فلما كانت الليلة ٦٤٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجمرقان لما أسلم قبَّلَ الأرض بين يدي غريب، فبينما هم كذلك وإذا بغبار قد ثار حتى سد الأقطار، فقال غريب: يا سهيم، اكشف لنا خبر هذا الغبار. فخرج مثل الطير إذا طار، وغاب ساعة ثم عاد وقال: يا ملك الزمان، هذا غبار بني عامر أصحاب الجمرقان. فقال له: اركب ولاق قومك واعرض عليهم الإسلام، فإن أطاعوك سلموا وإن أَبَوْا أعملنا فيهم الحسام. فركب الجمرقان وساق جواده حتى لاقاهم وصاح عليهم، فعرفوه ونزلوا عن الخيل وأَتَوْا على أقدامهم وقالوا: قد فرحنا بسلامتك يا مولانا. فقال: يا قوم، مَن أطاعني نجا، ومَن خالفني قصمته بهذا الحسام. فقالوا له: مُرنا بما شئتَ، فإننا لا نخالف لك أمرًا. قال: قولوا معي: لا إله إلا الله إبراهيم خليل الله. فقالوا: يا مولانا، من أين لك هذا الكلام؟ فحكى لهم ما جرى له مع غريب وقال لهم: يا قوم، أَمَا تعلمون أني معادل بكم في حومة الميدان ومقام الحرب والطعان؟ وقد أسرني فرد إنسان وأذاقني الذل والهوان. فلما سمع قومه كلامه نطقوا بكلمة التوحيد، ثم توجَّهَ بهم الجمرقان إلى غريب وجددوا إسلامهم بين يديه، ودعوا له بالنصر والعز بعد أن قبَّلوا الأرض، ففرح بهم وقال لهم: امضوا إلى حيِّكم واعرضوا عليهم الإسلام. فقال الجمرقان وقومه: يا مولانا، ما بقينا نفارقك، ولكن نروح نجيء بأولادنا ونأتي إليك. فقال غريب: يا قوم، امضوا والحقوني في مدينة الكوفة. فركب الجمرقان وقومه حتى وصلوا حيَّهم وعرضوا على حريمهم وأولادهم الإسلام فأسلموا عن آخرهم، وهدوا البيوت والخيام، وساقوا الخيل والجمال والغنم وساروا إلى نحو الكوفة، وسار غريب، فلما وصل إلى الكوفة لاقاه الفرسان بموكب، ثم دخل قصر الملك وجلس على تخت أبيه، ووقفت الأبطال ميمنة وميسرة، ودخل عليه الجواسيس وأخبروه أن أخاه وصل إلى الجلند بن كركر صاحب مدينة عمان وأرض اليمن؛ فلما سمع غريب خبر أخيه صاح على قومه وقال: يا قوم، خذوا أهبتكم للسفر بعد ثلاثة أيام. وعرض على الثلاثين ألفًا الذين أسروهم أول الوقعة الإسلام والسير معهم، فأسلم منهم عشرون ألفًا وأبَى عشرة آلاف فقتلهم، ثم قدم الجمرقان وقومه وقبَّلوا الأرض بين يديه وخلع عليهم الخلع السنية، وجعله مقدم الجيش وقال: يا جمرقان، اركب في كبار بني عمك وعشرين ألف فارس وسِرْ في مقدم العسكر، واقصد بلاد الجلند بن كركر صاحب مدينة عمان. فقال: السمع والطاعة. فتركوا حريمهم وأولادهم في الكوفة ورحلوا.
ثم تفقَّدَ حريم مرداس، فوقعت عينه على مهدية وهي بين النساء، فوقع مغشيًّا عليه، فرشوا على وجهه ماء الورد، فلما أفاق اعتنقها ودخل بها قاعة الجلوس، ثم جلس معها ونامَا من غير زنًى حتى أصبح الصباح، فخرج وجلس على سرير ملكه وخلع على عمه الدامغ وجعله نائبًا على العراق جميعه، وأوصاه على مهدية حتى يرجع من غزوة أخيه، فامتثل أمره، ثم رحل في عشرين ألف فارس وعشرة آلاف راجل، وسار متوجِّهًا إلى أرض عمان وبلاد اليمن، وكان عجيب قد وصل مدينة عمان بقومه وهم منهزمون، وقد ظهر لأهل عمان غبارهم، فنظر الجلند بن كركر ذلك الغبار، فأمر السعاة أن يكشفوا له الخبر، فغابوا ساعةً ثم عادوا وأخبروه أن هذا غبار ملكٍ يقال له عجيب صاحب العراق، فتعجَّبَ الجلند من مجيء عجيب إلى أرضه، فلما صحَّ ذلك عنده قال لقومه: اخرجوا ولاقوه. فخرجوا ولاقوا عجيبًا ونصبوا له الخيام على باب المدينة، وطلع عجيب إلى الجلند وهو باكٍ حزين القلب، وكانت بنت عم عجيب زوجةَ الجلند وله أولاد منها، فلما نظر صهره وهو في هذه الحالة قال له: أَعْلِمْني ما خبرك؟ فحكى له جميع ما جرى له من أوله إلى آخره مع أخيه، وقال له: يا ملك، إنه يأمر الناسَ بعبادة رب السماء، وينهاهم عن عبادة الأصنام وغيرها من الآلهة. فلما سمع الجلند هذا الكلام طغى وبغى وقال: وحق الشمس ذات الأنوار، لا أُبْقِي من قوم أخيك ديَّارًا، فأين تركتَ القوم؟ وكم هم؟ قال: تركتهم بالكوفة، وهم خمسون ألف فارس. فصاح على قومه وعلى وزيره جوامرد وقال له: خذ معك سبعين ألف فارس، واذهب إلى المسلمين وائتني بهم بالحياة حتى أعاقبهم بأنواع العذاب. فركب جوامرد بالجيش قاصدًا الكوفة أول يوم وثاني يوم إلى سابع يوم، فبينما هم سائرون إذ نزلوا على وادٍ ذي أشجار وأنهار وأثمار، فأمر جوامرد قومَه بالنزول. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.