«شو-لان» … الرجل الأسطورة
كان الشياطين في طريقهم إلى المقر السري بعد أن وصلتهم رسالة رقم «صفر»، التي يطلب منهم العودة بسرعة. كانوا قد انتهَوا من مغامرة «العميل»؛ لذا فلم ينتظروا وعادوا فورًا. لم يكُن أحدٌ منهم قد استطاع الوصول إلى إدراك معنى هذه السرعة، إلا أن «أحمد» قال في هدوء: لعلها مغامرةٌ جديدة تحتاج أن نبدأها. ولم يعلِّق أحد … إلا أنهم كانوا ما زالوا يفكِّرون؛ فهذه أول مرة يستدعيهم فيها رقم «صفر» فور الانتهاء من المغامرة.
ظهرت من بعيد أبواب المقر السري الصخرية التي لا يعرفها سوى الشياطين؛ فلا أحد يستطيع أن يتبيَّنها من بين الكتل الصخرية … كان كل شيء يبدو هادئًا صامتًا؛ الجبال التي تحيط المقر بشموخها وقوتها، والشمس بحرارتها اللافحة، وإن كان الشياطين لا يُحسُّون بها الآن لأن سيارتهم مكيَّفة الهواء.
كان المنظر يبدو وكأنها صحراء لا يسكنها أحد، ولا يعيش فيها أحد، وإن كانت أعماقها تضج بالحركة داخل المقر السري … عندما اقتربوا تمامًا بدأت البوابات الصخرية تُفتح في هدوء، كانوا قد تعدَّوا حاجز المرور الإلكتروني الذي يُعطي إشارة فتح البوابات. وفي سرعةٍ تجاوزوا البوابة الضخمة إلى أعماق المقر. وعندما توقَّفت السيارة التي كان يقودها «أحمد»، قفز الشياطين بسرعةٍ وانطلقوا إلى المقر. كان بقية الشياطين في انتظار وصولهم، تردَّدت التحيات وأخذ الجميع طريقهم إلى قاعة الاجتماعات؛ فقد كانت الساعة تشير إلى الرابعة تمامًا، نفس الموعد الذي حدَّده رقم «صفر» في رسالته إلى الشياطين.
عندما أخذوا أماكنهم في القاعة الهادئة الضوء، جاء صوت رقم «صفر» يُرحِّب بهم، ثم يقول: لقد وصلتم في موعدكم تمامًا! ثم اختفى صوته. مرَّت لحظات، ثم أُضيئت الخريطة الإلكترونية، وكان الشياطين في انتظار أن تظهر. كانت الخريطة كثيرة التفاصيل، غير أن ثلاث مساحات مُحدَّدةً هي التي كشفت كل شيء. كانت المساحات الثلاث لدولٍ آسيوية متجاورة؛ هي «تايلاند»، و«لاوس»، و«بورما».
إن حدود الدول الثلاث تلتقي عند نقطةٍ جبلية واحدة، فتكون معًا مشتركات في حدودٍ واحدة تشبه المثلَّث. ظلَّ الشياطين يرقبون الخريطة التي لم تظهر لها تفاصيل أخرى، غير أن دائرةً حمراء جمعت نقطة التقاء الحدود في سرعة، ثم امتلأت الدائرة باللون الأخضر. فكَّر «أحمد» بسرعة وبدأ يستعيد معلومات قرأها عن هذه المنطقة. كانت أعين الشياطين تلتقي وتفترق، إلا من «أحمد» الذي ظلَّ مستغرقًا في شروده يتذكَّر … إن هذه المناطق كما يذكر «أحمد» مشهورة بجمال طبيعتها، حتى إنه يُطلِق عليها بلاد الشمس المشرقة. تذكَّر الأسواق العائمة في «تايلاند»، وتذكَّر المعابد البوذية الجميلة، وتمثال «بوذا» الضخم المصنوع من الذهب الخالص، ثم توقَّف عند هذه النقطة؛ إنه يتذكَّر تلك السرقة المشهورة لواحدٍ من تماثيل «بوذا»، وكيف أن البوليس الدولي قد تدخَّل حتى عثروا على التمثال. قال في نفسه: هل تكون هناك سرقة أخرى من هذا النوع؟ ظل يفكِّر في عملية السرقة، لكنه تذكَّر فجأةً أنه قرأ عن زراعة المخدِّرات في تلك المناطق. قال في نفسه: إن هذه يمكن أن تكون مغامرةً ممتعة، في تلك المناطق المجهولة! ظلَّ يتذكَّر ما يُزرع هناك، والمنطقة التي يسيطر عليها رجلٌ واحد، يقود جيشًا من العاملين معه يصل إلى ستة آلاف رجل، وكيف يكسب من هذه الزراعة ملايين الدولارات؛ فهو يزرع أشجار الخشخاش التي يُؤخذ منها الأفيون، هذه المادة المخدِّرة القاتلة، التي يمكن أن تقضي على أي إنسان. مرةً أخرى تذكَّر «حرب الأفيون» التي استُخدمت ضد الصينيين فجعلتهم شعبًا مُخدَّرًا، كسولًا … قال في نفسه: إن هذا الرجل يزرع الموت، والقضاء على هذه الزراعة ضرورة من أجل إنقاذ الإنسان. فكَّر مرةً أخرى: إنه لولا الثورة الصينية التي حرَّرت الصين، والتي أنقذت الإنسان الصيني؛ لظل مُخدَّرًا كسولًا … مُستعمَرًا في نفس الوقت. كان الشياطين يراقبونه وهو مستغرقٌ في أفكاره. إنهم يعرفون أن «أحمد» يستطيع، كما استطاع في مراتٍ سابقة، أن يعرف شيئًا عن المغامرة القادمة، عن طريق استنتاجاته. هذه المرة يرونه مستغرقًا تمامًا، بما يعني أنه قد استطاع أن يصل إلى شيءٍ ما. همست «ريما» وهي تبتسم: إلى أين سوف نطير هذه المرة؟
لم يسمَع «أحمد» ما قالته، في نفس الوقت كان قد نظر إلى الخريطة في تركيزٍ شديد، حتى إن «زبيدة» قالت: إن «أحمد» لم يسمَع ما قالته «ريما».
التفت إليهم فرآهم جميعًا ينظرون إليه، قال مبتسمًا: ماذا هناك؟
قال «فهد»: فكَّرنا أن ننصرف للعمل.
فهم «أحمد» ماذا يقصد، وعندما فكَّر في التعليق كان صوت رقم «صفر» قد سبقه قائلًا: إن ما يقوله «فهد» صحيح. صمت لحظة، ثم قال: إن ما تفكِّر فيه هو تمامًا ما كنت سأتحدَّث فيه إليكم، إنني فقط سوف أُضيف بعض الأشياء. عندئذٍ اختفى صوت رقم «صفر»، فقال «خالد»: حدِّثنا حتى يعود الزعيم.
نظر إليهم «أحمد» وهو يبتسم، ثم قال: لقد فكَّرت في أكثر من شيء، ولا أدري أيها الذي سوف يتحدَّث فيه الزعيم.
قالت «إلهام»: إذن، حدِّثنا عمَّا فكَّرتَ فيه.
كانوا جميعًا قد بدءوا يلتفتون فعلًا إلى «أحمد»، إلا أن صوت أقدام رقم «صفر» التي كانت تقترب جعلهم يصمتون في انتظار حديث الزعيم.
مرَّت لحظات … كان صوت الأقدام خلالها يقترب حتى توقَّفت تمامًا، ثم جاء الصوت: لقد فكَّر «أحمد» في المغامرة بنجاح، وهو كثيرًا ما يفعل ذلك … إنني سوف أتحدَّث إليكم عن تفاصيلها؛ فهو قد فكَّر في موضوعها فقط. سكت الصوت قليلًا، ثم عاد يقول: إن تقارير عملائنا في أوروبا تقول إن عيادات ومستشفيات العلاج لمدمني المخدِّرات قد زادت نسبة المرضى فيها، وإن الأسواق الأوروبية قد امتلأت في الفترة الأخيرة بأنواعٍ من الأفيون، الهيروين، بكمياتٍ كبيرة. وأنتم تعرفون أن الهيروين وهو مادة تشبه البودرة، ويُؤخذ من نفس النبات الذي يُصنع منه الأفيون، يُعتبر من المواد المخدِّرة القاتلة؛ فمن يُجرِّبه مرةً لا يستطيع أن يتخلَّص منه أبدًا. وهذا كلها مواد تؤدِّي إلى الاسترخاء التام حتى تصل إلى حد البله، ثم الجنون. لقد زادت نسبة المرضى الذين أدمنوا هذه المواد المخدِّرة، وهي في النهاية عملية قتل للإنسان. وهؤلاء يتاجرون في هذه السموم، ولا يُهمهم سوى الربح فقط. ومن تقارير عملائنا في شرق آسيا قالت الدراسات التي أجراها مركزنا إن الكميات التي أغرقت أسواق أوروبا قد خرجت من هناك، وإن هناك منطقةً يسمُّونها «المثلث الذهبي» هي التي تزرع هذه النباتات. إن «المثلث الذهبي» يظهر أمامكم على الخريطة، تغطِّيه الدائرة الحمراء. وقد سُميت هذه المنطقة ﺑ «المثلث الذهبي» لأنها تعطي مكاسب ضخمة، وكأنها تجارة الذهب، ثم هي تقع في منطقةٍ مثلثة تجمع ثلاث دول، وأن حدود هذه الدول تشترك في منطقة «المثلث الذهبي»، وهذه المنطقة تمثِّل مساحات ضخمةً من الأرض يسيطر عليها رجلٌ يُدعى «شو-لان»، أو كما يسمُّونه «ملك الأفيون»، وهو يسيطر على قوةٍ كبيرة تصل إلى ستة آلاف رجل يعملون في زراعة السموم، ويحملون أسلحةً متقدِّمةً الصنع، ولا جدال في أن خلف هذه الزراعة قوًى عالميةً تغذِّيها وتنشرها، كنوع من إفساد الشعوب، كما حدث في الصين قديمًا. ثم صمت رقم «صفر» قليلًا، بينما كان الشياطين يتابعون ما يقوله في تركيزٍ شديد؛ فهذه أول مرة يتعرَّضون فيها لمغامرةٍ من هذا النوع، كما أن هذه أول مرة يذهبون فيها إلى هذه الأماكن البعيدة المجهولة. عاد رقم «صفر» إلى الحديث وقال: لقد حدثت محاولات كثيرة للقبض على «شو-لان»، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، ولا أحد يعرف أوصاف هذا الرجل الداهية الذي يقود ستة آلاف. إن هؤلاء الرجال الذين يعملون معه مرتبطون به ارتباطًا كبيرًا، حتى إن الإغراءات التي قُدمت لبعضهم، برغم ضخامتها، لم تجعَل أحدًا منهم يتخلَّى عن «شو-لان»!
صمت رقم «صفر» مرةً أخرى، بينما كان الشياطين يتبادلون النظرات. إن أفكارهم كانت تدور حول هذا الرجل الغريب «شو-لان»، الذي لا يعرف أحدٌ عنه شيئًا. إنه يبدو وكأنه أسطورة يتحدَّثون عنه دون أن يراه أحد. جاء صوت رقم «صفر» مرةً أخرى يقول: إن مهمتنا هي التخلُّص من «شو-لان» … إمَّا بالقضاء عليه، أو القبض عليه حيًّا.
صمت رقم «صفر» بعد هذه الجملة، وفهم الشياطين مهمتهم؛ إن القضاء على «شو-لان» هو مغامرتهم الجديدة، والقضاء عليه ليس عملًا سهلًا؛ إنهم سوف يبحثون عن رجلٍ لا يعرف عنه أحدٌ شيئًا. لكن ذلك لم يكن عمليةً مستحيلةً أمام الشياطين؛ فهم لا يعترفون بالمستحيل، إن القاعدة التي يعملون بها هي: إن كل شيء ممكن، حتى لو بدا مستحيلًا. قطع تفكيرهم صوت رقم «صفر» قائلًا: إن تلك المناطق تسكنها قبائل «الإيكوس»، وأنتم تستطيعون الاستفادة من هذه القبائل. إنهم يعيشون في مناطق قد تكون صعبة، لكن الشياطين لا يقف أمامهم شيء صعب. صمت لحظة، ثم أضاف: يجب أن تكونوا مستعدين للطقس هناك، وأن تكون معكم مبالغ طيبة من عملة «الباث» التي يستعملونها، و«الباث» يساوي خمسة قروش مصرية. هذه أول مرة تذهبون إلى هذه المناطق، لكنكم سوف تستمتعون بها تمامًا؛ فهي مناطق جميلة بالتأكيد، غير أن الأجمل أنكم سوف تقدِّمون للإنسانية عملًا عظيمًا، كأعمالكم دائمًا. سكت لحظة، ثم قال: إنني في انتظار أسئلتكم.
مرَّت فترة صمت، كان رقم «صفر» ينتظر خلالها أسئلة الشياطين، وكانوا هم بلا أسئلة … إن ما كانوا يفكِّرون فيه هو الانطلاق الآن إلى تلك الأماكن المجهولة، وإلى البحث عن «شو-لان». طالت فترة الصمت، فقال: أتمنَّى لكم التوفيق.
أخذت أصوات أقدامه تبتعد حتى اختفت، غير أن الشياطين ظلوا في أماكنهم فترةً من الوقت. كانت الخريطة الإلكترونية ما زالت مُضاءة، وكانوا يتأمَّلون التفاصيل القليلة التي ظهرت عليها. فجأةً اختفت الدائرة الحمراء، وظهر مثلثٌ يحدِّد المكان. خرجت ثلاثة أسهم تشير إلى عواصم الدول الثلاث؛ «تايلاند» وعاصمتها «بانكوك»، و«بورما» وعاصمتها «رانجتون»، و«لاوس» وعاصمتها «هانوي» … مرةً أخرى اختفت التفاصيل، ثم ظهرت تفاصيل أكثر توضِّح تضاريس المكان، كانت الجبال المرتفعة تبدو وكأنها نوعٌ من التحدي، غير أن الجبال كانت تعلوها خضرة؛ بما يعني أنها مزروعة. ظهر نهر «ماي-كو» الذي يصب في نهر «الميكونج»، وكانت جبال «يون-آن» ترتفع عند الحدود المشتركة. خرج سهمٌ سريع وظهر اسم قبائل «الإيكوس» التي تعيش في الجبال، والتي تَحدَّث عنها رقم «صفر».
قالت «إلهام» تقطع الصمت: إن هذه الأماكن مرتفعة الحرارة تمامًا. فقالت «زبيدة»: لاحظوا أن المياه لا تنقص في هذه الأماكن؛ فبجوار الأمطار هناك خليج «البنغال» الذي تُطل عليه «بورما»، وهناك خليج «سيام» الذي تُطل عليه «تايلاند».
مرَّت لحظة صمت. كان الجميع لا يزالون يتأمَّلون الخريطة التي وُضِّحت فيها تفاصيل كثيرة، غير أن «عثمان» قال: إن المنطقة تقع في المنطقة الاستوائية؛ وهذا يعني جغرافيًّا أنها شديدة الحرارة كثيرة المطر؛ فهي تقع بين خطَّي عرض صفر و٢٠ درجة، كما أنها تقع بين خطَّي طول ٩٠ و١١٠ درجة؛ أي إن خط الاستواء يقطع المنطقة بالعرض. صمت الجميع مرةً أخرى، وكان كل ما يقولونه يظهر في تفاصيل الخريطة.
نظر «أحمد» إليهم نظرةً سريعة، ثم قال: أظن أننا نملك معلوماتٍ طيبةً عن هذه المنطقة. إن أرشيف المقر يمكن أن يقدِّم لنا معلوماتٍ إضافية. قال ذلك، ثم وقف في هدوء، وبدأ يخرج من مقعده، فبدأ الشياطين يتحرَّكون خارج مقاعدهم، ثم اتجهوا مباشرةً إلى خارج قاعة الاجتماعات التي أخذت أضواؤها تخفت شيئًا فشيئًا حتى أظلمت تمامًا، مع خروج آخر واحدٍ من الشياطين. اتجهوا مباشرةً إلى القاعة الصغرى حتى تصل إليهم التعليمات الأخيرة من رقم «صفر». كانت القاعةُ مضاءةً بأضواءٍ خافتة هادئة تميل إلى الأزرق. كان كل واحد منهم يحلم أن تكون المغامرة من نصيبه، لكن لم يكن أيهم يعرف من الذي سيقع عليه الاختيار. أخذوا أماكنهم في القاعة أمام الشاشة الصغيرة يشاهدون عليها الأفلام الخاصة بهم، والتي تحمل إليهم تعليمات رقم «صفر».
لم تمضِ لحظات حتى ظهرت أسماء المجموعة التي ستقوم بالمغامرة، كانت المجموعة تضم: «أحمد» و«فهد» و«باسم» و«مصباح» و«رشيد». وعندما التقت أعينهم كانت السعادة تلمع على وجوه المجموعة. وأسفل الأسماء كانت هناك جملة واحدة تحدِّد وقت الانطلاق، كانت الجملة: التحرُّك في الخامسة صباحًا.
نظر «أحمد» في ساعة يده، ثم قال في نفسه: إنها ساعاتٌ كافية للنوم هذه الليلة.
وفي لحظات كان كلٌّ منهم قد أخذ طريقه إلى حجرته، وقال «أحمد»: إلى اللقاء في الخامسة إلا الربع … هناك!