فلما كانت الليلة ٥٤٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السندباد البحري ورفقته لما رأوا هذا الشخص الهائل الصورة، حصل لهم غاية الخوف والفزع، فلما نزل على الأرض جلس قليلًا على المصطبة، ثم إنه قام وجاء عندنا، ثم إنه قبض على يدي من بين أصحابي التجار، ورفعني بيده عن الأرض، وجسَّني وقلَّبني، فصرت في يده مثل اللقمة الصغيرة، وصار يجسني مثل ما يجس الجزَّار ذبيحةَ الغنم، فوجدني ضعيفًا من كثرة القهر، هزيلًا من كثرة التعب والسفر، وليس فيَّ شيء من اللحم، فأطلقني من يده، وأخذ واحدًا غيري من رفقتي وقلَّبَه كما قلَّبَني، وجسَّه كما جسَّني وأطلقه، ولم يزل يجسنا ويقلِّبنا واحدًا بعد واحد إلى أن وصل إلى ريس المركب الذي كنَّا فيه، وكان رجلًا سمينًا غليظًا، عريض الأكتاف، صاحب قوة وشدة، فأعجبه وقبض عليه مثل ما يقبض الجزار على ذبيحته، ورماه على الأرض، ووضع رجله على رقبته، فقصف رقبته، وجاء بسيخ طويل فأدخله في حلقه حتى أخرجه من دُبُره، وأوقد نارًا شديدة، وركب عليها ذلك السيخ الذي مشكوك فيه الريس، ولم يزل يقلبه على الجمر حتى استوى لحمه، وأطلعه من النار وحطَّه قدامه، وفسخه كما يفسخ الفرخةَ الرجلُ، وصار يقطع لحمه بأظافره، ويأكل منه، ولم يزل على هذه الحالة حتى أكل لحمه، ونهش عظمه، ولم يُبْقِ منه شيئًا، ورمى باقي العظام في جنب القصر. ثم إنه جلس قليلًا وانطرح ونام على تلك المصطبة، وصار يشخر مثل شخير الخروف أو البهيمة المذبوحة، ولم يزل نائمًا إلى الصباح، ثم قام وخرج إلى حال سبيله. فلما تحقَّقْنا بُعْدَه، تحدَّثنا مع بعضنا، وبكينا على أرواحنا، وقلنا: يا ليتنا غرقنا في البحر، أو أكلتنا القرود خير من شيِّ الإنسان على الجمر، والله إن هذا الموت موت رديء، ولكنْ ما شاء الله كان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لقد متنا كمدًا، ولم يدرِ بنا أحدٌ، وما بقي لنا نجاة من هذا المكان.
ثم إننا قمنا وخرجنا إلى الجزيرة لننظر لنا مكانًا نختفي فيه أو نهرب، وقد هان علينا أن نموت ولا يُشوَى لحمنا بالنار، فلم نجد مكانًا نختفي فيه، وقد أدركنا المساء، فعدنا إلى القصر من شدة خوفنا، وجلسنا قليلًا، وإذا بالأرض قد ارتجَّتْ من تحتنا، وأقبل علينا ذلك الشخص الأسود، وجاء عندنا، وصار يقلِّبنا واحدًا بعد واحد مثل المرة الأولى، ويجسنا حتى أعجبه واحد، فقبض عليه، وفعل به مثل ما فعل بالريس في أول يوم، فشواه وأكله على تلك المصطبة، ولم يزل نائمًا في تلك الليلة وهو يشخر مثل الذبيحة، فلما طلع النهار قام وراح إلى حال سبيله، وتركنا على جري عادته، فاجتمعنا ببعضنا وتحدَّثْنا، وقلنا لبعضنا: والله أن نُلقِي أنفسنا في البحر ونموت غرقًا خيرٌ من أن نموت حرقًا؛ لأن هذه قتلة شنيعة. فقال واحد منا: اسمعوا كلامي، إننا نحتال عليه، ونرتاح من همه، ونريح المسلمين من عدوانه وظلمه. فقلت لهم: اسمعوا يا إخواني، إن كان ولا بد من قتله، فإننا نحول هذا الخشب، وننقل شيئًا من هذا الحطب، ونعمل لنا فلكًا مثل المركب، وبعد ذلك نحتال في قتله، وننزل في الفلك، ونروح في البحر إلى أي محل يريده الله، وإننا نقعد في هذا المكان حتى يمر علينا مركب فننزل فيه، وإن لم نقدر على قتله ننزل ونروح في البحر، ولو كنا نغرق فنرتاح من شيِّنا على النار، ومن الذبح، وإنْ سلمنا سلمنا، وإنْ غرقنا متنا شهداء. فقالوا جميعًا: والله هذا رأي سديد، وفعل رشيد. واتفقنا على هذا الأمر، وشرعنا في فعله، فنقلنا الأخشاب إلى خارج القصر، وصنعنا فلكًا، وربطناه على جانب البحر، ونزلنا فيه شيئًا من الزاد، وعدنا إلى القصر.
فلما كان وقت المساء، وإذا بالأرض قد ارتجَّتْ بنا، ودخل علينا الأسود وهو كأنه الكلب العقور، ثم قلَّبَنا، وجسَّنا واحدًا بعد واحد، فأخذ واحدًا منَّا وفعل به مثل ما فعل بسابقه، وأكله ونام على المصطبة، وصار شخيره مثل الرعد، فنهضنا وقمنا، وأخذنا سيخين من حديد من الأسياخ المنصوبة، ووضعناهما في النار القوية حتى احمَرَّا وصارَا مثل الجمر، وقبضنا عليهما قبضًا شديدًا، وجئنا بهما إلى ذلك الأسود وهو نائم يشخر، ووضعناهما في عينَيْه، واتكأنا عليهما جميعًا بقوتنا وعزمنا، فأدخلناهما في عينيه وهو نائم، فانطمستا، وصاح صيحة عظيمة، فارتعبَتْ قلوبنا، ثم قام من فوق تلك المصطبة بعزمه، وصار يفتش علينا، ونحن نهرب منه يمينًا وشمالًا، ولم ينظرنا وقد عمي بصره؛ فخفنا منه مخافةً شديدة، وأيقنَّا في تلك الساعة بالهلاك، وآيسنا من النجاة، فعند ذلك قصد الباب وهو يحسس، وخرج منه وهو يصيح، ونحن في غاية الرعب منه، وإذا بالأرض ترتجُّ من تحتنا من شدة صوته، فلما خرج من القصر تبعناه، وراح إلى حال سبيله، وهو يدور علينا، ثم إنه رجع ومعه أنثى أكبر وأوحش خلقةً، فلما رأيناه والتي معه أفظع حالةً منه، خفنا غاية الخوف، فلما رأونا أسرعنا ونهضنا فككنا الفلك الذي صنعناه، ونزلنا فيه ودفعناه في البحر، وكان مع كل واحد منهما صخرة عظيمة، وصارا يرجماننا بها إلى أن مات أكثرنا من الرجم، وبقي منَّا ثلاثة أشخاص؛ أنا واثنان. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.