فلما كانت الليلة ٦٤٠
قال: بلغني أيها الملك السعيد، أن عجيبًا لما قبضه سهيم وبنَّجَه، جاء به عند أخيه غريب ونبَّهَه، ففتح عينَيْه فوجد نفسه مكتَّفًا مقيَّدًا، فأطرق رأسه إلى الأرض، فقال له: يا ملعون، ارفع رأسك. فرفع رأسه فوجد نفسه بين عجم وعرب، وأخوه جالس على سرير ملكه ومحل عزِّه، فسكت ولم يتكلم، فصاح غريب وقال: أعروا هذا الكلب. فأعروه ونزلوا عليه بالسياط حتى أضعفوا جسمه وأخمدوا حسه، وحرس عليه مائة فارس، فلما فرغ غريب من عذاب أخيه، سمعوا التهليل والتكبير في خيام الكفار، وكان السبب في ذلك أن الملك الدامغ عم غريب، لما رحل غريب من عنده من الجزيرة أقام بعد رحيله عشرة أيام، ثم ارتحل بعشرين ألف فارس، وسار حتى صار قريبًا من الوقعة، فأرسل ساعي ركابه يكشف له الأخبار، فغاب يومًا ثم عاد وأخبر الملك الدامغ بما جرى لغريب مع أخيه، فصبر حتى أقبل الليل ثم كبَّرَ على الكفار ووضع فيهم الصارم، فسمع غريب وقومه التكبير، فصاح غريب على أخيه سهيم الليل وقال له: اكشف لنا خبر هذا العسكر، وما سبب هذا التكبير؟ فذهب سهيم حتى قرب من الوقعة وسأل الغلمان، فأخبروه أن الملك الدامغ عم غريب وصل في عشرين ألف فارس وقال: وحقِّ الخليل إبراهيم ما أترك ابن أخي، بل أعمل عمل الشجعان، وأردع القوم الكافرين، وأرضي الملك الجبَّار. ثم هجم بقومه في ظلام الليل على القوم الكَفَرة، فرجع سهيم إلى أخيه غريب وأخبره بما عمل عمه، فصاح على قومه وقال لهم: احملوا سلاحكم واركبوا خيولكم وساعدوا عمي. فركب العسكر وهجموا على الكفار ووضعوا فيهم الصارم البتار، فما أصبح الصباح حتى قتلوا من الكفار نحو خمسين ألفًا، وأسروا نحو ثلاثين ألفًا، وانهزم باقيهم في الأرض طولًا وعرضًا، ورجع المسلمون مؤيَّدين منصورين، وركب غريب ولاقى عمه الدامغ وسلَّمَ عليه وشكره على فعله، وقال الدامغ: يا ترى هذا الكلب وقع في هذه الوقعة؟ فقال غريب: يا عم، طبْ نفسًا وقرَّ عينًا، واعلم أنه عندي مربوط. ففرح الدامغ فرحًا شديدًا، ودخلوا الخيام وترجَّل الملكان ودخلَا السرادق فما وجدا عجيبًا، فصاح غريب وقال: يا جاه إبراهيم الخليل عليه السلام. ثم قال: يا له من يوم عظيم ما أشنعه! وصاح على الفراشين وقال: يا ويلكم أين غريمي؟ فقالوا: لما ركبتَ وسرنا حولك لم تأمرنا بسجنه. فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فقال له عمه: لا تعجل ولا تحمل همًّا، فأين يروح ونحن له في الطلب؟
وكان السببَ في هروب عجيبٍ غلامُه سيَّار، فإنه كان في العسكر كامنًا، فما صدق بركوب غريب وما ترك في الخيام مَن يحرس غريمه، فصبر وأخذ عجيبًا وحمله على ظهره، وتوجَّهَ إلى البر وعجيب مدهوش من ألم العذاب، ثم سار به يجدُّ السيرَ من أول الليل إلى ثاني يوم حتى وصل به إلى عين ماء عند شجرة تفاح، فنزَّلَه عن ظهره وغسل وجهه، ففتح عينَيْه فوجد سيَّارًا، فقال له: يا سيَّار، رح بي الكوفة حتى أفيق وأجمع الفرسان والجيوش والعساكر وأقهر بها عدوي، واعلم يا سيَّار أني جوعان. فنهض سيَّار إلى الغابة واصطاد فرخ نعام، وأتى به مولاه وذبحه وقطعه، وجمع الحطب وقدح الزناد وأشعل النار وشواه، وأطعمه وسقاه من العين، فرُدَّتْ روحه، ومضى سيَّار إلى بعض أحياء العرب وسرق منهم جوادًا وأتى به عجيبًا، فأركبه وقصد به الكوفة، فسارَا أيامًا حتى وصلَا قريبًا من المدينة، فخرج النائب لملتقى الملك عجيب وسلَّمَ عليه، فوجده ضعيفًا من العذاب الذي عذَّبَه إياه أخوه، فدخل المدينة ودعا الملك بالحكماء فحضروا، فقال لهم: داووني في أقل من عشرة أيام. فقالوا: سمعًا وطاعةً. وجعل الحكماء يلاطفون عجيبًا حتى شفي وتعافى من المرض الذي كان فيه ومن العذاب، ثم أمر وزيره أن يكتب الكتب إلى جميع النوَّاب، فكتب واحدًا وعشرين كتابًا وأرسلهم إليهم، فجهَّزوا العساكر وقصدوا الكوفة مُجِدِّين السير. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.