أخيرًا … جاءت لحظة المواجهة
قال «مصباح» يخاطب «شن-لي»: هل ننتظر السيارة أو نبدأ السير؟
ردَّ في تعب: ننتظر قليلًا، فإذا تأخَّرت نقطع الطريق سيرًا.
جلس «شن-لي» فوق صخرةٍ صغيرة قريبة، ووقف الشياطين حوله. تسمَّع «أحمد» جيدًا إلى أي صوت إلا أنه لم يسمع شيئًا، قال بلغة الشياطين: يبدو أن المجموعة الخلفية تختبئ في مكانٍ ما، ربما يكون قريبًا؛ فلا يوجد صوت لهم. لم يردَّ أحد، وإن كان «مصباح» قد قال بعد لحظة: «شن-لي»، هل هنا طريقٌ آخر يوصل إلى فوق؟ ردَّ الرجل: لا، لا يوجد سوى طريق واحد لا يعرفه كثيرون؛ فهو طريقٌ سري …
فجأةً تردَّد صوتٌ في الصمت الليلي، فقال «شن-لي»: هذا صوت السيارة، إنني أعرفه. اقترب صوت الموتور أكثر، ثم بدأت أضواء السيارة تظهر. مضت دقائق حتى ظهرت السيارة واضحةً بتأثير أضوائها. ارتفع صوت «شن-لي» يقول: أُريد أن أعرف هذا الذي استولى على السيارة! قال «أحمد»: لعله واحدٌ من طرف الزعيم. كانت السيارة قد توقَّفت، فاتجها إليها بسرعة، ما إن رأى «فهد» سائق السيارة حتى قفز إليه قائلًا: معذرةً يا صديقي «شن-لي»، لقد كانت لديَّ أوامر ولم أستطِع إلا التنفيذ. إنني حارس السيد «الضيف» … لمعت عينا «شن-لي»، وقال بابتسامةٍ صغيرة: غير أن الضربة كانت قاسية! …
قال «فهد» باعتذار: إنني أكرِّر أسفي، لكنها الأوامر وأنت تعرف. إن السيد «كاواوا» هو الذي أصدر الأمر.
ظهر الفزع على وجه «شن-لي» وقال: لا بأس، لا بأس. كان الشياطين قد قفزوا في السيارة الجيب الصفراء في لون الجبل، وبينهم جلس «شن-لي»، بينما كان «فهد» قد أخذ مكانه خلف عجلة القيادة. وفي لحظات كانت السيارة تأخذ طريقها إلى أعلى الجبل في سرعة، حتى إن «باسم» قال: إنك مسرعٌ جدًّا، والجبل غير مأمون.
ردَّ «شن-لي»: لا بد من السرعة، وإلا تراجعت السيارة أو سقطت. إن السائق ماهر فعلًا!
تحدَّث «فهد» إلى «أحمد» الجالس بجواره بلغة الشياطين، قال: لا بد أن نتخلَّص من الرفيق الموجود قبل أن نصل إلى القصر فقد يكشفنا … فكَّر «أحمد» لحظة، ثم أخذ يسأل «فهد» عن القصر، ومكانه، والحراسة حوله، فعرف أن الحراسة شديدة، وأن المرور مسألة صعبة، غير أن «فهد» قال في النهاية: إنني أستطيع المرور في بساطة؛ فقد رآني الحرس وأنا أدخل مع «جارو»، وعرفوني جيدًا، وهذا سوف ينفي أي شبهة حولنا. صمت لحظة، ثم قال: ولقد أفهمتهم أن السيد «جارو» معه ضيوف سوف يصلون بعد قليل. ابتسم ابتسامةً لمحها «أحمد»، ثم أضاف: وأنتم الضيوف طبعًا. سمعا صوت «شن-لي» يقول: لقد اقتربنا … أمامنا كيلومتر واحد.
كانت الجملة كافيةً ليتخلَّص منه الشياطين. تحدَّث «أحمد» إلى «مصباح» الذي كان يجلس بجوار «شن-لي» مباشرة، وفي دقيقةٍ كان الرجل يمسك فخذه وهو يقول: إن الحشرات هنا كثيرة، لقد وخزتني حشرة منها. بعد نصف دقيقة كان يسقط بين ذراعي «مصباح». أوقف «فهد» السيارة، وفي هدوء حمله «مصباح» و«باسم» إلى صخرةٍ عند حافة الجبل، ثم قيَّداه وأرقداه في هدوء، وعادا بسرعة. انطلق «فهد» مرةً أخرى، كانت السيارة مسرعةً تمامًا؛ ففي نفس الوقت كان الطريق مخيفًا؛ فقد كان يتلوَّى كثعبانٍ مسرع … بعد قليل ظهرت أضواءٌ شاحبة، فقال «فهد»: هذه أول نقطة من نقط الحراسة. تحفَّز الشياطين؛ فهم على استعدادٍ الآن للاشتباك. وصلت السيارة فظهر أحدهم يسد الطريق، تحدَّث إليه «فهد» في جملٍ سريعة، فرفع يده بالتحية، وأشار إليه أن يستمر … قال «رشيد»: يبدو أن «فهد» قد أصبح من رجال «شو-لان»! ابتسم الشياطين لهذه الدعابة. مرةً أخرى ظهرت نقطة حراسة أخرى، فقال «فهد»: إنهم هنا أقل في العدد الذي يتناقص مع كل مرة! ظهر الحارس يسد الطريق ويرفع يده علامة التوقُّف … تحدَّث إليه «فهد»، استمع الرجل قليلًا، ثم قال: حسنًا … استمر.
عندما اقتربت السيارة من النقطة الأخيرة قال «فهد»: إن هذه هي النقطة الصعبة؛ فلولا ظهور «كاواوا» معنا في المرة السابقة لَمَا استطاع «جارو» الدخول، حتى ولا الرجل الهام الذي معه، والذي يُدعى «كيكي» … إن «كاواوا» هو رجل الحرس هنا! …
ظهر حارسان معًا، كان كلٌّ منهما يحمل مدفعًا رشاشًا في كتفه. قال «فهد» بسرعة: ينبغي أن نستعد لأي شيء. تحفَّز الشياطين، واقترب «فهد» أكثر، حاول أن يعرف الحارسَين، لكنه فهم بسرعةٍ أن الحراسة قد تغيَّرت، وأن هذَين حارسان جديدان. قال له أحدهما: إلى أين؟ …
ردَّ «فهد»: إلى داخل القصر …
سأل الرجل: وأين السائق «شن-لي»؟
قال «فهد»: لقد أصابه مرضٌ مفاجئ. صمت الرجل لحظة، ثم قال: أنتم لستم من هنا! ردَّ «أحمد» بسرعة: نحن زملاء السيد «جارو»، وهو في لقاء الزعيم الآن. نظر له الرجل بحدة، ثم قال: ليست عندي أوامر. صمت لحظة، ثم أضاف: انتظروا … انسحب الحارس، بينما ظلَّ الآخر واقفًا وهو ينظر لهم في شراسة. اختفى الحارس الأول داخل حجرةٍ على جانب الطريق عند بداية حديقةٍ واسعة لا تظهر منها سوى أشجار عالية. همس «أحمد» في سرعة: إنها فرصتنا؛ فقد ننكشف ونفقد كل ما أنجزناه! مرَّت لحظة، ثم أرسل «أحمد» إشارةً بطريقةٍ معيَّنة، فهم الشياطين أنها إشارة للاستعداد، لحظة، ثم دقَّ دقتَين على باب السيارة، ففهم «باسم» ماذا يُريد. وفي هدوء كان كل شيء قد انتهى، وقبل أن يظهر الحارس الأول كان الثاني يرقد ممدَّدًا على الأرض بتأثير حقنةٍ مخدِّرة أطلقها «باسم»، وفي لمح البصر كان الشياطين قد قفزوا وحملوا الحارس وأخفَوه، ثم انتشروا بسرعة. كان «أحمد» قد قفز قفزتَين أصبح بعدهما خلف حُجرة الحراسة، وفي نفس اللحظة التي كان فيها الحارس الأول يخرج منها، قفز «أحمد» في الهواء، ثم ضربه بقدمه ضربةً قويةً جعلته يسقط على الأرض قريبًا من «فهد»، الذي كان لا يزال بجوار السيارة. عاجله بقدمٍ أخرى جعلته يئن من الألم، وبسرعةٍ حمله إلى السيارة، وأوثق يدَيه وقدمَيه وكمَّم فمه، ثم ركب السيارة، وأوقفها في مكانٍ مظلم لا تجعل أحدًا يفكِّر في الوصول إليها.
وكالقط كان يقطع المسافة في رشاقة، حتى أصبح بجوار «أحمد» عند الحجرة، ولم يكن أحدٌ هناك. كان الشياطين فقط قد تجمَّعوا.
قال «أحمد» بسرعة: ننقسم إلى مجموعتَين؛ «باسم» و«مصباح» و«رشيد» معًا … و«فهد» وأنا معًا. علينا أن نبدأ بسرعة …
اختفى الشياطين في الظلام، كانت الحديقة واسعةً تمامًا، ولم يكُن القصر قريبًا. أسرع «أحمد» و«فهد» جريًا. كانت الممرات مغطاةً برملٍ ناعم ساعد على حركتهما. وفي أقل من ربع ساعة كان القصر أمامهما. تنسَّم «أحمد» الهواء لحظة، ثم قال: يبدو أن هناك رائحةً غير مألوفة. تشمَّم «فهد» هو الآخر، لكنه فجأةً وضع يده على كتف «أحمد» وهو يقول في إجهاد: إن الدنيا تدور. ثم سقط على الأرض … أسرع «أحمد» بوضع الجهاز الواقي على أنفه؛ فقد بدأ يشعر هو الآخر بنفس الشعور. أخذ يفيق «فهد» الذي كان قد فقد وعيه تمامًا، أخرج زجاجةً صغيرةً من حقيبته، ووضع حبةً منها في فم «فهد»، في نفس الوقت وضع الجهاز الواقي على أنفه أيضًا. مرَّت لحظات، ثم بدأ «فهد» يفيق، قال بإجهاد: ماذا حدث؟ …
فهم «أحمد» ما حدث، فقال: يبدو أن لحظات الفجر قد اقتربت … وما يحدث هو نتيجة جَمْع المادة المخدِّرة من النبات الآن … ثم نظر في ساعة يده، ثم قال: فعلًا إن الفجر على الأبواب.
استردَّ «فهد» وعيه، فانطلقا واقتربا من القصر، لكنهما توقَّفا فجأة؛ فقد وصلتهما أصوات. أخذا يتسمَّعان، كانت الأصوات تتحدَّث عن الحارسَين اللذَين اختفيا. همس «فهد»: إذن لقد انكشف الموقف.
قال «أحمد»: لا يهم … المهم أن نصل إلى «شو-لان» بسرعة. إن ظهور «جارو» سوف يكشف كل شيء. اقتربت أقدامٌ مسرعة منهما فاختفيا بين النباتات، لكن فجأةً قال واحد: لقد قبضوا على اثنَين، واختفى الثالث. أمسك «فهد» بيد «أحمد»k ظلا مكانهما، كانت أصواتٌ أخرى تقترب، فجأةً لمحا «باسم» و«مصباح» وكانا مقيَّدَين، وحولهما عددٌ من الرجال. فكَّر «أحمد» بسرعة، ثم همس: إنها فرصتنا.
جاءت رسالةٌ إلى «أحمد»، كانت الرسالة من «رشيد» يخبره بما حدث. اقترب الرجال وبينهم «باسم» و«مصباح». أصبحت اللحظة سانحةً للتصرُّف. أخرج قنبلة دخان، ثم نزع فتيلها وألقاها بينهم، في لحظةٍ كان الدخان يخرج منها كثيفًا، حتى إن الحراس فزعوا. فهم «باسم» و«مصباح» ما حدث، وعرفا مصدرها، وبسرعةٍ كان الدخان قد غطَّى المكان، في نفس الوقت الذي انسحب فيه «مصباح» و«باسم» واختفيا في الظلام. كان المكان قد خلا تمامًا، إلا أن ما حدث كان يعني الصدام مع رجال «شو-لان»، لكن هذه لم تكن خطة الشياطين؛ إن الخطة هي «شو-لان» نفسه، إن المهم هو القبض عليه. أرسل «أحمد» رسالةً سريعةً إلى «باسم» و«مصباح»، فجاءه الرد. لقد انضمَّ إليهما «رشيد»، والثلاثة يقتربون من الباب الخلفي للقصر. كانت الرياح قد بدَّدت الكثير من الدخان، وبدأ الجو ينكشف، غير أن الشياطين كانوا قد غيَّروا أماكنهم بسرعة. تسمَّع «أحمد» لكنه لم يسمع شيئًا، همس ﻟ «فهد»: إن هذا السكون يعني شيئًا! وكان هذا صحيحًا؛ فلم يكد «أحمد» ينتهي من جملته حتى شعر كأن جبلًا قد سقط فوقه. وقع على الأرض، لكنه لمح في نفس الوقت رجلَين، كانا هما الجبل الذي سقط عليه، غير أنه كان سريع التصرُّف؛ فقد ترك نفسه للسقوط في نفس الوقت الذي استعدَّ فيه للرد؛ فقد قفز وهو يحملهما معًا، ورغم أن ثقلهما لم يكن سهلًا، إلا أنه استطاع أن يُلقي بهما في الهواء. وقبل أن يسقطا كان قد لمح «فهد» مشتبكًا مع اثنَين، ما كادا يصلان إلى الأرض حتى كان قد طار في الهواء وهو يضربهما ضربةً مزدوجة جعلتهما يصطدمان معًا، ثم يسقطان على الأرض. نظر في اتجاه «فهد» الذي كان قد ضرب أحد الرجلَين فطرحه أرضًا واشتبك مع الآخر، الذي كان يبدو قويًّا، ذكيًّا؛ فقد تلقَّى ضربةً من «فهد» في ليونة، ثم سدَّد له لكمةً قويةً جعلت «فهد» يطير في الهواء، في نفس الوقت، كان الرجل يطير، وهو يسدِّد له ضربةً جعلت «فهد» يصرخ من الألم. فجأةً ظهر أربعةٌ يسدِّدون مسدساتهم، ألقى «أحمد» نفسه على الأرض وهو يسحب مسدسه ويُطلق طلقاتٍ متتابعةً في اتجاه الرجال، الذين أمطروه بوابلٍ من الرصاص، غير أن «أحمد» كان قد اختبأ خلف شجرةٍ ضخمة حمته تمامًا من الرصاص. في نفس الوقت كان قد أصاب ثلاثةً منهم إصاباتٍ مختلفةً جعلتهم ينسحبون إلى داخل النباتات. عرف «أحمد» أن المعركة سوف تتركَّز في هذا المكان، فأسرع بإرسال رسالة إلى «باسم» و«مصباح» و«رشيد» يطلب منهم الانضمام إليهما، ويحدِّد لهم المكان. كان «فهد» قد استطاع في النهاية أن يقضي على الرجل، وأرقده بين النباتات في صمت.
أرسل له «أحمد» رسالةً حتى يعرف مكانه، فرد عليه «فهد». فكَّر «أحمد» بسرعة: هل يظل داخل المعركة أو يترك الشياطين يدخلونها، وينسحب هو إلى الداخل، بحثًا عن «شو-لان»؟ لم يتخذ قرارًا سريعًا، غير أن إشارةً وصلته من الشياطين تقول إنهم الآن في نفس المكان، وتضيف: «إن الحراسة قد تضاعفت». فكَّر مرةً أخرى، ثم أرسل خطةً إلى الشياطين حتى يستعدوا. في لحظةٍ أخرج قنبلتَين؛ واحدةً صوتية، والأخرى دخانية، ونزع فتيلهما، ثم ألقاهما بقوةٍ بعيدًا عن الجميع، وفي منطقة متوسطة يمكن أن تُحدث تأثيرًا أقوى. عندما وصلت القنبلتان إلى الأرض، انفجرتا معًا. كان صوت القنبلة الصوتية عنيفًا، حتى إن «أحمد» شعر أن المكان قد اهتزَّ جميعه، في نفس الوقت كان عمودٌ من الدخان قد ارتفع في الجو بطريقةٍ مخيفة. فجأةً وكأن حديقة القصر قد أنبتت رجالًا، نظر «أحمد» حوله، وأحسَّ أن المسألة لم تكُن كما فكَّر، وأن ما حدث كان أكبر بكثيرٍ ممَّا تصور، لكن هذا لم يكن داعيًا لليأس؛ فقد اتخذ قراره النهائي.