الأصيل
الشمس ترتدي عند الأصيل حُلة العصر الذهبية وهي راضية عما منحتهُ للعالم.
***
١
– تشرب شمَّة بيضاء مثل زوجتي.
– عرفتُ قبل ما يُخبِّرني أخوكِ.
خلعت رجلها الصناعي فحملها وذهب بها إلى الفراش، وانطفأ نور المدينة. استيقظ صباحًا وتفاجأ بالمساحيق مبعثرة على وجهيهما، وشعرها مصبوغ بالحناء. بلع الخديعة، لكن زُربة أظهر لها الحب. شعر أنه يقدم خدمة إنسانية لأحد ضحايا الحرب، كما أنه لم يدفع سوى القليل مقابل هذا الزواج.
٢
– يا صفية تِشتي زوجك يمشي في الحرام؟
قالت صفية وهي تبكي: أولادك كبروا والأسعار ترتفع، المدرسة تريد فلوس … ابنك نجيب وعبده يشتوا زواجة. جالس أحمل الهم وحدي وأنت وراء النسوان، نسيت أولادك، ونِحن نخرج من حرب وندخل حرب ثانية.
تناول زُربة قطعة حلاوة فشعر بألم في أسنانه، أخذ يزردها كالثعبان ثم تناول قرصين «ساريدون». في اليوم الثاني صباحًا أقبل المداح يتوكأ على عصاه وفمه نصف خاوٍ من الأسنان. سأل زُربة عن ابنه أحمد وهل أرسل له مالًا؟ عاد المداح يحمل حزمة من القات لا غير. في اليوم الثاني ذهب زُربة لشراء القات من سوق نجاد واشترى علبة ساريدون من دكان محمود ابن المُلوق. أخبره محمود أن أباه اشترى في قريتهم خمسة حقول من ابن عثمان سالم التي تقع بجوار أرض زُربة وقال: يا زُربة، أصبحنا جيران في الحقول. إذا أنت تريد تبيع، نِحن جاهزون. انتبهْ تبيع لغيرنا.
لم يحضر أهل القرية لزيارته كالعادة، فذهب هو لزيارتهم ولم يجد في القرية إلا العجزة وأحفاد المرحوم صالح عاقل القرية، الذي لم يحل محله أحد منذ وفاته. وجد سالم الحطاب يحلب بقرته ليرسل الحقين والسمن لابنه في صنعاء. زار ناجي المُقشش فشكا له ضعف بصره وأحفاده يلعبون من حوله. كانت العجوز شريفة زوجة عبد الرقيب على سطح دارها، تعيش وحيدة في الدار وقد بلغت التسعين من العمر لكنها لم تفارق دارها، مُعرضة عن العيش في بيت أولادها في المدينة أو مع بناتها وأزواجهن في قرى بعيدة.
أثناء عودة زُربة إلى مدينة حرض، مر على مدينة تعز، وجد ابنه عبده في شارع عُصيفرة وقد أكمل دراسته الجامعية، كان بصحبة بعض شباب القرية الذين يدرسون في الجامعة، ويعملون حمَّالين في فترة بعد الظهر. جلس مع ابنه يمضغ القات في الرصيف بجانب الكثير من العُمال، يتكئون على الطوب ويسندون ظهورهم على الجدران.
مرض زُربة بالحمى، فأخذه صديقه أحمد إلى عيادة قريبة، وجدوه مصابًا بحمى الضنك ثم أسعفه إلى مدينة الحديدة. داهمته غيبوبة الحمى فشعر زُربة بدنو أجله، حينها فكر بأطفاله والعودة إلى القرية، بعد أن غاب عنهم ستة أشهر. عاد أحمد المداح إلى مدينة حرض، وهو يحمل معه ورقة طلاق حفصة، فبكت على مصابها، ودخلت في حداد على حظها العاثر، فهي لم تعش من حياتها سوى عشرة أشهر التي قضتها مع زُربة.
٣
– وادي الأثاور.
– خلاص انتهى الوادي. ما عاد بُه لا موز، ولا نخل ولا برتقال ولا كرث … كله راح يا زُربة، غرسوا بَدالُه قات جعشني، حتى الماء ماعد فيش في الوادي يشترونه من بئر بعيد في سبت الصبيحة. تَذْكُر يا زُربة لمَّا كنا نسبح في غيل الوادي، حتى أرض قريتنا نصفها صارت خراب، أرض عمك قاسم، وغالب الهندي وإخوته، وعبد القوي، وعثمان سالم، وعبده غالب … وباع الكثير أرضهم. أرضنا انتهت يا زُربة، والأراضي حول الوديان زرعوها قات وحفروا آبار، ما عاد بقي ماء نشرب عاد نِحن شنهجر القرية مثل قرية ذارع.
– وأنت ضروسك استوت مع اللثة. قريب شَتكون مثلي.
حضر زُربة وفاة عبد الرقيب؛ نتيجة لسقوطه من سطح بيته بعد ضعف بصره. تلقت أسرته العزاء فوق قبره وتم قراءة القرآن له في المسجد. قال الوطواط: ابن عبد الرقيب مطوع، لا ذبح ولا عمل مولد لوالده. مِن لمَّا هدموا ضريح الولي عبد الله قبل عشرة سنين، ما عاد يعملوا موالد ولا عزاء مثل زمان.
ذهب زُربة إلى سوق قرية نجاد، قابل في الطريق ثلاث فتيات محجَّبات من قريته يرتدين البالطو الأسود، لم يعرفهن وهن عائدات من السوق، يحملن أسطوانات الغاز على رءوسهن. شاهد المهندس خالد سالم الحطاب يبحث عن القات الجيد فلم يجد رغبته، فقرر الذهاب إلى وادي الأثاور بسيارته؛ لشراء القات واصطحب زُربة معه عبر الطريق التي شُقَّت وسط قرية القرن تبعد ثلاثين كيلو متر عبر طريق وعر. شاهد مساجد خلال الطريق في قُرى عدة. وصل الوادي فأخذه الحزن حين لم يرَ الفاكهة، والخضراوات، والنخيل … لكن حزنه انقلب فرحًا حين شاهد شجيرات القات، فاشترى خمس حُزم قات وهو يقول: قات بلدي لي ولولدي. شاهد فوق السوق مدرسة صغيرة تقع على التل، وكان هناك عددٌ من الفتيات الصغيراتِ المُحجَّبات والطلاب يخرجون منها. قيل له إنها مدرسة تحفيظ القرآن. استغرب من هذا التحول، فهو يعرف أن هذه المنطقة اختارت المرشح الاشتراكي عضوًا لمجلس النواب.
٤
بقي زُربة في القرية شهرين دون عمل حتى جاءه المقاول نعمان دحَّان من قرية الأثاور، وفاجأه بخبر حصوله على عطاء لبناء مدرستين لتحفيظ قرآن للفتيات في قرية القرن وقرية الدُّقم القريبة منهم، وأوكله في بناء المدرسة التي في قريته، وحدَّثَه عن قيامه ببناء العديد من مدارس تحفيظ القرآن في مناطق عدة: تعز، أبين، لحج … قال زُربة: سبحان الله مُقسِّم الأرزاق. كان حظِّي بناء المساجد في المنطقة، وحَظك أنت مدارس تحفيظ القرآن.
بلغ زُربة الخمسين من العمر، وقد فقد متعته التي يحبها وهي الحلاوة. لم يعد يجد أقراص الساريدون متوفرًا، فراح يخفف ألمه بأقراص بروفين بكميات كبيرة. حين سافر إلى تعز ساعد ناجي المُقشش في حمل زوجته جليلة إلى طريق السيارات؛ لعلاجها من مرض سرطان الثدي، بعد مضي خمس سنوات على وفاة ابنتها الأولى بنفس المرض.
تغيرت الأحوال وأصبح تُجار تعز يشترون البضائع من صنعاء وريدة، بدلا من المخا والحديدة. وجد زُربة سائق الناقلة عبد الملك في شارع عصيفرة متوجهًا إلى صنعاء؛ لنقل بضاعة إلى تعز فاصطحبه معه؛ ليسليه بحكاياته في الطريق. اشترى عبد الملك قات صُهباني من مدينة القاعدة. تفاجأ زُربة وهو يشاهد مزارع القات على جانبي الطريق التي حلَّت محل الذرة والدخن. مضغ القات ثم راح يسرد حكاية من حكايات عمه قاسم، حين تمثَّل جنيًّا في الليل لأهل قرية الشَّرف، بعد أن دخل خلسة بيتًا حديث البناء لم يسكنه أحد، وأخذ يرميهم بالجمر والرماد، فاعتقد أهل القرية أن الجن سكنوا البيت قبل دخول مالكها عبد الرحيم. خرج قاسم خلسة وبعض أهالي القرية جالسون حول الدار يقرءون القرآن، أحدهم نصح عبد الرحيم أن يُقيم مولدًا لابن علوان؛ فبيته فوق ضاحة الجن. لامه بعضهم على عدم ذبح أضحية عند تأسيس البيت. في اليوم الثاني ذبح عبد الرحيم ثورًا وعمل مولدًا لمدة ثلاثة أيام في البيت لطرد الجن.
وصل السائق جبل سُمارة ونزل يشتري قات مريسي، ولمَّا وصلا إلى بيت الكوماني توقف في السوق، واشترى ثلاث حُزم كبيرة من القات العنسي هدية لأصحابهما في صنعاء. وصلت الناقلة إلى مشارف صنعاء وزُربة يشاهد القات على شمال ويمين الطريق، وهو مغطًّى بشباك لحمايته من الصقيع. قال: يا عبد الملك، بلادنا أرض الجنتين من صَدق، القات على يميني وشمالي، أحمد الله أنه خلقني في اليمن.
– لو تشوف منطقة أرحب، شِيعجبك أكثر. قلعوا العنب وزرعوا قات؛ لكن قات مليح!
كان ذلك الرجل أحد أصدقائه القدامى، نسي زُربة اسمه الحقيقي؛ فزوجته تناديه بزُربة وكذلك أولاده دلالًا فيه. في صباح اليوم التالي أخذ السائق حمولته، وتوجها إلى الحديدة وهما في منطقة مناخة اشتريا قاتًا حرازيًّا، الذي بدأت هذه المنطقة تتخلَّص من زراعته تحت تشجيع منظمات دولية لاستبداله بزراعة البن. وصلَا باب الناقة قرب مدينة باجل والصمت يسود بينهما ثم بدأ السواق يبكي. سأله زُربة: ليش تبكي يا عبد الملك؟!
– ذكرتُ أبي، الله يرحمه.
مسح السائق عينه وأخذ القات ليرمي به، فهتف زُربة: لا، لا أعطيني القات أنا شَنتقم لك منه. قدُه مثل القات السامعي بكَّاني مرة في عدن.
٥
ذهب السائق للسباحة وجلس زُربة يمضغ القات على الشاطئ، ويشاهد النساء وهن يسبحن بثيابهن، يضحك حين يقلبهن الموج على ظهورهن. كان يغض بصره أحيانًا وهو يشاهد ثيابهن تلتصق بأجسادهن. كان هناك رجل يُعلِّم امرأة سمينة السباحة وهي تطفو على ظهرها. بقيَت تطفو مطمئنة وابتعد الرجل عنها، لمَّا عرفت أنه لم يَعُدْ بجانبها أخذت تتخبَّط مثل سمكة خارج الماء وتسعل بشدة، كشف الموج جسدها الناصع البياض، وشعرها الناعم الطويل يطفو على الماء. شد ذلك المنظر زُربة فرأى نفسه يقفز إلى البحر ويسير فوق الماء وانتشلها بين يديه. نظر يمنة ويسرة، فلم يرَ بشرًا. وهو واقف فوق الماء يُحدِّق في جمال المرأة فرأى نفسه يغرق معها في البحر، وهي بين يديه، ثم تحول الاثنان فجأة إلى سمكتين وراح يحضنها بزعانفه ويقبلها، وكانت الأسماك تطوف حولهما. سمع سمكة كبيرة كانت تنظر إليهما: أيهما أفضل البحر أم اليابسة؟ فصحا من خياله، وشاهد الرجل يسحب المرأة إلى الشاطئ، وراحت هي تصلح غطاء رأسها وتلملم شعرها. تحسس زُربة سرواله الداخلي فوجده مبللًا بماء اللذة.
خرج السائق عبد الملك من البحر، اتجه مستعجلًا بعد صلاة العصر إلى السيارة، وتحرَّكا بالبضاعة نحو تعز. جهز السائق مبلغًا من المال في جيبه. وقف عند أول نقطة تفتيش فدسَّ في جيب أحدهم مبلغًا قليلًا من المال، وهو يقول لزربة إنها إكرامية لا غير. كان زُربة يعدُّ نقاط التفتيش عبر الطريق فوجدها عشرين نقطة إلى أن وصلا مدينة تعز، ولكل نقطة كان لها نصيبها من المال. وصلا الساعة السابعة مساءً إلى مخازن التاجر عبده المقش. أشاد السائق بزُربة عند التاجر، فحصل زُربة على إكرامية، وكان أول مرة يحصل على اكرامية كبيرة دون أن يقدم شيئًا، وذهب يشتري حُزمتَيْ قات صعفاني لسمرة المساء، ثم مضى إلى بيت عمه في المسبح ثابت عمر وأصلح ما بينهما من خلاف على التركة. مضى عنده ثلاثة أيام كان يشتري أفضل أنواع القات.
٦
بحث السائق عبد الملك عن زُربة، فوجده صباح اليوم الثالث وقال: مبروك وضَّفتك عند المقش معاون معي، قاتك، طعامك، وإكرامية آخر الأسبوع. اليوم شَنسافر مدينة المخا لنقل بضاعة. اشتري لك قات، بعد ساعة سننطلق.
عادا إلى تعز بحمولتهما الكبيرة. كانت هناك نقطتان عسكريتان، سألوا السائق عن التصريح، فأخرج لهم ورقة تفيد أن البضاعة تخص المقش. حين وصلا طرف مدينة تعز جهَّز السائق الإكرامية قبل أن يصل أول نقطة تفتيش. سأل زُربة: ليش ما أعطيت إكرامية للجنود في خط المخا؟
– اسكت واتفرج بلاش، تحصل على معاش، بُكرة تعرف كيف يذبحوا الكباش.
بعد أسبوع تحركا عند الغروب إلى منطقة ذُباب، وأخبره السائق أن المقش هذه المرة سيُجزل له الإكرامية، لكن زُربة لم يكن مطمئنًا من سفرهما ليلًا وعودتهم في نفس الليلة. وصلا إلى قرية صغيرة قريبة من ساحل البحر فيها مخزن كبير. أقبل عدة عمال مستعجلين يحمِّلون الناقلة بكراتين صغيرة، وكان أحدهم يحذرهم: انتبهوا الحمولة فيها كَسْر …
– يا رجُل لي ثلاث سنوات أعمل مع المقش ما حدث شَيْ.
– يا زُربة، ما تخفش، المقش مُنسِّق مع العسكر.
تحركت الناقلة الساعة الثالثة صباحًا مُحمَّلةً بصناديق الخمر، رافقهما رجُلان يحملان سلاحَ كلاشنكوف. وصلت الناقلة إلى الطريق العام، فانطلقَت مسرعةً إلى أن وصلوا نقطة تفتيش. سأل السائق عن الضابط عَبد الحاكم، قيل له قد عيَّنوا ضابطًا آخر بدلًا عنه. أخرج السائق مبلغًا كبيرًا من المال ودسَّه في جيب الضابط الجديد، لكن الأخير أصرَّ أن يعرف ما تحمله الناقلة، حاول السائق زيادة المبلغ، فقال الضابط بغضب: وقِّف الشاحنة على جَنْب للتفتيش.
تقدَّم السائق بالناقلة للأمام وانطلق مسرعًا في الطريق. أسرع الطقم العسكري خلفهم وهو يطلق الرصاص تحذيرًا، فأسرع السائق أكثر. استمر الجنود بملاحقتهم وهم يرشقون الرصاص في اتجاه الناقلة. أخرج السائق مسدسًا من تحت الكرسي وأعطاه لزُربة، وقال له: لو اقتربوا مننا أطلق النار عليهم.
رفض زُربة أن يأخذ المسدس، فهتف السائق: خُذ يا بطل، لا تخف، انظر إلى الخلف وأطلق النار، هيا هدِّدهم. نحن نعرف أنك شجاع وقوي.
٧
ذهب زُربة إلى الصيدلية واشترى باكت بروفين ٤٠٠ مليجرام، يحتوي على مائة قرص صناعة هندية. رأى الحلاوة في السوق فشعر بالأسف من عدم قدرته على أكلها، ثم توجَّه نحو سوق القات واشترى القات الصبري من المقوِّت خِرباش من قرية نجاد، فقد بنى زُربة له فيما مضى بيتًا في القرية، وبيتًا آخر من ثلاث طوابق في شارع المسبح في تعز. كان خِرباش يمضغ القات في الخدين وتحت شفتيه، يأكل وجبة واحدة في اليوم، يشرب الماء عبر قصبة صغيرة تدفعه إلى حلقه مباشرة، والنارجيلة لا تفارق فمه. يتحدث بصعوبة أثناء المضغ وأغلب حديثه بالإشارة. ينام ثلاث ساعات في اليوم وهناك من يفوقه إدمانًا على القات حيث يستمر في مضغ القات لمدة ثلاثة أيام، إلى أن يغلبه النوم فيرقد لمدة يومين متتاليين. سافر زربة إلى قريته في نفس اليوم، في الطريق كان يتذكَّر تبادلَ إطلاق النار. حين مر فوق بيت المداح ونادى: وا مداح بيتك على شارع، افتح لك دكان.
– وا زُربة أين حقِّي القات والحلاوة.
– خلاص يا مداح، انتهى عهد الحلاوة. تعال خُذ زُربة قات.
وصل زُربة بالسيارة إلى قرب بيته، رآه أطفاله فأسرعوا إليه، احتضنهم بحنان ولم يذكر متى فعل هذا من قبل. استقبلتْه صفية عند الباب، سلَّم عليها وأخذها إلى الفراش وكان لقاء غير عادي، ثم اغتسل وتناول طعامه وجلسا يمضغان القات معًا، وأخبرها بقصته مع المقش. كانت صفية مندهشةً لما يقوله. قالت: آه، يا زُربة، شَتبيع نفسك بزُربة قات. الله يجعل فمك أدرد، معك عشرة أولاد، أهل القرية سافروا يعيشوا في المدينة ونِحن هِنا، جالس أربِّي الغنم والدجاج وأنت تأكلهن. زوَّجت بنتك نَصرة بقيمة القات واللحم.
عرفت نساءُ القرية من صفية ما جرى لزُربة، فوجد الوطواط حكاية يتسلَّى بها على الرغم من بلوغه الخامسة والستين من العمر. ذهب إلى السوق يقول: الناس يُهرِّبوا ذهب، سلاح، سيارات … وزُربة يُهرِّب خمر، عَادُه يؤم الناس في الصلاة، هذا غير معقول، آخر عمره يُهرِّب خمر!
لم يُصدِّق أهل القرية أن زُربة كان مخدوعًا، وأن القات واللحم كان هو الطُّعم الذي اصطيد به. لم يغضب زُربة من زوجته بإفشاء السر لكنه عاقبها بطريقة أخرى. كانت زوجته تملك تيسًا صغيرًا بين أغنامها، قذف رِجل التيس بحجر ولم يعد التيس قادرًا على المشي، وجاء به إلى صفية يحمله بين يديه وهو ينظر إليه نظرة ذئب وذبحه.
٨
مد زُربة رجله اليمنى على الرصيف ثم قذف بعقب السيجارة وقال: سمعتُ أنه بنى مسجدًا في قريته بعد الذي بناه في تعز.
– نعم، يا زُربة هو يعمل الخير. يقف الفقراء طوابير أمام متجره في شهر رمضان.
– لكن هذه فلوس حرام!
حصل زُربة على عمل في تعز وبقي هناك، لا يحلو له الغداء إلا والقات الصبري في جيبه. ذاك القات كان المصدر الوحيد للمدينة في السبعينيات من القرن الماضي، تبيعه نساء بجانب الرجال. كان زُربة في شبابه يشتري القات من فتاة صبرية اسمها نسيم، في سوق باب موسى، ذلك الباب يُذكِّره بما درسه عن دولة بني رسول، التي استمرَّت تحكم اليمن مائتين وخمسين عامًا، وكان نظامها الإداري متميزًا في ذلك الزمان على من حولها من الدول وتقدَّمت اليمن في علوم شتى.
لم تكن أقراص البروفين تهدئ وجع الأسنان فحسب؛ بل تزيد مفعول القات، وتُزيل الفتور الذي أصاب ساعديه مؤخَّرًا، فقد شعر بالحسرة وهو يحاول حمل فاطمة زوجة المرحوم عاقل القرية، حين أخذوها إلى تعز لمعالجته من ورم خبيث في الرحم. سأل الطبيب عن مسبِّبات هذا المرض، فأخبره الطبيب أن أحد أسبابه هو مضغ القات، نتيجة لرشه بمواد كيماوية، وكذلك الشمة … بعد أن استمع زُربة إلى تحذيرات الطبيب، خرج مباشرة إلى سوق القات واشترى ثلاث حُزم قات، وكيسين شمة. وضع قليلًا منها تحت شفته العليا وراح يمضغ القات على رصيف شارع عُصيفرة. فرش تحته كرتونًا صغيرًا واتكأ على حَجرة لمضغ القات، بجواره شابٌّ أمامه علبة مشروب «شَارْك» المقوي للطاقة، مزج معه قُرص بروفين، وبارامول، وفاليوم. ابتلع زُربة ثلاثة أقراص بروفين معًا. تفاجأ الشاب وقال: يا عم، ما توجعكش معدتك؟
– أنا معدتي حديد، أبلع عشرة أقراص في اليوم.
– لكن هذا خطر عليك!
– ضروسي توجعني، أطباء الأسنان طمَّاعين. مَقْدرش أتعالج عندهم.
سمع زُربة صوت أذان العصر، فأخرج النُّثارة الخضراء من فمه، ووضعها في كيس بلاستيك صغير وربطها جيدًا؛ لمضغها مرة أخرى بعد عودته من الصلاة، كغيره من متعاطي القات حين يذهبون إلى الصلاة أو العشاء. في المساء ذهب إلى بيت حسن مُقبل الدسم مع سمير ناجي المُقشش ونادر عبد القوي، يشاهدون قناة الجزيرة وهي تبثُّ المظاهرة العظيمة الضخمة مباشرة من ميدان التحرير لمدينة القاهرة، تطالب برحيل نظام حسني مبارك. كان زُربة يستمع إلى الحديث الذي يدور بين الشابين. صاح سمير بحماس وهو يرفع يده عاليًا: تسقط الأنظمة الدكتاتورية العميلة. هذه ثورة الشعوب ضد العسكر.
قال نادر: تعتقد سيسقط نظام مبارك؟
– نعم، مثل ما سقط نظام بن علي في تونس. سيسقط العملاء، يريدون أن يورِّثوا الحكم لأبنائهم مثل الملوك.
– يا أخي، النظام في مصر معه علاقات مع إسرائيل، ولن يسمح الغرب بسقوطه.
– لا، يا نادر، هذه ثورات وطنية ضد العملاء.
– يمكن يكون الغرب يريد وجوهًا جديدة في الوطن العربي، بدلًا عن التي شارفت على انتهاء صلاحيتها.
ضحك زُربة وقال: والله يا نادر إن عقلك نادر، أعجبني كلامك.
كان زُربة كغيره يتابع الأحداث السياسية في الوطن العربي، وما يدور في بلادنا، فقد صرَّح المتحدث باسم اللقاء المُشترك بالنزول إلى الشارع لفرض مطالبهم.
٩
في الحادي عشر من فبراير (٢٠١١م) ذهب عددٌ من الشباب ينصبون خيامًا في منطقة الروضة شارع الهُريش بجوار الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، تحت عيون النظام وأسموها ساحة الحُرية. كان زُربة يمر كل مساء ويشاهد تدفق الشباب إلى ساحة الاعتصام. كان زُربة غيرَ مصدق أن نظام الدولة سيسمح باستمرار تلك الحشود التي تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية، لكن تدفق الشباب وغيرهم من الرجال والنساء إلى الساحة أخذ في التزايد، كذلك خيَّم المعتصمون في صنعاء أمام بوابة جامعة صنعاء الجديدة الشارع الدائري، وفي المقابل خيَّم مناصرو النظام في ميدان التحرير في صنعاء. كان زُربة يذهب إلى ساحة لمضغ القات، يشاهدهم وهم يُشكِّلون فرق تنظيم وفرق حراسة للساحة، ويوسِّعون المنصة التي من خلالها يلقون الخُطب ويبثُّون الموسيقى الحماسية ويهتفون «ارحل، ارحل». ضحك زُربة ذات يوم وقال لشاب كان يهتف بجواره: مَن يرحل؟
– الرئيس.
– إلى أين؟
– من فوق الكرسي.
قال زُربة بصوت مرتفع، والهتافات تعلو: مَن شَيجلس بِدَلُه، واحد من الشباب وإلا الكبار؟
– أي واحد يا عم، المُهم يَرحل عن الحُكم. له ثلاث وثلاثين سنة، ويشتي يورث ابنه الحُكم بعده.
ذات مساء سَمِع زُربة الحشود تهتف «الشعب يريد إسقاط النظام»، فدارت في رأسه عدة تساؤلات: «هل أصبح نظام الرئيس علي عبد الله صالح ديمقراطيًّا إلى هذه الدرجة، وهو الذي تخلَّص من معارضيه منذ أن تربَّع عرش السلطة. نظام كهذا من يقدر أن يسقطه؟» كان يتوقَّع أن تنزل الدبابات إلى جميع الساحات التي تشكَّلت في عدة مدن يمنية تطالب بإسقاط النظام. أكبرها ساحة التغيير في صنعاء. شاهد الحشود الهائلة تتزايد، والساحة تتوسع والخيام تزداد يومًا بعد يوم حتى امتدت إلى ميدان التحرير وشارع عُصيفرة. كثرت المنتديات الثقافية في ساحة الحرية، التي تُلقى فيها المحاضرات من قِبل: الصحافيين، المثقفين، السياسيين، المعارضين والمنشقين عن النظام، يُدلُون بآرائهم دون خوف من النظام، ذلك الخوف الذي لم يعد له وجود في الإنسان اليمني. وقتذاك صدَّق زُربة أن هناك ثورةً شعبيةً عارمةً فتأكَّد أن النظام سيسقط وسيجبره الجيش على ذلك وسيستبدله برجل آخر منهم، لكن النظام لم يسقط؛ بل انشق على نفسه وأعلن قائد الفرقة الأولى مدرع في ٢١ مارس انضمامه إلى ثورة الشباب السلمية، ولأول مرة يعلم الكثير من الناس أن العاصمة كانت مشطورة إلى نصفين، الفاصل بينهما شارع الزبيري وأن هناك جيشَيْ ولاء كُلًّا منهما لقائده، ومناصرو النظام أخذوا أيضًا في التزايد، يصلُّون صلاة الجمعة في ميدان السبعين ويُلقون خُطبهم، بينما المعتصمون يُصلُّون صلاة الجمعة في شارع الستين الغربي.
أدهشت زُربةَ تلك الحشودُ التي كانت تتدفَّق من القرى إلى ساحة الحرية مكونةً مسيراتٍ هائلة، نساء، رجالًا، وأطفالًا تجوب شوارع المدينة، تجتاح جنودَ مكافحة الشغب المزودة بخراطيم المياه الحارة والقنابل المُسيلة للدموع. لم يعد يخيف المتظاهرين دوي الطلقات النارية لأطقم العسكر، وهي تتقدم للأمام كسيل جارف. ساهم زُربة في نقل المصابين مع فرق الإنقاذ إلى المعهد المهني الذي تحوَّل إلى مستشفى ميداني وكذلك مستشفى الصفوة والروضة اللذان تكفَّلا بعلاج المُصابين.
كان زُربة يتردَّد أحيانًا على بيت عمه ثابت عمر، الذي كان في هذه الفترة مؤيدًا للثورة على الرغم من بلوغه الخامسة والثمانين من العمر، يُذكِّرُ زُربة بشبابه ويفتخر بمشاركته في حرب التحرير من الاحتلال البريطاني في عدن، وكانت عمته سعادة تحضر للجلوس مع زُربة، فقد كانت تود فيما مضى أن تزوِّجه ابنتها جميلة. كانت أثناء انفرادها به تشكو له ضيق الحالة المادية؛ حتى إنهم أحيانًا لا يجدون قيمة وايت الماء، فمشروع المياه لا يضخ الماء للمدينة إلا مرة كل أربعين يومًا منذ عشرين عامًا، ويكون ذلك اليوم عيدًا للمدينة، فكان زربة يساعدهم، كلما سنحت له الفرصة.
ازداد الغضب الشعبي بعد جمعة الكرامة ١٨ مارس، يوم أن سقط خمسون قتيلًا بعد صلاة الجمعة في ساحة التغيير بصنعاء، كانوا يقاومون الرصاص بالحجارة. كانت البهجة فيه لا حدود لها وهو يستمع إلى استقالات قيادات مدنية وعسكرية من صفوف النظام.
١٠
خرج زُربة مع بعض المسيرات وهي تجوب شوارع المدينة. وجد هذه المسيرات تشابه المسيرة الكبيرة التي شارك فيها وهو فتًى عام (١٩٦٨م) بعد الانقلاب على رئيس الجمهورية عبد الله السلال، وتولي القاضي عبد الرحمن الأرياني بعده رئاسة اليمن، والتي راح ضحيتها بعض المتظاهرين أمام عينيه. حماس الشباب وثقتهم بنجاح ثورتهم عزَّز الثقة في نفسه وهم يتغنون بالأناشيد الثورية التي تهز عرش الحاكم، أثناء المسيرات وحول منصة ساحة الحرية.
تفاجأ ذات يوم بصديقه القديم محمد مُدهش يعتلي منصة الساحة، كغيره من خُطباء المساجد وأخذ يخطب خطبة حماسية، والحشود تتزاحم حول المنصة تهتف له وتُصفق. حاول زُربة أن يقترب من المنصة، لكنه لم يستطع. رفع عمامته يلوِّح بها ليلفت انتباه مُدهش إليه، لكن الهتافات وحماس الشباب حال دون ذلك. أنهى محمد مُدهش خطبته، فشق زُربة الزحام بقوة إلى أن وصل إليه بعد نزوله من المنصة، فمنعه الحرس من الاقتراب منه، فهتف: مُدهش، مُدهش … أنا زُربة.
التقت نظراتهما، لكن محمد مُدهش مر من أمامه كأنه لا يعرفه. ضحك زُربة وقال في نفسه «لا يريد أن يذكر ماضيه». ذات مساء دخل زُربة منتدى الثورة المقام في أحد الخيام الكبيرة. وهو يمضغ القات استمع إلى جدال حول انضمام قائد الفرقة الأولى مدرع إلى ثورة الشباب السلمية. قال شاب ملتح: ستنجح ثورتنا بإذن الله بانضمام قائد الفرقة الأولى مُدرع علي محسن، لقد أرسله الله لحماية الثورة. رد عليه شاب آخر: هو أحد أركان النظام ونحن نريد إسقاط النظام كاملًا. أراد أن ينجوَ بنفسه ويستثمرَ الثورة لصالحه.
– لا، قائد الفرقة مع ثورتنا السلمية، سيجبر الرئيس على الرضوخ لثورة الشباب ويسلِّمها للشباب.
– علي عبد الله صالح لن يُسلِّم الحُكم إلَّا إلى يد رجُلٍ أمين.
غضب الشاب وقال: أنت الآخر، عَمَّن أمين أن تتحدث؟
– أمين علي عبد الله صالح ههههه.
على الرغم من الضحك الذي ساد في المنتدى، إلا أن الشباب انقسموا بين مؤيدٍ ومعارضٍ لانضمام قائد الفرقة، فتدخَّل حُراس الساحة وأخذوا الشاب الملتحي بعيدًا وظهر بعد ذلك خلاف في الساحة يُبشِّر بانشقاقٍ بين الشباب، لكنهم احتووا ذلك الانشقاق فيما بعد.
حين سمع زُربة إعلان الناطق الرسمي لأحزاب اللقاء المشترك تأييد الثورة، وانضمام القبائل إلى الثورة، عرف أن ثورة الشباب ماتت قبل أن تولد من رحم اليمن، فراح يفكر كيف يكسب قوته بعد أن توقَّفت حركة البناء. رأى أن بيع القات مربحٌ بين هذه الجموع الغفيرة فذهب واشترى القات بكميات كبيرة، وأخذ يبيعه في الساحة. حقَّق ربحًا جيدًا، ثم أحضر بودرة الشمَّة السوداء والبيضاء، لكنه لم يجد لها رواجًا كثيرًا بين المثقفين. بنى له خيمة في الساحة من طوب وصفيح؛ لينام فيها مثل بقية الشباب المرابطين في خيام الساحة، الذين يحصلون على وجبات غذائية مجانية، وتحرسهم فرق الحراسة المنتشرة في كل المداخل المؤدية للساحة.
كان زُربة يجلس في باب خيمته يبيع القات وينفث دخانه. رحب باقتراح الشاب جميل الشرعبي في توسيع مساحة خيمته، ثم عمل لها حمام وأوصله إلى المجاري العامة. كان بعض المثقفين يحضرون خيمته يلقون المحاضرات وحوَّلوا الخيمة إلى منتدى ثقافي، بلغت حرية التعبير سقفها العالي ضد النظام. رفع زُربة لافتة كتب عليها «منتدى زُربة» وعلقها فوق باب الخيمة وبقي يبيع القات في باب المنتدى.
١١
تحدَّثوا عن أهل القرية وعمَّا مضى، وذكَّره زُربة عن قصته القديمة حين لدغه الثعبان. ضحك الهندي وراح هو يَذكر قصةَ ناصر المسحور عندما اختنق باللحم في عزاء صالح عاقل القرية، وأخبره أنه فتح دكانًا في الجوف فأهلها ينفرون من هذا العمل، يرون البيع أقل شأنًا عن الآخرين، لكنه أغلق دكانه بعد أن قُتل أحد أبناء المشايخ في باب الدكان.
كان الهندي يتردَّد على زُربة، ويخبره عن مشاركته في المسيرات مع أولاده، وعن الجرحى وعما حصل مع جنود مكافحة الشغب في الشوارع. أخذت الساحة تتوسع، حتى وصلت إلى خلف مدرسة الشعب وحوض الأشراف ومستشفى الثورة. ساعد الهندي زُربة في بناء غرفة صغيرة من الطوب لابنه نجيب، لبيع الوجبات الخفيفة والعصائر لرواد الساحة فهو لم يجد عملًا منذ تخرُّجه من كلية التجارة، وبقي ناظم ابن الهندي يعمل معه. وكانت النساء المعتصمات في الساحة يترددن على بوفيه نجيب حتى وقت متأخر من الليل.
مرت لجنة من منظمي الساحة لمعاينة أفضل خيمة في الساحة، فحصل زُربة على جائزة أحسن خيمة؛ لتوفُّر المياه والحمام فيها. شكر زُربة شباب الثورة الذين ساعدوه في البناء، ولم يتأفَّفوا وهم يشبكون حمام الخيمة بالمجاري العامة، كانت الرائحة تزكم الأنوف، إلا أن حماس الشباب جعلهم لا يتأففون كما هو الحال في الأيام العادية. وجدهم يضحُّون بأنفسهم باسم الشهادة في سبيل الثورة، رأى بعضَ الشباب يربطون عِصابات خضراء على جباههم، كُتبَ عليها «مشروع شهيد» وفعلًا كان البعض يبحث عن الشهادة بصدرٍ عارٍ، والخُطب الحماسية والأغاني الثورية تشحن طاقاتهم بروح الاستشهاد. كان يسأل نفسه كثيرًا «إذا كانت ساحة الثوار التغيير أمام جامعة صنعاء يحميها قائد الفرقة الأولى مدرع والقبائل لقربهم منها، فمن يحمي ساحة الحرية في تعز؟ وهي محاطة بمعسكرات النظام من كل اتجاه.» رأى زُربة بحدسه المتواضع أن ما يدور في البلاد شيء غير طبيعي، وأن هناك أمرًا خافيًا يقف وراء هذه الأحداث الجسيمة.
١٢
أُحرقت بعضُ خيام ساحة الحُرية في تعز، فأحس زُربة أن النظام بدأ يمضي قُدما لتفريق «ثوار الصدور العارية» وتوقَّع نزولَ المدرعات إلى الساحة. لم يُصدِّق أن انقسام النظام من الداخل هو الذي أوقف الرئيس علي عبد الله صالح من قمع الثورة، فقد سمع أحد المثقفين في المنتدى يقول: «إنه يعتقد أن هناك أمرًا أقوى من الجميع، بيدِه خيوط اللعبة، وأن المعارضةَ والنظامَ حِجارة على رقعة شطرنج، ساحتها البلاد كلها، وما يجري في اليمن يجري في عدة دول عربية.» حينها اتهمه الحاضرون أنه جاسوس مع النظام يشكِّك بثورة الشباب المنطلقة من حاجتها إلى التغيير.
كان أهل القرية يزورونه في الساحة، تنقلهم حافلاتٌ مجانًا للمشاركة في المسيرات، من ضمنهم الوطواط الذي قال له: ما شاء الله يا زُربة، فتحت دكان في الساحة، وتبيع القات في خيمتك، وخلال تسعة أشهر زوجت ابنك نجيب.
أراد زُربة أن يضحك، لكنه لم يستطع فخدَّاهُ كانا منتفخَيْنِ بالقات. سعل بقوة ثم قال: حَصلتْ حقِّي الخيمة على جائزة، لا ترخيص بلدية، ولا ضرائب، حتى الكهرباء والماء بلاش.