فلما كانت الليلة ٦٣٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن سعدان الغول لما هجم على قصر الملك جمك وهشَّمَ مَن فيه صاحوا: الأمان الأمان. فقال لهم سعدان: كتِّفوا ملككم. فكتَّفوه وحملوه وساقهم سعدان قدامه مثل الغنم، بعد فناء أكثر أهل المدينة بسيوف عسكر غريب، وأوقفهم قدام غريب، فلما أفاق جمك ملك بابل من غشيته وجد نفسه مربوطًا، والغول يقول: الليلة أتعشى بهذا الملك جمك. فلما سمعه التفت إلى غريب وقال له: أنا في جيرتك. قال غريب: أسلِمْ تسلم من الغول ومن عذاب الحي الذي لا يزول. فأسلَمَ جمك قلبًا ولسانًا، فأمر غريب بحلِّ كتافه، ثم عرض الإسلام على قومه فأسلموا جميعًا، وقد وقفوا في خدمة غريب، ودخل جمك مدينته وأخرج الطعام والشراب وباتوا على بابل حتى أصبح الصباح، فأمر غريب بالرحيل وساروا حتى وصلوا إلى ميافارقين، فرأوها خالية من أهلها، وكان أصحابها قد سمعوا ما جرى لبابل، فأخلَوْا الديار وساروا حتى وصلوا إلى مدينة الكوفة، فأخبروا عجيبًا بما جرى، فقامت قيامته وجمع أبطاله وأخبرهم بقدوم غريب، وأمرهم أن يأخذوا الأهبة لقتال أخيه، وقد أحصى قومه فكانوا ثلاثين ألف فارس وعشرة آلاف راجل، ثم طلب غيرهم للحضور؛ فحضر له خمسون ألفًا من فارس وراجل، ثم ركب في عسكر جرَّار وسار خمسة أيام، فوجد عسكر أخيه نازلًا بالموصل، فنصب خيامه قبال خيامهم، ثم كتب غريب كتابًا والتفت إلى رجاله وقال: مَن فيكم يوصل هذا الكتاب إلى عجيب؟ فوثب سهيم قائمًا وقال: يا ملك الزمان، أنا أروح بكتابك وأجيء بجوابك. فأعطاه الكتاب وسار به حتى وصل إلى سرادق عجيب، فأخبروا عجيبًا به، فقال: ائتوني به. فلما أحضروه بين يديه قال له: من أين جئتَ؟ قال: جئتُكَ من عند ملك العجم والعرب، صهر كسرى ملك الدنيا، وقد أرسل إليك كتابًا فَرُدَّ جوابه. فقال له عجيب: هات الكتاب. فأعطاه إياه ففكَّه وقرأه فوجد فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، السلام على الخليل إبراهيم، أما بعدُ؛ فساعة وصول الكتاب إليك توحِّد المَلِك الوهَّاب، مسبِّب الأسباب، ومسيِّر السحاب، وتترك عبادة الأصنام، فإن أسلمتَ كنتَ أخي والحاكم علينا، وأترك لك ذنب أبي وأمي، ولا أؤاخذك بما فعلتَ، وإن لم تفعل ما أمرتُكَ به قطعتُ عنقك وأخربتُ ديارك وعجلت عليك، وقد نصحتك والسلام على مَن اتَّبَع الهدى، وأطاع الملك الأعلى.»
فلما قرأ عجيب كلام غريب وفهم ما فيه من التهديد، صارت عيناه في أم رأسه، وقرش على أضراسه واشتدَّ غضبه، ثم مزَّقَ الكتاب ورماه، فصعب على سهيم فصاح على عجيب وقال له: شلَّ الله يدك بما فعلتَ. فصاح عجيب على قومه وقال: امسكوا هذا الكلب وقطِّعوه بسيوفكم. فهجموا على سهيم، فسحب سهيم سيفه وبطش بهم، فقتل منهم ما يزيد على خمسين بطلًا، ومرق سهيم حتى وصل إلى أخيه وهو غاطس في الدم، فقال له غريب: أي شيء هذا الحال يا سهيم؟ فحكى له ما جرى، فصاح غريب: الله أكبر. وامتزج بالغضب، ودقَّ طبل الحرب، وركب الأبطال، واصطف الرجال، واجتمع الأقران ورقَّصوا الخيل في المجال، ولبس الرجال الحديد والزرد النضيد، وتقلَّدوا بالسيوف، واعتقلوا الرماح الطوال، وركب عجيب بقومه وحملت الأمم على الأمم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.