فلما كانت الليلة ٦٣٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن عجيبًا لما أراد قتل غريب نهض الوزير وقال: لا تعجل، فإننا متمكِّنون من قتله. فأمر عجيب لأخيه بقيدين وغلَّيْن وجعله في خيمته وحرَّس عليه ألف بطل شدادًا، وأصبح قوم غريب فاقدين ملكهم فلم يجدوه، فلما أصبح الصباح صاروا غنمًا من غير راعٍ، فصاح سعدان الغول وقال: يا قوم، البسوا آلة حربكم وتوكَّلوا على ربكم، يدفع عنكم. فركب العرب والعجم خيولَهم بعد أن لبسوا الحديد، وتسربلوا بالزرد النضيد، وبرزت السادات، وتقدَّمَ أصحاب الرايات، فعند ذلك برز غول الجبل وعلى كتفه عمود وزنه مائتا رطل، فجال وصال وقال: يا عَبَدة الأصنام، ابرزوا اليومَ فإنه يوم الاصطدام، مَن عرفني فقد اكتفى شري، ومَن لم يعرفني فأنا أعرِّفه بنفسي، أن سعدان غلام الملك غريب، هل من مبارز؟ هل من مناجز؟ لا يأتِني اليومَ جبان ولا عاجز؟ فبرز له بطل من الكفار، كأنه شعلة من نار، فحمل على سعدان فتلقَّاه سعدان وضربه بالعمود، فكسر أضلاعه ووقع على الأرض ليس فيه روح، فصاح على أولاده وعبيده وقال لهم: أشعلوا النار فكلُّ مَن وقع من الكفار اشووه وأصلحوا شأنه ونضِّجوه بالنار، وقدِّموه إليَّ حتى أتغدَّى به. ففعلوا ما أمرهم به وأطلقوا النار في وسط الميدان، وطرحوا ذلك المقتول في النار حتى استوى، فقدَّموه لسعدان، فنهش لحمه ومرمش عظمه، فلما نظر الكفار ما فعل غول الجبل، فزعوا فزعًا شديدًا، فصاح عجيب على قومه وقال: ويلكم، فاحملوا على هذا الغول واضربوه بسيوفكم وقطِّعوه. فحمل عشرون ألفًا على سعدان ودارت حوله الرجال، ورشقوه بالنبال والنشاب، فصار فيه أربعة وعشرون جرحًا، وجرى دمه على الأرض وصار وحده، فعند ذلك حملت أبطال المسلمين على المشركين، واستغاثوا برب العالمين، ولم يزالوا في حرب وقتال حتى فرغ النهار، فافترقوا من بعضهم وقد أُسِر سعدان وهو مثل السكران من نزيف الدم، وشدوا وثاقه وأضافوه إلى غريب. فلما نظر غريب إلى سعدان وهو أسير قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وقال له: يا سعدان، ما هذا الحال؟ فقال: يا مولاي، حكم الله سبحانه وتعالى بالشدة والفرج، ولا بد من هذا وهذا. قال: صدقتَ يا سعدان. وبات عجيب وهو فرحان وقال لقومه: اركبوا غدًا واهجموا على عسكر المسلمين حتى لا يبقى منهم بقية. فقالوا: سمعًا وطاعةً.
وأما ما كان من أمر المسلمين، فإنهم باتوا وهم منهزمون باكون على ملكهم وعلى سعدان، فقال لهم سهيم: يا قوم، لا تهتموا، ففرج الله تعالى قريب. ثم صبر سهيم إلى نصف الليل، وتوجَّهَ إلى عسكر عجيب، ولم يزل يخترق المضارب والخيام حتى وجد عجيبًا جالسًا على سرير عزِّه والملوك حوله، كلُّ هذا وسهيم في صفة فرَّاش، وتقدَّمَ إلى الشمع الموقود وقطف زهرته وأشعله بالبنج الطيار، وخرج منه خارج السرادق، وصبر ساعة حتى طلع دخان البنج على عجيب وملوكه، فوقعوا على الأرض كأنهم موتى، فتركهم سهيم وأتى إلى خيمة السجن، فوجد فيها غريبًا وسعدان، ووجد عليها ألف بطل وقد غلبهم النعاس، فصاح عليهم سهيم وقال: ويلكم لا تناموا واحتفظوا على غريمكم وأوقدوا المشاعل. ثم أخذ سهيم مشعلًا وأشعله بالحطب وملأه بنجًا، ودار حول الخيمة، فطلع دخان البنج ودخل في خياشيمهم، فرقدوا جميعهم وتبنج جميع العسكر من دخان البنج فرقدوا، وكان مع سهيم الليل الخلُّ في إسفنجة، فنشقهما حتى أفاقَا وقد حلهما من السلاسل والأغلال، فنظرا إلى سهيم ودعوا له وفرحَا به، ثم خرجوا وحملوا جميع السلاح من الحراس، وقال لهم: امضوا إلى عسكركم. فساروا ودخل سهيم إلى سرادق عجيب ولفه في برده وحمله وسار قاصدًا خيام المسلمين، وقد ستر عليه الرب الرحيم حتى وصل إلى سرادق غريب وحلَّ البردة، فنظر غريب إلى ما في البردة فوجده أخاه عجيبًا وهو مكتَّف، فصاح: الله أكبر، فتح ونصر. ودعا غريب لسهيم وقال: يا سهيم نبِّهْه. فتقدَّمَ وأعطاه الخلَّ من الكندز، فأفاق من البنج وفتح عينيه، فوجد روحه مكتَّفًا مقيَّدًا، فأطرق رأسه إلى الأرض. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.