فلما كانت الليلة ٥٣٧
حكاية سندباد البحري
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الحمَّال لما حطَّ حملته على تلك المصطبة ليستريح ويشم الهواء، خرج عليه من ذلك الباب نسيم رائق، ورائحة زكية، فاستلذَّ الحمَّال لذلك، وجلس على جانب المصطبة، فسمع في ذلك المكان نغمَ أوتارٍ وعودٍ، وأصواتًا مطربة، وأنواعَ إنشادٍ معربة، وسمع أيضًا أصواتَ طيور تناغِي وتسبِّح الله تعالى باختلاف الأصوات وسائر اللغات؛ من قماري وهزار وشحارير وبلبل وفاخت وكيروان، فعند ذلك تعجَّبَ في نفسه، وطرب طربًا شديدًا، فتقدَّمَ إلى ذلك الباب فوجد داخل البيت بستانًا عظيمًا، ونظر فيه غلمانًا وعبيدًا، وخدمًا وحشمًا، وشيئًا لا يوجد إلا عند الملوك والسلاطين، وبعد ذلك هبت عليه رائحة أطعمة طيبة زكية من جميع الألوان المختلفة والشراب الطيب، فرفع طرفه إلى السماء، وقال: سبحانك يا رب يا خالق يا رازق، ترزق مَن تشاء بغير حساب، اللهم إني أستغفرك من جميع الذنوب، وأتوب إليك من العيوب، يا رب لا اعتراضَ عليك في حكمك وقدرتك، فإنك لا تُسأَل عمَّا تفعل، وأنت على كل شيء قدير، سبحانك تُغْنِي مَن تشاء، وتُفْقِر مَن تشاء، وتُعِزُّ مَن تشاء، وتُذِلُّ مَن تشاء، لا إله إلا أنت، ما أعظم وما أقوى سلطانك! وما أحسن تدبيرك! قد أنعمتَ على مَن تشاء من عبادك، فهذا المكان صاحبه في غاية النعمة، وهو متلذِّذ بالروائح اللطيفة، والمآكل اللذيذة، والمشارب الفاخرة في سائر الصفات، وقد حكمتَ في خَلْقِك بما تريد، وما قدَّرته عليهم؛ فمنهم تعبان، ومنهم مستريح، ومنهم سعيد، ومنهم مَن هو مثلي في غاية التعب والذل. وأنشد يقول:
فلما فرغ السندباد الحمَّال من شعره ونظمه، أراد أن يحمل حملته ويسير؛ إذ قد طلع عليه من ذلك الباب غلام صغير السن، حسن الوجه، مليح القد، فاخر الملابس، فقبض على يد الحمال، وقال له: ادخل كلِّمْ سيدي، فإنه يدعوك. فأراد الحمَّال الامتناعَ من الدخول مع الغلام، فلم يقدر على ذلك؛ فحَطَّ حملته عند البواب في دهليز المكان ودخل مع الغلام داخل الدار؛ فوجد دارًا مليحة، وعليها أنس ووقار، ونظر إلى مجلس عظيم، فنظر فيه من السادات الكرام، والموالي العظام، وفيه من جميع أصناف الزهر، وجميع أصناف المشموم، ومن أنواع النقل والفواكه، وشيئًا كثيرًا من أصناف الأطعمة النفيسة، وفيه مشروب من خواص دوالي الكروم، وفيه آلات السماع والطرب من أصناف الجواري الحسان، كلٌّ منهم في مقامه على حسب الترتيب، وفي صدر ذلك المجلس رجل عظيم محترم، قد لكزه الشيب في عوارضه، وهو مليح الصورة، حَسَن المنظر، وعليه هيبة ووقار، وعَزٌّ وافتخار؛ فعند ذلك بُهِت السندباد الحمَّال، وقال في نفسه: والله إنَّ هذا المكان من بقع الجنان، أو أنه يكون قصرَ ملكٍ أو سلطان. ثم إنه تأدَّبَ وسلَّمَ عليهم، ودَعَا لهم، وقبَّلَ الأرض بين أيديهم، ووقف وهو منكس رأسه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.