عن هذا الكتاب
أعتقد أن القارئ سيستغرب وربما يسخط، أو على الأقل يلومني على الاسم الذي اخترته لهذا الكتاب «انطباعات مستفزة»! وهل القارئ في حاجة إلى استفزازٍ أكثر؟
إنه مُستفَز طوال يومه، ويريد إذا عاد لبيته وهجع وبدأ يقرأ، أن يقرأ شيئًا يُرخي أعصابه المشدودة، ويُذهب عنه كل استفزازات اليوم الطويل …
ولكن …
لقد اخترتُ هذا العنوان عن عمد، لا لأنها انطباعات مستفزة، ولكن لأنني حين كتبتها، كنت أريد أن أفرغ نفسي من استفزازاتها، لا أفرغها في عقل القارئ ووجدانه، وإنما لأفرغها على الورق.
والاستفزاز إذا كتبه كاتبٌ مستفز، يتحول بسحرٍ غريب، هو سحر الكتابة، إلى بلسم يضمد المناطق الملتهبة من النفس البشرية، إنه يحدث نتيجة عكس التي أوجدته وخلقته، فالكاتب الحقيقي لا يكتب إلا مستفزًّا، وليس ضروريًّا أن يكون الاستفزاز استفزاز غضب، إنما الاستفزاز الحقيقي هو هبة من النفس البشرية تتفجر كالبركان الخلَّاق؛ لتطهر مكنونتها وتعيدها إلى توازنها، وتظهر وجهها الإنساني الجميل.
خذوا هذه الانطباعات إذن على هذا المحمل.
فكل انطباع منها قد كُتب في حينه، ليُطهر في حينه، وكل انطباع منها كان ينبع من أعماق أعماق نفسي، وعشمي أن يصل إلى أعماق أعماق القارئ، يطهرها ويُجدِّدها كما فعل بي حين كتبتُه.
أما إنها قصة أو مقال، أو شكلٌ جديدٌ آخر للكتابة، حتى لو كانت القصة في شكلها العصري الجديد المباشر الذي نحيا به وفيه، فليس هذا هو المهم، تلك قضيةٌ أكاديمية أترك للنقاد حلها، قضيتي أنا هي أن أكتب، أو أن تكتب لتؤثر، لتغير، لتطبع أحرفك على قلب قارئ يريد الخلاص، وأملي أن يحدث له الخلاص؛ فبكل ما أملك من أدواتي وأحاسيسي وقدراتي كتبتها.
وكل عشمي أن يحياها القارئ كما عشتُها، وأن تزيح عنه استفزازه المدمر؛ لتولد فيه الاستفزاز الإنساني الموحي الصافي الخلاق.
إن الإنسان نفسه ليس سوى ظاهرة خلقت لتستفز كل ما في الكون من مادة وجماد وحيوان وحتى الإنسان، وبقدرات الخلق الاستفزازية يُحوِّلها إلى ما يشبه الحياة أو الحياة الأسمى.