حقولها يانعة بالبقل، وشواطئها محمَّلَة بالبلح … ومخازنها مفعمة بالشعير والقمح، وهي تناطح السماء في ارتفاعها، وفيها الثوم والكراث للطعام وخس اﻟ … جنينة، وفيها الرمان والتفاح والزيتون، والتين من البساتين، وخمر كنكمة٩١ اللذيذة التي تفوق الشهد حلاوةً، وفيها سمك «وز» الأحمر من قناة … وسمك «بتن» من بحيرة «نهر» …٩٢ وسيهور٩٣ تنتج الملح ويستخرج من بحيرة «هر» النترون، وسفنها تروح وتغدو إلى الميناء، وفيها المؤن والذخيرة كل يوم، وينشرح الإنسان بالمقام فيها، ولا أحد يقول لها: «ليت كذا!» والصغير فيها مثل العظيم.٩٤ تعالَ، ودعنا نحتفل بأعيادها السماوية٩٥ وأوائل فصولها السنوية.على أن مستنقعات «زوف» تنبت لها البردي، و«سيهور» تمدها باليراع، وغرائس العنب تأتي إليها من البساتين، وتيجان الأزهار من الكروم، وتجلب إليها الطيور من الماء البارد … والبحر فيه سمك بج، وسمك أُد، والمستنقعات تهدي إليها … وشباب «عظيمة الانتصارات»٩٦ يلبسون حلل العيد كل يوم، ورءوسهم (مضمخة) بزيت ذكي الرائحة في الشعر المرجل حديثًا، ويقفون بجوار أبوابهم وأيديهم مثقلة بالأزهار، والنبات الأخضر من بيت «حتحور»، وبالكتان من بحيرة «حر»، في اليوم الذي يدخل فيه رعمسيس، فهو «منتو»٩٧ في كلتا الأرضين صبيحة عيد كيهك. وعندئذٍ يدلي كل إنسان وزميله كذلك بملتمسه، ونسيم «عظيمة الانتصارات» حلو، وشرابها «تبي»٩٨ مثل (الفاكهة) «شاو»، وشرابها «خيو» طعمه كطعم الفاكهة «إنو»،٩٩ فهو يفوق الشهد حلاوةً، وجعة «كدي» (سيلسيا) (ترد) من الميناء، والنبيذ من الكروم.والروائح العطرة يُؤتَى بها من مياه «سجبين»، وتيجان الأزهار من اﻟ … جنينة.
أما مغنيات «عظيمة الانتصارات» ذوات الصوت العذب، فقد تعلمن الغناء في «منف».
اسكن (هناك) سعيدًا، وامش مرحًا، ولا تغادرها يا «وسرمارع» — المختار من «آمون» يا «منتو» — في الأرضين. يا رعمسيس — محبوب «آمون» — أنت أيها الإله!
وترى في هذه الرسالة حاكمًا يستنهض همة تابعه في أن يرسل إليه الجزية المفروضة، وأن يزيد فيها بما يبرهن على حذقه وكفايته وإخلاصه في عمله ولمليكه، ويحذره التقصير، وغضب الفرعون.
-
(٣٠)
«رسالة حاكم إلى تابع»:١٠٠ إن حامل المروحة اليمنى للملك، وضابط الرديف، وملاحظ الأراضي الأجنبية الإثيوبية «باسر»١٠١ يخاطب حامي قومه.١٠٢ هذا الخطاب قد أُرسِلَ إليك.وبعدُ، فعندما يصل إليك خطابي، يجب عليك أن تدفع الضريبة١٠٣ مع كل ما يتعلق بها من ماشية ومن عجول وثيران ذات قرون قصيرة، ومن غزلان وتيتل وأوعال ونعام، وإن قوارب حملها وسفن نقلها مستعدة في الحال (؟)، وبحارتها وملاحوها مجهَّزون للسفر. وتدفع ما عليك من ذهب كثير قد صيغ أطباقًا، وذهب صاف بالمكيال، وتبر حسن (؟) من الصحراء موضوع في حقيبة من الكتان الأحمر، وكذلك تدفع ما عليك من العاج والأبنوس وريش النعام وثمر النبق مثل … وخبز النبق وشكر كايا ومينخيس وبهلك وشسا١٠٤ التي تشبه جلد الفهد، ومن الصمع وحجر الدم وحجر اليشب الأحمر والجمشت والبلور، ومن قطط من «ميو» وقردة ونسانيس … وعدد عظيم من قبيلة «أُرمي»١٠٥ يمشون أمام الجزية وبعصيهم إبرز مطعمة بالذهب …١٠٦ ورجال طوال القامة من «تيرك» في … ملابس، ومراوحهم ذهبية لابسين ريشًا طويلًا، وأساورهم مشغولة بالنسيج (؟)، وعبيد كثيرون من كل الأنواع.زد جزيتك كل عام، وحاذر على رأسك، وتخلَّ عن الخمول … حافظ عليها والتفت، وكن على حذر! أذكر اليوم الذي تحضر فيه الجزية، حينما تمر أمام الفرعون تحت النافذة،١٠٧ والمستشارون مصطفون على الجانبين أمام جلالته، ورؤساء كل البلاد وسفراؤها يقفون هناك مُظهِرين دهشتهم وهم يشاهدون الجزية وأنت خائف … ويدك تفيض، ولا تعرف ما ينتظرك من الموت أو الحياة، ولديك القوة فقط لتدعو آلهتك: «نجُّوني»، «هبوا إلى النجاح هذه المرة وحسب!»
-
(٣١)
«استعداد لسياحة ملكية»:١٠٨ إن الكاتب «أمنموبي» يقول إلى الكاتب «بيبس» هذه الرسالة أُرسِلت إليك. أما بعدُ، اتخذ العدة لتقوم بكل الاستعدادات أمام فرعون ربك الطيب بنظام جميل ممتاز، ولا تُجلِبن اللوم لنفسك، فانظر إليها والتفت، وكن على حذر، ولا تكن متراخيًا.
قائمة بكل ما يجب أن تعده: استحضر ما يلزم لصنَّاع السلات من قصب وقش، وكذلك أنجز صنع عشر سلات مفرطحة للأكوام، ومئة سلة مستديرة للعرض، وخمسمائة سلة لمواد الأكل (؟).
قائمة بالأشياء التي تعمل لأجلها (السلات): أنواع مختلفة مشتملة في النهاية على ألف ومائتي رغيف آسيوي متنوعة، ثم كعك في سلات وأقداح، وعلى مائة سلة من اللحم المقدد، وعلى مائتين وخمسين حفنة من (الكرشة)، وستين كيلًا من اللبن، وتسعين كيلًا من الزبد، هذا إلى مائة كومة من الخضر، وخمسين إوزة، وسبعين كبشًا، وعناقيد من العنب، ورمان، وتين، وأزهار، وتيجان … إلخ، وخشب للوقود، وفحم.
تأمل! إني أكتب إليك لأعلمك قواعد إعداد المواني،١٠٩ وهي التي يجب أن تنفذها أمام الفرعون سيدك الطيب، وبهذا لا تنقصك نصائح تحتاج إليها، ولا تدعن نفسك في حاجة للفهم و… ولا تدعن نفسك في حاجة للنشاط في الاستعداد. (ثم تأتي بعد ذلك ملاحظة إضافية عن الشهد والكراث … إلخ.)وفي الرسالة الآتية قائمة بالمعدات التي يطيب لها قلب جلالة الفرعون، وتلزمه في رحلته، وقد نسب كل نوع إلى الجهة التي تشتهر به:
-
(٣٢)
«الاستعداد للملك»:١١٠ اتخذ العدة لعمل الاستعدادات أمام فرعون سيدك الطيب، بنظام حسن ممتاز بالخبز والجعة واللحم والفطير … وكذلك بالبخور وبالزيت العطر (هنا يتلو سبعة أنواع مختلفة من الزيت تحمل أسماء أجنبية من ممالك «أرسا» و«خاتي» و«سنجار» و«عامور» و«تخيس» و«النهرين»)، وكثير من زيوت الميناء لتدليك رَجَّالته وخَيَّالته، وبالثيران، والثيران القصيرة القرون الجيدة الخصاء من الغرب، وبالعجول السمينة من الجنوب، وكثير من الطيور السمينة من مستنقعات القصب (يتلو ذلك اثنا عشر نوعًا من السمك، مع ذكر أسماء الجهات التي نشأت فيها)، ثم سمان سمين، وحمام من فصل الحصاد،١١١ وزيادة على ذلك شهد وزيت للأكل، ودهن أوز وزبد ولبن وعدس … إلخ إلخ. وأوانٍ ملأى بشراب «بور» للخدم،١١٢ وجعة من «كدي»، ونبيذ من سوريا، وفول في كومات، وزجاجات (؟) وأقداح من فضة وذهب،١١٣ تُوضَع مصفوفة تحت نافذة القصر، وعبيد من أرض «كِرْكي» وشبان، الجماعة منهم تلو الأخرى؛ ليكونوا ساقين لجلالته، على أن يستحموا ويدلكوا ويكسوا ﺑ … حينما يمرون تحت النافذة، والرجل الذي يكون بينهم يخصص للمطبخ ويجهز جعة «كدي» للقصر … وعبيد كنعانيون من سوريا، وشبان حسان، وسود حسان من إثيوبيا يُخصَّصون لحمل المروحة، ويجب أن ينتعلوا بنعال بيضاء ويرتدوا (؟) ﺑ … وأساورهم في معاصمهم.
ثم يتلو ذلك كل أنواع الأثاث الذي يحتاج إليه الملك.
- أولًا: طيب من أرض «إمور» التي تصنع عصيها من خشب «مري» مطعَّمة بشغل أرض قليقيا (سليسيا).
- وثانيًا: عربات جميلة من خشب «يري» التي تلمع أكثر من اللازورد (وقد عدَّدَ من أجزائها أحد عشر جزءًا، وفي كل حالة تذكر المادة التي صنع منها هذا الجزء، والقطر الذي يجلب منه.) وزيادة على ذلك: أقواس وجعب السهام … وسيف وحربة ومدية وأسلحة حسنة لجلالته، وأسواط جميلة من خشب «ساجا» وسيورها من التيل الأحمر، وعصي طويلة لجلالته مزينة مقابضها بالذهب … إلخ إلخ. (كلها تحتوي على كلمات أجنبية وأسماء عدة بقدر المستطاع.)
وأكوام عدة من الدقيق، وأكوام من دقيق القمح والفول وتين سوريا والرمان والتفاح وأخيرًا الفحم … وأرغفة كبيرة حسنة الصنع مخصَّصة لطعام الأمراء، وأرغفة آسيوية منوَّعة مصنوعة من القمح لأجل طعام الجند، موضوعة أكوامًا تحت نافذة الجهة اليمنى، وسبائك عدة من نحاس غُفْل، وأباريق من … والتي تحضرها أطفال «أرسا» (قبرص) على رقابهم هدايا لجلالته، والقرون التي يمسكونها في أيديهم ملأى بزيت … وجياد جميلة رُبِّيَتْ في «سنجار»، وعجول من أحسن نوع من أرض «خاتي»، وأبقار من «أرسا» (قبرص) قد أحضرها أمراؤها الذين يقفون في انحناء تحت النافذة …
وتصف لنا هذه الرسالة عربة الحرب، وما يجب أن يُعَدَّ لها ويلزمها من الأدوات، ويلزم راكبيها من الطعام والمرافق.
-
(٣٣)
«إعداد عربة حرب»:١١٤ وبعدُ، التفت تمامًا لتعد زوج الخيل للذهاب إلى سوريا ومعهما رجال إصطبلهما وسائسوهما، وكسوتهما تكون … وأن يشبعا١١٥ بالعلف والتبن، وأن يُمسَحَا مرتين تمامًا، وحقائبهم (أي الرجال) ملأى بخبز «كلستس»، وكل حمار مفرد يحمل المؤن بين رجلين،١١٦ أما العربات فإنها من خشب «بري» ومفعمة بالأسلحة، وعلى أن يكون في جعبة السهام ثمانون سهمًا، ويوجد اﻟ … الحربة والسيف والمدية … والسوط المصنوع من خشب «ساجا» فيكون مجهَّزًا تمامًا بالسيور (؟)، وكذلك عصي العربة وهراوة الحارس، وحربة أرض «الخاتي» اﻟ … أسنانها١١٧ من برنز من سبيكة مركَّبة من ستة معادن منقوشة … ودروعهم موضوعة بجانبهم، والأقواس …
تهانٍ للمعلمين والرؤساء
-
(٣٤)
«إلى المدرس»:١١٨ لقد ربَّيتني صغيرًا حينما كنتُ معك، وقد ضربت ظهري؛ ولذلك دخل تعليمك أذني، وإني كالجواد الشارد، فلا يأتي النوم نهارًا إلى قلبي، ولا يأخذني ليلًا؛ لأني أريد أن أكون مفيدًا لسيدي، كالخادم النافع لصاحبه.وإني أحب أن أقيم لك قصرًا جديدًا على أرض مدينتك، مغروسًا بالأشجار على كل جانب من جوانبه، والحظائر الداخلية تزخر بالماشية، ومخازنه مفعمة بالشعير والقمح، وتكون الغلة فيها و… الفول والعدس … الكتان والخضر … و«تفاح الحب»١١٩ الذي يكال بالسلات.
وقطيعك تضاعَفَ ظهورها (عددها)، وأبقارك للولادة ملقحة، وسأزرع لك خمسة أفدنة حديقة خضراء في جنوبي مدينتك مملوءة بالخيار و… كثير في عدده كالرمال، وسأجعل السفن تأتي لتنزلها على ظهورها، وبذلك يمكنك أن تعرف ماذا تقدمه إلى «بتاح نفر حر» حتى ينجز لك رغبتك.
وفي هذه الرسالة اعتراف بمنزلة المدرس وتقدير له يظهران من هذه الآمال التي يرجوها الكاتب له، ويدعو الله أن يحقِّقها بما يكفل للمدرس حياة طيبة سعيدة، وظهور هذه العاطفة في مثل هذا العصر القديم يدل على ما لأصحابها من عقل سليم، واعتداد بالثقافة.
-
(٣٥)
«إلى المدرس»:١٢٠ ليت آمون يمنحك السرور في قلبك، وليته يهبك عمرًا طويلًا حسنًا حتى تعيش عيشة سعيدة، وحتى تبلغ العلا، وتكون شفتك في صحة، وأعضاؤك نامية، وعينك تبصر على بُعْدٍ.وترتدي التيل الجميل، وتركب الجياد١٢١ (التي في العربة)، وبيدك سوط ذهبي، ويكون لك … جديد، والسرج من صنع سوريا، والعبيد تجري أمامك، وتنفذ كل ما تريد أن تفعله، وتنزل في سفينتك المصنوعة من خشب الأرز، والمجهزة بالمجاديف من المقدمة إلى المؤخرة، وتصل إلى قصرك الجميل الذي قد بنيته لنفسك.
وفمك مفعم بالنبيذ والجعة والخبز واللحم والفطير، وتذبح الثيران، وتفتح أواني الخمر، وأمامك الغناء الحسن.
ورئيس المدلكين يدلكك بعطر (كمي)، ومدير بركك يحمل تيجان الأزهار، ورئيس فلَّاحِيكَ يحضر الطيور، وسمَّاكك يقدِّم السمك.
وسفينتك تأتي من سوريا محمَّلَة بكل ما طاب، وحظيرتك ملأى بالعجول، وقطيعك (؟) يتكاثر وتخلَّد، أما عدوك فيفنى، ويهلك كلُّ مَن يسيء إليك بكلام، وتدخل أمام تاسوع الآلهة، وتخرج ظافرًا١٢٢ مُبَرَّأً.ولقد حظي الموظف أيضًا بشيء من التقدير يقارب إلى حدٍّ ما ما ورد في الرسالة السابقة عن المدرس.
-
(٣٦)
«إلى الموظف»:١٢٣ إنك تعيش وتفلح وتصح، إنك لست تعسًا ولا تعاني أي بؤس … أنت تخلد كالساعات،١٢٤ وتبقى نصيحتك مدى عمرك، وكلامك ممتاز، وعينك ترى كل جميل، وأنت تسمع كل لذيذ … أنت الراعي وهبه الإله، وتهتم بالكثيرين فتمد يدك للبائسين، وترفع مَن هوى.
وإنك تُخلَّد، أما عدوك فقد فني، ولقد هلك مَن أساء إليك.
إنك تدخل أمام تاسوع الآلهة وتخرج مظفرًا.
والرسالة الآتية أمانٍ يرجوها أصحابها للمدرس، ودعوات له بالصحة والنضارة:
-
(٣٧)
«للمدرس»:١٢٥ سيدي الطيب، إنك ستبقى، وسيكون لديك طعام كل يوم بجانبك، وستكون فرحًا سعيدًا كل يوم، وممدوحًا مرات يخطئها العدُّ.
والفرح والسرور يضمان نفسيهما إليك، وأعضاؤك تنمُّ عن الصحة.
وكل يوم تزداد شبابًا، ولا شيء مضر يتسلَّط عليك.
وسيأتي عام فيه يذكر الإنسان جمالك، ولن يوجد مثيلك، عيناك برَّاقتان كل يوم، وأذنك مرهفة (؟)، ولديك سنين عدة جميلة، وشهورك (تمضيها) في فلاح، وأيامك في حياة، وساعاتك في صحة، إلهتك مرتاحة إليك مسرورة بكلماتك، أنت تقصي عنك الغرب الجميل،١٢٦ ولن تصبح مسنًّا، ولن تكون مريضًا، وستعمر مائة سنة بعد العاشرة على الأرض، وأعضاؤك قوية كحال مَن يثني عليه مثلك، عندما يكافئه إلهه.
- (1) Schubart, “Einfuhrung in die Papyruskunde”, P. 36 ff.
- (2) Lucas, “Ancient Egyptian Materials & Industries”.